رعب استنساخ البشر

رعب استنساخ البشر

ملامح من قرن مضى
في مؤتمر دولي بواشنطن

في هذا المؤتمر، دافع العالم ويلموت عن نعجته المستنسخة "دولي" وعارض استنساخ البشر، لكن عالماً آخر اسمه ريتشارد سيد اعلن عن انشاء عيادة للاستنساخ البشري.. !

لاشك في أن القرن الذي نصل إلى خاتمته خلال أيام معدودة، هو قرن الاختراقات العلمية الكبرى، ومن ثم قرن الإنجازات التقنية المذهلة التي شُيّدت على قاعدة من كشوفات العلوم، فالكشف عمّا دون الذرة كان قاعدة لانطلاق صناعة الإلكترونيات والتفجّرات النووية، وتدفق الليزر، والتطلع إلى آفاق المجرة قاد إلى إنجاز أسطورة رحلات الفضاء والمشي على القمر، وسبر أغوار المريخ، وهذا وذاك أدّيا إلى ثورة الاتصالات الفضائية التي حوّلت أرضنا إلى قرية كونية صغيرة، أما الكشف عن أسرار مادة الوراثة فقد مهّد الطريق الواسع الخطير للهندسة الوراثية لاستنباط أنواع حية جديدة، والوصول إلى استنساخ الكائنات دون تزاوج. وكان توظيف الذكاء الطبيعي للبشر وسيلة لإنجاز حواسيب عالية القدرة تنهض بمهام الذكاء الاصطناعي، وتنطلق به ليسرّع وتيرة اكتشافات العلوم وإنجازات التقنية العالية، ويفجّر أقصى الطاقات لصعود هذا الذكاء الاصطناعي ذاته.

ومع ذلك، فإن هذا لم يرفع عن كاهل البشر أعباء التعاسة، فمشاكل البيئة في تفاقم، وأسلحة الدمار تزداد فتكاً، وشرور النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية في ازدياد، وأخطر من ذلك تأتي الآثار الجانبية السلبية لاكتشافات العلوم وإنجازات التكنولوجيا معاً.

لاشك في أن العلم نور، والتقنية خير، لكن هذا الخير وذلك النور لا صفاء ولا كفاية فيهما إلا ببعض الحكمة وروح النقد، ومن هذه الزاوية اخترنا أن نودّع هذاالقرن.. قرن العلوم، بلمحات من التحسّب وبعض الأسئـلة التي تطرحها مواد هذا الملف.

في المحاضرة الافتتاحية استهل نجم المؤتمر "إيان ويلموت" حديثه بوصف علمي دقيق لتقنية نقل وزرع الأنوية، ثم أفاض علينا ببعض المعلومات والأسرار التي لم تذع من قبل عن الصعوبات التي واجهته وزملاءه خلال تجاربه، ثم استعرض كيف يمكن أن نزاوج بين الهندسة الوراثية والاستنساخ في إنتاج حيوانات عبر وراثية مستنسخة، وأهمية ذلك للمجتمع البشري، وفجّر قضية مهمة أن الفأر لا يصلح، في كل الأحوال، نموذجاً تطبيقياً للإنسان، حيث ثبت له أن جينات النعاج أقرب للإنسان من جينات الفأر، وأضاف: إننا نبحث عن الحيوان الذي تتشابه فسيولوجية جيناته مع فسيولوجية جينات الإنسان، وأنهى محاضرته بكلمة واضحة وقاطعه قائلاً: "إنه لا يشجع ولا يؤيد استنساخ البشر".

وتوالت المداخلات ثم جاءت المحاضرة الأخطر في هذا المؤتمر، والتي تمثّل ثورة ضد الأخلاقيات البيولوجية، تلك التي قدمها جريجوري ستوك "Gregory Stock" والذي يعمل مديراً لبرنامج العلم والتكنولوجيا بجامعة كاليفورنيا، وتدور معظم أبحاثه حالياً على الهندسة الوراثية للخط الجرثومي البشري، في البداية، قدم تعريفاً للخط الجرثومي ثم عرض للصعوبات التقنوية التي واجهتهم في العلاج الجيني باستخدام الخلايا التناسلية، وأعاد مراراً وتكراراً أن المعالجة الجينية باستخدام الخلايا التناسلية أكثر فائدة من العلاج الجيني باستخدام الخلايا الجسدية. وتساءل: لماذا التخوّف من أبحاث الخط الجرثومي البشري؟ وطالب بضرورة مناقشة الآراء العلمية والأخلاقية التي تؤيد، وكذلك التي تعارض هندسة الخط الجرثومي، وفي النهاية، وجّه رسالة شديدة اللهجة إلى الهيئات المختلفة التابعة للأمم المتحدة بضرورة التأني قبل رفض أو منع التعامل مع تقنية معينة، ودراسة أوجه التقنية سلباً وإيجاباً، ثم وجّه حديثه لأعضاء الكونجرس في أمريكا قائلا إنه آن الأوان للولايات المتحدة الأمريكية أن تقاوم أي جهود يقوم بها اليونسكو أو أي مؤسسات دولية أخرى لوقف تقنية هندسة الخلايا التناسلية.

وطالب بضرورة عرض الموضوع للمناقشة الجادة، وغير المسبقة بالرفض، وعرض فوائد ومضار هذه التقنية على الجمهور، وحتى لا نمر بالمأزق نفسه الذي مرّ به الاستنساخ بعد الإعلان عن النعجة دوللي.

أغراض نبيلة وأخرى غير ذلك

إنني أتوقع أن يكون العلاج الجيني هو أهم قفزة في تاريخ العلاج الطبي في القرن القادم، حيث إن النجاح في حقن جينات منتقاة بعناية في خلايا المريض يمكن أن يشفي كثيراً من الأمراض أو على الأقل يخفف من آلامها، وحتى الآن فإننا لم نصل للفهم الكامل للأسس الفسيولوجية لعمل الجينات التي تسبب الكثير من الأمراض، ومع الانتهاء من مشروع الجينوم البشري، سيتمكن العلماء من تحديد أماكن وجود أكثر من 99% من جينات الإنسان على الكروموسومات علاوة على التعرّف على وظيفة كل جين منها، بهذه الكلمات، بدأ فرنش أندرسون مدير مختبرات المعالجة الجينية تعليقه، وأضاف: لا تكتمل مناقشة العلاج الجيني مالم نتطرق إلى جوانبه الأخلاقية، لأنه كما أنه لدينا القدرة على إحلال جين سليم محل جين معيب في الخلية المريضة، فيمكننا أيضاً ولأغراض غير نبيلة عمل العكس، والوجه الآخر يجب عدم تجاهله، يجب ألا ننساق وراء عواطفنا، وتغلفنا السذاجة بأن الجميع ملائكة، ويجب ألا ننسى ما حدث في هيروشيما. وحتى لا ينزلق المجتمع إلى عصر جديد من اليوجينية "تحسين النسل البشري".

وستتفاقم الأمور لو تم السماح بالتعديل الوراثي لخلايا الخط الجرثومي، والذي قد يتسبب بالتأكيد في مشكلات لا نهاية لها لأنها ستمتد عبر الأجيال، يجب أن نكون على حذر ووعي تامّين ونحن نخطو أولى خطواتنا في مجال العلاج الجيني، وأن نضع نصب أعيننا أن هذا المجال قد يستخدم الشر بالنسبة نفسها التي يستخدم فيها الخير.

ومن الابتكارات الجديدة التي يعلن عنها لأول مرة، تخليق كروموسوم صناعي SATAC وهو كروموسوم يتضاعف مع الكروموسومات الطبيعية في الخلية، وقادر على حمل كميات كبيرة من الدنا المصمم بطريقة خاصة، ويمكن نقل هذا الكروموسوم إلى الخلايا بسهولة، وأضاف هنري جيراتس "Henry Geraedts" صاحب الابتكار أن هذه الكروموسومات "Satellite artificial chromosomes"SATAC ، تتكون من تتابعات من Satellite DNA، وتحتوي أيضاً على عناصر وظيفية أخرى مثل السنترومير والتيلوميرات، وأشار إلى أنه يمكن استخدام هذه الكروموسومات في مجالات صحة الحيوان والإنسان والتي تعتمد على العلاج الجيني، واختتم بحثه بأن التقنية تسير بخطى سريعة، وهي الآن على مشارف التطبيق في العلاج الطبي.

وعن تطبيقات إنتاج حيوانات عبر وراثية بهدف معالجة بعض الأمراض العصبية المزمنة كانت الورقة البحثية التي قدمها ستيفن ستايس "Steven Stice" الذي أعلن عن نجاحه وزملائه في زرع خلايا عصبية لأجنة أبقار عبر وراثية في فئران استحدثت بها بعض العيوب الباركنسونية "نسبة لمرض باركنسون" وكانت النتيجة تقبل أنسجة الفئران للخلايا العصبية للبقر علاوة على تحسّن الحالة المرضية للفئران.

وخلص الباحث إلى أن هذه الطريقة قد تساهم في علاج بعض الأمراض التي تصيب المخ البشري، مثل مرض باركنسون، حيث يمكن استخدام خلايا عصبية جنينية لحيوانات عبر وراثية في الإنسان المريض، دون أن يرفضها جسمه.

مستقبل العائلة والشعوب

ومع الموضوع الذي يشغل شعوب العالم عامة، والشعب الأمريكي خاصة، وهو انعكاس تقنيات الهندسة الوراثية والاستنساخ على مستقبل شعوب العالم، وعلى العائلة الأمريكية على وجه الخصوص، استهل محدّثنا البارع عالم البيولوجيا الجزيئية لي سيلفر "Lee Silver" محاضرته باستحداث مصطلح جديد لعلم جديد هو الوراثة التناسلية "Reprogenetics" وهو علم يجمع بين تقنيات الوراثة والإنجاب. وشرح بالتفصيل تقنيات الهندسة الوراثية ذات الصلة بتقنيات الإنجاب، وأشار إلى الاستنساخ، وأنه مع الهندسة الوراثية سيحل الكثير من المشاكل ، ثم استعرض وجهات نظر المؤيدين والمعارضين للاستنساخ البشري والأدلة التي تسوقها كل جبهة، وحيث إنه من جبهة المؤيدين، فقد فنّد آراء المعارضين وردّ عليها بالتفصيل، وأنهى محاضرته بنقاط تستحق التأمل نوجزها فيما يلي:

- سيكون الاستنساخ أحد البدائل الشائعة للإنجاب في القرن الحادي والعشرين.

- لن تحتاج الأنثى بعد الآن للرجل لتحصل على طفل.

- الوراثة التناسلية ستمكن الآباء من انتقاء الصفات التي يريدون استمرارها في أبنائهم وذلك بإزالة غير المرغوب، وإضافة المرغوب من الجينات.

- ستمكننا الوراثة التناسلية من الحصول على طفل، وبالمواصفات التي نريدها.

- الزواج الذي يجمع بين أنثى وأنثى "مصرح به في بعض دول العالم" سيمكّن أصحابه من الإنجاب. ثم اختتم حديثه بأنه يتوقع معارضة شديدة من الأغلبية، وتأييداً من الأقلية، ولكن من المؤكد أن الجميع سيتفق على شيء واحد وهو ضرورة الحوار.

ومن مركز أوريجون لأبحاث الرئيسيات في بيفرتون بالولايات المتحدة الأمريكية والذي أعلن في العام الماضي وبعد الإعلان عن دوللي، عن استنساخ قردين ريزوس، قدمت تانجا دومينيكو "Tanja Dominko وهي من الباحثين الرئيسيين في هذا المركز، ورقة بحثية عن الاستنساخ باستخدام ثدييات من النوع نفسه، والاستنساخ باستخدام نوعين مختلفين من الثدييات، وكيف يمكن استخدام بويضات من البقر لاستقبال أنوية خلايا من النعاج أو الخنازير أو الخيل.

وأشارت الباحثة إلى إيجابيات وسلبيات تقنية نقل وزرع الأنوية في الثدييات، ثم وجهت نقداً شديد اللهجة على بعض المعامل البحثية التي تعلن عن نتائج وهمية لم تحدث، ولا يمكن حدوثها، ثم اختتمت ورقتها البحثية بعدد من الأسئلة الصريحة:

- هل الأجنة التي تنتج من الاستنساخ طبيعية؟ وإذا كان كذلك، ما الدليل عليه؟

- هل تقوم النواة "المحتوى الجيني" التي يتم نقلها إلى البويضة بدورها الطبيعي الذي تقوم به في خليتها الأصلية؟

- لماذا تفشل معظم الأجنة في إكمال نموّها؟

- هل هناك دليل على أن الولائد المستنسخة طبيعية أو ستكون طبيعية؟

وكأن الصراع بين أوربا وأمريكا يأبى إلا أن يمتد إلى المجالات العلمية. ففي ورقة تعرض لقوانين الاتحاد الأوربي الخاصة بالاستنساخ والحيوانات عبر وراثية والأبحاث على الأجنة البشرية، أوضح بريفني باجوت "Breffni Baggot وهو قانوني متخصص في قوانين الابتكارات والاختراعات، ويعد دراسة مقارنة بين أوربا وأمريكا في هذا الشأن، أوضح أن هناك تفاوتاً واختلافاً كبيراً في وجهات النظر بين دول أوربا بعضها البعض، وأيضاً يمتد هذا الخلاف ليشمل الولايات المتحدة الأمريكية، فحتى الآن لا يوجد رأي موحّد بين أمريكا وأوربا ولا حتى رأي موحّد على مستوى أوربا ذاتها.

ثمن استنساخ إنسان

أخذت فكرة احتمال استنساخ البشر تتأكد وتتأصّل في وعي وضمير الناس، لتظهر ردود فعل متضاربة بين العلماء والفلاسفة ورجال الدين والقانون. وكثرت الجبهات المعارضة للاستنساخ، ليس على مستوى البشر، بل على مستوى الحيوان أيضاً، مما عجل بظهور مجموعة من المؤيدين للاستنساخ. وانبرت هذه المجموعة تدافع وبشدة ليس عن الاستنساخ على وجه العموم، ولكن بالتخصيص عن استنساخ البشر، ومن بين هؤلاء لي سيلفر، جريجوري ستوك، ريتشارد دوكينز، هربرت هاوبتمان وجريجوري بنس. وسأعرض هنا لمقتطفات من المحاضرة التي ألقاها جريجوري بنس "Gregory Pence والذي يعمل أستاذاً للفلسفة في جامعة ألاباما، ويعتبر من كبار المهتمين بأخلاقيات الطب والبيولوجيا، إنه واحد من القلائل المتخصصين في أخلاقيات البيولوجيا في أمريكا، الذين عارضوا على الملأ إدانة الرئيس الأمريكي لاستنساخ البشر. وقد ألف كتاباً نشره في عام 1998 بعنوان: مَن يخاف استنساخ الإنسان؟ "Whoصs afraid of Human cloning".

وأوضح بنس أن أحد الأسباب الرئيسية لمهاجمة التقنية الجديدة للإنجاب هو شيوع مصطلح الاستنساخ "Cloning" والذي لم يستخدمه أي باحث أو عالم في ورقته العلمية، لقد انتشر وشاع هذا المصطلح حتى أصبح له دلالات سيئة عند معظم الناس.

وأضاف: لاشيء في الحياة خالياً من المخاطر، بما فيه إنجاب الأطفال، حتى لو وُلد الأطفال بكامل صحتهم، دائماً يخاف الناس من المجهول، بالرغم من أننا معرّضون للمخاطر في كل لحظة. إن تقنيات الإنجاب الجديدة في الإخصاب الطبي المساعد تجري بها ممارسات أكثر خطورة من الاستنساخ. إن الحقن المجهري للحيوان المنوي في البويضة يمثل مخاطر تزيد عن مخاطر الاستنساخ.

أما كلمات المعارضين للاستنساخ من رجال الدين والفلسفة فتلخصها الفقرة التالية لأحد الحضور في المؤتمر:

"إن استنساخ البشر يعتدي بل ويضرب بعنف كل القواعد والنظم التي تحكم العلاقات الصحيحة، ليس فقط بين الرجل والمرأة، أو بين الزوج والزوجة أو بين الآباء والأبناء أو بين الجنس والإنجاب، بل وهذا هو الأخطر بين الإنسان وربّه، بين الإنسان وخالقه، إنه محاولة للتدخل واللعب في التوازن الطبيعي، بين الذكور والإناث، والذي وضعه الخالق، إنه نسف لقاعدة أساسية مستقرة منذ بدء الخليقة وعبر مئات الألوف من السنين حتى هذه اللحظة وهي قاعدة التفرّد، وإذا فقد الإنسان صفة التفرّد فقد معها على الفور تميّزه كإنسان".

إن أول من أعلن عن إنشاء عيادة لاستنساخ الإنسان هو ريتشارد سيد "Richard Seed" والذي سبب ضجة ضخمة في الإعلام الأمريكي المرئي والمقروء بآرائه المتطرفة، وقد كان لي معه حوار طويل لعل مكانه مقال آخر بإذن الله.

وتأكيداً لاتجاه سيد، أنشأت بريجيت بويسليير "Brigitte Boisselier" شركة خاصة لاستنساخ الإنسان، وأعلنت عنها في المؤتمر، وأطلقت على الشركة كلون إىد "Clone aid وأعلنت سعر استنساخ الفرد 200.000 دولار.

حاجتنا إلى معرفة أوضح

وفي الجلسة الختامية للمؤتمر، كانت هناك تعليقات مهمة، منها على سبيل المثال، تعليق فرنش أندرسون رئيس المؤتمر: في بداية استخدامنا للعلاج الجيني اعترض الجميع وحتى عام 1990، ولكنني وقبل أن أقوم بإجراء أول عملية للعلاج الجيني في المستشفى قمت بتغطية إعلامية ساعدتني فيها كل وسائل الإعلام، وشرحت للجمهور ما سنقدم عليه بالتفصيل مع التبسيط، وبذلك عرف الجمهور ماذا سنفعل، وعندما تمت العملية قوبلت باستحسان لأن الجمهور كان قد تفهّم القضية، ولذلك كان ردّ فعله إيجابياً، لكن في حال الاستنساخ، فوجئ العالم كله، ودون مقدمات، بالنعجة دوللي، لم يحدث تمهيد أو عرض مبسّط لما سيتم الإعلان عنه، أو حتى الإقدام عليه "عند إجراء التجارب"، لذلك كان الذهول وكانت الصدمة، وكثرت التساؤلات التي لم يجب أحد على معظمها حتى الآن، ثم فجّر أندرسون قنبلة حين قال: مازالت النتائج العلمية لدوللي لا تعني شيئاً.

ويجب أن تكون مقارنة الاستنساخ بأطفال الأنابيب مقارنة عادلة، نعم، لقد كانت هناك معارضة لأطفال الأنابيب في البداية، ولكن الآن مالا يقل عن 75% من الجمهور قانع تماماً بها، لماذا؟ لأنه تابع النتائج بنفسه ويشاهدها كل يوم، ويراها تحل له كثيراً من المشاكل، ودون أضرار. أما عن الاستنساخ، فماذا ننتظر من الجمهور؟ أن يؤيد تجارب لا يعرف عنها شيئاً؟ ولم ير حتى الآن أي نتيجة إيجابية لها؟ الغالبية لا تعرف شيئاً عن الاستنساخ، ثم نأخذ رأيهم واستطلاعات رأي فيما لا يعرفون؟ هل هناك غباء أكثر من ذلك؟ قبل أن نطلب منهم إبداء الرأي مهم جداً أن نمدّهم بالمعلومات الكافية وبطريقة مبسّطة.

.. وبعد صديقي القارئ، وفي رحلة عودتي من واشنطن إلى القاهرة استرجعت المناقشات ووجدت فكري لا يستطيع أن يتحرّر من شكواهم في أمريكا من نقص المعرفة لدى الجماهير لمستحدثات العصر، إذا كانت هذه شكواهم وهم ملوك الإعلام والاتصال، فما حالنا نحن؟ وماذا نقول؟ أعتقد أننا في حاجة لمواجهة صريحة مع النفس في كل بلادنا العربية، نحن في حاجة إلى ثورة ثقافية شعبية يقودها مثقفون متخصصون لتبسيط ونقل كل ما يجد من مستحدثات، ليس على مستوى العلوم البيولوجية والطبية، بل على مستوى كل العلوم، نحن في حاجة لكل مثقف في تخصصه، كما نهتم بصحة الجسم، فيجب الاهتمام بصحة العقل ليس فقط بعرض بعض الكتب لبعض المثقفين والكتّاب في مختلف التخصصات، بل ومواكبة أحداث العصر ليس على مستوى الكتاب المؤلف بل على مستوى جميع منافذ وسائل الإعلام وعلى رأسها التلفزيون، نحن في حاجة إلى أن يعرف الجمهور كل شيء حتى عندما يؤخذ رأيه في موضوع ما يستطيع أن يوافق أو يرفض بوعي وليس عن جهل، قضية خطيرة تحتاج إلى تحقيق خاص بها.

 

محمد عبدالحميد شاهين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




من اليمين تانجا دومينكو، وهنري جيراتس، جريجوري ستوك ثم الكاتب وأخيرا إبان ويلموت





ألبرت أينشتاين





من اليمين الكاتب، إبان ويلموت ثم مايكل هيرلي رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر













الكاتب مع ريتشارد سيد، الطبيب الأمريكي الذي أعلن عن افتتاح عيادة لاستنساخ البشر





الانفجار الكبير