المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

أيام القرين... لمسات من الفكر والفن والإبداع

على مدى أسابيع ثلاثة, عاشت الكويت أفراح عيدها الثقافي السنوي, مهرجان القرين العاشر والذي أصبح معلما لها, ومهرجانًا عربيًا ذائع الصيت ينتظره المثقفون الكويتيون والعرب عاما بعد الآخر. ويعد هذا المهرجان الذي أسسه د.سليمان العسكري عام 1993 متنفسًا ثقافيًا حقيقيًا يستطيع فيه الجمهور الكويتي المحب للثقافة والفنون كل ما يستطيع أن يطمح إليه من ندوات ثقافية إلى معارض فنية إلى حفلات موسيقية ومسرحية. أي أنه باختصار يجمع مختارات من أجمل الفنون التي قدمها العالم خلال عام واحد ويقدمها من خلال أيام هذا المهرجان.

وقد حرص المهرجان في سنواته الأخيرة على أن يقوم بتكريم شخصية عربية مهمة لها دورها البارز في مجال العمل الثقافي. سواء كانت رسمية أو غير ذلك. وشخصية هذا العام كانت الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لحكام الإمارات وحاكم الشارقة, ولكنه قبل ذلك المثقف والفنان الذي جعل من النهضة الثقافية للشارقة أحد أهدافه الأساسية, وقدم من خلال هذه الإمارة الصغيرة نموذجًا للنهوض بالعمل الثقافي, وإنشاء البنية الأساسية لها من خلال عدد من البيوت المتخصصة في كل مجالات الفنون والثقافة. وقد قال وزير الإعلام في كلمته التي افتتح بها حفل التكريم (بتكريم سمو الشيخ د.سلطان نكرم العلماء ذوي القامات الشامخة الذين يجمعون بين معرفة التاريخ والغوص في الجغرافيا والانتساب إلى الإبداع والإبحار في الأدب واعتلاء صهوة المسرح...). وللشيخ سلطان العديد من المؤلفات التاريخية والأدبية, وقد نال درجة الدكتوراه من جامعة أكستير حول أسطورة القراصنة العرب في الخليج, ثم أصدر بعد ذلك (الاحتلال البريطاني لعدن والوثائق العربية العمانية في مراكز الأرشيف الفرنسية) و(يوميات ديفيد ستون في الخليج) وغيرها من المؤلفات التي حصل بسببها على العديد من الجوائز والألقاب الفخرية.

ومن مجموعة الشيخ سلطان القاسمي الخاصة افتتح معرضًا للخرائط التاريخية تحت عنوان (الكويت وصورة الخليج في الخرائط التاريخية بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر). وقد اشتمل المعرض على 71 خريطة تمثل فترات تاريخية متنوعة بدءًا من خرائط بطليموس التي يعود عمرها إلى 1000 عام إلى الخرائط التي ظهرت في أواخر القرن قبل الماضي, ويمثل المعرض الثقافة شديدة الأهمية إلى تاريخ الكويت والمنطقة العربية كلها.

وأقام المهرجان أيضا ندوته السنوية, وكانت تحمل عنوان (العصر العربي الجديد...الواقع والتحديات), وشارك فيها نخبة كبيرة من المفكرين من العالم العربي. وقد ناقشت العديد من المشكلات التي تواجه العالم العربي.

وبجانب هذا النقاش الفكري الصاخب, تواصلت العروض الفنية للمهرجان, وقدمت الهيئة العامة للشباب والرياضة عرضًا مسرحيًا بعنوان (المقايضة) للمخرج المسرحي الكويتي سلمان البسام الذي أثبت وجوده أخيرًا كمسرحي مبدع على المستوى العربي والدولي. وكذلك أقام المعهد العالي حفلا للفنون الموسيقية أدى فيه العديد من الأغاني والموشحات العربية القديمة. ومن الأردن جاءت فرقة طارق الناصري وهي فرقة طليعية نجحت في تقديم الموروث الموسيقي والتراث الشعبي برؤية عصرية, ومعروف أن طارق الناصر قد قام بتأليف الموسيقى التصويرية لمسلسلات تلفزيونية مثل (الجوارح) وغيرها. ومن لبنان جاءت فرقة شربيل روحانا, وهي فرقة تقدم الموسيقى العربية الحديثة بتوزيع جديد وعلى آلات لم تكن ضمن التخت العربي التقليدي. وقد قدم قائد الفرقة مقطوعات عدة من تأليفه, ومن كبار الموسيقيين العرب, ولكن بأسلوب عصري مختلف. أما الفنون التقليدية, فقد كان لها نصيب حافل من خلال سهرة السيرة الهلالية التي يقدمها الشاعر المعروف عبدالرحمن الأبنودي, ويغنيها شاعر الربابة سيد الضوى وفرقته. ومعروف أن الأبنودي واحد من عشّاق السير الهلالية, وقد سافر إلى معظم البلاد التي عبرتها قبائل بني هلال في رحلتها الطويلة وجمع العديد من المخطوطات والروايات النادرة لهذه السيرة.

ومن مصر جاءت الفنانة المعروفة بوسي لتقدم عرضًا لمسرحيتها (عيد الميلاد) المأخوذة عن نص ألماني, والمسرحية من نوع المونودراما الذي يعتمد على الممثل الواحد, وقد قدمت هذه المسرحية بنجاح في القاهرة وأشاد بها النقاد.

وقد شهد المهرجان أيضا افتتاح عدد من المعارض الفنية منها الفنان الكويتي عبدالرحيم سالم واللبناني نزار صابور ومعرض جمع نماذج من أعمال الفنانين التشكيليين في المغرب.

وفي النهاية كانت حصيلة هذا المهرجان حافلة, جمعت بين الفكر والفن وقدمت وجبة ثرية لعشاق الثقافة في الكويت كما جددت أواصر العلاقات الفنية والثقافية الحميمة بين الكويت وعالمها العربي.

مصر

مصر تنفض الغبار عن تراث هيكل

منذ أكثر من أربعين عاما أو تزيد شرع أحمد هيكل المحامي في جمع ما تناثر من كتابات أبيه الدكتور محمد حسين هيكل, في رحلة مضت به بين الصحف والمجلات ومحاضراته في المحافل العامة على مدى يقارب نصف القرن. وقد تحمس الابن حينئذ لهذه الغاية, وبتشجيع ومعاونة من بعض الأصدقاء, مضوا يجمعون من هنا وهناك مقالات عديدة منها ما نسخ بخط اليد من دوريات دار الكتب المصرية.

ويبدو أن المفكر الدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة قد أرجأ نشر مؤلفه حول عميد الرواية العربية الدكتور هيكل ليفسح المجال لابنه أحمد هيكل المحامي كي يخرج عن المجلس المشروع الذي أنفق في سبيل إعداده أربعة عقود جمع شتاتها. ساند عصفور مشروع هيكل الابن كمفكر ومسئول, فأفسح له سلسلة من إصدارات المجلس الأعلى للثقافة, قدم لها بدراسة ضافية جاء فيها: يتمثل هذا المشروع في نشر المجلس ستة مجلدات لأعمال المبدع والمفكر الرائد محمد حسين هيكل, المتجسد في مقالاته التي لم يسبق جمعها بين دفتي كتاب, احتفاء بالدور الذي قام به الرجل في تأسيس ثقافتنا الحديثة.. وهذا الاحتفاء واجب ينهض به المجلس وفاء وتقديرا من ناحية, وتأصيلا لمعنى متميز, في سياق الاحتفاء بأعلام الاستنارة العربية الذين أسهموا في تأسيس وعينا الثقافي المعاصر, وأكدوا حضور الدولة المدنية في أذهاننا من ناحية موازية. وعندما نتحدث عن جهود هؤلاء الأعلام فإننا نتحدث عن تراث حديث, أسهم في صنعه المشايخ والأفندية الذين أخذوا على عاتقهم عبء النهوض بالأمة ودفعها إلى أفق التقدم المتصل. وأضاف عصفور أن هيكل يحتل موقعا بارزا من مواقع الصدارة في هذا التراث بوصفه رائدا من الرواد الذين أسهموا في تطوير مجالات الفكر والإبداع, وأضافوا إلى أشكال الممارسة السياسية والاجتماعية والثقافية ما دعم حضور الاستنارة.

وحول العلاقة بين هيكل وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين نقرأ: ولم يكن من قبيل المصادفة أن يكون طه حسين الأقرب إلى هيكل من أبناء ذلك الجيل, فطه حسين شبيه هيكل في النشأة الريفية الأولى وشبيهه في الانحياز إلى فن القصة التي استلهما أوائلها من حياة القرية التي كانت منبع الهوية, وشبيهه في المثاقفة الفرنسية التي وصلت بينهما في مجموعة (اللاتين) التي ضمت أمثال مصطفى عبد الرازق وتوفيق الحكيم وغيرهما من الأقران الذين مايز طه حسين بين طرائقهم في التفكير وطرائق مجموعة (السكسون) التي ضمت أمثال عباس محمود العقاد وعبد القادر المازني وغيرهما من السكسونيين المتصلين بالثقافة الإنجليزية, وذلك في المناظرة الشهيرة التي استهلها طه حسين عندما كتب عن اللاتين والسكسون, فأهاج العقاد قطب السكسونيين البارز ودفعه إلى الدخول معه في معركة دالة على التكوين الثقافي لأبناء ذلك الجيل.

ويروي لنا أحمد هيكل المحامي, نجل الدكتور محمد حسين هيكل, صاحب أول رواية في الأدب العربي (زينب), كيف أعد فهرس المقالات التي توصل إليها في جرائد (السفور) و(السياسة الأسبوعية) وغيرهما. وكانت الدراسة الجامعية قد بدأت أو كادت, فيقول: كنت حريصا على ألا أرجئ الأمر بسبب الدراسة فدلني صديق عزيز على رجل حسن الخط يدعى, رغم زيه الإفرنجي, بالشيخ حسين, وأوصاني بأن أعهد إليه بنسخة المقالات وفقا للفهرس الذي وضعته. ونسخ الرجل المقالات, وكلما تجمع عدد منها أذهب إلى دار الكتب لمطابقتها على الأصل.

وخلال عدة سنوات تجمعت مجموعة كبيرة من المقالات صدر منها في الستينيات من القرن العشرين (الحكومة الإسلامية), (الشرق الجديد), (الإيمان والمعرفة والفلسفة (قصص مصرية) و(شرق وغرب). والحق أن الدكتور هيكل لم يعن كثيرا بجمع مقالاته بعد أن أصدر بعضها في كتابيه: في وقت الفراغ, وثورة الأدب.

وربما كان من الأسباب التي أدت إلى تأخير صدور هذه المجموعة ترتيب العمل فيها ووضع خطة له, كان لابد أولا من الاختيار بين أحد أسلوبين: إما نشرها جميعا بتسلسلها الزمني على اختلاف موضوعاتها وتنوعها, أو تبويبها بحسب موضوعاتها مما يتطلب عملية انتقاء بينها لم يكن لي أن أقوم بها دون معايير دقيقة يتم الانتقاء بناء عليها رغم صعوبته. وقد انتهى هيكل الابن إلى ضرورة الأخذ بالطريقتين معا أي بالتبويب والانتقاء بحسب الموضوعات. ثم بالترتيب الزمني في نطاق هذه الموضوعات, وذلك حرصا على وحدة الموضوع وتسلسل الأفكار من جهة وعلى تسهيل الرجوع إليها وربطها بالمراحل المختلفة في حياة الدكتور هيكل الفكرية والعملية.

ومما يجدر بالذكر أن الجزء الأول من الكتاب يتناول الحياة الأدبية, شعرا ونثرا, ليس من خلال دراسة نظرية, بل من خلال مقدمات تتناول أعمالا صدرت في حينها واحتل الكثير منها مكانة مهمة في حياة مصر الثقافية من بعد. أما الأجزاء التالية فسيتبع فيها أسلوب التصنيف نفسه الذي اتبع في الجزء الأول وإن كانت بالضرورة سوف تكون أكثر تنوعا بحكم تعدد المجالات التي كتب فيها الدكتور هيكل وعالجها في حياته العملية. فالجزء التالي سوف يضم مقالاته عن الديمقراطية والحياة النيابية ودور الرأي العام فيها, والحياة السياسية في مصر ودورها في الحياة الدولية, وعن الإحياء العربي والتعاون من أجله, ويعرض كذلك لأهمية الحوار بين الأمم ودوره في إقرار السلام في العالم, ويتناول أخيرا بعض مقالات له عن الصحافة وأوضاعها في مصر في ذلك الحين.

أما الجزء الذي يليه فسوف يضم في معظمه خواطر إنسانية وآراءه في اللغة والأدب, وخواطر عن الفنون وصلتها بالحياة. ويتناول الجزء الرابع مقالات الدكتور هيكل في الإصلاح الاجتماعي وإصلاح التعليم بمختلف مراحله, كما يتناول أوجه إصلاح بعض مؤسساتنا الثقافية في ذلك العهد. ويجيء الجزء الخامس أكثر تنوعا وإن كان يغلب عليه الطابع السياسي, يضم بعض مقالات الدكتور هيكل وخطبه عن مصر ودورها في الحياة الدولية, يتناول فيها بعض ما شهده أو شارك فيه من أحداث وثيقة الصلة بحياة مصر والمصريين, وربما كان لها تأثيرها عليها حتى اليوم, وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ثم يأتي بعد ذلك جزء أخير يتضمن بعض الخواطر الإسلامية للدكتور هيكل وعدد كبير من المقالات التي كتبها في القسم الأخير من حياته, وهي في جانب كبير منها ذكريات وعبر.

مصطفى عبد الله

بيروت

رسائل لطفي السيد إلى الآنسة ميّ

عندما نشرت مجلة الهلال المصرية في بداية الستينيات من القرن الماضي (عددا يناير وفبراير لعام 1963) رسائل عاطفية بعث بها لطفي السيد إلى مي زيادة أصيب الكثيرون بالدهشة والذهول, ذلك أن أحدًا لم يكن يتوقع أن يكون من يُلقّب بأستاذ الجيل, ورجل العلم والفكر والرصانة, ومترجم أرسطو إلى العربية, في عداد ضحايا ميّ الكُثُر, لقد كان معروفا أن لطفي السيد هو أحد روّاد ندوة مي الأسبوعية التي كانت تُعقد في منزلها في أصيل كل ثلاثاء, كما كان معروفًا أنه من الرواد المنتظمين الذين لا يتغيبون عن حضور الندوة إلا بعذر شرعي. ولكن الذين كانوا يعرفون كل ذلك عنه, كانوا يعتبرون أن حضوره لا يختلف عن حضور كثيرين ممن لا يثير حضورهم أدنى شبهة عاطفية كالشيخ مصطفى عبدالرزاق أو د.طه حسين أو أحمد شوقي أو حافظ إبراهيم.

ولكن أستاذ الجيل فاجأ الجميع بدخوله حلبة الصراع السرّي أو الصامت على قلب مي مدة عشر سنوات بالتمام والكمال كتب إليها خلالها, كما كتبت هي إليه رسائل كثيرة أشعلت فيما يبدو قلبه, كما أشعلت عاطفة رقيقة في قلبها تجاهه, إن لم تَرق إلى مرتبة الحب, فلاشك أنها استقرت في مرتبة الصداقة الدافئة, نعم خلالها (أستاذ الجيل) بعلاقة حميمة دافئة مع أنثى مثقفة جمعت إلى ثقافة الشرق ثقافة الغرب, وأشعلت حرائق كثيرة في قلوب عدد من معاصري لطفي السيد, وكان من هؤلاء, كما نستنتج من بعض رسائله إليها, د.شبلي الشميل الذي كان لطفي, كما يظهر من إحدى هذه الرسائل, يفاد منه أو يذكر اسمه كمنافس له على قلب مي!

وقد بدأت هذه العلاقة بين لطفي ومي سنة 1911, أي في بدايات القرن الماضي, كان لطفي يصطاف في لبنان, وذات ليلة جلس يتناول عشاءه مع والده سيّد باشا أبو علي وصديقه خليل سركيس في فندق بسبسول ببيروت, كان بالقرب منه فتاة تجلس إلى طاولة مجاورة وتتحدث بالفرنسية حديثًا فصيحًا مع قنصل فرنسا في مصر. كانت مي تدافع عن المرأة الشرقية دفاعًا حادًا قويًا, فسأل لطفي السيد صديقه سليم سركيس: من تكون هذه الفتاة المتحمسة للمرأة الشرقية? فأجابه: إنها ماري زيادة ابنة الصحافي المعروف الياس زيادة صاحب جريدة (المحروسة) وكان من الطبيعي أن يتعارفا بعد ذلك.

ولما رجع لطفي السيد من لبنان, ورجعت الآنسة مي, أهدت إليه كتابها (ابتسامات ودموع), وهي رواية حب نقلتها مي من الألمانية إلى العربية, وكانت الفرنسية تغلب عليها وتكاد أن تكون لغتها الأولى, وقد أثرت هذه اللغة على أسلوبها العربي لاحقا عندما أخذت تنشر في (المحروسة) مقالات بعنوان (يوميات فتاة).

كان من الطبيعي للطفي السيد, وكان لايزال في عنفوان الشباب, ومي في الخامسة والعشرين من عمرها, أن يهتم بمي فيما بعد, وأن يزورها في منزلها, وأن يتعرف إلى والدها ووالدتها لأنها كانت وحيدتهما.

كان هو في تلك الفترة رئيسا لتحرير (الجريدة) لسان حال حزب الأمة, فكتب إليها رسائل عاطفية وأجابته هي برسائل أخرى, ونستنتج من الرسائل التي نشرتها (الهلال) على عددين متتاليين أن لطفي السيد سلك مسلكًا راقيًا في رسائله. لقد نقل إلى مي ملامح مما كان يجول في خاطره تجاهها, وأحيانا بعض عواصف قلبه, وربما دار بباله في بعض اللحظات أن يتجاوز الخط الأحمر, ففكر لا أدري على التحديد بماذا, ولكن على التأكيد بما يتجاوز العلاقة الروحية الخالصة, إلى علاقة ربما أكثر متانة أو أكثر ثباتًا.

من ذلك ما كتبه مرة إليها: (أذكرك في كل وقت, ولا أجرؤ أن أكتب إليك إلا في ميعاد الزيارة لكي لا أضطرك مكرهة بتقاليد الأدب أن تردّي علي بالكتابة كلما كتبت إليكِ. على أني أعرف كثيرًا غيري لهم تراسل قد يضيق وقتك عن العطف عليهم إذا طلبت أنا أكثر مما يخص كل فرد غيري. أستغفرك إن شذّ قلمي عن حد ما يرضيك, فإنه يسترسل في الكتابة إليك على ما يوحيه ميلي, لا على ما يحدوه عقلي. إنه يأخذ لنفسه قسما منزلة الصديق وهو لا يعلم أنه قد استحق هذه المنزلة).

ثم يضيف في فورة من فورات القلب المشتاق المتطلع إلى ما يتجاوز البثّ على الورق: (فاعذري قلما حسّاسًا, غيورا طمّاعًا, يجري إلى ما يحب كالسيل المتدفق, لا يبالي صادف سهلا, أو اصطدم في وعر, أو حبس في جسر, إنه لا يعنيه إلا ما يحب من غير أن يفكر, ليس له عذر إلا في صدق, وكفى بالصدق عاذرا, وكفى بالصدق شفيعًا).

ولكن - لاشك - في أن هذه الأنثى اللبنانية الرقيقة والفاتنة, وكانت بعد في رونق الشباب, قد عبثت بقلب هذا الأوسطي المصري الذي دخل ذات يوم على جمال الدين الأفغاني في اسطنبول وطلب أن يتتلمذ على يديه, وهذا دليل على أن لطفي السيد بدأ حياته وطنيًا ملتهب الوطنية, لا وطنيًا معتدلاً كما عُرف بعد ذلك, أو عقلانيًا منبهرًا بأوربا لديه رغبة حارة بإلحاق مصر بها أو بتجارب التحديث فيها. وقد كتب لطفي إلى مي رسائل فيها ضعف بشري شبيه بالضعف الذي فتك بقلب مصطفى صادق الرافعي فدفعه إلى أن يكتب لمي رسائل فيها ذلّ المحبّين, كما دفعه إلى أن يعلّق على سطح بيته سارية ظنّ أنها تجلب له الحظ فيما يتعلق بعلاقة مع محبوبته. فمما كتبه لطفي إلى مي: (جاءني كتابك فشممتُه مليًا وقرأته هنيئًا مريئًا, وإني ممتنع نهائيًا عن أن أشرح لك العواطف التي تعاقبت على نفسي بتلاوة هذه الرسالة الفيحاء حقيقة بكل معنى الكلمة).

ولنتأمل العبارات التالية وما تتضمنه من قدرة للمرأة على التغلغل حتى إلى الحياة العقلية للرجل وجعل هذه الحياة تنصاع أو تخضع لإرادتها وأحكامها حتى ولو كانت هذه الأخيرة هشّة أو ساذجة: (أحاول يا مي سيدتي أن أهتدي بهديك وأسير على إرشادك), إلى آخر الفقرة!

دخل لطفي السيد دائرة ميّ في البدايات: كانت مي في الخامسة والعشرين من عمرها. ولكن ذيوع علاقته بها جاء متأخرا جدا. فلم تُكشف أسماء هذه العلاقة الدافئة إلا بعد أن كانت مي قد توفيت بوقت بعيد, وبعد أن كان لطفي يتأهب للانتقال إلى الحياة الأخرى. نشر طاهر الطناحي رئيس تحرير الهلال رسائله إلى ميّ قبل وفاته بسنة واحدة. ويقول الطناحي إنه قرأ للطفي بعض هذه الرسائل بصوت عال وكان لطفي يضحك لبعض ما ورد فيها أو يبتسم. ولا شك أن نشر هذه الرسائل قد أتى بالنعمة على سيرته لأنها سيرة فكرية وسياسية وثقافية جافة خالية من أي أثر للمشاعر وخلجات القلوب. ثم إنها رسائل موجهة إلى سيرة وكاتبة مختلفة كانت أحد أجمل الوجوه الأدبية والاجتماعية التي عرفتها مصر في النصف الأول من القرن الماضي. وهذا ما أفاد كثيرا سيرة لطفي السيد وأسبغ عليها لونًا كانت تفتقده.

جهاد فاضل

دمشق

مهرجان حلب عاصمة الموسيقى والطرب

كعادتها في السنين التسع الماضية استضافت مدينة حلب المعروفة بعاصمة الموسيقى والطرب أخيرا مهرجان الأغنية السورية التاسع, والذي استمر ثلاثة أيام تنافس خلالها أكثرمن أربعين متسابقا على جوائز المهرجان وتم تكريم بعض الرواد كالموسيقار الراحل نجيب السراج والشاعر كمال فوزي الشرابي وبعض المؤسسين للمهرجان كالفنان دريد لحام , وأقيمت ندوات ثقافية حول الأغنية السورية وروادها.

قبيل المهرجان تحدث الفنان سهيل عرفة المدير الفني للمهرجان إلى مجلة العربي عما يقدمه المهرجان للمشاركين هذا العام فقال: إن الجوائز الثلاثة الأولى قد ارتفعت إلى عشرة أضعاف ما كانت عليه, فضلا عن أن جميع المشاركين من غير الفائزين ومن لجان التحكيم يحصلون على أجور تتناسب وجهودهم, وذلك ليرفع المشاركون مستوى الكلمة واللحن والأداء فتكون أغنياتهم اختبارا حقيقيا لقدراتهم ومدى عطائهم, كما استحدثت لجنة تحكيم الشعر المعنية بالكلمة إلى جانب اللجان السابقة.

وبحكم عمله في التلحين والتأليف الموسيقي فإن الفنان سهيل عرفة سخر الميزانية من أجل خدمة الأهداف الأساسية للمهرجان في اكتشاف وتشجيع المواهب وإنعاش الفن الغنائي الذي صار يعاني شيئا من الركود الذي ربما يؤدي في المحصلة للإحباط وهذا ما يدعو لمزيد من التعاون الصادق والعمل بضمير حي لأن الأغنية دائما تحمل شيئا من روح الوطن, هذا ما يقوله وهو يستذكر منتصف القرن الماضي حيث عرّفت إذاعة دمشق العرب بعمالقة الفن أمثال عبد الحليم حافظ وفيروز ووديع الصافي.

في مساء اليوم الأول إثر كلمات الافتتاح التي ألقاها كل من وزير الإعلام ومحافظ حلب ومدير المهرجان تسابق عشرون مشاركا بأغان متنوعة وملونة بألوان البيئة السورية, ثم شهد اليوم الثاني أولى ندوات المهرجان وكانت بعنوان: الأغنية الشبابية.. إلى أين? شارك فيها بعض أساتذة الموسيقى مثل: نوري اسكندر وزياد عجان وسمير كويفاتي ومحمد قدري دلال الذي تحدث عن مقومات الأغنية الشبابية, ثم مالبث أن انتقدها قائلا: إنها تصاغ اليوم على مبدأ الطقطوقة ولاجديد في قالبها إضافة إلى أن إيقاعاتها ربما تكون غربية أو شرق آسيوية وقد يستخدم فيها الجاز أوالبوب ويستغنى عن الإيقاعات العربية.

ثم انتقد عجان الندوة ووصفها بأنها ستغطي الرداءة والزيف الذي بلغته الأغنية الشبابية, وهو يلقي باللائمة على شركات الإنتاج مبرئا الشباب من المسئولية التي ألصقت بهم وحجته أن عمالقة الكلمة واللحن والغناء كانوا شبابا في يوم ما .

وطالب نوري اسكندر بأن يطلق على ما يعرف بالأغنية الشبابية(الأغنية المعاصرة) وعزا سطحيتها إلى العولمة وتقليد الغرب مبينا أن أغاني هذه الأيام ليست كلها هابطة وإنما بعضها إيجابي فقد ملّ الناس الأغاني القديمة.

وبرأ سمير كويفاتي ساحة الشباب حين قال: إنهم بلا ذنب فقد وجدوا أنفسهم أمام هذا الواقع, ولم ير أي بأس في الإيقاع, فقد استغرب الناس إيقاعات عبد الوهاب في البداية ثم ظهرت عبقريتها وأهميتها فيما بعد ثم ألقى بالمسئولية على النص معتبرا أن هناك أزمة نص وإلا فإن فريق البيتلز قد عملوا أغنية النوتة الواحدة.

واختتمت الندوة بنقاش الجمهور وبقصص معاناة بعض الفنانات الشابات المشاركات في مسابقة المهرجان وهن يتلمسن طريقهن مثل: فاتن حموي وميادة بسيليس وكنانة القصير.

مساء اليوم الثاني تنافس أكثر من عشرين فنانا أيضا على جوائز المهرجان فغنوا ألوانا متدرجة من القصيدة مروراً بالألوان المحلية والفولكلورية, وقدمت وصلات غنائية ريثما تم إعلان النتائج فحازت على المراتب الثلاثة الأولى كل من: فاتن مصطفى وفاتن حموي وميادة بسيليس كما فاز ثلاثة مشاركين آخرين بجوائز أفضل كلمات وأفضل لحن وأفضل أداء.

ثالث أيام المهرجان بدأ بندوة عن رواد الأغنية وقد شارك فيها كبار أساتذة النقد الفني والملحنين من أمثال: صميم الشريف وعبد الفتاح قلعجي وابراهيم جودت وعبد الفتاح سكر, وفي هذه الندوة عادوا بالذاكرة إلى أربعينيات القرن الماضي حين عاشت القصيدة الملحنة عصرها الذهبي, وزاد عبد الفتاح قلعجي إيغالا في الماضي فعاد إلى بذور الغناء في حلب وكيف ازدهر في العصر العباسي, كما أمتع ابراهيم جودت وعبد الفتاح سكر الحضور بتجربتيهما مع الكلمة واللحن, وهما يجمّلان واقع الغناء بقصص تحكي ماكان عليه حاله منذ نصف قرن, ويحفزان القائمين على رعاية هذا الفن للعودة به إلى عصره الذهبي.واختتم المهرجان في الليلة الثالثة بسهرة حلبية أحياها كل من المطربين: عمر سرميني وأحمد أزرق وأحمد خيري الذين غردوا بالموال والتراتيل الدينية وبالقدود الحلبية وبألوان أخرى من الطرب الحلبي وعلى أصواتهم ودعت حلب المهرجان برقص السماح والرقص الشعبي وما جادت به فرقة المولوية.

جمال مشاعل

تونس

ملتقيات أدبية بالجملة

شهدت تونس خلال الفترة القليلة الماضية انتظام عدد من المهرجانات الأدبية والثقافية, منها ما هو متخصص, مثل ملتقى قصيدة النثر بمدينة أكودة الذي انتظم في دورته الثالثة أيام 19 و20 و21 ديسمبر الماضي وجمع ثلة من النقاد والباحثين والشعراء التونسيين الذين يكتبون قصيدة النثر, ومنها ما هو عام مثل مهرجان مرآة الوسط الأدبي والثقافي بمدينة سيدي بوزيد والذي انتظم في نفس تاريخ ملتقى قصيدة النثر ولكن في دورته السادسة عشرة.

ويرى المتتبعون للمشهد الثقافي في تونس أن تنوع المهرجانات والملتقيات الأدبية وتوزعها عبر أكثر من نقطة من تراب البلاد, فضلا عن كونه يساهم في إثراء المشهد الثقافي وتنوع الأنشطة الثقافية, وعدم تمركزها في العاصمة أو في المدن الكبرى, فإنه بالإضافة إلى ذلك, يتيح الفرصة أمام تنوع المسالك الثقافية فلا يجعلها أحادية الجانب أو مقتصرة على لون واحد أو تسير في وتيرة واحدة.

فلقد أصبح لكل ملتقى أو مهرجان ثقافي جمهوره ورواده, من ذلك مثلا أن ملتقى أكودة لقصيدة النثر الذي تجاوز اليوم مرحلة التأسيس... أصبح مختصا في تناول الأسئلة التي تهم قصيدة النثر بعد أن اتجه إلى كتابتها عدد كبير من الشعراء التونسيين, مستندين في ذلك إلى تكوينهم الأكاديمي وتفتحهم على التجارب الشرقية والغربية قديما وحديثا. وقد نجحت دورة هذه السنة في استقطاب عدد مهم من الشعراء التونسيين الذين يكتبون قصيدة النثر مثل آمال موسى والسيد السالك وسندس بكار وجلال باباي وغيرهم... وقد قدمت في إطار الملتقى عدة مداخلات نقدية مثل تلك التي تناولت تجربة الشاعرة التونسية آمال موسى وقدمها الأستاذ الجامعي عبد العزيز شبيل.

أما مهرجان مرآة الوسط الأدبي والثقافي فإنه اختص منذ بدايته في التفتح على أدب الشباب والتجارب الجديدة من المجال الأدبي من خلال المسابقات الأدبية التي ينظمها في كتابة القصة القصيرة والشعر وكذلك جائزة (القلم الذهبي) لمكافأة أفضل إصدار شعري أوقصصي لأدب الشباب. فضلا عن الندوات الأدبية والأمسيات الشعرية التي يشارك فيها أهم الفاعلين في المشهد الأدبي التونسي. ولقد شهدت دورة هذه السنة والتي تواصلت ثلاثة أيام مشاركة عدد مهم من الكتاب والأدباء من كتاب الرواية والقصة والشعر مثل إبراهيم بن سلطان وزهير بن أحمد ومحمد السويسي وعبد السلام لصيلع وسلوى الفندري ومنيرة الرزقي والتهامي الهاني ومحمود الغانمي...

وفي اطار هذه الدورة, انتظمت عدة أنشطة أدبية استقطبت جمهورا غفيرا من أحباء الثقافة مثل الأماسي الشعرية والتي كانت مناسبة لتقديم مجموعة من التجارب الشعرية الجديدة من ذلك تجربة الثنائي عبد السلام لصيلع وسلوى الفندري في قصائد شعرية مشتركة, وتجربة الشاعر زهير بن أحمد وعادل الجريدي ومحمود الغانمي... وكل هؤلاء قرأوا من أشعارهم الجديدة...

وشهدت هذه الدورة انتظام مجلس أدبي مع الكاتبة التونسية منيرة رزقي بعد صدور مجموعتها القصصية الثانية (سوق المتعة) وقد أدار هذا المجلس الروائي إبراهيم بن سلطان وقدم له بقراءة مدخلية الصحفي رياض خليف الذي اهتم بخصوصيات الكتابة السردية عند منيرة الرزقي. كما قرأت هذه الأخيرة بعض نصوصها من مجموعتها الجديدة وفي اليوم الثاني من المهرجان الذي أصبح من المحطات المهمة في المشهد الأدبي التونسي, انتظمت ورشات أدبية قرأ خلالها عدد كبير من الكتاب الشبان نصوصهم في القصة والشعر أمام مجموعة من المؤطرين من القصاصين والشعراء. ولقد أكرم المهرجان في هذه الدورة مجموعة من الأسماء الأدبية وكان من بين المكرمين الشاعر الشيخ محمد الحضري النائلي (حوالي سبعين سنة) والشاعر محمد السويسي, والإعلامي والشاعر زهير بن أحمد والصحفي والشاعر عبد السلام لصيلع والكاتبة منيرة الرزقي.

وفي تونس ما إن ينتهي مهرجان حتى يعلن عن مهرجان جديد.

محمود الحرشان

الأردن

معرض كويتي في عمّان

تمازجت الخطوط والألوان في المعرض الجماعي الذي أقامته رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت, ضمن مشروع التبادل الثقافي بين الطرفين, حيث اشتمل المعرض على مجموعة من اللوحات الفنية التي عكست مختلف التيارات الموجودة على الساحة الكويتية.

لقد جاءت لوحات الفنانة (منى عبد الباري) معبرةً عن البيئة الكويتية بما فيها من مشاهد البحر والقوارب والأبواب الخشبية القديمة بصورة أقرب ما تكون لنهج المدرسة الواقعية. أما الفنان (علي البداح) فقد قدّم لوحات حروفية أبرزت جمال الخط العربي والتنويعات اللونية والزخارف النباتية, بحيث بدت لوحات (البداح) كتلاً حروفية منسوجة بخيوط دقيقة, فلم تكن حروفية جامدة, بل وظفها في إيقاع موسيقي مثّل مختلف أنواع الخط العربي القديم, فمن خط الثُلث والكوفي انتقل للخط الديواني بأسلوب فني رفيع. وعبر أسلوب مميز دمج الفنان (فاضل الرئيس) الحروف بالسطح اللوني, حتى بدت لوحاته صورةً عن التناغم اللوني الذي وضّح شفافية السطح بعيداً عن تنافر الحرف إذ جاءت الخطوط الحروفية ناعمة وبدت كجزء من سطح اللوحة.

وعبر أسلوب هندسي تجريدي جميل, قدّمت الفنانة (نادية الدريهم) مجموعة من اللوحات التي استخدمت فيها إيقاعاً متحركاً من خلال إعادة إنتاج قصاصات الأوراق وقطع القماش, إذ تميز إنتاجها الفني بالاستخدام البارع لتحليل الظل والنور الناشئ عن الطاقة اللونية مما جعل الخداع البصري ميزة تستحق الدراسة في مجمل أعمالها. لقد شكل هذا المعرض تجربة فريدة في التعريف بالفنون التشكيلية في دولة الكويت خاصة أن تجربة الفنانين الكويتيين لا تزال مجهولة على صعيد الساحة الأردنية, من هنا كان المعرض فرصة للتواصل الفني بين الأردن والكويت. خاصة أن الكويت حفلت في بداية التسعينيات بمجموعة من الفنانين التشكيليين الشباب الذين صقلوا تجاربهم الفنية الشخصية عبر محترفات الرسامين الرواد.

توفيق أبوبكر

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية وهو يسلم الدكتور سلطان القاسمي درع التكريم





حفل تكريم رواد الحركة المسرحية في الكويت





محمد حسين هيكل





نهرو يقوم بتكريم د. هيكل بمناسبة زيارته للهند





رجال العلم والادب في استقبال سعد زغلول ويرى في الصورة محمد حسين هيكل ولطفي السيد ومصطفى عبد الرزاق





لطفي السيد





 





جانب من الملتقيات الادبية التي تعم المدن التونسية