عزيزي القارئ

الإصرار على الديمقراطية

  • .. عزيزي القارئ

ها هي ذي الكويت تقدم المثال كأمة..

أمة عصفت بها يوما رياح سموم لجار ديكتاتور، وعادة ما تتوافر في أعقاب مثل هذه العواصف الشريرة مبررات لإحكام القبضة على الشعوب، لكن الكويت أميرا وحكومة وشعبا أبت إلا أن تكون المثال حيث لا يصح إلا الصحيح. والصحيح الذي رأته الكويت - رغم جراحها - هو الإصرار على الديمقراطية.

وفي سبيل هذه الديمقراطية، الاختيار، لم تخلد الكويت إلى الراحة رغم سعير الصيف، ففي بواكيره كان التهيؤ لتلك الخطوة الكبيرة، وفي ذروته فتح باب الترشيح لانتخابات مجلس الأمة الكويتي السابع، والآن - وفي أعقاب هذا الصيف الحار - تتوهج العملية الانتخابية التي تجري في الخامس من هذا الشهر.

وأهمية تلك الانتخابات - عزيزي القارئ - لا تنحصر في أنها ترسم خطوط مرحلة جديدة للعمل السياسي الداخلي في الكويت بعد اكتشافها لحجم ما يحدق بها من أخطار، لكنها أيضا تشكل عملا يتجاوز حدود الكويت ليحاصر بالمثل الديمقراطي بشاعة الديكتاتورية - أم الشرور جميعا.

وإذا كانت الديمقراطية اختيارا كويتيا يتجسد على أرضها الآن، فإن التنوير رؤية تكاد لا تنفصل عن كل عملية ديمقراطية. لهذا تجد "العربي" وهي تحتفل بخطوة الكويت الديمقراطية الجديدة واجبا عليها أن تقدم التحية إلى أحد صروح الثقافة العربية التي أكملت عامها المئوي في سابقة لم تحدث لأي مطبوعة ثقافية، ونعني بها مجلة "الهلال" التي طالما احتضنت كل روافد الفكر العربي، وساهمت بدور بارز في رحلة التنوير، وكانت المهد الطبيعي الذي برزت فيه كل أقلام الرواد الذين حملوا وهج الفكر الخالص لنهضة الثقافة العربية. فعلى صفحاتها تألقت أقلام طه حسين والعقاد والمازني والجارم ومي زيادة وخليل مطران وبشارة الخوري والرصافي. و "العربي" تتمنى في هذه المناسبة أن يمتد العمر بشقيقتها "الهلال" حتى تكمل دورها البناء.

نعم عزيزي القارئ.. لا انفصام بين الديمقراطية والتنوير، الديمقراطية بما هي ضمان للتنوع الخلاق، والتنوير بما هو استشراف للأفق الأفضل، وما بين التنوع واستشراف الأفق تقدم "العربي" زادها الشهري إلى قرائها في كل قطر عربي.

وفي هذا العدد يتنوع الزاد، فمن الكويت ومسقط العربيتين، حتى كشمير الباكستانية تمضي الاستطلاعات المصورة، ومن استلهام الحضارة العربية في الأندلس حتى قراءة ميكيافيللي من جديد ينساب قطار الفن والفكر. ومن الأمراض النفسجسمية حتى جراحة المناظير يتلمس الطب طريقه. ومن الشيبيات - تلك النباتات المجهولة - حتى أشكال التلوث الخفي تترى صفحات العلوم. ومن تسجيل التاريخ إلى إبداعات المستقبل تجري المراجعات.

وغير ذلك كثير، وضمن الكثير - عزيزي القارئ - لا ننسى فاكهة الروح من قصة وشعر.. حتى يطيب الزاد.