المفكرة الثقافية
المفكرة الثقافية
حضر إلى القاهرة 22 عالمًا من أهم المتخصصين في الدراما والدراسات الكلاسيكية اليونانية واللاتينية من مختلف جامعات العالم، للمشاركة في مؤتمر تاريخ الدراما، الدكتور هناء عبدالفتاح قدم بحثًا حول المسرح المصري بعد ثورة 25 يناير، وفيه استعرض حال الدراما في مصر بعد ثورة 25 يناير، آملا في الوصول إلى ديمقراطية التعبير عبر الدراما والمسرح، وفي بحثه توصل إلى أن الدراما والمسرح - وهما صنوان غير منفصلين - لا يمكن أن يكون لهما وجود وازدهار دون ديمقراطية حقيقية وحرية تعبير، ذلك لأنهما منذ بدايتهما في العصر الإغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد وهما يقومان على فكرة الديمقراطية، عندما كان جمهور الإغريق يجتمع مع المبدعين من شعراء وممثلين في الإستاديوم للتعرف على همومهم السياسية والاجتماعية والدينية التي كانت تناقش بشكل علني أمامهم سواء كان هذا في ثوب التراجيديا أو الكوميديا الساخرة. وكان ظهور مختلف الأنماط والشخصيات المسرحية، فضلا عن ظهور الحاكمين والقادة والآلهة وأنصاف الآلهة والبشر مَشاعًا للطرح الدرامي من فوق خشبة المسرح الإغريقي وأمام الجماهير في حرية وديمقراطية دون خوف أو فزع، بل كانت الدراما اليونانية القديمة حججا وذرائع لتنبيه هؤلاء الحكام والقادة والساسة إلى ضرورة التغيير والإصلاح. ويوضح هناء عبدالفتاح أن قضية الديمقراطية في المسرح، تلك التي حُرمَ منها المصريون في حِقبٍ زمنية وصلتْ إلى ستة عقود من الزمان، بداية بما أسماه انقلاب يوليو العسكري في عام 1952 وصولا إلى ثورة 25 يناير 2011، قد أصبح تحقيقها قاب قوسين بعد نجاح الثورة المصرية. وعبر قراءة جديدة لمسرحية «باب الفتوح» لمحمود دياب تقدم الباحثة أماني وجيه عبد الحليم ورقة بعنوان «رؤية ثورية لإعادة صياغة التاريخ». وتؤكد الباحثة أن مسرحية «باب الفتوح» التي تصور طموح الشباب من الأجيال الجديدة وإصرارهم على وضع الأمور في نصابها الصحيح، لن تتحقق الرؤية الثورية فيها إلا بإعادة صياغة التاريخ الذي يعبر عن آمال وأحلام وطموحات الوطن العربي ككل، وتشير إلى أن التاريخ الجديد الذي يقدمه محمود دياب في مسرحيته يرتكز على دعائم الحرية والمساواة والعدالة وهي العناصر الأساسية لاستعادة الأمة العربية لأمجادها. أما الناقد المعروف ماهر شفيق فريد فقد لجأ إلى مسرحية ألبير كامي «كاليجولا» لكي يوضح الفرق بين العدل والاستبداد من خلال ثلاثة مستويات: فلسفي، ونفسي، وسياسي. فعلى المستوى الفلسفي تعالج المسرحية نضال الإنسان ضد المستحيل، ووحدته الكونية التي لا سبيل للتغلب عليها. وعلى المستوى النفسي تقدم المسرحية كاليجولا بوصفه حالة شاذة عن المعيار المألوف، قلقة مقلقة، تتراوح تصرفاته بين المنطق واللامنطق، أو فلنقل كما قال بولونيوس عن هملت إن جنونه جنون منظم، يتبع منهجا. إنه يرغم الأشراف على الجري كل مساء وراء مركبته، ويدعو الأشراف بـ«يا عزيزتي»، ويغتصب نساءهم، ويستولي على أطفالهم وأموالهم. أما على المستوى السياسي فالمسرحية تصور ما يمكن أن ندعوه بجدل (ديالكتيك) العدل والاستبداد، علما بأن ألبير كامي ذاته لم يكن ينظر إلى مسرحيته على أنها مسرحية سياسية، ففي رسالة منه إلى جان بولان يقول إنه لم يكن ينتوي بالمسرحية أن تكون لها أي دلالة سياسية مباشرة. ويقدم علاء الدين علي صابر بحثًا بعنوان «الانتصار الأولمبي على قوى الأرض.. دراسة تحليلية في بارودوس مسرحية «إيون» للشاعر يوربيديس». وفي بحثه المعنون بـ«الاستبداد الملكي والإسقاط السياسي.. دراسة في مسرحية «ثيستيس» للشاعر الروماني سينيكا» يلتقط محمد خليل رشدي خيوط العلاقة التي ربطت بين سينيكا والإمبراطور الروماني نيرون، واصفًا إياها بأنها علاقة شديدة الحساسية والتعقيد منذ بدايتها.. عندما تولى سينيكا منصب معلم الإمبراطور الصغير، وصولًا إلى إجباره على الانتحار. إنه الصراع بين الفلسفة وسلطة الحكم، بل إنه صراع بين سينيكا وذاته من جهة، وبين الشاعر والتطبيق الفعلي لما آمن به من مبادئ فلسفية وقيم أخلاقية كان هو نفسه يروج لها من جهة أخرى. ومن هنا يصبح سينيكا واحدًا من أكثر المؤلفين التراجيدين والفلاسفة جدلًا في تاريخ الأدب عبر العصور. ويؤكد البحث أن أحد أقوى الصراعات داخل القصور الملكية جاء في مسرحية ثيستيس التي قدم فيها سينيكا سلسلة من الجرائم التي لا تدور فقط داخل القصور الملكية، ولكنها تدور بين أفراد الأسرة الواحدة. في حين يتناول محمود محمد حامد النقد السياسي في كوميديا «اليبروح» لماكيافللي ملقيا الضوء على الأوضاع السياسية السيئة التي سادت مدينة فلورانسا في عصر ماكيافيللي (1469-1527م)، والتي تجسدت في ملهاته «اليبروح»، تلك المسرحية الكوميدية المكتوبة نثرًا والتي رسم فيها صورة واضحة عن الاستبداد في الحكم، بداية بحكم أسرة «آل ميديتشي» ولاسيما «لورنزو دي ميدتشي» (1449-1492م) الذي كان يتمتع بالذكاء الشديد، ولكن على الرغم من حفاظه على توازن القوى في إيطاليا، إلا أنه لم يستطع التصدي للتدخل الأجنبي الفرنسي والألماني في الشئون الإيطالية. وتظهر المسرحية رفض ماكيافيللي بشدة للدولة الثيوقراطية القائمة على التعاليم الدينية، والتي تخضع لتفسيرات وأهواء شخصية وهو ما يظهر في شخصية الراهب تيموتيو الذي استخدمه ماكيافيللي للتعبير عن آرائه في الكنيسة، ولقد أحب ماكيافيللي مدينة فلورانسا حبًا جمًا، وفضلها على باقي المدن الإيطالية والأوربية، وتجسد هذا الحب في شخصية البطلة «لوكريتسيا» تلك السيدة الجميلة التي بلغت حدًا من الفضيلة والعفة لم تتمتع بهما أية سيدة إيطالية أخرى، وكان ماكيافيللي يرمز بهذه العفة والفضيلة إلى مدينة فلورانسا التي تحظى في نهاية الأمر بمن يستطيع أن يقدرها. وهكذا يوضح البحث غاية ماكيافيللي من «اليبروح» إذ جعلها وعاءً يصب فيه جميع انتقاداته وآرائه السياسية، ويأتي على رأسها التأكيد على معنى الحرية الفردية. وتركز رنا عبدالصمد على الخادمات كشخصيات مهمشة في مسرح ترنتيوس، وتحت عنوان «الرؤى المتعارضة لمأساة سقراط.. وهل كان ضحية للديمقراطية أم لغياب الديمقراطية؟» قدمت هبة حسان العبادي بحثها وتهدف من خلاله إلى دراسة ثلاثة نصوص درامية تتناول أحداث محاكمة سقراط ومصرعه، مؤكدة أن شخصية سقراط جاء تناولها من زوايا مختلفة بسبب أن كل كاتب ينتمي إلى عصر وزمن مختلفين، كما أن كل عمل من الثلاثة بُنِي على أساس نظرية مختلفة من نظريات التراجيديا. أما فريد حسن الأنور فيشرح مفاهيم الديمقراطية في مسرحية «المستجيرات» ليوريبيديس، موضحًا الكلمات التي تشير فيها إلى الديمقراطية في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، في فترة التحول من النظام الديكتاتوري إلى النظام الديمقراطي. ولذا كان من الطبيعي أن تؤثر هذه الفترة على معالجته لمسرحياته ليعرض بالدقة مفهوم الديمقراطية بإيجابياتها وسلبياتها، وهذا من خلال استخدامه المتميز للمصطلحات اليونانية التي تعبر عن مبادئ الديمقراطية، مثل الحرية والعدالة والمساواة وحق التصويت. في حين يقدم محمد صالح سليمان قراءة فى كتاب «الديمقراطية الأثينية في عصر ديموسثينيس» لموجانس هيرمان هانسين، مشيرا إلى أنه ينبغى على كل مهتم بتاريخ أثينا في فترة القرن الرابع ق.م أن يطلع على هذا الكتاب لكونه يحمل بين دفتيه تفصيلًا دقيقًا لأركان الدستور الأثيني، كما أنه جاء بمنهج شمولي عرض به أصول الديمقراطية الأثينية، وبشكل خاص إبان الفترة من 355 وحتى 322 ق.م. كما شارك في المؤتمر محمد المهنا ومحمد أمين شاهين ومحمد جمال الكيلاني وهايدي سامي زكي والشاعر علاء عبد الهادي. القاهرة: مصطفى عبدالله تشير جلّ أفلام المسابقة الرسمية للدورة الـ11 لمهرجان مراكش السينمائي الدولي إلى أن سينما المستقبل، هي سينما الشباب، سواء لجهة الموضوع، أم لحضور الشباب المخرجين بما لهم من قدرات إبداعية، وأحيانًا لغة سينمائية متميزة، حيث عرضت في المسابقة الرسمية 10 أفلام لمخرجين شباب من مجموع 15 فيلمًا، فيلمهم المشارك يعتبر أول باكورة إنتاجهم السينمائي. تصف الأفلام تلك، مشكلات الشباب الناتجة من غياب التفاهم مع المجتمع، ما يسبب التصادم والعيش على هامش الحياة. من أحلام متوثبة، إلى تطلعات مكبوتة لا تجد طريقها إلى التحقق. تبدو مشكلات الجيل الجديد كمجموعة مهمشة، بفعل الفقر أو النشأة الاجتماعية في الأحياء المهملة واضحة في الفيلم ستّة شباب يقررون ترك العاصمة والذهاب إلى شاطئ البحر بعيدًا عن ضغط الحياة، يجتمعون معًا في الفاقة واللهو، ما يجعلهم يتعرفون إلى بعضهم البعض، مكونين وحدة تفاهم ضد العنصرية التي تتنامى الآن في أوربا، فالشاب التركي (لقبه الرمادي في الفيلم، شخّص الدور الممثل فاليرييوردانوف، مخرج الفيلم)، ينقذ المجموعة من قبضة الشرطة، عندما يقود السيارة التي تقلّهم جميعا، ملقيا بها في البحر، وهكذا ينجون من الاعتقال، ثم يتساءلون وهم على طوف خشبي، من صنع زميلهم «الطائر الوحشي»: «أين نذهب الآن؟»، الإجابة: نحو الغرب. استبطانًا لما أخبرهم به صديقهم التركي، بأن في تركيا عندما يموت الإنسان، يقولون: هو يذهب إلى الغرب. هذا التآزر الاجتماعي بين شريحة شبابية متنوعة الأعراق، مفقودة في الغرب راهنًا، الذي يتجه سريعًا نحو كراهية الأجنبي، وفي مشهد أخويّ يتبنى الناس جميعهم، تستمتع المجموعة بشوق إلى عازف كيني أسمر مهاجر يعيش في صوفيا. الفقر الذي يعيشه الشباب في قرية إيرانية جبلية، هو ثيمة الفيلم الإيراني: «الموت مهنتي»، للمخرج أمير حسين سغافي، أي أن الفقر هو مهنة الإنسان في ذلك البلد الثري، الذي أفقرته السياسة، ما يجعل الأب يتسبّب في قتل ابنته الوحيدة، تجلدًا بفعل الثلوج في أثناء هربهما عبر الجبال من ملاحقة الشرطة، بعدما يشارك في جريمة قتل، عندم يقوم الأب ذاته مع اثنين من رفاقه بسرقة الأسلاك الكهربائية. لاتزال تعاني الجاليات الأجنبية من العنصرية والتهميش في أوربا، وهكذا ينشأ الكره المتبادل، وأحيانًا المتعمد من كلا الطرفين، من طرف الأجنبي وابن البلد. يستعرض فيلم «180 درجة»، إخراج سيهان إنان، تفاصيل حياة أسرة تركية في سويسرا، منهم، المندمج في المجتمع، والبعض، بمن فيهم الأب والأخ والأخت، يعيش عالمه الشخصي بعيدًا عن الناس، حيث يعني له الشرف، تحريم نشوء علاقة ما بين امرأة تركية وشاب سويسري، تبدو اللغة مانعًا، يعوق التعرف إلى المجتمع، وبالتالي يولّد الأفكار السيئة. في المقابل يمارس بعض السويسريين العنصرية، عندما يسبّ الشرطي بلا سبب عامل تنظيف تركيًا. يمارس المهاجرون حتى من أصول ألمانية في سويسرا، اللامبالاة تجاه الآخرين، عندما يدهس مهاجر ألماني وزوجته شابًا تركيًا مع صديقته السويسرية تحت تأثير الحشيش. لا يفكر الألماني إلا بمستقبله المهني متناسيًا ضحيتيه. مشكلة حيل الحروب، حاضرة كنتيجة غير مباشرة، هنا تبعات حروب الكبار وآثارها في عالم الجيل الجديد. في الفيلم «بلفدير»، إخراج أحمد إماموفيتش، الذي يتابع معاناة عائلة بوسنية في كمب لجوء بعدما فقدت أبناءها. ها هو الشاب عدنان (شخّص الدور الممثل أديس أوميرفيتش)، يملّ الحديث اليومي عن الحروب، محاولاً الابتعاد عن المأساة، وبناء مستقبله في بلغراد من خلال المشاركة في برنامج «الأخ الأكبر»، لكنه يُجبر على تركه، نتيجة موت أمه التي قضت نحبها بسبب مشاعر الفقدان والعذاب الناجمة من الحرب في البوسنة. وهكذا، يبدو جيل الشباب منشغلا بالواقع الاجتماعي ومفكرًا في الحلول، في أفلام: «عودة إلى بيت العائلة»، إخراج التايلندي تونكبوك شانطرانكول وفيلم «مصنع الأطفال»، إخراج الفلبيني إدواردو روي. وفيلم «أعمال الرحمة السبع»، للأخوين جيانلوكا وماسيميليانو دي سيريو، إيطاليا». من ناحية أخرى، أثبت هؤلاء المخرجون الشباب في أفلامهم قدرة جيدة على إدارة الصناعة السينمائية، إخراجًا وموضوعًا، متجهين نحو تحقيق اللغة السينمائية المنشودة في العلم الفني، بعيدًا عن الوقوع في الملل، الذي يصاحب في الغالب التجارب الفنية الأولى بسبب نقص الخبرة. كرّم المهرجان السينما الكندية، وذلك بعرض أفلام كندية لمخرجين شباب بجانب التكريمات الكثيرة لنجوم الفن السابع العالمي والمغربي على السواء، تكريم الممثل المغربي محمد السطاوي ومواطنه الممثل والمخرج رشدي زم، إضافة إلى تكريم تيري كيليام مخرج فيلم «الرجل الذي قتل دون كيشوت»، والإيطالي ماركو بيلوتشيو، مخرج فيلم «القبضة في الجيب». والممثل الهندي شاروخان الذي قدم عروضًا جميلة في ساحة جامع الفنا التاريخية بمراكش. احتفت الدورة الـ11 بالسينما المغربية، وذلك بعرض الفيلم المغربي في يوم الافتتاح «عاشقة من الريف»، للمخرجة نرجس النجار، والفيلم المغربي «موت للبيع»، للمخرج فوزي بنسعيدي في حفل الختام، كما شهدت فقرة «نبضة قلب»، عروضًا لأفلام مغربية: فيلم «الأندلس مونامور» لمحمد نظيف، «النهاي» لهشام العسري، «على الحافة» لليلى الكيلاني، «عودة الابن» لمحمد بولان. مراكش: علي البزاز من رحم جنون الألوان وتمرّدها تميّز رسّامو «الكاريكاتور» الذّين اعتمدوا منهجا يحمل في طيّاته الجرأة والغضب والمواجهة والتمرّد من خلال تقديم الحقيقة عارية إلى حدّ المبالغة والتضخيم, وهو فن قديم أيضًا عرفته البشريّة نحتًا وتصويرًا حتى ولو لم يحمل الاسم المتعارف عليه اليوم (انظر تماثيل وتصوير الإله «بس» إله الملذّات والطرب لدى قدماء المصريين كمثال).. ترى هل يمكن القول إن الكاريكاتور أحيانا هو الهجاء بالرسم؟ ومع استفاقة تونس على نفسها في عصر ما بعد الاستقلال ظهر لفنّ «الكاريكاتور» روّاد أسّسوا له بعدما كان ذلك الفنّ في عصر سابق مجرّد اجتهادات ومبادرات شخصيّة. منهم الرّواد الذّين ظهرت أعمالهم في جريدة «الشّباب» مثل «عمر الغرايري» و«حاتم المكّي» الذّي كان أيضًا نحّاتًا ورسّامًا يجيد الرّسم بروافده المتعدّدة ومنها فنّ « الكاريكاتور» , ثمّ جاء في إثرهم فنّانو كاريكاتور آخرون، منهم المتعدّد المواهب «علي الدّوعاجي» مؤسّس وزعيم «جماعة تحت السّور الأدبية» التّي ضمّت نخبة من المبدعين في سائر المجالات, والفنّان «علي عبيد» وكذلك «الشاذلي بلخامسة» وقد ظهرت أعمالهم في الصّحف الصاّدرة آنذاك مثل «جريدة السّرور» و«الشّباب» التّي أسّسها «بيرم التونسي» سنة 1936 واللّتين احتضنتا رسوم «الدّوعاجي» الكاريكاتوريّة مع أقرانه، فضلا عن مجموعة مجهولة من رسّامي الكاريكاتور لم يقع تسجيل أسمائهم, ثمّ ظهرت جريدة «الوطن» وهي جريدة هزليّة ضدّ الاستعمار التّي نقلت عمّن سبقوها, كما نشرت أعمالاً جديدة لـ«محمّد بن فضيلة», وحذت حذوها «جريدة الفرززّو» لصاحبها الهادي العبيدي. مع حلول عام 1973 ونشوب حرب رمضان الموافق لـ 6 أكتوبر ظهر رسم كاريكاتوري للفنان الشاب «حسن المشيشي» المتخرّج حديثا من كليّة الفنون الجميلة عام 1972 1973 في الصفحة الأولى من جريدة «لابراس la presse» يعكس اهتمامه بالحدث والسّياسة الدوليّة, واستمرّت في نشر تلك الرّسوم على مدى ثمانية أيّام ووجد فيها الفنّان الشاب تشجيعًا كبيرًا ممّا دفعه لمواصلة الدّراسة التّي بدأها عام 1969 فسافر إلى باريس عام 1974 لمواصلة دراسته.., ثّم يعود «حسن المشيشي» من جديد إلى تونس بعد قضائه عاما في باريس ليواصل مشاغباته الكاريكاتورية ليتوّج روح المشاغبة والتمرّد بحكم بالإعدام صدر ضدّه من سلطات النظام الليبي السابق بعد أن تناول ما عرف «بأحداث قفصة» بين تونس وليبيا بمجموعة من الرّسوم ظهرت في «التلفزة التّونسية» أثارت حفيظة النّظام الليبي وغضبه إلى الحدّ الذّي جعلها تصدر ضدّه حكما غيابيّا بالإعدام!.., ولعلّ الله سلّم فقد استدعته السّلطات التونسيّة قبل سفره إلى ليبيا لتحذّره من السّفر بعد صدور ذلك الحكم الغريب ضدّه ولم يكن الرّجل يعلم أنّ الفنّ الذّي عشقه يمكن أن يودي به إلى «حبل المشنقة» ليستأنف مسيرة فنيّة ويطوّرها فقام برسم الشخصيّات العامّة محليّا ودوليّا وإن لم ينج من غضب بعض هذه الشخصيات من تناولهم من خلال رسومه ورمزيتها فوجد نفسه أحيانًا في ساحات القضاء كما فعلت معه مطربة مشهورة بسبب رسم كاريكاتوري تناولها ولم يرق لها بل وأسقطت عليه رموزا على طريقة المثل المصري القائل «اللي على راسه بطحة يحسس عليها», كما رسم الشّعارات الخاصّة بالدورات الرّياضيّة التّي احتضنتها تونس «قاريّا ودوليّا» مثل البطولة الإفريقية لكرة القدم عام 1994 وكذلك بطولتا كرة اليد والجودو الإفريقيتين في العام نفسه، وفي 1997 صمم شعار البطولة الدولية لكرة القدم التي رعتها إحدى شركات الإلكترونيات الكبرى، في عام 2002 صمم الشعار الجديد لبطولة تونس لكرة القدم.. فضلا عن رسوم لا تحصى تدور حول شخصيات ولاعبي نادي «الترجي» الذي كان العشق الرياضي للفنان «حسن المشيشي», وقد صال وجال على جميع صفحات الصّحف والمجلاّت التونسيّة الكبرى.., لكن الرّجل الذي تدلّه في عشق فنّ الكاريكاتور وكسب منه قوت يومه نسي في غمرة هذا العشق أن يحصل على وظيفة مستقرّة تكفل له حياة دون عواصف وعيشا كريما عند الكبر..ليستفيق الفنّان الكبير «حسن المشيشي» في شيخوخته على هجوم عات من كلّ حدب وصوب بعد أن تحالف العمر مع المرض وجحود البشر ونكرانهم للجميل ليعتزل الساحة في صمت نبيل في سنة 2009 بعد أن نال المرض من إحدى عينيه فيما مازال يعصف بالأخرى التّي باتت كليلة. نسي نظام «بن علي» ما قدمه «حسن المشيشي» لبلاده ولم يلتفت إليه في محنته, حتّى ناديه الرّياضي الذّي أفرط في حبّه تشجيعا ورسما نسيه اللّهمّ إلا من بعض أصدقائه القدامى هنا وهناك.., لكنّ الرّجل اكتفى بأن تقرّ عين بصيرته بستر الأبناء والبنات في ديارهم واعتصم بالصّبر الجميل.. لكنّه كفّ عن الرّسم بعد أن كفّ جلّ بصره. إلاّ أنّ شرارة الثّورة التّونسيّة بلغ وهجها بصر «حسن المشيشي» وبصيرته وحرّك محبّيه وعارفي فضله لكي يطالبوه بإلحاح بالاستمرار مهما كلّف الأمر.. فينهض جواد الفنّ الجامح من كبوته ويستأنف الرّسم والمشاغبة, وفي تسعة أشهر تلد ريشته الرّائعة عشرات الأعمال التّي تؤكّد شباب روح «عم حسن» الذّي لا يكفّ عن المشاغبة بريشته. ومع الخروج الأوّل لتونس من عنق الزّجاجة من خلال إجراء انتخابات المجلس التّأسيسي وتشكيل حكومة مختارة من ممثّلي الشّعب للمرّة الأولى.., خرج المعرض الأوّل بعد الثّورة للفنّان «حسن المشيشي» بالرغم من معاناة جرح ساق بترت أصابعها من جرّاء مرض السّكري ويبدو أنّ البوح بريشته جعله ينسى جرح الرّوح الذّي كان أعمق من جرح البدن فنهض من الكبوة جوادا أصيلًا كريمًا بكلّ ما تحمله الكلمة. تونس: خالد سليمان