حديث الذكريات أمينة صبري عرض: أشرف أبو اليزيد

حديث الذكريات

حين انطلقت إذاعة (صوت العرب) كان همها في ذلك الوقت البعيد القريب, أن تتعلق الآذان بها, وأن يتحلق حولها أبناء الأمة العربية, كان الراديو, إحدى بدع الدنيا وأحدثها ينقل عبر الأثير, الأخبار - وكان بها آنذاك مزيج من الشهد والدموع - والأسرار, سواء تلك التي يبثها المنشدون في أغنياتهم, أو التي يفضي بها المعترفون أمام ميكروفون الإذاعة. ومن بين هذه المجموعة الأخيرة كان - ومازال - برنامج (حديث الذكريات) الذي قدمت فيه الإعلامية أمينة صبري خلجات نفوس كبار المبدعين والخلاقين من أهل الفكر والفن, علامة على هذا الفن البوحي للإذاعة, وقد صدر أخيرا كتاب جمعت فيه نذرا يسيرا من هذه الحوارات الحية, تنقل صورة عهد نسيه الجيل الجديد أو يكاد.

ومشكلة الذكريات - كما يقول الكاتب أحمد بهاء الدين, أحد من ترأسوا تحرير مجلة (العربي), وأول من بدأت به كتابها أمينة صبري, أنها - الذكريات - ليست كالنهر الذي تحده ضفتان, ولكنها أقرب إلى البحر, ولو أن الإنسان استطرد لتاه في التفاصيل الكثيرة. ولذا اختار بهاء الدين في الحوار الذي وضعت له أمينة صبري (أيام لها تاريخ) مستلهمة إياه من أحد عناوين كتب بهاء الدين الأولى, اختار أن يحكي عن دخوله الجامعة, وعن ترؤسه لصباح الخير حين صدرت أسبوعيا عن مؤسسة روزاليوسف: أنا استفدت كثيراً من هوايتي القديمة في قراءة الصحف والمجلات وظن من لا يعرفني أنني في الخمسينيات من عمري, وكنت لاأزال في العشرينيات, لكن استشهادي بالتاريخ لكثرة قراءاتي فيه جعلني كمن حضر هذه الأحداث, لأنني لم أقرأ كتب التاريخ فقط, ولكنني قرأت الصحف القديمة أيضا. واختتم بهاء الدين بإجابة نبوءة حول مستقبل الصحافة: ما يصنع الجريدة ليس الماكينة التي تطبع مليون نسخة في الساعة, ولا الماكينة التي تطبع سبعة ألوان, ولكن الصحفي هو السبب في ظهور الجريدة, وهو أهم مائة مرة من الأجهزة والآلات.

وتصف أمينة صبري الروائي بهاء طاهر بأنه (شوبان) الأدب العربي, مستعيرة وصف يوسف إدريس له: هذا كاتب لا يستعير أصابع غيره, ولم يقلد أحدا, هو كاتب بهائي طاهري. ويعترف الروائي بإعجابه بأساليب البساطة والسهولة والسلاسة كما مثلها الجاحظ قديما ويحيى حقي حديثا: أنا أكره الافتعال والتصنع, وهذه السمات تفتنني, وإذا وصفت كتاباتي بالبساطة - ككتابات يحيى حقي - فسوف أكون سعيداً جداً.

***

وتنتقل أمينة صبري بميكروفون (حديث الذكريات) وأوراقه إلى اللاذقية في حوار مع بحار الرواية العربية حنا مينه, ليعترف: أنا عشت الحياة بعمق, وكنت أزعم في يوم أن التجارب منقوشة على ظهري. كنت أقول إن الناس تلهث وراء التجارب أما أنا فالتجارب هي التي تجري روائي. وجدت بعد سنة أن هذا الادعاء كاذب, لأن نصف ظهري لم ينقش عليه أي تجربة, ومن أجل ذلك أغامر وأخطئ وأتعلم من أخطائي, وهكذا يمتلئ ظهري شيئا فشيئا بنقوش التجارب, وربما يبقى فارغا في سفينة اللاعودة.

***

تحكي لطيفة الزيات لأمينة صبري كيف كانت ترتجف في الستينيات حين شاركت في المظاهرات, حتى وصلتها موجة التواصل بينها وبين الناس, لتشعر بالثقة والسعادة والنشوة, ولتكتشف - من هذه اللحظة - سر العلاقة بينها وبين هؤلاء, وأن الاندماج مع كتلة ضخمة من البشر لا يعادله أي شيء آخر في حياتها. وأنها قررت آنذاك أن تكون وسط الناس.. تدافع عن حقوقهم المهضومة.. وتهب نفسها لقضايا الوطن.

***

والمثير أن كثيراً من آراء ضيوف (حديث الذكريات) لديهم هموم لا تعرف الشيخوخة, حتى بعد مضي نحو أربعة عقود على بعض هذه الحوارات, ومع اختلاف المشارب والاهتمامات. الروائي والقاص والمسرحي يوسف إدريس ينعي ردة الثقافة: القراءة مقصورة على شريحة صغيرة جدا من المجتمع, المجتمع لا يقرأ كثيرا, السينما تراجعت حقيقة! الشاعر نزار قباني: عملية الوأد الفكري لا تزال مستمرة في القرى وحتى في المدن. المفكر زكي نجيب محمود: كيف نصب الثقافة العربية المعاصرة بحيث تكون أصيلة غير منقولة, وتكون فيها العناصر الثقافية التي يموج بها العالم. مع آراء غيرهم: الممثل دريد لحام, والكاتبة الدكتورة سهير القلماوي, والموسيقار محمد عبدالوهاب, والأديب عبدالرحمن الشرقاوي, والنجم عبدالله غيث, والشاعر صلاح عبدالصبور.

 

أمينة صبري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات