طرائف عربية

طرائف عربية

"أسماء" والجهاد حتى الموت

ثماني سنوات طوال مسفوحة بالدم والعرق والجهاد، وعبدالله بن الزبير على إمرة المسلمين، ثم أخذ ينهزم أمام جحافل عبدالمللك ابن مروان، ولم يعد معه إلا مكة التي يحاصرها الحجاج، وحين طلب منه الحجاج أن يغمد سيفه ويبسط البيعة للأمويين، دخل عبدالله على أمه أسماء بنت أبي بكر وقال:

يا أمي، خذلني الأهل والولد، وأعطاني أعدائي ما أردت من العهد.

الله الله يابني، إن كنت تعلم أنك على حق تدعو إلأيه فامض عليه، وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبدأنت، أهلكت نفسك ومن معك، وإن قلت إنك كنت على حق، فلمّا وهن أصحابك ضعف، فليس هذا فعل الأحرار، كم خلودك في الدنيا؟ ووالله يا ابن الزبير لضربة بالسيف في عزّ أحب إلي من ضربة بالسوط في ذل.

قال عبدالله.

- يا أمّاه، إن قتلني أهل الشام فسوف يمثلون بي ويصلبونني.

فأجابته:

- يابني، إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح، امض غير متردد ولا هيّاب.

كريم من زمن كريم

أصابت الناس مجاعة، ونزل بهم قحط شديد جاع فيه الخلق وأمسكت بخناقهم الفاقة.

قال العرجي الشاعر، وكان كريماً فاعلاً للخير: أعطوا الناس وعليّ ماتعطون. فلم يزل يعطيهم ويطعم الناس حتى عاد الخصب والخير، فبلغ ذلك عشرين ألف دينار، فتعهد بها العرجي.

بلغ الخبر عمر بن عبدالعزيز فقال:

- بيت المال أحق بهذا. فقضى للناس ذلك من بيت مال المسلمين.

عبد الوهاب يستأجر مكتبا

في العام 1944 حوّل الفنان محمد عبدالوهاب شقته في عمارة الإيموبيليا بالقاهرة إلى مكتب لأعماله.

كان توفيق الحكيم يسكن في بنسيون قريب من العمارة ويجلس في الأمسيات قابضاً على عصاه في مقهى صغير أنيق في الدور الأرضي من عمارة الإيموبيليا "تحوّل الآن إلى محل أحذية مثلما تحوّلت هذه الأماكن التي كانت دلالة على رقي المدينة إلى محلات تجارية وبالذات المكتبات منها".

كانت الحرب العالمية على أشدّها، وكانت القاهرة تتعرض لغارات هائلة بين وقت وآخر من الطائرات الألمانية المغيرة.

كان الحكيم إذا ما سمع صفارات الإنذار، نهض مسرعاً حاملاً عصاه، كابساً في رأسه البيريه، صاعداً على السلم في ذعر، لائذاً بالجدران حتى مكتب عبدالوهاب يلوذ به.

ظلت الحالة كذلك طوال زمن الحرب يقتحم الحكيم مكتب عبدالوهاب طوال مدة الغارة، فيستضيفه عبدالوهاب مكرماً وفادته، بالبارد والساخن، والطعام الجاهز الشهي.

وكانت سنوات الحرب بالنسبة للحكيم سنوات من الخير والعطاء الدسم والضيافة المجانية.

آخر أيام الحرب انشغل عبدالوهاب بأفلامه، فأغلق مكتبه مؤقتاً.

كان الحكيم يجلس على المقهى ناظراً للنوافذ المغلقة، متحسّراً على أيام الحرب والضيافة التي لن تعود.

لو طابت لأولئك لطابت لك

دعا هارون الرشيد جمعاً من الناس كان من بينهم الفضيل بن عياد الزاهد المشهور.

وحين دخل الفضيل كان مقنّعاً رأسه بردائه، وحين سأل عن أمير المؤمنين، أشاروا عليه عنه، فتوجه ناحيته وقال له:

يا حسن الوجه، أنت الذي أمْرُ هذه الأمة في يدك وعنقك؟ لقد تقلدت أمراً عظيماً. فبكى الرشيد ثم أعطى لكل رجل عطية من الدراهم الذهبية فكل قبلها إلا الفضيل.

فقال الرشيد: يا أبا علي، إن لم تستحل أخذها، فاعطها ذا دين أو اشبع بها جائعاً أو اكس بها عارياً، فاستعفاه منها ورفض العطية.

فلما خرج أبوعلي، قال له بعضهم: والله لقد أخطأت، ألا أخذتها وصرفتها في أبواب البر?، فأخذ الفضيل لحية الرجل وصاح في وجهه غاضباً، وكان الرجل فقيه البلد:

أنت فقيه البلد والمنظور إليه، وتغلط مثل هذا الغلط؟

الله لو طابت لأولئك لطابت لك.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات