قضية مدرسة وبيت ومجتمع.. التحصيل الدراسي بسماء آدم

قضية مدرسة وبيت ومجتمع.. التحصيل الدراسي

(الإنجاز الإقتصادي في أي بلد هو المحصلة للطريقة التي ينشأ بها أبناؤه!) خاصة في جانب التحصيل الدراسي. فالمسألة لا تتعلق بحاضر ومستقبل ابن من أبنائنا, بل هي مسألة أوطان بكاملها, تتشارك فيها عناصر عدة.

كان العالم الأمريكي هنري موراي أول من لفت النظر إلى مسألة الدافع إلى الإنجاز بوصفه مكوّنًا من مكونات الشخصية, فقد حدد عددًا من الحاجات دعاها حاجات عالمية تتوافر لدى الأفراد جميعهم بغض النظر عن الجنس أو العرق أو العمر. وكانت الحاجة إلى الإنجاز من بين الحاجات العالمية التي أقر بوجودها وعرفها بمجموعة القوى والجهود التي يبذلها الفرد من أجل التغلب على العقبات, وإنجاز المهام الصعبة بالسرعة الممكنة.

وتابع ماكيلاند جهود موراي في بحث الدافع إلى الإنجاز, فلخص نظريته والبحوث التي دارت حولها في مقالته الشهيرة التي نشرها عام (1955) في مجلة (علم النفس الأمريكي), وعرض ذلك في اثنتي عشرة قضية يهمنا منها القضية المتعلقة بالتحصيل التي وجد فيها أنه: كلما أدرك الفرد أن نمو دافع معين لديه يتسق مع مطالب الواقع والمنطق, فإن المحاولات التربوية الرامية إلى تنمية ذلك الدافع ستصادف نجاحًا, ثم وضع في عام (1961) كتابه (المجتمع المنجز) الذي بلور فيه العلاقة بين تصورات البشر عن إنجازاتهم والتقدم الاقتصادي الفعلي لمجتمعاتهم, وصنف المجتمعات على أساس ما لدى أبنائها من دافعية إلى الإنجاز والتحصيل, فمستوى الإنجاز الاقتصادي الموجود في أي مجتمع هو حصيلة الطريقة التي ينشأ بها الأطفال في هذا المجتمع. وتوج أعماله بكتابه الشامل (الدافعية الإنسانية) عام 1985.

تتالت الدراسات والأبحاث حول موضوع التحصيل الدراسي, فقد عرفه جابلن بأنه (مستوى محدد من الإنجاز أو براعة في العمل المدرسي يقاس من قبل المعلمين أو بالاختبارات المقررة. أما كود فعرفه (بأنه إنجاز أو براعة في الأداء في مهارة ما أو في مجموعة من المعارف).

أما فؤاد أبو حطب الباحث التربوي العربي, فرأى أن مفهوم التحصيل الدراسي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التعلم المدرسي, إلا أن مفهوم التعلم المدرسي أكثر شمولاً فهو يشير إلى التغيرات في الأداء تحت ظروف التدريب والممارسة في المدرسة, كما يتمثل في اكتساب المعلومات والمهارات وطرق التفكير وتغيير الاتجاهات والقيم وتعديل أساليب التوافق, ويشمل النواتج المرغوبة وغير المرغوبة, أما التحصيل الدراسي, فهو أكثر اتصالاً بالنواتج المرغوبة للتعلم أو الأهداف التعليمية, وهو عامل تابع أو متأثر بعوامل أخرى مستقلة, أهمها وأكثرها مباشرة وحدوثًا هي: المتعلم والمعلم والمنهج أو الكتاب المنهجي. يلي هذه العوامل الإدارة المدرسية والأسرة والأقران والتقنيات التربوية والإرشاد الطلابي والغرفة الدراسية واللوائح التنظيمية وغيرها.

والتحصيل الدراسي هو الحصول على معلومات وصفية تبين مدى ما حصّله التلاميذ بطريقة مباشرة من محتوى المادة الدراسية, وذلك من خلال الاختبارات التي يطبقها المعلم على طلابه على مدار العام الدراسي لقياس مدى استيعاب الطلاب للمعارف والمفاهيم والمهارات التي لها علاقة بالمادة الدراسية في وقت معين أو في نهاية مدة تعليمية معينة. كما يساعد التحصيل الدراسي المدرس على رسم صورة نفسية لقدرات التلاميذ العقلية والمعرفية, فيما أن الاختبارات التحصيلية المدرسية تهدف إلى تحديد المستوى المعرفي للتلميذ بالنسبة لفرقته الدراسية أي تنسب درجة كل طالب في الاختبار التحصيلي إلى مستوى درجات كل الطلاب في فرقته الدراسية, فإن هذا يعطي للتحصيل الدراسي قيمة تشخيصية وتنبؤية.

ويعد تقويم هذه الناحية المعرفية للطالب - المتمثلة بالتحصيل الدراسي - من أبرز أساسيات عمل الأنظمة التعليمية, حيث يتم عن طريقها معرفة فعالية المؤسسات التعليمية بجانبيها الكمّي والنوعي, فهو عمل مستمر يستخدمه المدرس لتقدير مدى تحقيق الأهداف التربوية عند الطلبة, فضلاً عن أنه يؤدي دورًا مهمًا للتربية باعتباره العملية التي تصدر عنها أحكام تستخدم كأساس للتخطيط وتقدير خصائص المدرسة, من حيث النظام والمناهج والطرائق والنتائج.

وهناك عوامل تؤثر في التحصيل الدراسي, تقسم إلى قسمين: العوامل الخارجية وهي البيئة المحيطة بالطالب, والعوامل الداخلية وهي الخصائص المعرفية والنفسية للطالب التي تميز شخصيته عن غيره. وتعد هذه العوامل مهمة في زيادة مستوى التحصيل الدراسي عند الطالب.

التفاعل المفقود....والمأمول

إن المعلومات والخبرات التي يحصلها الطالب عن طريق البرامج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة ما هي إلا وسيلة لعملية إعداده الشاملة التي تمكّنه من ممارسة أدواره الوظيفية التي يعد لها, ولغرس قيم المجتمع ومعاييره بما يجعل هذا الطالب عضوًا نشيطًا وفعالاً داخل مجتمعه.

ويعد المعلم ركنًا أساسيًا من أركان العملية التعليمية, فالخصائص المعرفية والانفعالية للمعلم مهمة في عملية التعليم ونتاجها الفعّال عند المتعلم, حيث إن لهذه الخصائص آثارها على الناتج التحصيلي للمتعلم من حيث إشباع حاجاته النفسية والحركية والانفعالية والمعرفية والاجتماعية.

ويؤدي التفاعل بين المعلم والطالب والمنهج إلى حدوث التعلم والتحصيل الجيد, فالتربية عملية تفاعل بين إنسان وآخر, في زمان ومكان محددين لتحقيق هدف تحصيلي معين, وعوامل التربية عندما تتفاعل معًا تنتج حاصلاً جديدًا نسمّيه بالتعلم.

كما أن الامتحانات المدرسية لها أهمية خاصة بالنسبة لجو الصحة النفسية في المدرسة, فيما أنها الجزء الأساسي من البرنامج التربوي, لذا فإن اتجاهات المدرس والتلاميذ نحوها تحتل أهمية بالغة بالنسبة للصحة النفسية, إذ ينبغي ألا يعطي المدرس انطباعًا عن الامتحانات أنها شيء يبعث على الخوف والرهبة, بل على العكس, ينبغي أن تكون وسائل لمساعدة كل من التلاميذ والمدرسين على كشف إلى أي حد قد حققوا تقدمًا في اكتساب المعارف والمهارات, كما أنها وسائل تستخدم كمشروع تعاوني بينهم, فالامتحانات بالصورة الخاطئة التي تتم بها تمثل فترات من التوتر التي تؤدي إلى تعطيل الاطراد في عملية النمو.

ويتأثر التحصيل الدراسي بمدى توافق الطالب مع محيط المؤسسة التعليمية من حيث علاقته مع زملائه ومدرّسيه.

فجماعة الأتراب, على سبيل المثال, قد تسهم في خفض دافعية التحصيل الدراسي عند المراهق, خاصة إذا انتمى إلى عصبة تهوّن من شأن التحصيل الدراسي, وذلك لأن الحاجة لهذه الجماعة في هذه المرحلة بالذات تمثل أهمية تفوق دافعية الإنجاز التي يمتلكونها.

كما تتعلق دافعية الطالبة للإنجاز بخصائصهم الشخصية وقدراتهم العقلية, ومن بين خصائص الشخصية هذه: الثقة بالنفس والانبساط والثبات الانفعالي وامتلاك اتجاهات إيجابية نحو التعلم والتفاعل الشخصي الجيد مع نشاطات المدرسة. أما القدرات والأساليب المعرفية العقلية فتتمثل بالمرونة الفكرية والاستدلال بشقيه الاستقرائي والاستنباطي والقدرة على مواجهة المشكلات.

فتش عن الأسرة

على الرغم من أن تأثير المدرسة قد ازداد فيما يتعلق بالتعليم واكتساب المهارات, فإن الأسرة لاتزال تملك دورًا أساسيًا في عملية التنشئة الاجتماعية, إذ إنها تشارك المدرسة في عملية التنشئة الاجتماعية وتؤثر بقوة في استجابة الطفل للمدرسة.

ولذلك تظهر فروق واضحة بين أفراد طبقات المجتمع الواحد والمنتمين إلى ثقافات مختلفة بسبب اختلاف ممارسات التنشئة من طبقة اجتماعية إلى طبقة أخرى ومن ثقافة إلى أخرى فالطبقات التي تشجع على الاستقلالية والمبادأة وتثيب ذلك منذ السنوات المبكرة في الطفولة تنزع إلى إنتاج أفراد يتمتعون بدافع مرتفع للتحصيل الدراسي.

كما أن طموح وتوقع الأبناء يرتبط بطموح وتوقع الوالدين, وهذا الطموح له علاقة بالوضع الطبقي للأسرة, فقد ظهر أن طموح وتوقعات الطبقة الوسطى تفوق تلك التي عند أعضاء الطبقة العاملة, مما يؤثر في اختلاف درجات ومعدلات التحصيل لدى الأبناء تبعًا لذلك. وقد وجدت علاقة سلبية بين المستوى الاقتصادي الاجتماعي ومستويات الطموح ومن ثم مستويات التحصيل الدراسي, أي أن مستوى الطموح يرتفع بانخفاض الطبقة الاجتماعية, وكذلك الأمر بالنسبة لمعدلات التحصيل الدراسي.

ويكتسب المراهقون مواقفهم تجاه المدرسة من أسرهم, فآباء الطلاب المراهقين متدني التحصيل يولون أهمية للنجاح في المدرسة أقل مما يفعل آباء المراهقين ذوي التحصيل الدراسي المرتفع, ولهذا فإن هؤلاء الآباء لا يشجعون على الأرجح الاهتمامات الفكرية أو المواقف الإيجابية إزاء المعلمين والمدرسة, ويشكون في فائدة التربية الرسمية كطريق للتقدم في الحياة, كما أنهم لا ينتبهون إلى كيفية سير أبنائهم في المدرسة, ولا يستخدمون المكافآت والعقوبات فيما إذا كانوا قد أنجزوا واجباتهم المدرسية أو حصلوا على درجات جيدة, ونتيجة لذلك لا ينمّي هؤلاء الأبناء - على الأرجح - دافعًا كبيرًا للتحصيل الدراسي.

فمعاملة الوالدين لأبنائهم تتأثر بالمستوى الاجتماعي - الاقتصادي للأسرة مما يؤدي إلى ارتباطها سلبًا أو إيجابًا بمستويات تحصيل الأبناء. فقد بين (تومي) أن الأبوين اللذين يهتمان بحياة أبنائهما ويشاركان في نشاطاتهم يؤثران إيجابيًا في إنجاز أبنائهم الدراسي.

وكذلك ما توفره الأسرة لأبنائها من بيئة اجتماعية نفسية, وما تتيحه لهم من إمكانات مادية تلبي متطلباتهم الدراسية, يساعد على تحقيق الأمن النفسي والاستقرار الاجتماعي لهؤلاء الأبناء.

الدافعية, ومفهوم الذات

تشير الدافعية إلى حال داخلية في الفرد تستثير سلوكه وتعمل على استمرار هذا السلوك وتوجيهه نحو تحقيق هدف معين.

وقد اعتبر ماكيلاند الحاجة إلى الإنجاز دافعًا أساسيًا من دوافع السلوك, يوجد في كل موقف يتسم بالمنافسة للوصول إلى مستوى معين من الإجادة. وعادة ما يكون هذا المستوى نتيجة لمقارنة جهوده بجهود الآخرين أو نتيجة لطموح الشخص نفسه. وتشبع هذه الحاجة عن طريق مثابرة الفرد عندما يتوقع أن إنجازه سوف يقيم في ضوء معايير التفوق, والدافع إلى الإنجاز وجهان أحدهما الرغبة في التفوق. والجدارة والآخر الخوف من الفشل.

وقد أشار بوكوك إلى أن دافع الإنجاز - كما يقاس حاليًا - وسيلة جيدة للتنبؤ بالسلوك الأكاديمي, كما بين دانهام ارتباط دافعية الإنجاز بالتحصيل الأكاديمي. وإذا كانت دافعية الإنجاز أحد العوامل المهمة التي تؤثر في تحديد النجاح أو الفشل في المستقبل, فإن لخبرات النجاح أو الفشل علاماتها المميزة في كل من شدة واتجاه الدافعية للإنجاز عند الأفراد, فيشعرون بها إذا كانوا مدفوعين للنجاح, أو يشعرون بقلق الإنجاز إذا كانوا مدفوعين لتجنب الفشل, فالعلاقة بين دافعية الإنجاز والنجاح أو الفشل علاقة دائرية يؤثر كل منها في الآخر, كما يتأثر به.

وقد لاحظ ويندت من خلال دراسة قام بها بجميع بيانات من مجموعة صغيرة من طلاب المدارس الثانوية, ارتباط مستوى الدافع للإنجاز بكمية العمل (عدد المسائل التي تم حلها) وبنوعية العمل (نسبة الإجابات الصحيحة) في أداء بعض المسائل الحسابية كما لاحظ أن الطلاب ذوي دافع الإنجاز المرتفع كان أداؤهم أفضل حتى عندما كانت فترة العمل غير محددة زمنيًا رغم أن الطالب في مثل هذه الحالة الأخيرة هو الذي يحدد سرعته في العمل.

ويمكن أن نستنتج من هذا أن قوة الدافع للإنجاز تجعل هؤلاء الطلاب يحافظون على مستويات أداء مرتفعة دون مراقبة خارجية, ويتضح من ذلك العلاقة الموجبة بين دافعية الإنجاز والمثابرة في العمل والأداء الجيد.

ويتأثر سلوك الفرد وأداؤه بمفهومه عن ذاته, والتحصيل الدراسي باعتباره نوعًا من الأداء يتأثر بمفهوم الطالب عن ذاته, فنظرة التلميذ إلى نفسه كشخص قادر على التحصيل والنجاح في تعلمه المدرسي, تعمل كقوة منشطة تدفعه إلى تأكيد هذه النظرة والحفاظ عليها. فمع مرور الزمن - أثناء تعلمه المدرسي - يطور مفهوم ذات يعكس إحساسه بالقدرة على تعلم المهام التعليمية, مما يؤثر في نظرته لنفسه كمتعلم (مفهوم الذات الأكاديمي) وفي نظرته العامة لنفسه (مفهوم الذات العام), ويطور التلاميذ الناجحون وغير الناجحين مفاهيم ذات أكاديمية مختلفة, فهناك العديد ممن يواجهون صعوبات دراسية وانخفاضًا في مستوى تحصيلهم الدراسي مع أنهم ليسوا من ذوي الذكاء المنخفض أو من ذوي الحاجات الخاصة, ولكن لأنهم تعلموا أن يعتبروا أنفسهم غير قادرين على التحصيل المرتفع, وهذه النظرة مستمدة من المحيطين بالتلميذ والمهمين في حياته كالآباء والمدرسين والأصدقاء, فإذا عاملوه على أنه قادر على التحصيل والنجاح فإنه سينظر إلى نفسه بما يتفق مع هذه المعاملة, ويتولد لديه إحساس عام بأن لديه القدرة على النجاح, مما يؤدي إلى بذل الجهد كي يحقق المزيد من النجاح, أما إذا كان التلميذ يقدر ذاته بأنه يعجز عن التحصيل والنجاح, وكان يرافق ذلك تقديرات خارجية مماثلة فسيتولد لديه إحساس عميق بالعجز عن النجاح في تعلم مهام الموضوع نفسه. وإن تكرار الأحكام الخاصة بالقدرة أو عدم القدرة على النجاح بشكل ثابت لعدد من السنوات يترك آثارًا بارزة في مفهوم الذات.

فتوقعات الآباء والمدرسين والأصدقاء الإيجابية تلعب دورًا في تكوين الصورة الإيجابية للذات عند التلميذ وتدفعه إلى العمل على رفع مستواه التحصيلي.

كما يتأثر التحصيل الدراسي بالطريقة التي ينسب فيها الطالب نجاحه وفشله, فمن يملك مفهوم ذات إيجابيا ينسب نجاحه أو فشله إلى إمكاناته الداخلية, وعلى العكس, من يملك مفهوم ذات سلبيا عن ذاته سوف ينسب نجاحه أو فشله إلى العوامل الخارجية.

ففي دراسة قام بها وينر وجد أن الأشخاص ذوي الدافع الإنجازي العالي ينسبون أداءهم إلى عوامل داخلية, فنجاحهم يعود إلى المقدرة العالية والجهد المبذول, وينسبون فشلهم إلى قلة الجهد الذي بذلوه, أما الأشخاص ذوو الدافع الإنجازي المنخفض فقد كانوا أكثر ميلاً لنسبة نجاحهم إلى عوامل خارجية مثل سهولة الواجب والحظ الجيد, وفشلهم إلى عوامل داخلية مثل قلة المقدرة أو نقصها أو سوء الحظ. ومن خلال هذه النتائج فإن من الممكن التنبؤ بنجاح الفرد أو فشله حينما يجابه بواجب ما, فالفرد الذي ينسب نجاحه إلى عوامل داخلية فإنه من المتوقع أن ينجح أما من ينسب فشله إلى عوامل خارجية فسيكون غيرواثق من نجاحه مما يؤدي إلى فشله واستسلامه بسهولة.

ولا يضمن النجاح في مهام التعلم المدرسي تكوّن مفهوم ذات إيجابي بشكل عام, وإنما يزيد من احتمال تحقيق ذلك. وعلى النقيض من هذا فإن الفشل في التعلم المدرسي ينتج عنه احتمال عالٍ لتكون مفهوم ذات أكاديمي سلبي بشكل عام ويدفع التلميذ لأن يبذل جهودًا جادة للحصول على الأمن وعلى ما يؤكد ذاته في ميدان آخر.

فلا شك أن التحصيل الدراسي يجعل الطالب يتعرف على حقيقة قدراته وإمكاناته, فوصوله إلى مستوى تحصيلي مناسب يبث الثقة في نفسه ويعزز مفهومه الإيجابي عن ذاته, ويبعد عنه القلق والتوتر, مما يقوي صحته النفسية. أما فشله في التحصيل الدراسي فإنه يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس, والإحساس بالإحباط والنقص, كما يؤدي إلى التوتر والقلق, وهذا من دعائم سوء الصحة النفسية للطالب.

الذكاء.. الذكاء

يعرف الذكاء بأنه قدرة الفرد على التكيف بنجاح مع ما يستجد في الحياة من علاقات.

ويعرف بأنه القدرة على التعلم أو التفكير المجرد أو التصرف الهادف والتفكير المنطقي, وهي تعريفات تهتم بقدرة الفرد على اكتساب المعارف والخبرات والإفادة منها واستخدامها في حياته, ذلك أن الشخص الذكي هو الأسرع فهمًا والأقدر على التعلم والابتكار وحسن التصرف والأنجح في الدراسة أو العمل بوجه عام.

وقد عرفه كامن: بأنه المعرفة المكتسبة, فالشخص المطلع في ناحية ما والذي حصل على درجة أكاديمية, أو الذي اكتسب بطريقة أو بأخرى شهرة لزيادة معرفته يعد شخصًا ذكيًا سواء أكان حاذقًا في حل المشكلات أم لم يكن.

والذكاء من أكثر الموضوعات التي نالت اهتمامًا من جانب علماء النفس والتربية منذ بداية القرن العشرين حتى الآن, إلى أن أصبح التنبؤ بمستوى تحصيل الطالب عن طريق قياس ذكائه من الأمور البديهية, فغالبًا ما يحصل الطلاب ذوو الأداء الجيد في اختبارات الذكاء على تقديرات مرتفعة في التحصيل الأكاديمي, بينما يميل ذوو الأداء المنخفض إلى الحصول على تقديرات ضعيفة.

ولا بد من الإشارة إلى الفرق بين اختبارات الذكاء واختبارات التحصيل, فاختبارات الذكاء تقيس القدرة على التعلم, أما اختبارات التحصيل فإنها تقيس ما الذي تعلمه الشخص وحصله, وهي تؤخذ من مناهج المدرسة, وتهتم بالعمليات العقلية, كما تبرز من خلال أداء التلميذ في المواد الدراسية المختلفة.

وقام كل من تيرمان وأودين بدراسة تتبعية لمجموعة من الأطفال الأذكياء جدًا حتى وصلوا إلى مرحلة الرشد, فوجدوا أن أفراد هذه المجموعة كانوا دائمًا متفوقين على الشخص العادي الذي في العمر نفسه, (90%) دخلوا الكليات, (70%) تخرجوا منها, (800) رجل منهم في سن الأربعين نشروا (67 كتابًا) وأكثر من (140) مقالة علمية ومهنية وأكثر من (200) قصة قصيرة ومسرحية, وحازوا على (150) براءة اختراع (المليجي, 2000, 375).

ويعد الارتباط بين الذكاء والتحصيل الدراسي أكبر وأوثق في مراحل التعليم الأولى منه في المراحل العليا.

فالطلبة ذوو الذكاء العالي والذين يكتسبون درجات تحصيل مرتفعة يستمرون في المدرسة لمدة أطول, في حين يميل الطلبة ذوو الذكاء المتدني إلى التقصير في العمل الصفي وإلى التسرب مبكرًا من المدرسة.

ماذا عن الاستعداد?

يعرف الاستعداد بأنه: مدى قابلية الفرد للتعلم, أو مدى قدرته على اكتساب سلوك أو مهارة معينة إذا ما تهيأت له الظروف المناسبة, ويختلف هذا السلوك المتعلم أو المهارة في درجة تعقده, فقد يكون مهارة عقلية مثل تعلم اللغات الأجنبية والرياضيات, أو يكون تعلم أنشطة حركية أو جسمية بسيطة, ولذلك فإن تعريف الاستعداد يتضمن القدرة على تعلم مهارات متنوعة وسلوك متعدد. فالمهم هو القدرة على التعلم وليس نمط السلوك المتعلم أو نوع المهارة المكتسبة.

وقد تم تحديد نوعين من الاستعداد وفق اتجاهات بياحيه: الأول منهما الاستعداد النمائي حين افترض أن المرحلة التطورية النمائية التي يمر بها المتعلم تحدد مدى استعداده لاستيعاب وتمثل الخبرة التي تقدم له, والاستعداد الخاص الذي سماه بالقابليات أو المتطلبات السابقة إذ افترض أن كل خبرة أو موضوع يقدم للطلبة يتطلب توافر خبرات سابقة, ومفاهيم قبلية ضرورية للتعلم الحالي, فتعلم الطلبة واستيعابهم للخبرة يتوقف على حالة استعدادهم العام والخاص وإن غياب الاستعداد يسهم في تدني الدافعية للتعلم لديهم.

ويختلف التحصيل الدراسي عن الاستعداد, فالاستعداد الدراسي يعتمد على الخبرة التعليمية العامة, أي يعكس التأثير التجمعي للخبرات المتعددة التي يكتسبها الفرد في سياق حياته اليومية, أما التحصيل فيعتمد على خبرات تعليمية محددة في أحد المجالات الدراسية أو التدريبية. كما أن الاختبارات التحصيلية تقيس التعلم الذي يتم تحت شروط محددة بدرجة نسبية وفي ظروف يمكن التحكم فيها مثل التعلم الذي يتم داخل الصف المدرسي أو في برنامج تدريبي معين, ويكون التركيز على الحاضر أو الماضي, أي ما تم تعلمه بالفعل, أما اختبارات الاستعدادات مثل بطاريات الاستعدادات المتعددة, واختبارات الاستعدادات الخاصة فإنها تتنبأ بالأداء اللاحق, أي ما يمكن للفرد أداؤه مستقبلاً إذا ما أتيحت له الظروف المناسبة.

وقد أدى استعمالها للتنبؤ بالتحصيل الدراسي إلى تأكيد أن مستويات التحصيل المرتفعة لا تتحقق إلا للطلبة الأكثر استعدادًا وقدرة, أي أن هناك علاقة سببية بين الاستعداد والتحصيل, بمعنى أن الطلبة ذوي درجة الاستعداد الدراسي المرتفع يستطيعون تعلم الأفكار والمفاهيم المعقدة في حين لا يستطيع ذلك الطلبة ذوو الاستعداد الدراسي الضعيف.

وقد دلت نتائج الدراسة التي قام بها أتكينسون والتي أجريت على مجموعتين من الطلبة, الأولى استعدادها الدراسي مرتفع, والثانية استعدادها الدراسي منخفض, على أن ذوي الاستعداد المرتفع يتميزون بارتفاع درجاتهم التحصيلية بغض النظر عن قوة دافع الإنجاز لديهم, وكذلك بالنسبة لذوي الاستعداد المنخفض, إذ تبين انخفاض مستوى تحصيلهم بغض النظر عن قوة هذا الدافع.

 

بسماء آدم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات