النقال متهما

النقال متهما

بات الهاتف النقال إحدى ظواهر الحياة في أيامنا,
وكأي ظاهرة عندما تخضع للبحث والمراجعة, تبرز من حولها آراء معارضة وأخرى مؤيدة, وفي هذا المقال التحقيق يدور السجال حول الآثار الصحية للهاتف النقال.

يشهد عالمنا المعاصر ثورة هائلة في تقنيات المعلومات والاتصالات, ويواكب هذه الثورة توسع سريع في استخدام المنظومات التكنولوجية التي تنبعث منها الإشعاعات الكهرومغناطيسية مثل أفران الميكروويف ومحطات الرادار ومحطات استقبال بث الأقمار الاصطناعية وأخيرا وليس آخرا الهاتف النقال الذي غزا حياة الملايين بشكل لم يعد هناك بد من التعامل معه رغم تعالي الأصوات بين محذر وشبه مطمئن بعاقبة حمله وإدمانه, وأمام ارتفاع مستوى التعرض الشخصي لهذه الإشعاعات بات من الضروري زيادة الاهتمام بدراسة معدلات امتصاص وتوزيع هذه الإشعاعات داخل الأنسجة والخلايا الحية بجسم الإنسان واستقراء العواقب التي يمكن أن تنجم عنها والعمل على وضع الضوابط التي تكفل وقاية الأفراد من احتمالات مخاطرها.

إن التكنولوجيا ليست خيرا كاملا, بل غالبا ما يصحبها تخلف في الناحية الصحية, تلك واحدة من جملة دلائل الاتهام التي يسوقها أستاذ الفيزياء الحيوية بجامعة القاهرة د. فاضل محمد علي ضد المجالات المغناطيسية والكهربية, فالاتجاه السائد في العالم الآن هو أن التلوث ليس كيميائيا فقط, موضحا أن هناك تلوثاً شديداً بسبب الموجات الكهرومغناطيسية, والتى تنشأ من أجهزة كثيرة داخل المنزل, فالموجة القصيرة تخرج من لعبة الأطفال بما لا يقل عن 27 ميجاهيرتز وهو نفس التردد الذي يستخدمه أطباء العلاج الطبيعي, بمعنى أننا نعرض الطفل والبيت لموجات كهرومغناطيسية من خلال لعبة للطفل, وكذلك يعمل الهاتف اللاسلكي غير النقال داخل المنزل على تردد يتراوح بين 27 إلى 40 ميجاهيرتز, وهو محطة إرسال واستقبال يتعرض لها كل من بالمنزل بصفة دائمة, أما الهاتف النقال فهو خارج عن السيطرة والذى يُعرض الجسم في حالة استخدامه إلى 300 جاوس(وحدة قياس المجال الكهرومغناطيسى) مما يحدث خللا في إنزيمات الجسم, وحتى ماكينة الحلاقة الكهربية تُعرض الجسم لـ 175جاوس.. وهذا يعني أن الوقت الذي أصبح فيه الإنسان بصحة جيدة بات قصيرا, بدليل أننا نجد اليوم شبابا يعانون أمراض الشيخوخة, كما زادت معدلات إصابة الأطفال بالأورام السرطانية, ولا يمكن ـ وفق رأيه ـ تجاهل مسئولية المجالات الكهرومغناطيسية في ذلك, خاصة أنها تصل للأجنة في الأرحام ما قد يؤدى إلى تشويه المواليد, لذا فإن التعرض للموجات الكهرومغناطيسية يشكل خطورة على صحة الإنسان, وهناك الكثير من التجارب المعملية التي تثبت ذلك, فقد ثبت تشوه أجنة الدجاج إذا تعرضت لمجالات كهربية ومغناطيسية, وهناك دراسات تؤكد تشوه الأجنة وشكل الخلايا إذا تعرضت للموجات القصيرة, ولابد من تقنين استخدام مختلف الأجهزة الكهربية في المنازل بتوصيلها بخط أرضي لتقليل التعرض للموجات الكهرومغناطيسية.

ويحذر د. فاضل من أن وسائل الوقاية التي تستخدم حول أجهزة التليفون النقال لا قيمة لها في حماية الجسم من المجال المغناطيسي, حيث أثبتت القياسات التي أجريت في كلية العلوم بجامعة القاهرة أن المجال المغناطيسي الذي يصدر عن الجهاز وهو مغلق يصل إلى 5 جاوس (وحدة قياس المجال المغناطيسي) وتصل هذه النسبة في بعض الأجهزة إلي 5ر7 جاوس, وفور أن يتصل أحد بالجهاز يقفز المعدل إلى 150 جاوس, وفي حالة الرد على المكالمة يتضاعف معدل المجال المغناطيسي الذي يتعرض له حامل الجهاز إلى 300 جاوس, ومجرد التعايش مع الجهاز وحمله خاصة في منطقة الخصر أمر بالغ الخطورة على الصحة, وخاصة إذا كانت تحمله سيدة حامل, ويكفي للتدليل على ذلك أن الدراسة التي تجرى حاليا بمختبرات الكلية أكدت أن هناك خللا يحدث في إنزيمات الجسم فور التعرض للمجال المغناطيسي للتليفون النقال حتى وهو مغلق في حدود 5 جاوس, ويظل التأثير قائما حتى بعد توقف الجسم عن التعرض لهذا المجال المغناطيسي لمدة شهرين, والتلف يحدث في الخلل في كرات الدم الحمراء مما يحول دون أدائها لوظيفتها في حمل الأوكسجين من الرئتين إلى خلايا الجسم وتخليص الخلايا من مخلفاتها خاصة ثاني أكسيد الكربون, وهذا الخلل يؤدي إلى تسمم الخلايا, و يعتمد ذلك على نوع الخلية, هل هي من النوع الذي يعمل ليل نهار مثل خلية القلب, مما يحدث تليفا على المدى الطويل في عضلة القلب, وهل هي في غدة من الغدد ستؤدي حتما إلى حدوث مشكلة في المستقبل, وهذه هي التأثيرات البعدية الناتجة عن التعرض للمجال المغناطيسي لأجهزة التليفون النقال. ومن المهم التنبيه إلى خطورة حمل السيدات الحوامل لهذا الجهاز, حيث ثبت أن ذلك يتلف الجنين ويأتي بمولود مشوه, وقد لا يكون التشوه واضحا عند الولادة, بل قد يصاب الطفل بالسكري عند سن 3 أو 4 سنوات أو ضمور في خلايا المخ أو العضلات أو ثقب في القلب أو يصاب بالسرطان, لأن الخلايا تنقسم بمجالات كهربية ومغناطيسية, فإذا تعرض الجنين للمجال المغناطيسي من التليفون النقال فلن تنقسم خلاياه بشكل طبيعي حتى ينمو, وحين ولادته سيبدو عليه إما تخلف واضح أو نقص في النمو أو يظهر عليه في المستقبل تخلف في الأداء أو داء عضال. كما أن محطات الإرسال يتم إجراء القياسات الخاصة بها حاليا وقياس تأثيراتها في حيوانات التجارب, فليس من المعقول الانسياق وراء دعاوى التطمين من عدم خطورة هذه المحطات على الصحة العامة, لأن كل الناس بغض النظر عن حمل التليفون النقال معرضون للموجات التي تصدر عن هذه المحطات طوال 24 ساعة.

بحثا عن الضوابط

السؤال الذي يطرح نفسه: ما فكرة عمل الهاتف النقال?

تقوم فكرة عمل الهاتف النقال على اتصال هوائي بين التليفون وأقرب محطة استقبال وإرسال له, والتي توجد عادة على أسطح المباني في المناطق السكنية أو على أبراج في المناطق غير السكنية, وكل مجموعة من المحطات يتصل بعضها بالبعض الآخر بشبكة أرضية وأيضا بالعالم الخارجي. وتستخدم الشبكة ترددات كهرومغناطيسية ذات تردد 900ميجا هرتز, وهذا التردد قريب جدا من ترددات الإذاعةFM,AM وكذا التليفزيون والرادارات الحربية وأيضا المستخدمة في أفران الميكروويف في المنازل(علما بأن الطاقة المستخدمة في أفران الميكروويف أقوى عشرات المرات من المستخدمة في شبكة الهاتف النقال) وهذه الترددات تقع في حيز التردد غير المؤين, الذي لا يؤثر في خلايا العنصر البشرى, ويبدأ حيز الترددات المؤينة والمعروفة بضررها على الجسم البشرى من تردد أشعة X ألفا جاما وما بعدها.

وتنتشر محطات الاستقبال والإرسال في المساحة المطلوب تغطيتها بنظام الخلايا وكل خلية تتوسطها محطة, وكلما صغر حجم الخلية وبالتالي كثر عدد المحطات قلت الطاقة المنبعثة من هذه المحطة, وزادت جودة الاتصال بين المحطة والهاتف النقال, لذا توصي جميع التقارير بالإكثار من عدد المحطات الموجودة فوق أسطح المباني السكنية لتقليل الطاقة الصادرة منها وبالتالي تقليل الإشعاعات المنبعثة من هذه المحطات.

ويتعرض الإنسان على مدى حياته لموجات كهرومغناطيسية ذات ترددات متفاوتة تنبعث من عديد من المصادر الطبيعية والاصطناعية, وعلى سبيل المثال, تنشأ المجالات الكهرومغناطيسية عن عدة ظواهر طبيعية منها عمليات التفريغ في الشمس أو الفضاء أو أجواء الأرض , كما تنشأ عن المصادر الاصطناعية التى تولد الطاقة الكهربائية أو التى تسير بالتيار الكهربائي. وتتسبب المصادر الاصطناعية في إحداث مجالات كهرومغناطيسية تزيد مستوياتها في بعض الحالات على أضعاف المعدلات الطبيعية لهذه المجالات. ومن بين أهم المصادر الاصطناعية لانبعاث المجالات الكهرومغناطيسية, أجهزة الاتصالات المزودة بهوائيات البث والاستقبال والأجهزة التى تنطلق منها هذه الموجات أثناء تشغيلها منها شاشات العرض التليفزيوني ووحدات رفع قوة التيار الكهربائي والمحولات الكهربائية وغيرها.

ولقد أشارت نتائج البحوث التى أجريت على حيوانات التجارب إلى أن التعرض للمجالات الكهربية والمغناطيسية بالترددات المنخفضة يؤثر في التركيب الجزئي لجدار الخلية الحية, حيث يُضعف من معدلات نفاذيته للأيونات ويغير من تركيب محتواه من الدهون الفسفورية والبروتينيات, الأمر الذي يؤثر في معدلات الأداء الحيوي للخلايا. أوضحت بعض الدراسات أن التأثيرات البيولوجية للتعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية يمكن إرجاعها إلى عدة عوامل منها التأثير في مستوى الكالسيوم داخل الخلايا الحية والتخليق البروتيني وانقسام الخلايا والاتصالات الخلوية ودورة الخلية والمادة الوراثية.

كما أشارت نتائج البحوث العلمية إلى التأثيرات السمية للإشعاعات الكهرومغناطيسية في المادة الوراثية الخلوية وما يترتب على ذلك من ارتفاع معدلات الإجهاض وانخفاض وزن الأجنة ومعدلات نموها وزيادة احتمالات تشوهاتها الخلقية, كما تشير البحوث إلى ارتفاع معدلات إصابة الأطفال بسرطان الدم نتيجة التعرض للموجات الكهرومغناطيسية. وتشير التجارب العلمية إلى أن التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية يتسبب في اختلالات وظيفية تنطوي على تغيرات في تدفق مادة الكالسيوم, مما يؤثر في معدلات الانقسام الخلوي وتغير في نفاذية الأغشية الخلوية وتغيرات في أداء الحاجز المخي واختلال في وظائف الجهاز المناعي.

ومن المتوقع أن يبادر المجتمع العلمي بتحديث المعايير والضوابط التى تكفل خفض معدلات الانبعاث الإشعاعي من مصادره المختلفة, إلى جانب الحد من مصادر التعرض للمؤثرات المؤازرة الأخرى, وأخذ معدلات التعرض لها في الاعتبار عند تحديد الجرعة الآمنة للتعرض الإشعاعي خاصة في السيدات في المراحل المبكرة من الحمل, والأطفال الرضع وصغار السن.

إن حرية مخاطرة الإنسان بصحته وحياته من أجل تحقيق منفعة خاصة أو عامة جزء مهم من حريته الشخصية, إلا أن إقحام تلك المخاطر قصرا على الآخرين دون أرادتهم ودون وعي مستنير بالمنافع التى تعود عليهم أو على المجتمع الذي ينتمون إليه, هو أمر يخرج عن دائرة الالتزام باحترام الحريات الشخصية وينطوي على ممارسة غير أخلاقية تشكل اعتداء على حقوق الإنسان. وعلى سبيل المثال, يتقبل المخاطرون طواعية احتمالات المخاطر بفعل الموجات الكهرومغناطيسية التى يتعرضون لها طواعية من خلال تقنيات التشخيص والعلاج الطبي, أو التعرض المهني بمواقع العمل أو بفعل الأجهزة الكهربائية والإلكترونية المنزلية. وينبني تقبل الأفراد طواعية لاحتمالات المخاطر على التأكد من أن الفوائد التي يحققونها لأنفسهم تفوق كثيرا المخاطر التى يتعرضون لها, وأن المتقبلين للمخاطر هم أنفسهم المستفيدون من هذا التعرض, إلا أن المنهج الأخلاقي ومبادئ احترام حقوق الإنسان تفرض ضرورة تعريف الأفراد بأبعاد تلك المخاطر وتأثيراتها في الصحة.

عن أبراج البث

على الجانب الآخر يتزايد قلق الأفراد من التوسع في إقامة أبراج البث والاستقبال ومحطات الاتصالات ومحطات الرادار وشبكات خطوط كهرباء الجهد العالي وغيرها من مواقع توليد الموجات الكهرومغناطيسية, ويرجع ذلك القلق إلى أنه بالرغم من استفادة أفراد المجتمع ككل من تشغيل تلك المنشآت لدعم الخطط التنموية, فإن التجمعات القاطنة بجوارها أو المتاخمة لمجالاتها الكهرومغناطيسية تحمل على أكتافها دون غيرها القدر الأكبر من تحمل المخاطر في نفس الوقت الذي قد لا تحصل فيه إلا على جزء يسير فقط من المنفعة العامة التى تعود من تشغيلها. ومن منطلق احترام حقوق الإنسان, فإن الناس تكون في أمس الحاجة إلى أن تشارك مشاركة فعالة وواعية في تحليل المخاطر التى يطلب منها أن تتحملها طواعية, وأن يتاح لها التوعية الكافية بأبعاد المنفعة التى تعود على الأفراد خاصة والمجتمع بصفة عامة نتيجة الاستفادة من هذه التقنيات.

ورغم المخاوف التي يثيرها العلماء من مخاطر الهاتف النقال , إلا أن التقارير أكدت -على الجانب الآخر- أن معظم الدول الكبرى التى أدخلت هذه التقنية الحديثة أجرت منذ ما يقرب من 15 عاما أبحاثا مستفيضة حول أى آثار ضارة يمكن أن تنتج عن التعرض للموجات الصادرة من المحطات بواسطة العنصر البشري, وتشير نتائج الدراسات إلى أن التأثير الوحيد الممكن لهذا النوع من الموجات الميكرومترية التي يستخدمها الهاتف النقال وهوائياته هو تأثير حراري ولا يختلف كثيرا عن التأثير الحراري الذي تسببه الأشعة تحت الحمراء. ولقد روعي في تصميم هذه الهوائيات أن التعرض لها لا يؤدى إلى رفع درجة الحرارة داخل الجسم لأكثر من 0,1 درجة مئوية, علما بأن الجسم يستطيع التأقلم مع ارتفاع درجة حرارته الداخلية تصل إلى 3درجات مئوية دون أن يتسبب هذا في أضرار صحية .

وبشأن ما أثير حول وجود هوائيات شبكة الهاتف النقال فوق مباني المستشفيات, قامت المنظمات العالمية المختلفة بعمل الأبحاث المتخصصة لمعرفة مدى تأثير ذلك في المرضى والأجهزة الطبية بالمستشفيات, وقد أولت Medical Devices Agency اهتماما خاصا بهذه القضية وأجرت العديد من القياسات, وخرجت بالنتائج التالية: أولا: ليس هناك أى تأثير سلبي في صحة المرضى الموجودين بالمستشفيات, ثانيا: ليس لهوائيات شبكة الهاتف النقال أى تأثير في أداء الأجهزة الطبية ودقة القراءات المستخرجة منها, ثالثا: وُجد أن وجود الهواتف النقالة بجوار الأجهزة الطبية وبمسافة أقل من متر واحد تأثر في عمل وأداء 4% من الأجهزة الطبية التى أجري عليها البحث, جدير بالذكر أن الأجهزة اللاسلكية الموجودة مع أفراد الأمن أكثر تأثيرا في أداء الأجهزة الطبية, حيث كانت نسبة الأجهزة الطبية التى تأثرت من وجود هذه الأجهزة اللاسلكية 35% , بينما كان للأجهزة اللاسلكية الموجودة مع الأطباء لاستدعائهم لمباشرة الحالات الطارئة تأثير أكبر حيث بلغت النسبة 41% في الأجهزة محل الاختبار.

ومن خلاصة التقارير والأبحاث التى أعدتها منظمة الصحة العالمية عن ترددات الراديو الصادرة عن الهاتف النقال اتضح أنها لاتسبب أى ارتفاع ملحوظ في درجة حرارة الجسم, وقامت المنظمة بالتعاون مع اتحاد الحماية الإشعاعية الدولي IRPA بمراجعة شاملة لكل المقالات العلمية المنشورة في العالم حول الآثار الصحية للتعرض لموجات الراديو الصادرة من محطات التقوية الخاصة بالهاتف النقال, وكانت النتيجة أنه لا توجد دراسة علمية واحدة تثبت أن ترددات الراديو تسبب السرطان.

في معرض الدفاع

وقد أجرى د. جون موللر أستاذ العلوم الإشعاعية بكلية الطب جامعة ويسكنسن بحثا مستفيضا يضم نتائج العشرات من الدراسات التى قام بها باحثون آخرون في مجال موجات الراديو وآثارها في الصحة العامة, ويقول البحث إن إحدى النتائج التى اتفقت عليها الدراسات هي أنه لا يوجد حتى الآن دليل علمي يثبت أن هناك أي أخطار من الوجود قرب أجهزة الهاتف النقال أو هوائيات محطة التقوية الخاصة بها, والطاقة الصادرة عن هذه الهوائيات أقل بكثير من أن تسبب أي أضرار صحية ما دام أنه لا يوجد اتصال مباشر بالهوائي, وما دامت المواصفات المقررة في المواصفات القياسية العالمية يتم اتباعها. وتقدر المسافة الآمنــة التى حددتها المواصفات القياسية بالنــســـــــبـــة للجمـــهــور بـ 20قدما(6 أمتار) والمسافة الآمنة المقررة للعمال بـ 10أقدام , وهذه هي المسافة من الهوائي ذاته وليس قاعدة المحطة, ولو كانت المسافة أكبر من هذا الحد فإن الموجات الصادرة عن المحطات ستكون أقل بكثير من أن تحدث أي آثار, وهذه المواصفات الفنية تتبناها لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية FCC ووضعت لكي تكون أقل بكثير من المستوى الذي يمكن عنده حدوث أي آثار كتلك التى يدرس العلماء إمكان حدوثها من ترددات الراديو, والتي من ضمنها ترددات GSM التى تعمل بها الهواتف النقالة, بالإضافة إلى ذلك فإن موجات الراديو الصادرة عن هوائيات بث الإرسال التليفزيوني والإذاعي لها نفس التأثير في البشر كتلك الصادرة من محطات التقوية الخاصة بالهاتف النقال, بل إنها أقوى وأكثر تركيزا بقدر يتراوح بين 100و500 مرة من محطات النقال, ولكن يتم تركيب هوائيات البث التليفزيوني والإذاعي على أبراج أعلى يتراوح ارتفاعها بين 800و1200قدم (240و360 مترا).

وبناء على القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير تم تشكيل لجنة مستقلة من الخبراء المتخصصين, وخلصت إلى عدة توصيات كان على رأسها أن جميع الأدلة المتوافرة لدى اللجنة لا تشير إلى وجود أي خطر صحي على مستخدمي الهاتف النقال, وأن الخطر الوحيد المتحقق منه هو استخدام الهاتف أثناء قيادة السيارة. وقال تقرير أعدته كلية الهندسة بجامعة عين شمس بالقاهرة إننا إذا أردنا حصر الذين يتعرضون لمثل هذه الموجات منذ أكثر من 60عاما, فإنه يمكن تصنيفهم على النحو التالي:

1. المراقبون الجويون حيث تستخدم الرادارات والتى لها طاقة كبيرة جدا مقارنة بالطاقة المستخدمة بالهاتف النقال, وذلك لمتابعة هبوط وإقلاع الطائرات ولم يثبت إصابة أى من هؤلاء بأمراض خطيرة .

2. أفراد قوات الدفاع الجوي والصواريخ والرادارات الحربية وأجهزة الإنذار المبكر, وكلها تعمل بطاقات عالية جدا على مدار 24ساعة يوميا, ولا يوجد تقرير صحي عالمي يؤكد حدوث حالات إصابة لهؤلاء الأفراد .

3. الطيارون المدنيون والعسكريون وأطقم الملاحة الجوية وهم مُعرضون دائما لجرعات عالية من موجات الراديو ولكن الإصابة التى يشكو منها بعضهم تتركز في حاسة السمع نتيجة طنين الصوت العالي الذي يتعرضون له ولم تثبت إصابة أى منهم بأمراض خطيرة.

4. مستخدمو الشاشات الإلكترونية مثل شاشات الكمبيوتر والتليفزيون, فهذه الشاشات تطلق موجات راديو مثل موجات النقال تختلف شدتها تبعا لنوع الشاشة, ولم يثبت ارتباط ذلك بأى خطر صحي حتى على هؤلاء الذين يعملون لمدة أكثر من 8 ساعات يوميا وعلى مقربة شديدة من الشاشة.

5. رجال الشرطة والجيش الذين يستخدمون اللاسلكي منذ أكثر من 30 عاما بنفس حيز الترددات مثل النقال, ولكن بقدرات أكبر من 10وات, بينما النقال لاتزيد طاقته على 2 وات.

6. أفران الميكروويف في المنازل وهى منتشرة في أوربا منذ عام 1960 وهى مصدر هائل للموجات المشابهة للنقال, ولكن بطاقات أعلى بكثير حتى تستخدم في رفع درجة حرارة الأغذية ولم يثبت أى ضرر صحي واضح منها.

7. العاملون بمحطات الأقمار الصناعية والبث الإذاعي والتليفزيوني التى تشع نفس حيز الترددات ولكن بطاقات هائلة, ولم يثبت إصابتهم بأى نوع من الأمراض الخطيرة خلال مدة خدمتهم التى تصل إلى 30 عاما متصلة ولمدد طويلة يوميا.
غاية القول إن القضية لم يحن أوان حسمها بعد, فربما جندت الفوبيا الاقتصادية, كما هو الحال في شركات السجائر والقهوة, من الباحثين من يصب في جهة تعزيز وجهة نظرها, وأبحاث المستقبل ربما تتاح لها الفرصة لتبيان الحقيقة الكاملة, وحتى يحين هذا الوقت فلا جدال في أن ترشيد استخدام الهاتف النقال هو الحل الأنسب

 

حسن فتحي