أعجوبة نقل الأشياء عن بُعد عزت عامر

أعجوبة نقل الأشياء عن بُعد

ما تخيله واضعو سيناريوهات أفلام الخيال العلمي حول نقل الأشياء عن بعد, يقترب علماء الفيزياء من بدايات تحقيقه. بالطبع مازال نقل إنسان عبر مسافات طويلة دون وسيلة نقل أمرا بعيدا كل البعد, لكن نقل الذرات والجزيئات عن بعد لم يعد مجرد حلم.

ويقترب العلماء الآن من إحراز نجاحات في نقل أجسام أكبر من الذرات والجزيئات عن بعد teleportation. ويرجع الفضل في هذا النجاح إلى علماء الفيزياء الذين استخدموا ظاهرة فريدة من نوعها يعتبرها البعض أكبر لغز في علم الفيزياء يطلق عليها التعلق entanglement, أي تعلق أو تشابك صفات جسيم ما بصفات جسيم آخر. ويفتح هذا النجاح الطريق واسعا أمام ابتكار نظم اتصال جديدة مبنية على ميكانيكا الكم وتقنيات كمبيوتر أكثر تطورا بكثير من التقنيات المستخدمة حاليا.

كان مؤلفو الخيال العلمي يحاولون استشراف آفاق المستقبل عندما يصورون في أعمالهم شخصا يدخل إلى أسطوانة زجاجية مليئة بالأجهزة ليقف في مركز الأضواء والأشعة مهيئا للانتقال إلى كوكب آخر بسرعة هائلة, كما لو كان ينتقل في اللحظة نفسها. وهذا مجرد خيال بالطبع, رغم وصفه بأنه خيال علمي, لكن علماء الفيزياء, الذين تسابق أعمالهم أكثر الأعمال الأدبية خيالا, لهم رأي آخر فهم يعتقدون أن هذه الأحلام قابلة للتحقق... ومن هذه القاعدة انطلقوا إلى فضاء المستقبل العلمي الرحب.

حتى أينشتين لم يفهمها

علينا قبل أن نبحر مع محاولات العلماء لتحقيق هذا الحلم الذي يبدو مستحيلا أن نبذل بعض الجهد العقلي لاستيعاب معنى هذه الظاهرة اللغز التي كانت نتاجا مبكرا في قوانين نظرية الكم, واختلف العلماء حول فهمها على المستوى النظري فما بالك بإجراء تجارب للتأكد من وجودها وما تحمله من وعود مدهشة في نطاق واسع من المجالات التقنية.

والتعلق ظاهرة حقيقية رغم أن أينشتين قد وصفها بأنها (فعل شبحي على مسافة بعيدة), وهي ظاهرة تمت ملاحظتها بشكل متكرر خلال التجارب, ولم يتم حتى الآن فهم سببها ولا توجد نظرية توضح آلية حدوثها. وإحدى النظريات التي تحاول القيام بهذه المهمة تقول إن الجسيمات على الأرض كانت متماسكة مع بعضها البعض بقوة وتبعا لذلك ظلت صفاتها مترابطة حتى الآن.

وحيث إن البعض يعرّف التعلق entanglement بأنه مصطلح في النظرية الكمية يصف الطريقة التي يمكن لجسيمات المادة أو الطاقة أن ترتبط من خلالها بشكل تبادلي, بغض النظر عن المسافة بين بعضها البعض, أي تصبح بينها علاقة ارتباط متبادل, فقد يكون من الأفضل أن نترجم هذا المصطلح على أنه الارتباط correlation.

و يمكن تقريب فكرة الارتباط هذه بمثال من الحياة اليومية التي تحكمها قوانين الفيزياء العادية وليس فيزياء الكم التي تبحث في العالم ما تحت الذري, فتخيل أنك تشاهد عملية سرقة بنك حيث اللص يوجه مسدسا إلى صراف. إذا نظرت إلى الصراف يمكنك القول ما إذا كان المسدس قد تم إطلاقه أم لا, فلو كان الصراف مازال حيا ولم تحدث له أي إصابات يمكنك التأكد من أنه لم يتم إطلاق المسدس. إذا كان الصراف قد سقط ميتا فإنك تعرف بالتأكيد أنه تم إطلاق المسدس. من جهة أخرى إذا فحصت المسدس وعرفت أنه قد تم إطلاق رصاصة منه يمكنك القول إن الصراف قُتل. يمكننا هنا القول بوجود ارتباط مباشر بين حالة المسدس وحالة الصراف, حيث (إطلاق المسدس) يعني (وفاة الصراف), طبعا يحدث كل ذلك إذا كان المسدس موجها إلى قلبه أو رأسه بحيث تكون الطلقة قاتلة مع اعتبار أن اللص يطلق مسدسه للقتل وأن تصويبه لا يخيب أبدا, والعكس بالطبع صحيح (عدم إطلاق المسدس) يعني أن (الصراف حي).

هذه الحالة وأمثالها في عالمنا المألوف أمر يسهل فهمه, لكن في عالم الأشياء غير المرئية على المستوى الذري وهو العالم الذي تصفه ميكانيكا الكم, ليست الأمور دائما بهذه البساطة. تخيل ذرة تحدث لها عملية انحلال إشعاعي خلال زمن محدد أو لا يحدث لها ذلك, لنا أن نتوقع وجود حالتين فقط (انحلال) أو (عدم انحلال), كما كان الأمر سابقا (تم إطلاقه) أو (لم يتم إطلاقه) بالنسبة للمسدس, و(حي) و(ميت) بالنسبة للصراف. لكن الأمر في عالم ميكانيكا الكم له احتمال آخر, بالنسبة للذرة يتمثل في أن تكون في حالة مركبة (حدث لها انحلال ولم يحدث لها انحلال) حيث تكون في حالة لا هي الأولى ولا الثانية بل في حالة ما بين الاثنتين. ويطلق على هذه الحالة تراكب superposition للحالتين, وليست بالطبع حالة مثل تلك التي اعتدنا عليها في عالم الأشياء العادية, كما كان الأمر مع المسدس والصراف. وقد ترتبط ذرتان بحيث إذا حدث تحلل للأولى يحدث تحلل أيضا للثانية, وإذا لم تنحل الأولى لا تنحل الثانية أيضا, ويطلق على هذه الحالة ارتباط مائة في المائة. لكن قد يحدث للذرات في ميكانيكا الكم ارتباط بحيث إذا كانت الذرة الأولى في حالة تراكب (انحلت ولم تنحل), تكون الثانية في الحالة نفسها. وفي ميكانيكا الكم هناك أنواع أخرى من الارتباط لا نتوقعها في العالم العادي, وهذا النوع من الارتباط المتراكب هو ما أطلقنا عليه التعلق entanglement في البداية, أي يمكننا تعريفه بأنه ارتباط متراكب.

وكانت هذه الكلمة هي ترجمة للأصل الألماني verschrankung التي أطلقها شرودنجر على هذه الظاهرة المحيرة, والمثال الشهير عنه للقطة المحبوسة في صندوق مغلق ومعها مادة سامة قد تنطلق عليها فتقتلها أو لا تنطلق فتظل القطة حية, هو محاولة لوصف هذا الارتباط المتراكب, وتظل حالة القطة (حية ميتة) مادمنا لم نفتح الصندوق. وتتمثل المشكلة بالنسبة لنا جميعا في أننا في حياتنا اليومية لا نواجه في العادة برؤية قطط (حية وميتة), ولا صرافين (أحياء أموات).

أين ينتهى العالم الذي تصفه ميكانيكا الكم ويبدأ العالم الذي نعيش فيه? هذا ما لم يحسمه الجدل الدائر منذ عقود حتى الآن, فلنطمئن إذن لأن هذا الموضوع ليس في إطار بحثنا الحالي.

وإذا كنا في حالة ارتباك ونحن نحاول فهم هذه الظاهرة المحيرة فلنا بعض العذر إذا عرفنا أن أينشتين نفسه ومعه عالمان هما بودولسكي وروسين قد قرروا في 1935 أن هذا السلوك الغريب للجسيمات الذي يطلق عليه التعلق (أو الارتباط المتراكب) يعني أن النظرية الكمية ليست نظرية محكمة, وأن هذه الظاهرة تشير إلى وجود (متغيرات خفية) لم يتم اكتشافها بعد. وأدى هذا الخلاف إلى جدل واسع شهير بين أينشتين ونيلز بوهر, الذي قال إن النظرية الكمية نظرية محكمة, وأن مشكلة أينشتين أنه كان يحاول تفسير النظرية بحرفية متزمتة.

الغموض لا يعوق جني الثمار

كما هو الموقف في مواجهة الغموض والألغاز في عدد من الظواهر التي اكتشفتها نظرية الكم, لا يتوقف العلماء كثيرا أمام ما لا يمكن فهمه بعقولنا التي اعتادت على عالم الميكانيكا الكلاسيكية, بل ينطلقون بجرأة في إجراء التجارب وتطبيق نتائجها على الواقع, لفتح المجال لابتكار تقنيات جيدة مدهشة. وبدأت الجهود تتراكم منذ التسعينيات بسرعة ملحوظة, ولم تعد ظاهرة الارتباط المتراكب محاطة بالألغاز كما كان حالها في البداية, خاصة في مجال الاتصالات.

وفي 29 مارس 1993 بدأ العلم يلحق بالخيال.. تقريبا, عندما ظهرت في الدورية العلمية (خطابات المجلة الفيزيائية) مقالة بعنوان (من بعد شاسع) تزف بشرى النقل عن بعد لحالة كمية. فهل كان الباحثون الستة وعلى رأسهم تشارلز بينيه, من شركة آي.بي.إم, قد بالغوا في مشاهدة برامج الخيال العلمي الفضائي في التلفزيون? أم أنهم ابتكروا طريقة لإعادة تكوين جزيء بشكل يطابق الجزيء الأصلي بواسطة النقل عن بعد, ولم يختف الجزيء الأصلي, لكن حالته تغيرت وتم نقل الحالات الضرورية لإنتاج نظير له? هذا ما سنراه الآن.تصور أن أليس وبوب أرادا أن يتبادلا الرسائل عبر مسافة ما. أوضح بينيه وزملاؤه أنه إذا كان لدى كل من أليس وبوب جسيما من جسيمين بينهما تبادل متراكب, يمكن نقل حالة كمية من أليس إلى بوب بواسطة قليل من وحدات المعلومات (بت) أقل بكثير من الطرق الأخرى المعروفة لنقل المعلومات. وتمت تسمية هذه العملية (النقل الكمي عن بعد). ولا تتضمن هذه العملية فقط مجرد بتات عادية بل بتات ارتباط e _ bits أو entanglement bits, التي تتضمن أزواج جسيمات مترابطة.

يمكن للعلماء في هذه التجربة استخدام فوتون (أو أي جسيم آخر ذي أبعاد ذرية), لنقل خصائصه (مثل استقطابه أو اتجاه تموج مجاله الكهربائي) إلى فوتون آخر (ومن المعروف أن الفوتون هو الجسيم الحامل للضوء, حتى لو كان الفوتونان على مسافة بعيدة جدا من بعضهما البعض. ويجب تأكيد أن العلماء لا ينقلون الفوتون نفسه بهذه الطريقة ولكن خصائصه فقط إلى فوتون آخر, فوتون بعيد تماما. وباختصار لا يخل بمضمون التجربة ويتيح لنا تجنب تفاصيل قد لا يستوعبها القارئ العادي, يمكن توضيح خطواتها بأن أليس في محطة الإرسال ترسل الرسالة المطلوب نقلها عن بعد مفادها المعلومة (استقطاب 45 درجة مئوية يحملها الفوتون (ج) الذي يحمل الاستقطاب 45 درجة مئوية ضمن صفاته حيث يتم إدخاله في مقسم حزم الأشعة. وفي الوقت نفسه يكون قد تم إنتاج فوتونين إضافيين في حالة ارتباط متراكم (أ) و(ب) استقطاب كل منهما في حالة غير محددة وبينهما رغم ذلك علاقة محددة بدقة, خاصة أن يكون لهما استقطاب متمم أي إذا تم قياس استقطاب (أ) لاحقا تكون قيمته صفرا درجة مئوية (أي استقطاب أفقي), فإن الفوتون (ب) يكون له استقطاب متمم 90 درجة مئوية (أي رأسي).

يصل الفوتون ذو الارتباط المتراكب (أ) عند مقسم الأشعة في وقت وصول الفوتون (ج) نفسه حامل الرسالة, ويسبب المقسم أن يواصل أحد الفوتونين طريقه إما إلى الراصد 1 أو يغير طريقه إلى الراصد 2, وبسبب أن الفوتونين غير محددين يفقد الفوتون (ج) هويته الأصلية ويصبح في حالة ارتباط متراكم مع الفوتون (أ) ويصير الفوتونان في علاقة تتام الاستقطاب, وتكون النتيجة أن يصبح الفوتون (ب) في حالة استقطاب مماثلة تماما مع الفوتون (ج). وعندما يصل الفوتون (ب) إلى بوب في محطة الاستقبال يكون قد تم نقل صفة الاستقطاب بنجاح. هذا الشرح بسيط تماما حيث مفاده أنه مادام (أ) في حالة تتام أو تكامل مع كل من (ب) و(ج) فإن (ب) و(ج) يكونان متماثلين.

لاحظ أن هذه التجربة يتم إجراؤها فقط على الجسيمات على المقياس الكمي مثل الفوتونات والذرات فقط حتى الآن. ولا يتيح النقل الكمي عن بعد باتصالات تتجاوز سرعة الضوء.

جسم الإنسان 1500 قنبلة نووية

واجهت العلماء عقبة يصعب تخطيها, تتمثل في العجز عن تجاوز سرعة الضوء, والعجز عن نقل المادة وعن نقل الطاقة, إضافة إلى عقبة أخرى تتمثل في أن الحصول على النسخة الجديدة كفيل بتغيير حالات الأصل, وأصبح الإمكان المتاح فقط نقل المعلومات.

والأسوأ من ذلك أنه لا يمكن للمرء معرفة المعلومات المنقولة قبل إتمام عملية النقل. ما العمل إذن? هل كان على العلماء الاكتفاء بمتابعة مشاهد الخيال العلمي على شاشات العرض والتخلي عن الموضوع كله? تقدم عالم فيزياء أمريكي لتمييز الحدود بين الخيال والواقع, عندما أجرى حسابات كما لو كان الأمر يتطلب تحويل جسم الإنسان إلى طاقة, فتوصل إلى أن هذه العملية قد تنتج عنها طاقة تماثل نظيرتها في 1500 قنبلة نووية قوة كل منها ميجا طن. من هنا كان من الأفضل نقل المعلومات الضرورية فقط للذرات والجزيئات المنفصلة وليس الجسم كاملا. وإذا علمنا أن الكائن البشري يحتوي على نحو 10 28 ذرة (أي واحد أمامه 28 صفرا), فإن تخزين هذه المعلومات (الموقع, مستوى الطاقة, الربط الجزيئي, إلى آخره, لكل ذرة على حدة) يقتضي كومة من أقراص حفظ المعلومات ارتفاعها نحو 10000 سنة ضوئية, وهي كمية من المعلومات تحتاج إلى 100 مليون قرن لحل رموزها.

وبوصولنا إلى هذه النتيجة المذهلة نعترف بأن واقع إمكاناتنا مازال متخلفا بمسافة شاسعة جدا وراء الخيال العلمي. ويقول البروفيسور لورانس كروس رئيس قسم الفيزياء في جامعة كيس ويسترن ريسيرف الأمريكية أنه خلال 200 عام من التطويرات المتتالية لأجهزة الكمبيوتر, قد تتوافر لدينا إمكانات النقل عن بعد, لكن ستبقى هناك مشاكل عدة أخرى تبدو لنا الآن غير قابلة للحل. ويوضح ذلك قائلا (يمكن لجزيء منفرد مثل الفوتون أن يشق طريقه في نفق عابرا الحواجز, فيختفي في جانب ليظهر في الجانب الآخر, لكننا لا يمكننا كبشر أن نعبر خلال الحوائط, حيث إننا عبارة عن نظم معقدة من الجزيئيات. والفرق بعيد بين اعتبار شيء ما قابل للتحقيق وتحقيقه عمليا).

النجاح حليف سُحب الذرات

كان العلماء قد نجحوا فقط في ربط قليل من الذرات القريبة من بعضها البعض الآخر, فظهرت تساؤلات حول القيمة العملية لهذه التقنيات. لكن فريقا من جامعة أرثوس في الدانمارك تمكن أخيرا من إحداث ارتباط سحابتين من ترليونات ذرات السيزيوم, ويتوقع أن تكون هذه الطريقة فعالة بالنسبة لسحب بعيدة عن بعضها البعض الآخر تماما.

لجأ الفريق إلى المواءمة بين الحالتين الكميتين لسحابتي ذرات باستغلال ثغرة في قاعدة هيزنبيرج عن عدم اليقين uncertainity, التي لا تجيز المعرفة الدقيقة للحالة الكمية لكل سحابة غاز على حدة. فعندما تكون السحابتان في حالة ارتباط يمكن التوصل إلى الاحتمالات الكلية للمجموعتين, مثال لذلك الحالة التي يطلق عليها اللف الكلي (اللف spin هو كمية الحركة الزاوية), والتغيرات التي تحدث في إحدى السحابتين ستكون مرآة للتغيرات في السحابة الأخرى, مما يحافظ على الخصائص الكلية للسحابتين معا ثابتة.

وللمحافظة على الارتباط الضعيف, حجب الفريق سحابتي الذرات عن الاضطرابات الخارجية, باستخدام مجالات مغناطيسية خاصة لحبس الذرات داخل إناءين مبطنين بشمع البارافين. وبإطلاق ضوء ليزر خلال الإناءين, تمكن الفريق من إحداث ارتباط بين حالات اللف لسحابتي الذرات, وراقبوا الزمن الذي ظلت خلاله حالة الارتباط مستمرة. ويمكن للارتباط التام أن يستمر جزءا من مليون بليون من الثانية فقط, لكن الفريق حافظ على الارتباط الجزيئي لمدة نصف ميللي ثانية _ ويجب ألا نستهين بهذا القدر بالغ الضآلة من الزمن فهو يماثل دهورا بالمقياس الكمي.

مستقبل العجائب

بعد الإنجاز الرائد لمعهد كاليفورنيا التقني في عام 1998 في مجال نقل شعاع ليزر عن بعد, يحاول العلماء في نحو 40 مركز أبحاث حول العالم تدعيم هذا النجاح. وكان آخر الإنجازات ما تناقلته الصحافة العلمية العام الماضي من نجاح العلماء في جامعة أستراليا القومية في جعل شعاع ليزر يختفي من مكان ليظهر في مكان آخر قريب, حيث تمكن عالم الفيزياء بينج كوي ليم من تفكيك شعاع ليزر عند طرف منظومة اتصالات بصرية وإعادة تجميع نسخة منه على بعد متر واحد. وتم في هذه العملية إدماج إشارة مشفرة في شعاع فوتونات تم إدخاله في المنظومة, حيث كان الشعاع مرتبطا بشعاع آخر. وتمت إعادة تكوين شعاع الفوتونات والإشارة المشفرة في مكان آخر من المختبر. ويقول الدكتور لام: (ما نود التأكيد عليه هنا أنه يمكننا الحصول على مليارات الفوتونات, نقضي عليها معا, ثم نعيد تكوينها في مكان آخر). ويضيف: (إن تطبيقات النقل عن بعد في مجال أجهزة الكمبيوتر والاتصالات خلال العقد المقبل سيكون بالغ الإثارة). وأضاف أيضا: (يمكن تصميم منظومة كتابة بالشفرة, وعندما يتصل طرفان ببعضهما البعض يمكن ضمان السرية التامة للاتصال). أما ما يتعلق بنقل البشر عن بعد فإن كلمات الدكتور لام حاسمة: (هذا النوع من النقل عن بعد بعيد تماما, حيث مازلنا نحاول نقل ذرة واحدة). والنقل الكمي عن بعد للبشر مسألة مشكوك في أمرها لأنه يتم تدمير الأصل خلال عملية تكوين النسخة.

وحول ما يمكن التوصل إليه عمليا في المستقبل القريب, يرى العلماء أنه يتمثل في تطبيق تقنيات النقل عن بعد حسب النظرية الكمية في مجال معالجة البيانات والشفرة. ونظريا يتوقع أن يتطور الحساب الكمي بسرعة كبيرة تجعل أجهزة الكمبيوتر الفائقة المعاصرة تشبه النقش بطيء الحركة على الحجر.

ويرى بعض العلماء أنه سيمكننا استغلال عجائب النظرية الكمية خلال القرن المقبل, وأن بعض التقنيات ستتيح لنا رؤية تطبيقات ميكانيكا الكم على نطاق أوسع بكثير. ونتيجة لذلك ستتاح لنا أجهزة واستخدامات لم يفكر فيها البشر من قبل, ستكون جديدة وبسيطة وغير متوقعة.

وهكذا تظل الأبحاث تتقدم حثيثا في مجال المعلومات الكمية, تصاحبها محاولات تطوير أجهزة الكمبيوتر للتعامل مع كمية المعلومات الهائلة لإحراز مزيد من النجاح في تجارب النقل عن بعد.

حل لغز السمكة الحمراء

إذا كان الكثيرون يعانون من عدم فهم ألغاز النظرية الكمية, فإن عالم الفيزياء في جامعة فيينا أنتون زيلينجر له رأي آخر, حيث يرى أن نظريات الكم لا تصف عالما ماديا بشكل مباشر بل إنها تعطي مجرد معلومات عنه. ويضرب مثالا بسيطا لذلك: لقد افتقدت قطتك التي كانت بجانبك منذ خمس دقائق, فأين يا ترى توجد هذه القطة الآن? عندما تقول لنفسك إنها بالتأكيد لم تتجاوز نطاق الأماكن التي يمكنها أن تصل إليها خلال خمس دقائق, فإنك تكون قد قمت بعملية حسابية كمية, حتى من دون أن تدرك ذلك, حيث لم تعد القطة في حد ذاتها هي ما يشغل تفكيرك, ولكن تشغلك المعلومة حول مكان القطة.

وتطبيقا لهذا الأسلوب الجديد في التعبير عن النظرية الكمية بالمعلومات فإن لغز النقل عن بعد الذي يمكن تمثيله بنقل سمكة حمراء من إناء إلى آخر, يمكن حله بأن ما تم نقله هو المعلومات وليس المادة, وهو ما فعله علماء أستراليون بالنسبة لشعاع ليزر. لكن الوقت مازال بعيدا بالطبع لنقل سمكة عن بعد.

ما الحقيقة الواقعية?

هل يمكن لما يحدث أمامنا أن يؤثر بشكل مباشر وفي الوقت نفسه على ما يحدث في مكان بعيد عنا تماما? بالطبع من حقنا أن نستبعد ذلك الأمر تماما بناء على خبرتنا في حياتنا اليومية. لكن ظاهرة الارتباط في ميكانيكا الكم تقول لنا: لن تفيدكم خبرتكم هذه في فهم ما يحدث في عالم ما تحت الذرة, لأن هذا العالم ببساطة خارج حواسنا المباشرة. إذا قذفنا كرة سلة مثلا تجاه حائط به نافذتان فلا يمكن للكرة أن تخرج من الحجرة من خلال النافذتين في الوقت نفسه. هذه حقيقة واقعية يعرفها أي طفل. ورغم ذلك إذا تم توجيه إلكترون أو نيوترون أو حتى ذرة إلى عائق فيه فتحتان, فإن أيا من هذه الجسيمات سيمر من الفتحتين معا في الوقت نفسه. وهكذا تنهار مقولة استحالة وجود الشيء نفسه في مكانين مختلفين في الوقت نفسه, وهذا ما تفعله النظرية الكمية, بأن تحطم ظاهرة التباعد المكاني المترسخة في مفهومنا عن الحياة من حولنا.

حل لغز القطة

لتوضيح غرابة عالم ميكانيكا الكم, اقترح العالم إروين شرودنجر في عام 1935 إغلاق صندوق على قطة معها مادة مشعة تطلق في وقت غير معلوم عند تحللها تماما مادة سامة قاتلة. يمكن وصف المادة المشعة بأنها في حالة تراكب superposition (أي حدث لها تحلل ولم يحدث لها تحلل), وبالتالي تكون حالة القطة (حية وميتة) مادمنا لم نفتح الصندوق. ويمكن حل هذا اللغز حسب عالم الفيزياء أنتون زيلنجر باعتبار هذه الحالة الكمية حالة معلومات. فحالة القطة عندئذ سيان كانت حية أو ميتة لا يمكن تحديدها مادام ليس لدينا المعلومات الكافية لمعرفة هذه الحالة. وهذا كل ما في الأمر. أليس ذلك حلا بالغ البساطة?!

 

عزت عامر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات