بل (العربية) هي أقدم اللغات

بل (العربية) هي أقدم اللغات

تعقيبا على ما ورد بالعدد (530) يناير 2003 من العربي مقال الأستاذ يوسف الحوراني بعنوان (تراث يبحث عن مطالبين) أقول إن السائد هو أن كثيرا من الأمم والشعوب تدّعي قدم لغاتها وبقائها على الدهر كالصينيين والهنود والأرمن والإغريق والشعوب السامية. ويطلق خطأ لفظ الساميين والسامية على الشعوب العربية والتي انحدرت قديمًا من الجزيرة العربية وألفوا شعوبًا أخرى منها البابليون والآشوريون والكنعانيون والآراميون ولغاتهم).

أما الهنود فأقدم لغة عرفوها (الموهانجو-دارو) وهي شبيهة بالهيروغليفية ثم البراهمية 300ق.م وكانت أكثر انتشارًا لأنها لغة الأدب ثم السنسكريتية وهي اللغة الهندية مكتملة الجوانب.

أما الإغريق, فقد نقل إليهم الفينيقيون الأبجدية ثم طوّروها وأصبح لهم لغة معروفة عام 600ق.م.

أما اللغات السامية, فقد ذهب علماؤها القدماء إلى خلق آراء بنيت على اعتبارات تقدسية ونفسية في قدم لغات أبناء سام فتعصّبت كل طائفة للغتها وحملهم هذا على الانزلاق في الأوهام فزعم بعض الدارسين في بادئ الأمر أن جميع اللغات السامية استلهمت اللغة العبرية, وهم في زعمهم هذا إنما كانوا متأثرين بما كان أحبار اليهود في العصور القديمة يعتقدونه من أن اللغة العبرية هي أقدم لغة في العالم. ومن الطبيعي أن يقع مثل هذا التأثير لأن دراسة الساميات بدأت في أوربا باللغة العبرية وبمساهمة كبيرة من علماء التلمود.

وذهب آخرون إلى تقديم اللغة الآرامية على غيرها وذهب البعض إلى أن الأكدية - الآشورية - البابلية أقدم اللغات السامية.

ثم قال آخرون إن نصف اللغة العبرية الخاص بترتيب الجمل أقدم من العربية, والنصف الآخر الذي يختص بالكلمات والأوزان أحدث منها.

وسرعان ما تتحول عن هذه الآراء جميعًا لأنها لم تستند إلى بحث لغوي مقنع أو دراسات علمية صرفة قائمة على نوع من التقابل اللغوي المنظم.

صلات مهمة

في العام 1929 تم اكتشاف مدينة أوجاريت الكنعانية في سوريا وقبلها لم يكن لدينا معلومات متكاملة عن ماهية أقدم لغة في التاريخ, ومن ثم اكتشف العلماء أن هناك صلة كبيرة بين اللغة العربية واللغة السامية الأولى, وحجتهم في ذلك أن في العربية آثاراً موغلة في القدم تقرب كل القرب من لغة سام, فثمة تشابه في الخواص ومقاطع الكلمات والألفاظ والتراكيب, وقد احتفظت فضلا عن ذلك بعدد من الظواهر منذ 2500 ق.م, وقد أثبتت الندوة العالمية الأوجاريتية التي أقيمت في اللاذقية بمناسبة مرور خمسين عامًا على اكتشاف مدينة أوجاريت الكنعانية, ومن خلال الوثائق أن اللغة العربية هي المرجع والمصدر والقياس الحقيقي للتعرف على اللغات السامية. وقد فطن العالم كلود شيفر مكتشف أوجاريت إلى ذلك حيث يقول: إن اللغة الأوجاريتية الكنعانية تؤلف أقدم مصدر للغة العربية. وجدير بالذكر أن اللغة الأوجاريتية والتي تنتسب إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد ليست سوى لهجة عربية قديمة, وشاهد ذلك أنه إذا أراد الناطق أن يتصرف بالمد والقصر أو التفخيم والترقيق أو الإشمام أو الإمالة في أداء الأصوات لكون الأبجدية الأوجاريتية خالية من الصوائت القصيرة ومن الكلمات المشتركة بين العربية والأوجاريتية والتي لا يمكن حصرها لكثرتها مثل: أب.أخ.يد.نعمة.حلم.بتول.صوت.نهر. كرم...إلخ.

وأوجاريت هي إحدى دول العرب البائدة واسمها ما هو إلا تحريف للاسم العربي - الحجرات - وسرعان ما ذهب العلماء والباحثون عندما تعرّفوا إلى هذه الوثائق والنقوش والتي تم العثور عليها في أوجاريت ومقارنتها بتلك التي عثر عليها في رأس شمر أو الجبيل مضاف إليها تلك الآثار التي وجدت في جنوب الجزيرة العربية وسيناء إلى أن - البدو العرب كانوا أول من تكلّم باللغة السامية. كما ذكر - أولمستد, وأن - اللغة العربية أقرب من جميع اللغات السامية إلى اللغات الأم الأصلية وهي على الأغلب أقدم لغة في العالم ومازالت حية حتى يومنا هذا - كما ذكر عبدالله فيليبي.

وأن - اللغة العربية احتفظت أكثر من أخواتها بكثير من الصور الصادقة لعناصر اللغة الأولى مثل الكمية الأصلية تقريبًا حتى الأصوات الساكنة, وكذلك الحركات القصيرة في المقاطع المفتوحة ولاسيما في وسط: الكلمات - كما يقول نولدكه.

أما فيليب حتي فيقول بصدد تشابه سفر أيوب من حيث الألفاظ وأسماء الأعلام والصيغ مع اللغة العربية - إن أيوب الذي ابتدع أرقى شعر في العالم السامي القديم لم يكن عبرانيًا بل عربيًا. وكذلك ذهب الكثير من العلماء والمستشرقين إلى أن سفر أيوب وخدعه صاحبه بلغته العربية إذ فيه عبارات وتشبيهات ومجازات واستعارات لا تعرف إلا في العربية فلاشك أنه نقل من العربية إلى العبرية, وبقيت في النقل أصول اللغة ومبانيها وصيغها على أصلها أو تكاد. وهذا يؤكد أسبقية اللغة العربية على غيرها من اللغات السامية وأن الإسرائيليين سرقوا هذا الشعر الحكمي وأضافوه إلى ثوراتهم. يشهد على ذلك ما وجدنا عليه العربية من انضباط إعرابي في الشعر الجاهلي العربي الذي يدل على تطور طويل وتقليد عريق في ضبط اللفظ وهذا يُستبعد وصوله من غير لغة مكتوبة تمتلك القدرة على تأدية الحركات الإعرابية.

في سفينة نوح

كما أن للعرب أنفسهم أقوالا بقدم لغتهم, فقد أخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس أن آدم كانت لغته في الجنة العربية. وأورد أبو حام الرازي في كتابه - الزين - أن أنبياء العرب القدماء - هود وصالح وشعيب كانوا يتكلمون العربية ويقول الإخباريون والنسابة العرب - إن جرهم الذي كان في سفينة نوح عليه السلام - كان يتكلم العربية ونقل إلينا بعض الرواة أبيات شعر تعود إلى أيام النبي هود والنبي صالح والنبي برخيا وجاءنا كلام وأشعار من يعرب بن قحطان وغيره من رؤساء القبائل العربية البائدة عربية لاسامية.

إذا كانت الجزيرة العربية هي مهد الساميين الأول, فإن الساميين جميعًا هم من الأصل العربي, وإن لغاتهم ترجع إلى لغة عربية قديمة هي اللغة السامية الأولى, وإن منزلة اللهجات السامية من اللغة العربية هي منزلة الفروع الدانية من الأصل.

والذي نؤثره ونستند في إيثاره إلى الشواهد المستقاة من اللغة هو تغليب كلمة العربية على كلمة السامية على اختلاف مدلولاتها حيث يرجع الشأن إلى أربعة آلاف سنة من تاريخ هذه اللغات القديمة أو على الأصح من تاريخ تلك اللهجات كما ينبغي أن تسمى في ذلك الحين لأنها كانت قبل أربعين أو خمسين قرنًا لهجات تتفرع من أصل واحد قديم. ولأن اسم العربي ورد منذ عصر سرجون الأول حوالي سنة 2800ق.م حيث تذكر الآثار البابلية اسم (عرب ملوكة) أو (عرب ملوقة) أو معان, فضلاً عن أن الفرس واليونان والرومان أطلقوا اسم العرب على سكان جزيرة العرب منذ الألف الأولى قبل الميلاد.

وما البابليون والآشوريون والكنعانيون والآراميون سوى أسماء سياسية لشعب واحد هو ذلك الشعب العربي القديم الذي خرج من جزيرته, وهنا يجدر أن نتنبه إلى أن العبرانيين طرأوا على المنطقة من مكان مجهول ثم اختلطوا بأهلها وهجروا لسانهم الذي كان لهم من قبل, وتكلموا بلسان جيرانهم من الكنعانيين ثم تطور هذا اللسان الكنعاني المسروق في أفواههم فكان منه ما سمى باللسان العربي بشهادة العبران أنفسهم الذين كانوا يقولون إنهم تعلموا شفة كنعان - أي لغة كنعان -.

عائلة لغوية

أما مصطلح السامية فهو واحدة من شطحات المستشرقين الذين قاموا بنسبة اللغات العربية القديمة - المسندية, الأكادية, الكنعانية, الآرامية, والهيروغليفية, والتي هي لهجات عربية إلى العبرية, فإذا استعصى ذلك أعطيت اسما خاصًا وجمعت بوصفها عائلة لغوية تحت المسمى العام - اللغات السامية.

أما أول من اختلق فكرة السامية فهو العالم الألماني اليهودي - أوجست لودفيج شلوتر عام 1781م في مقال عن الكلدانيين مقترحا إطلاق تسمية السامية على مجموعة اللهجات العربية التي كان يتكلم بها سكان الجزيرة العربية وما بين النهرين وسوريا وفلسطين والحبشة ومصر وشمال إفريقيا حيث قال (من البحر المتوسط إلى الفرات ومن أرض الرافدين حتى بلاد العرب جنوبًا سادت - كما هو معروف - لغة واحدة, ولهذا كان السوريون والبابليون حتى والعبريون والعرب شعبًا واحدًا وكان - الحاميون - أيضًا يتكلمون هذه اللغة التي أود أن أسمّيها - اللغة السامية - ومن المؤسف أن ينتشر هذا الرأي حتى أصبح عند علماء الغرب علمًا لهذه التقسيمة الشعوبية, وأنشأوا أقسام اللغات السامية والدراسات السامية والحضارة السامية, ثم كان ما هو أفدح أن سرت إلى المؤرخين العرب وباحثيهم بطرق الاقتباس والتقليد. وهكذا أصبح هناك ما يطلق عليه عندنا بالسامية مع العلم أنها بدعة لم يقصد بها إلا تكملة معاصرة لإسقاط جغرافية التوراة على فلسطين وما حواها كأيديولوجية دينية عنصرية صهيونية, ولذلك يقول د.جواد علي في كتابه - العرب قبل الإسلام - (يجب علينا إهمال كلمة الشعوب السامية وساميين وتبديلها بكلمة الشعوب العربية وعرب لأن هذه التسمية ملموسة بينما السامية اصطلاح مبهم. إذن فالوقت حان لاستبدال المصطلح سام وسامية بعربي وعربية, فقد رأينا أن تلك التسمية مصطنعة تقوم على أساس فكرة الأنساب الواردة في التوراة, وهي فكرة لا تستند إلى أسس علمية, وإنما قامت على بواعث عاطفية على أساس حب الإسرائيليين أو بغضهم لمن عرفوا من الشعوب). ولأن التوراة هي أكثر من أي كتاب آخر نتاج جهد مشترك وخلاصة عدة ثقافات وحصيلة مستمرة لثقافات متطورة, فإن الأنساب الواردة في التوراة لا يعتد بها كنسبتهم أنفسهم غصبًا إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام بغية إرجاع أصولهم المجهولة إلى أشرف الأرومات العربية, ولكن القرآن الكريم جاء مفصلا في هذا الموضوع يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون.

ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين.

بقى أن أذكر أن مصطلح العرب الذي يقال للسامية أقرب إلى العلم فهو أدق وأصرح وأصدق من اصطلاح - الساميين - الذي وضعه شلوتر ونقله عنه وأيّده علماء من الغرب والشرق.

صلاح عبدالستار الشهاوي
مصر - طنطا

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات