فقر المياه جرس إنذار للمستقبل العربي حسان حلاق

فقر المياه جرس إنذار للمستقبل العربي

الأرقام تعلن عن الخطر القادم. شح مياه العالم العربي وتناقصها وسرقتها. الأمر الذي يهدد مستقبلنا كله.

تعتبر الموارد المائية من الموارد المهمة والاستراتيجية عبر التاريخ القديم والوسيط والحديث. وقد كانت سببًا لأزمات سياسية وعسكرية واقتصادية بين الدول, كما ارتبطت حاجة الدول إليها بمدى حاجتها للقطاعات الزراعية والصناعية وتوليد الطاقة الكهربائية, كما ارتبطت بالتطور السكاني في كل دولة على حدة.

وتشير دراسات البنك الدولي والأمم المتحدة إلى أن احتياجات العالم العربي من المياه تقدر بحوالي (276) مليار متر مكعب, وترى دراسات المعهد العالمي إلى أن هذه الاحتياجات تقدر بحوالي (352) مليار متر مكعب سنويًا, في حين أن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (صندوق النقد العربي) يقدر حاجة الفرد السنوية في العالم العربي بحوالي (1262) مترا مكعبا سنويًا حسب تقديرات عام 1994. وترى تلك الدراسات بأن الموارد المائية المتوافرة في العالم العربي تبلغ حوالي (338) مليار متر مكعب سنويًا, علمًا أن حاجة العالم العربي ستزداد سنويًا من المياه, ففي حين كانت حاجته من المياه عام 2000 ما يقارب (368) مليار م3, فإن حاجته منها ستبلغ عام 2010 حوالي (402) مليار م3, وعام 2020 حوالي (492) متر مكعب, وعام 2030 حوالي (620) مليار م3. هذه التقديرات تؤكد مدى حاجة العالم العربي حاليًا وفي المستقبل إلى كميات كبيرة من المياه غير متوافرة في الوقت الراهن. وكلما ازداد عدد السكان في العالم العربي, ازدادت الحاجة إلى المياه. وفي النماذج التالية ما يؤكد حدوث أزمة مستقبلية في موضوع المياه. ففي مصر بلغ إجمالي الموارد المائية لعام 2000 ما يقارب (75) مليار متر مكعب, وستزداد الحاجة أكثر عندما سيصبح عدد سكان مصر (75) مليون نسمة في السنوات المقبلة وباعتبار أن مصر دولة زراعية, فإنها من الدول التي تعتمد اعتمادًا أساسيا على المياه, ولعل زيادة حصة مصر من مياه النيل تبعا للاتفاقيات الأخيرة مع الدول الإفريقية, ومشاريع الاستفادة من المياه الجوفية وتحلية مياه البحر, كلها من المشاريع التي قد تؤدي إلى الاستقرار المائي, غير أن الزيادة السكانية المطردة في مصر قد تصيب هذا الاستقرار المائي في الصميم.

مياه الخليج

أما الموارد المائية في المملكة العربية السعودية فتبلغ ما يقارب (5) مليارات متر مكعب تلبي احتياجات حوالي (21) مليونا من السكان, مع الإشارة إلى أن المملكة لا تواجه معضلة زيادة سكانية كثيفة, بل هجرة عربية وأجنبية تعمل في مختلف ميادين الإنماء والإعمار. ومما يميز المملكة عن سواها من الدول العربية ودول العالم, أن استنزافا واضحا للمياه يتكاثر باستمرار في موسم الحج, وفي مواسم العمرة, بحيث يزور المملكة عدة ملايين من الحجاج والمعتمرين على مدار السنة. وبالرغم من ذلك فإن الموارد المائية: أمطار, أحواض جوفية, مياه تحلية, بكمياتها المختلفة تلبي حاجة السكان, غير أن التوسعات الزراعية والإنمائية والإعمارية ستؤدي في المستقبل إلى حاجات إضافية من كميات المياه المتوافرة حاليًا, خاصة إذا تزايد عدد السكان إلى (25) مليون نسمة في السنوات المقبلة, واستمرت الموارد المائية على ما هي عليه.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة, فهناك تباين في الموارد المائية بين إمارة وأخرى, ومشكلة المياه لاتزال في مهدها. ومصادر المياه في الإمارات إنما تتمثل في المياه السطحية والمياه الجوفية ومياه التحلية ومعالجة مياه المجاري. وبالإجمال فإن الموارد المائية في دولة الإمارات إنما هي في حدود (1.500) مليار متر مكعب, في حين أن حركة التنمية الواسعة واللافتة للنظر في دولة الإمارات العربية المتحدة لاسيما في دبي وأبوظبي ستؤدي في المستقبل القريب إلى احتياجات متزايدة من مصادر وموارد المياه.

وفي بلدان المغرب العربي أزمة مياه واضحة نتيجة للطلب المتزايد على المياه في مختلف المجالات الزراعية والصناعية والإنمائية, وعلى سبيل المثال فإن الموارد المائية في الجزائر تتمثل في الموارد السطحية البالغة حوالي (13) مليار متر مكعب سنويا, والموارد الجوفية البالغة حوالي (4) مليارات متر مكعب, في حين أن مصدر المياه الرئيسي للجزائر هو الأمطار التي يشكل جريانها السطحي ما يقارب (13) مليار م3, بينما تحتل المياه الجوفية المركز الثاني كمصدر مائي للجزائر. ومهما يكن من أمر فإن الجزائر لاتزال تعاني كبقية دول المغرب العربي أزمة مياه, لأن احتياجاتها منها تزيد كثيرًا عن مواردها, لذا فإن نصيب الفرد الجزائري منها أقل من (700) م3 في السنة.

أما فيما يختص بالمياه اللبنانية, فإنها تتمثل بالموارد التالية:

1 - مياه الأمطار.

2 - الثلوج المتراكمة التي تمثل خزانا مهما للمياه الجوفية.

3 - المياه الجوفية.

4 - الأنهار والينابيع.

وتوفر هذ المصادر ما يقارب (10) مليارات متر مكعب, علما أن التقديرات لدى بعض المؤسسات والخبراء هي متناقضة, حيث إن بعض التقديرات للموارد المائية في لبنان تتراوح بين 3 - 5 مليارات متر مكعب, في حين أن عدد سكان لبنان حوالي (4) ملايين نسمة, ولكن مليونا منهم على الأقل في بلاد الاغتراب والمهجر.

والأمر اللافت للنظر, أن كميات المياه في لبنان تتأرجح بين سنة وأخرى, إذ إن عام 2002 يعتبر من الأعوام الغنية في أمطاره وثلوجه, وبالتالي في مياهه الجوفية ومياه أنهاره, غير أن كيفية استثماره هذه المياه لاتزال غير كافية. وبالتالي فإن مشكلة المياه اللبنانية لاتزال قائمة ليس بسبب كيفية استثمارها في المجالات الزراعية والصناعية وتوليد الطاقة الكهربائية فحسب بل في سرقة إسرائيل لهذه الموارد المائية.

إسرائيل وسرقة المياه

وبالرغم من أن إسرائيل تقوم منذ عام 1948 بسرقة مياه لبنان وسوريا والأردن, وازدادت هذه السرقة بين أعوام 1967 - 1987, فإن المشكلة الأكثر تميزًا, إنما تتمثل بسرقة المياه اللبنانية التي ازدادت منذ عام 1987, فقد سحبت المياه بواسطة مضخات ضخمة أقيمت قرب جسر الخردلي لتسحب ما يقارب (503) مليارات متر مكعب سنويًا, كما أقامت أنابيب كبيرة بطول (10) كلم تمتد من مجرى الليطاني حتى خزانات ضخمة أقامتها إسرائيل قرب بلدة عيتا الشعب.

وبعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 قامت بحفر نفق بطول (18) كلم يبدأ من ضفة النهر عند سفح قلعة الشقيف باتجاه نهر الوزاني, ثم باتجاه فلسطين المحتلة, بل إن إسرائيل قامت بتحويل مياه الوزاني إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة كي تمنع المزارعين اللبنانيين من الاستفادة من مياهه.

والحقيقة فإن إسرائيل ربطت سياستها تجاه لبنان, باستمرار سرقتها لمياهه, بل اشترطت منذ عام 1991 أنها لن تنسحب من لبنان إلا بعد تأمين احتياجاتها من المياه اللبنانية لاسيما من مياه الليطاني والوزاني, وكررت هذه المواقف عام 1999 بالرغم من أنها وعلى مدار سنوات قد نهبت حوالي نصف الموارد المائية المتأتية من الأنهار اللبنانية, علمًا أن هذه المياه لبنانية بحتة قانونا وموردا وجغرافية, ولبنان بحاجة إليه بغض النظر عن قصور رسمي سابق بسبب الأحداث اللبنانية بين أعوام 1975 - 1990, والأمر اللافت للنظر, أن إسرائيل بعد انسحابها عام 2000 من الأراضي اللبنانية, تكشفت المعاينات الميدانية عن وجود معدات وأجهزة أقامتها إسرائيل في السابق لسحب مياه الأنهار اللبنانية, وقد تسبب ذلك في أزمة اضطرت الأمم المتحدة للتدخل فيها, وإرسال وفود رسمية لإعداد تقرير حول إقامة تلك المعدات غير المشروعة إقليميا ودوليا, ولاتزال المشكلة قائمة حتى الآن.

ومن خلال هذه الدراسة يتبين لنا ما يلي:

1 - أن الوطن العربي يزخر بموارد مائية متعددة المصادر سواء في المشرق العربي أو المغرب العربي, ولكن تبقى هذ المياه غير كافية لاسيما في المستقبل القريب.

2 - أن بعض الدول العربية غنية بكميات مياهها المتأتية من الأنهار أمثال مصر والسودان, وهي تعتمد عليها اعتمادا كليا.

3 - أن بعض الدول العربية الأخرى غنية بكميات مياهها المتأتية من الأمطار والثلوج والأنهار أمثال لبنان وسوريا والأردن, وهي تعتمد عليها اعتمادا كليا.

4 - أن دول الخليج العربي تعتمد اعتمادا أساسيا على المياه الجوفية من مياه عيون وأودية, وبعض الأمطار في مناطق معينة.

والأمر الملاحظ أن دولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية, وبالرغم من عدم توافر المياه فيها بكميات أكبر على غرار الدول العربية الأخرى, فإنها استطاعت بواسطة سياستها المائية الرشيدة, وبواسطة الخطط الاقتصادية المعتمدة تخطي مشكلة المياه, في حين أن دولا عربية أخرى تكثر فيها المياه لاتزال تعاني عدم استثمارها استثمارا جيدا سواء بإقامة سدود, أو أنابيب أو مضخات أو مولدات. وفضلا عن هذا وذاك يبقى العامل الإسرائيلي عاملا مؤثرا في توجيه مسيرة الموارد المائية العربية لاسيما في المشرق العربي, وقد فرضت إسرائيل نفسها شريكا مائيا غير شرعي على بعض الدول العربية, وهذه مشكلة إضافية لمشكلة المياه العربية. وفي ضوء ذلك, فإن المطلوب بإلحاح في المرحلة المقبلة أن تقوم جامعة الدول العربية بمبادرة مهمة تتمثل بعقد مؤتمر خاص موضوعه الأساسي (مشكلة المياه في العالم العربي) تبحث فيه الأزمة الراهنة والأزمة المستقبلية للموارد المائية العربية, لأن كل الدراسات والتقديرات تشير إلى أن مشكلة المياه في العالم العربي, لن تكون أقل خطرًا وأهمية من استراتيجية ومشكلة النفط في العالم العربي.

 

حسان حلاق

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الموارد المائية في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن