عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الذكاء.. والماء.. والحكمة

عزيزي القارئ..

القرن العشرون الذي نودعه الآن، هو قرن استثنائي من عمر البشرية، اتسم بالذكاء البشري الحاد الذي تجلى في كم وكيف هائلين من إنجازات العلم والتقنية، وتحققت معه اقتحامات فذة لعوالم كانت ضرباً من الغيب قبيل هذا القرن، هذه الاقتحامات راكمت ابتكارات لسيل من التقنيات الجديدة التي صنعت ثورة حقيقية في نمط حياة الإنسان على الأرض مما يكشف بجلاء عن حدة ذكاء العقل البشري في هذا القرن، لكن ذلك الذكاء المعرفي والتقني لم يستطع إنقاذ البشرية من آلامها المزمنة، بل لعله ساعد على تفاقمها. فالأسلحة باتت أكثر فتكاً وأكثر قدرة على التدمير الشامل، والبيئة تتهاوى في تدهورها، فيما عدد سكان الأرض يزداد وشراهة بعض البشر- الأذكياء خاصة- تصل إلى حد السعار الاستهلاكي الزائد على الحاجة الطبيعية للإنسان. وفي مقابل ذلك يعيش في هذا العالم "الذكي" ـ والبالغ تعداد سكانه ستة مليارات إنسان ـ قرابة المليار إنسان يبيتون جوعى، وأكثر من مليار إنسان بلا مأوى، ومليارا إنسان لا يحصلون على الماء النظيف للشرب. فأي ذكاء هذا إن لم يكن موجهاً لإنقاذ مجموع البشرية من وهاد البؤس الغابر الذي تجدد في قرننا هذا ؟!

وعلى ذكر الماء يبحر استطلاع هذا العدد من العربي في مياه سوريا المهددة، وهو تهديد من تغيرات مناخية تنشر الجفاف من جهة، وتهديد من تبريرات بشرية تعتمد منطق المصالح الذاتية وحدها- من جهة أخرى. والأمران كلاهما من إفرازات هذا القرن "الذكي".

نعم إنه قرن ذكي، لكنه افتقر كثيراً إلى الحكمة، حكمة القلب والروح التي تدرك أن كوكب الأرض شأنه شأن الجسد الإنساني إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، أي بالمعاناة هي الأخرى، وبالتعطل على نحو ما. وهو أمر خليق بالمؤمنين- خاصة في عالمنا الاسلامي- أن يتدبروه، سواء في مراعاة حقوق الجوار والأخوة الدينية والإنسانية، أو في التشارك لإنجازأبحاث مجدية للحصول على الماء من مصادر غير تقليدية. هذا ملمح من ملامح الحكمة الغائبة والتي يتوجب علينا استحضارها، خاصة في هذا الشهر الكريم- شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا وعلى البشرية جمعاء باليمن والبركات.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات