الموقف الأخير للسندباد... درويش الأسيوطي

الموقف الأخير للسندباد...

شعر

واقف...
بين غيب المتاهة والبحر
ترفع أشرعة
مزقتها الطموحات, والريح,
أودى بها الجوع والخوف
والملح والانكسار
واقف
بين حتف المجاعة.. والصبر
معتصما بالنبالة
تكنز بالصدر أزمنة من عقيق الفتوحات
والغزو والانتصار
كنت تمضي بدرب التغرب
مصطحبا وجهها...
حيث ولى بك البحر
وليت وجهك قبلتها
وانثنيت ترتلها في صلاتك
مستفتحا باسم مَن أسكنتك العذابات
والتوق
فاتحة الانتظار...
مستحيل خروجك من لجة الليل والتيه
فالبحر أضحى بلا شاطئين...
وأنت تناور بالفلك وحدك
منفردا باشتياقك
منعزلا عن حدائق بهجتها المستباحة
عن نخلها,
عن شهيق المواويل في نايها,
والنهار..
وحدك الآن والماء..
لاشيء في كفتيك
سوى الخشب البلل الماء
والعطش السرمدي الدوار...
لا شيء غير كنوز يواقيتها بالتواريخ
حين وسطها الجند
وامتص درّتها الأمراء المماليك
علقها (الغز)
أيقونة في بلاط الطواغيت
للاعتبار...
التواريخ في دفتر الأقدمين
يجللها الدمع والخوف والاحتضار...
التواريخ مشنوقة في رواق ارتحالك
منذ تقلدت شعرك معزوفة
في الزمان البوار...
إيه يا سندباد البحار...
أي شطآنك السبع
يخرجك الآن من فلك القصد
يرميك في دورة الارتداد?
وأي البدور الحوامل بالكشف
راحت تراوده الأمسيات الدميمة
عن ضوئه بالرماد...
في الزمان الذي
غادر البحر شطآنه
تستطيل المسافة
يمتد حد المتاهة حتى طموح الحضور
وحتى حدود الغياب...
ربما يسقط المطر المستحيل
- نزيف القصيد -
على شفة الموج
مختلطا بالمداد
إنه الملح...
يسكن أقبية الروح
شطآن جرح ينام على درج القلب,
ملتبسا بالطموحات
متشحا بالعناد..
كيف يا سندباد?...
كيف يدخلك الأمن رغم الرحيل البهيم?
ومن أي بحر من الأبحر المهلكات
يجيء الرشاد?
ليس سهلا على العابرين
من الجمر للجمر
هذ الوقوف...
انها النار
إن سرت...
أو قمت...
أو خالجتك الطيوف
قدر أن تخوض الجحيم
بلا زلة أو شفاعة
قدر أن يصير الوقوف على برزخ الفعل
درءا لحد الشجاعة
فأنت أمام المشيئة لا تملك الرفض...
تقتات خبز امتثالك
حتى تولى السنون المجاعة...

 

درويش الأسيوطي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات