السينما وحقوق الإنسان فوزي سليمان

السينما وحقوق الإنسان

في الدورة 56 لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي

لم يعد مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي أكبر المهرجانات الدولية الصغرى وأصغر المهرجانات الكبرى كما كان يطلق عليه, بل أصبح - كما أكدت دوراته السابقة - مهرجانًا كبيرًا فعلاً, وانتقل من مرتبة كانت مسابقته الرسمية مقصورة على الأفلام الأولى أو الثانية, إلى المرتبة التي تتسع لجميع الأفلام.

أتاحت جغرافيا مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي - الذي يقام في القطاع الإيطالي من سويسرا - شخصية مكانية وزمانية فريدة, بين شواطئ بحيرة ماجيوري وتلال صاعدة حيث المدينة القديمة بحواريها المتداخلة ومعمارها, والتي تطل على الساحة الكبرى Piazza grande حيث نعرض الأفلام على أكبر شاشة في العالم 8x14 مترًا لتصبح من أبرز معالم المهرجان, وتضم نحو ثمانية آلاف مشاهد يأتون متحررين من كل قيود تقاليد المهرجانات الأخرى, فهو هنا جو بحر متوسطي دافئ, يسمح بالعروض المسائية الخلوية.

لا تمثل قيمة المهرجان في كم الأفلام التي وصلت في دورته الأخيرة إلى 285 فيلمًا طويلاً وقصيرًا, روائيًا وتسجيليًا بقدر ما تمثل في (نوع) هذه الأفلام وتنوّعها, وقد توزعت الأفلام بين أقسام عدة, إلى جانب المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة, هناك مسابقة ثانية بدأت منذ سنوات قليلة لأفلام الفيديو تتنوع في الأسلوب وتقدم بانوراما لاتجاهات معاصرة في سينما معاصرة, في سينما الفيديو, ومسابقة ثالثة لأفلام الشباب القصيرة يطلق عليها (فهود الغد) - تكاد تشكل مهرجانا مستقلا للشباب تضم في الواقع مسابقتين إحداهما لأفلام السينمائيين الشبان السويسريين والثانية لسينمائيين شبان من دولة محددة: هذه الدورة للدول الاسكندنافية: الدنمرك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد. وقد قدمت في الدورات السابقة أفلام لشباب الجمهوريات الآسيوية في الاتحاد السوفييتي السابق وفرنسا وبريطانيا, وإسبانيا, وهناك مسابقة رابعة أو برنامج مستقل, هو أسبوع النقاد ينظمه اتحاد النقاد السويسريين للمرة الرابعة عشرة - الذين يختارون سبعة أفلام تسجيلية تتناول قضايا تدعو للتفكير والنقاش. كل من هذه المسابقات لها لجان تحكيم خاصة, وبعض الجوائز مصحوبة بمنح مادية أو عينية مثل أفلام خام للفائزين في مسابقة الشباب.

وخارج المسابقات نجد قسمًا يحمل عنوان (سينمائيو الحاضر) يعكس الجديد والمتغير في الأساليب والأفكار, ويقدم كل الأنواع, وبين 61 فيلمًا نجد نصفها مصنوعًا بالديجيتال أو الفيديو.

راحلون وتكريمات

التكريمات في هذه الدورة يرتبط بعضها بمناسبات: المخرج الإيطالي فيدريكو فيلليني بمناسبة عشر سنوات على وفاته, النجمة الأمريكية كاترين هيبورن بمناسبة وفاتها في العام نفسه 2003, المخرج الأمريكي فينست مينيلي Vincent Minelli بمناسبة مائة عام على مولده, المخرج السويسري ألكسندر زيلر بمناسبة خمسة وسبعين عاما على مولده وهو مؤسس مركز السينما السويسري, ثم الأديب والمترجم وكاتب السيناريو السويسري إزيكو فيلبيني بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على وفاته. التكريم الأكبر, لشخصية سينمائية عالمية عن كل إنجازاتها, كان للمخرج الإنجليزي كين لوش (sk 67) Ken Loach سنة) بإهدائه فهد الشرف الذهبي. لوش مخرج ظل مخلصًا - رغم التغيرات السياسية العالمية لأفكاره الاشتراكية - دافع في أفلامه عن العمال وعن المهمّشين الذين لا يجدون مسكنًا مناسبًا في لندن, وقف ضد التدخل الأمريكي في نيكاراجوا, عارض سياسة مرجريت تاتشر المحافظة, كما يعارض سياسة بلير العمالية, كل من هؤلاء المكرمين عرضت لهم نماذج من أفلامهم.

تأتي المديرة الفنية للمهرجان الناقدة الإيطالية إيريني بيناردي Ierne Bignardi (ثلاثون سنة تكتب وتقدم نقدها السينمائي في جريدة لاريبا بليكا (الجمهورية) ولها أيضا كتب عدة), بأفكار فيها حيوية وطازجة تتماشى مع العصر واعية بالتحدي الذي يواجه مهرجان لوكارنو في موقعه بين مهرجان كان - الذي وقع في أخطاء عدة في دورته الأخيرة - وفينيسيا. ففي سنتها الثالثة هذه كمديرة فنية تحاول تقديم سينمات جديدة, وتتعرض لقضية عالمية أساسية هي (حقوق الإنسان) - فتقرر لها قسمًا خاصًا - بأفلام وندوة موسعة, بل إن هذه القضية تجدها منبثة في أقسام أخرى, وتختار كبرنامج استعادي Retrospective برنامجًا شائقًًا بعنوان (كل هذا الجهاز) أو قل (الموسيقى والسينما) يضم 68 فيلمًا من بدايات السينما الناطقة حتى اليوم. ولأول مرة تقوم السينما الكوبية في برنامج (أبواب مفتوحة) بدعوة نخبة من مخرجي هذه السينما التي ازدهرت في الستينيات وتواجه اليوم صعوبات لمناقشة إمكانات دعمهم, كما تدعو بعض شباب السينما الأرجنتينية في ورشة عمل, لا تبالي كثيرا بالأفلام الأمريكية الجماهيرية أو حتى الفائزة بالأوسكار كما يفعل مهرجان برلين, أو بالنجوم, (ليس عندنا نجوم بل قيم, كما صرحت لمجلة فرنسية).

في قراءة متأنية لأهم معطيات المهرجان في مختلف أقسامه نستشف بعض سمات أساسية, أن الفيلم أصبح شاهدًا على العصر بمتناقضاته وتعقده وصراعاته, وأن الإنسان العادي هو الضحية مجسّدًا أكثر في المرأة.

البوسنة وأفغانستان....وسط النار

ماذا حدث في البوسنة بعد الحرب? وفي رومانيا بعد سقوط شاوشيسكو? وفي أفغانستان بعد سقوط طالبان? وفي بغداد بعد سقوط صدام حسين?

فيلم (وسط النار) للمخرج البوسنوي بيجر زالكياما تدور أحداثه في بلدة صغيرة في البوسنة بعد نهاية الحرب العرقية الأهلية بين البوسنة وصربيا ولك أن تقول - أيضًا - بعد انهيار النظام الشيوعي الذي كان يحكم ما كان يسمى الاتحاد اليوغسلافي, المفروض - وكما يبدو في الظاهر - أن الحال هادئة والسلام الاجتماعي مستتب, ولكن هذا الهدوء الظاهري كان يخفي كراهية عنصرية لاتزال قائمة وأحوالا اجتماعية سيئة, وانتشارًا للجريمة والفساد الذي يتورّط فيه كبار رجال الإدارة والشرطة كما في تجارة الدعارة بتهريب المومسات, تنكشف أو تنقلب الأمور حينما يعلن عن زيارة الرئيس كلينتون للبلدة وتشريفها بأن يكون راعيها, يتطلع الجميع إلى (الحلم الأمريكي) والرفاهية ورأس المال القادم, تأتي بعثة رقابة دولية تطالب بتحقيق التصالح بين المتخاصمين والديمقراطية, خلال سبعة أيام! تنظف البلدة, تصلح المباني المهدمة, وتحرق التقارير السرية, ويتصافح الذين تقاتلوا وجرت بينهم الدماء, يعلق أحدهم (ألم يتصافح السادات وجولدا مائير?), لكن هل تصلح النفوس وهل يستتب السلام? أو كما قال المخرج (اكتشفت أن السلام أسوأ من الحرب) ولن تتم الزيارة بسبب تفجير رئيس الشرطة النزية السابق لنفسه وقد يئس من العثور على ابنه المفقود, وقد فاز الفيلم بجائزة الفهد الفضي.

يتناول الفيلم الروماني (ماريا) للمخرج كالين نيتزر حال رومانيا بعد سقوط شاوشيسكو وانهيار النظام الشيوعي, المشهد الأول في الفيلم يعلن رئيس العمال تصفية المصنع وأن تعويض العمال بمنحهم بعض السلع, فترة التحوّل إلى اقتصاد السوق الحرة هذه تنعكس على حياة أسرة ماريا زوجها رئيس العمال السابق عاطل, يصرف دخل الأسرة القليل على الخمر والقمار, ماذا تفعل ماريا للحفاظ على كيان الأسرة وإقامة أود سبعة أطفال? ترفض إغراءات أو تحرش رئيسها في العمل, وبعد صراع وتردد ترضى أن تبيع جسدها, المرأة هنا ضحية التحول الاقتصادي والاجتماعي, فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة وهو إنتاج مشترك مع ألمانيا وفرنسا, لا تستطيع صناعة سينمائية صغيرة أن تستقل بالإنتاج.

من جانب آخر يقدم الفيلم التسجيلي الطويل الفرنسي (بيت في مالالاي) - للمخرج الأمريكي البولندي الأصل (ليش كوفا لسكي) صورة لأفغانستان بعد ثلاثة شهور من انتهاء الحرب في أفغانستان وبداية حكومة قرضاي, ووضع كابول بعد الحرب من خلال تتبع المخرج - وهو نفسه المصوّر - لمدير السينماتيك الفرنسي - وقتئذ - وزوجته الصحفية الإيرانية, في رحلتهما المثيرة لعرض أفلام في مدينة ظلت محرومة من كل نشاط ثقافي طوال حكم طالبان, تطوف بنا الكاميرا عبر المدينة المزدحمة, وقد عادت إليها الحياة, أصبح للنساء حق الخروج, ولكن مازال عدد كبير من المباني المهدمة التي قصفتها القنابل الأمريكية, بين بقايا مبنى مهدم نكتشف أن بعضهم استطاع أن يحتفظ بعلب الأفلام داخل حجرة خفية بعيدًا عن عيون طالبان الذين منعوا كل العروض السينمائية وصادروا ما وجدوه من أفلام, ندهش أن بين الأفلام المخبأة, فيلما أفغانيا قديما تظهر فيه امرأة تسوق حافلة, وفيلما آخر لرقصات شعبية نسائية أفغانية. نعلم أنه في عهد الحكم الشيوعي لأفغانستان جاء مصورون روس لتدريب الشبان الأفغان, ثم زيارات إلى بعض ملاجئ أولاد وبنات أيتام فقدوا آباءهم في الصراعات بين القبائل وفي الحرب, طفلة فقيرة تبكي, يجاملونها بوعود حلوى وملابس جديدة, تستكمل الاستعدادات بصعوبة للعرض السينمائي, بسبب عدم وجود كهرباء.. ويدبرون مقاعد لحشد الفتيات المحجبات والشباب. تصايح مرح وتصفيق لصور شارلي شابلن المتحركة, سيترك مدير السينماتيك الفرنسي الأجهزة كهدية. وينتهي الفيلم بوجوه أطفال مبهورة وهي تشاهد الأفلام. في الخارج ولد يعمل في طلاء الأحذية ينظر بدهشة إلى إعلان السينما الخارجي. ينتهي الفيلم بلقطة الطفلة الباكية وهي تحاول تجنب الكاميرا. عرض الفيلم في قسم (سينمائيو الحاضر).

حقوق.. ومجازر

وفي إطار قسم حقوق الإنسان عرض فيلم (العودة إلى قندهار) - للممثلة الصحفية اللاجئة في كندا منذ سنوات طويلة نيلوفار بازيرا التي تقرر العودة إلى وطنها الأصلي بعد غربة طويلة استمرت 13 عاما وبعد انتهاء نظام طالبان في محاولة تقصي مصير صديقة طفولتها ديانا - تزور قندهار وكابول ومزار الشريف تحاول أن تستكشف ما حدث من تغيرات وهل تحررت النساء حقا, هل انتهى نظام طالبان أم لا تزال له توابع?

في الإطار نفسه, عرضت بعض الأفلام القصيرة لثلاثة مخرجين شبان أفغان (2003) حاولوا مراجعة ما حدث في عهد طالبان من خلال عيون بعض الصغار. في فيلم (كابول سينما) يقدم ولد صغير ظل يؤمن بالسينما والحب حتى في ظل حكم طالبان. وفي فيلم (الطائرة الورقية) محاولة طفل أن يمارس لعبته ويطلب الإذن من والد صديقه الطالباني الذي يرفض طلبه.

فيلم (مجزرة أفغانية) إخراج جامي دوران, يوجه المخرج الأيرلندي اتهاما يدين القوات الأمريكية بقصف سجن للطالبان, ونقل آلاف من المسجونين في مخازن شاحنات مغلقة من بينهم المقاتل الطالباني الأمريكي جون ووكر ليندا.

في دورة 2002 خصص المهرجان يوما لأفغانستان ومكتبة فيديو شاملة لتاريخها وثقافتها ومجتمعها وتطورها السياسي.

أخيرًا.. فيلم (بيروت بغداد) - إخراج بسام فايد (2003) - بداية بمشهد سقوط تمثال صدام حسين وسط بغداد, مع مقاطع من قصيدة لمحمود درويش (أمريكا هي الطاعون والطاعون هو أمريكا), مناقشات وجدل بين شباب تعودوا اللقاء يوميًا حول السقوط المفاجئ للنظام العراقي, تعليق على الأحداث الجارية, لماذا هزمنا طوال نصف قرن? وعلى اجتماع الجامعة العربية في أفخم فنادق بيروت, تقدم صور المتحدثين العرب على شاشة مهتزة بطريقة ساخرة.

أحاديث عن تطوع شباب عرب من أجل العراق, كم متطوعا ذهب وكم متطوعا عاد? يعلق أحدهم: هل معقول أن يترك الولد وطنه إلى بغداد ثم يعود إرهابيًا? عودة إلى تمثال صدام حسين, يعود يرتفع ولكن برأس بوش?

نقلة مع صورة نشرتها الصحف و(انتحار عراقي في عيد الرمانة) مواطن عراقي انتحر بإلقاء نفسه من الطابق الرابع عشر, يتناقشون, هل انتحر احتجاجا على الاحتلال الأمريكي لبغداد? كما سبق أن انتحر الشاعر اللبناني خليل حاوي احتجاجا على الاحتلال الإسرائيلي لبيروت? كيف تمكنوا من تصويره انتحاره? هل خبر موت إنسان أهم من حياته? أسرته جاءت من إسكندرونة, تصوير في حي في بيروت يضم عراقيين لاجئين عشرة يسكنون في حجرة, تستمر الأحاديث, تعليقات متناقضة, أهي نقد أم جلد للذات, أم محاولة تنفيس عن أزمات الأمة العربية?

المرأة ضحية

يتعرض المهرجان من خلال فيلمين مهمين لقضية المرأة ضحية السياسة, وضحية الاستغلال, وهي في كليهما تخضع للعنف والامتهان.

(مياه ساكنة) الفيلم الأول للمخرجة الباكستانية صبيحة سومار, قد تكون رسالته الأساسية سياسية, ضد الأصولية المتزمتة والتعصب الديني وهي قضية أثيرت بقوة بعد 11 سبتمبر, وقد يكون هذا من عوامل منحه الجائزة الكبري للمهرجان, أقرأ رسالته السياسية والاجتماعية من خلال تعامله مع قضية المرأة.

هنا هي ضحية تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947, بين الهند وباكستان, فقد تم اختطاف واغتصاب وقتل عدد كبير من النساء من الجانبين, حيث اضطررن أن يعشن مع مختطفين - الذين تزوجوهن - واعتنقن عقيدتهم واستقررن في بلد لم تخترهن, وحملن منهم أولادهن - وهذا جانب من القضية, الجانب الآخر مما حدث عام 1947. كان أشد خطورة, فأمام التهديد بالاغتصاب - ألقى عدد كبير من النساء بأنفسهن في بئر القرية خشية الفضيحة.

قامت صبيحة سومار بدراسة هذه القضية من خلال الاطلاع على الوثائق وزيارات للهند, ووجدت بطلتها عائشة - أو فيرو - التي كانت من السيخ وانتقلت مع زوجها - مختطفها - إلى باكستان, اعتنقت عقيدته, تراها بعد وفاته تعطي دروسا لفتيات صغيرات في القرآن. ترى ابنها الوحيد سليم الذي يتحول مع مجيء نظام الجنرال ضياء الحق إلى الأصولية المتزمتة.. وحينما يدرك أصلها, تجد نفسها في صراع ينتهي بأن تلقي بنفسها في البئر, مشهد البئر الذي تكرر في فلاش باك أكثر من مرة.

أما الفيلم الثاني فلعله أهم الأفلام تناولا لانتهاك حقوق الإنسان. وهو الفيلم الأمريكي التسجيلي - الروائي الطويل (يوم تركنا الرب) - إخراج أندرو ليفين, وقد عرض في قسم (سينمائيو الحاضر) - وتعرض لمشكلة (عبودية الجنس) أو تجارة دعارة الأطفال والبنات التي قدرتها الأمم المتحدة بحوالي مليون سنويا, تمثل أربح تجارة عالمية وتروج في أغلب دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية 650.000 فتاة أقل من سن السادسة عشرة هو حجم هذه التجارة في آسيا. وجد المخرج في بحثه آن أساس هذه المشكلة - هو الفقر - وأن لها ثلاث طرق: قد يقوم أفراد الأسرة ببيع الفتاة, وقد يتم تهريبها بادعاء الحصول على عمل أو عرض بالزواج, أو قد تخطف البنت وتصدر إلى بيوت الدعارة والقوادين. وقد قضى المخرج ثلاث سنوات بين الهند ونيبال وتمكن بمساعدة بعض مستشاري الهيئة الصحية العالمية أن يرى بعينيه ما كان مسكوتا عنه, وأن يصور ما كان بعيدا عن أي تصور. يصدمه أن يجد في مسقط رأس صاحب تعاليم الحب والتسامح - بوذا - أكبر مراكز هذه التجارة وقد استخدم تقنية الكاميرا السرية ليكشف عن أسرار أكبر نقابة تنظيمًا تنافس أكبر تجارة في الأرباح تمتد خطوطها من قرى نيبال إلى بيوت الدعارة, بمساعدة رجال شرطة فاسدين.

نشاهد ونستمتع في الفيلم إلى شهادات مثيرة, (انتيتا) التي بيعت في سن الثانية عشرة تقول: (لقد وثقت في صديقي ثم خدرونا بشيء وضع في الخبز حينما حاولت أن أمتنع عن ممارسة الجنس هددوني بدفني حية) - (سيتا) التي بيعت في سن الخامسة عشرة تقول أمام الكاميرا (كان جحيمًا فظيعًا.. الأفضل أن تشنق نفسك وتموت).

وغير الضحايا نستمع إلى شهادات أخرى, امرأة تعمل في مؤسسة لإنقاذ البنات - وكانت قد بيعت قسرا في سن التاسعة عشرة - تتحدث: (لم أعد أخشى أن أعود إلى بيوت الدعارة من خلال عملي الجديد لمحاولة مساعدة البنات حتى لو هددوني بالموت, لأني أدرك أنني سأموت من أجل قضية عادلة).

الطريف أن المخرج يستطيع أن يلتقي بامرأة كانت تدير بيت دعارة, كان البوليس قد تحفظ عليها في انتظار محاكمتها, تدافع عن نفسها قائلة: (إنني لا أحتفظ إلا بالبنات اللائي يردن البقاء بإرادتهن). وتعد بأن تحقق مطالب الإصلاح! وقد تم تحرير سبع بنات كانت تخفيهن في أماكن سرية عن طريق إحدى الجماعات النشطة في هذا المجال الاجتماعي.

في فيلم يتسم بالجرأة ويسجل بشاعة مأساة ضحايا تجارة هذه العبودية في القرن الواحد والعشرين وانتهاك براءة الأطفال والبنات, لعله يساعد في الدعوة الإنسانية لمناهضة هذه التجارة وما بها من انتشار الإيدز.

انحازت لجنة التحكيم الرئيسية في تقرير أغلب جوائزها إلى السياسة, خرجت أفلام جميلة بلا جوائز مثل الفيلم الهندي (مسرحية عاطفية) عن قصة الأديب الشاعر رابندرات طاغور, للمخرج ريبتوبارلو جوش الذي برع في تصوير أحاسيس المرأة, أو الفيلم الكوري الذي يومئ عنوانه بموضوعه: (ربيع, صيف, خريف, شتاء.. وربيع) إخراج تيم كي دوك في روعة تصويره لدورة الحياة والطبيعة.

تكافأ مثل هذه الأفلام من لجان تحكيم موازية مثل (الفن والتجربة) أو نوادي السينما أو النقاد, والفائز في كل الأحوال هو الجمهور الذي استمتع بحصاد طيب من الأفلام من مختلف البلاد والاتجاهات ومنحها جائزته بإقباله عليها وإعجابه بها.

 

فوزي سليمان

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صبيحة سومار مع جائزة الفهد الذهبي





ملصق فيلم مياه ساكنة المخرجة الباكستانية صبيحة سومار





 





المرأة ضحية ... في الحياة والسينما!