فشل الاندماج النووي

فشل الاندماج النووي

ملامح من قرن مضى

الحصول على طاقة لا تنضب، تحاكي تلك التي تتوالد داخل الشمس، من الأحلام الكبرى التي رادوت الفيزيائيين في هذا القرن وادّعى البعض تحقيقها، لكن الادّعاء لم يكن صادقاً.. حتى الآن.

يمثل الاندماج النووي، الذي يصنع بريق الشمس، مصدراً مثالياً لطاقة أقل تلويثاً للبيئة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، ويستهلك مادة أولية لا تنفد، وتم تكريس ميزانيات ضخمة للحصول على هذه الطاقة الواعدة، لكن مفاعلات الاندماج لن ترى النور قبل 15 عاماً، ولا يصدق بعض العلماء أن الاندماج حلم قابل للتحقق، رغم الخطوات التي قطعها مشروع دولي ضخم في هذا الاتجاه.

لم يكن رواد الاندماج في الخمسينيات يتوقعون مشاكل بهذا الحجم، لأنه مصدر مثالي للطاقة يعتبر نقيضاً للانشطار النووي المستخدم حالياً في المحطات النووية لتوليد الكهرباء تتفتت خلاله نويات اليورانيوم فتطلق طاقة هائلة يتم تحويلها إلى تيار كهربائي. وعكس ذلك يحدث في الاندماج النووي الذي يوحّد النويات الصغيرة للهيدروجين لتكوين نواة أكبر، وهو تفاعل يطلق أيضاً طاقة ضخمة. ولا يتبقى عن الاندماج نفايات مشعّة كما يحدث في الانشطار، ويمتاز أيضاً بأن الذرات الخفيفة أكثر توافراً من الثقيلة. والمادة الأولية للاندماج، وهي الهيدروجين، توجد في الماء، بينما اليورانيوم، وقود الانشطار، خام نادر، وتوجد عدة طرق لتوليد الطاقة من الاندماج، لكن أكثرها قابلية للتحقق اندماج الدتريوم "الهيدروجين الثقيل" والتريتيوم "نظير الهيدروجين ووزنه الذري 3"، وهما نظيران للهيدروجين تحتوي نواة كل منهما على عدد البروتونات نفسها، لكنها تختلف في عدد النيترونات، وفي الطبيعة، تشتمل أغلب ذرات الهيدروجين على نواة تحتوي على بروتون واحد، لكن 0.015 في المائة من هيدروجين كوكب الأرض تتكون نواته من نترون مرتبط بالبروتون: وهذا النظير المسمى دتريوم يوجد منه 35 ملليجراما في كل لتر ماء في البحر، وينتج عنه في الاندماج ميجاوات ساعة واحد من الكهرباء.

طاقة أعجوبة

إن التريتيوم، هو نظير للهيدروجين تحتوي نواته على بروتون ونيترونين، وهو مشع، بعكس الدتريوم، ولا يوجد في حالته الطبيعية حيث يجب صنعه بتفاعل نووي لنيترون مع الليثيوم وهو عنصر متوافر جداً في التربة وماء البحر، وتكفي مصادره المنجمية في مد كوكب الأرض بالطاقة 1500 عام، وإذا تم استخراج الليثيوم من المحيطات يمكنه تغطية احتياجات البشر خلال عشرة ملايين سنة، وينتج اندماج نواة دتريوم ونواة تريتيوم نواة هيليوم "بروتونان ونيترونان" ونيترون معزول. ويحرر هذا الاندماج طاقة 17.6 ميجا إليكترون فولت "وهو مقياس الطاقة المستخدم في المستوى الذري" ويولد كيلوجرام من الخليط دتريوم- تريتيوم طاقة تناظر ما ينتج عن 250 كيلوجرام يورانيوم مخصب، 17000 برميل بترول، أو 3500 طن فحم.

ولم تكن المسافة بعيدة بين النظرية والتطبيق، لكن على المستوى الذري يكون التدمير أسهل من البناء، والسبب: صعوبة إحداث تقارب كاف بين نويات الدتريوم والتريتيوم لربطها معاً، ولأن شحناتها الكهربائية الموجبة تميل على العكس إلى إبعادها عن بعضها البعض، وللتغلب على هذا التنافر الكهربائي يجب أن تتاح لنويات الدتريوم والتريتيوم طاقة حركية مرتفعة من 15 إلى 20 كيلو إلكترون فولت، يناظرها درجة حرارة للخليط من 150 إلى 200 مليون درجة، وهذه حرارة فلكية: أعلى عشر مرات من درجة حرارة مركز الشمس، وفي هذه الشروط المتطرفة تظل الإلكترونات مرتبطة بالنويات، ويتم الاحتراق اعتماداً على غاز ذي جزيئات مشحونة، ما يطلق عليه "بلازما"، وحتى الحرارة الهائلة لا تكفي لأنه بمجرد انطلاق شرارة الاندماج، داخل المفاعل، يجب أن يحرر الاحتراق طاقة كافية ليغذي نفسه، عند الحصول على البلازما في درجة الحرارة المطلوبة، وهو ما يسمى بـ"الإشعال".

وتعتمد حالات الإشعال في المفاعل على ثلاثة عوامل: درجة حرارة البلازما، وكثافتها، وزمن حصرها، أي الزمن اللازم حتى تبرد من جديد. أي أن المطلوب لحدوث الاندماج، الحصول على بلازما دتريوم وتريتيوم بكثافة كافية، في درجة حرارة مرتفعة بالقدر الكافي، خلال زمن بالطول الكافي، وهذه الشروط متوافرة، في النجوم، وتعتبر الشمس والنجوم مفاعلات عملاقة يتحوّل خلالها الهيدروجين إلى هيليوم محرراً طاقة هائلة على شكل أشعة.

شمس في علبة

كيف يمكن صنع نجم مصغّر، أو شمس، في علبة؟ تقوم الكتلة الهائلة لمادة الكوكب بهذا الدور، حيث تجمع قوة جاذبية الذرات وتنتج الكثافات ودرجات الحرارة اللازمة للاندماج، أما على الأرض، فيجب البحث عن حل آخر لتسخين وضغط النويات، وتم العثور على طريقتين: المجالات الكهرومغناطيسية والليزر.

وكان الاندماج بالليزر بشكل خاص، ويسمى أيضاً "الحصر بالقصور الذاتي"، قد تمت دراسته لأهداف حربية، لأنه ينتج انفجار قنبلة هيدروجينية بمقياس أقل حجماً وبطريقة يمكن التحكم فيها، ويتم تصويب أنواع قوية من الليزر على كبسولة تحتوي على خليط من الدتريوم والتريتيوم، ويشع الليزر الكبسولة، وفي عدة أجزاء من المليار من الثانية، يمدها بطاقة هائلة "تناظر ألف جول"، وتتبخر الكبسولة فوراً فيشتعل الخليط ويتم ضغطه حتى كثافة تتجاوز آلاف المرات كثافة المادة الصلبة، وهذا ما يطلق عليه الاندماج النووي.

ولم تعد الأبحاث حول الاندماج بالليزر "سرية للغاية" بشكل كامل منذ 1990، لكن استغلال هذه التقنية لإنتاج طاقة مازال أمراً بعيد المنال، حيث يجب التوصل إلى إجراء هذه العملية بقذائف متتالية بمعدل من 10 إلى 20 قذيفة في الثانية، بينما يستغرق الليزر أياماً ليبرد، ووضع هدف جديد بشكل مسبق على بعد جزء من عشرة من الملليمتر في حجرة يتم فيها الانفجار النووي في جزء من الثانية.

وتجرى الأبحاث حول الاندماج بحصر القصور الذاتي في منشأتين حربيتين بقذائف نووية: في مختبر ليفيرمور في كاليفورنيا ومشروع ليزر ميجاجول الفرنسي في بوردو.

وفي تقنية الحصر المغناطيسي، تكون البلازما بالكثافة المطلوبة، لكن يلزم المحافظة على الطاقة خلال عدة ثوان، وهذا ما تتيحه المجالات المغناطيسية إذ تحافظ على البلازما مركزة بعيداً عن حوائط الماكينة، لأنه لا توجد مادة يمكنها تحمّل التماس مع وسط بهذه الحرارة المرتفعة.

وأدت تجارب الخمسينيات والستينيات باستخدام المجال المغناطيسي إلى تطوير جهاز "توكاماك" الذي ابتكره عالما الطبيعة السوفييتيان أندريه زاخاروف وإيجور تام، وأثبت جدواه منذ 8691 حتى بعد مواصلة التجارب على ماكينات من أنواع أخرى.

والتوكاماك نطاق من الفراغ على شكل طوق "مثل فطيرة أو إطار سيارة"، حيث يتم إنتاج البلازما، وتنغلق خطوط المجالات المغناطيسية داخله على نفسها من جديد، وتدور البلازما في دائرة لاستبعاد المفقودات من الأطراف، ويوجد عدد من أجهزة التسخين لتوصيل الوقود إلى درجة حرارة الاندماج، مثل تيار حث كهربائي داخل البلازما، حزمة من الذرات المتعادلة، أو موجات كهرومغناطيسية.

اندماج بلا حدود

منذ بداية السبعينيات، تم إنشاء عدد من أجهزة توكاماك في الاتحاد السوفييتي السابق، والولايات المتحدة واليابان وأوربا.

ويمكن تشخيص الوضع الراهن في مجال الاندماج النووي، كما يلخصه ميشيل شاتلييه نائب مدير قسم أبحاث الاندماج في مركز راسات كاداراش الفرنسي: نعرف كيف نشعل البلازما ونوصلها إلى ظروف الاندماج الحراري النووي، والصعوبة الكبيرة، حالياً هي السيطرة على القوة الناتجة.

 

عزت عامر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




بدأت أبحاث الاندماج بالليزر لأغراض حربية





زحل من المركبة فوجير





لتبطين جهاز توكاماك الفرنسي يبحثون عن مواد قادرة على تحمل حرارة تتجاوز 100 مليون درجة مئوية