عـمّـان ... مدينة المياه!

عـمّـان ... مدينة المياه!

هـل تعيد الثقافة تدفق الينابيع التي جفـّت?!

كان هناك أكثر من سبب يجعلنا نعيد النظر في الذهاب إلى (عمّان)... الثلوج التي غطت الشوارع فأغلقتها, الأمطار التي مازالت تغسل مبانيها وأشجارها, غموض ارتباط الدعوة ببلدية عمّان!..... وقبل كل هذا ما جدوى فكرة إعلان إحدى المدن عاصمة للثقافة اذا لم تكن قد اضافت للثقافة جديداً?! رغم كل ما ذكرت - وأسباب أخرى لها علاقة بالعمل - كان لابد مما ليس منه بدّ, فحزمنا الحقائب - أنا وزميلي المصور - وشددنا الرحال إلى الأردن.

في المطار, استقبلنا شاب يعمل في قسم العلاقات العامة بأمانة عمّان يدعى (محمد الحديد)... ورغم دماثة أخلاقه, والعلاقة الطيبة التي تكوّنت بيننا طوال فترة إقامتنا, لم أحاول أن أسأله عن مؤهله العلمي, منعاً لإحراجه, فقد جرت العادة في كثير من البلاد أن مثل هذه الوظيفة يعيّن فيها مَن هم بغير مؤهل وغير كفاءة, لذلك كانت مفاجأة لي أن أعرف أنه خريج الجامعة الأردنية في كلية العلوم السياسية... ولهذا دلالاته.

في الفندق, ابتعت عدداً من الصحف الأردنية, بحثت عن الصفحات الثقافية فيها, محاولاً التعرف على ما يشغل بال الوسط الثقافي في عمان, خبر عن تعيين الشاعر الكبير حيدر محمود وزيراً للثقافة, أخبار متفرّقة عن أنشطة وإنجازات لأمانة عمّان تتعلق باحتفالات إعلان عمّان عاصمة للثقافة العربية! جدل حول النية في إلغاء وزارة الثقافة! اعتقال رئيس تحرير إحدى الصحف لانتقاده الحكومة السابقة (الحكومة تقول إنه نشر أخباراً غير صحيحة, وتطاول بشكل غير لائق على شخصيات رسمية), دعوة من أحد كتّاب الزوايا لعدم استثناء أحد من المشاركة في أنشطة العاصمة الثقافية وضرورة تكاتف الجميع لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية حتى لا تكون عمّان (فرجة) لإخوانها العرب! وأخيراً كاتب يعتبر اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية (ورطة) يدعو الله أن يخرجها منها سالمة!!

هل هذا التباين في وجهات النظر يعكس أزمة بين المثقفين هناك? أم أنه علامة صحة, واختلاف محمود في وجهات النظر لا يفسد للودّ قضية?!

رأس العين

في الصباح, توجهنا إلى أمانة عمّان لمقابلة أمينها, لنشكره على دعوته (العربي)... وفي النفس تساؤل عن علاقتهم (أمانة عمّان) بالثقافة! نصل إلى المبنى الذي يقع في عمّان الشرقية, وتحديداً في منطقة رأس العين, وهي منطقة تعتبر سرة عمّان القديمة, أو أصل عمّان الحديثة, واسم المنطقة جاء من سيل كان يشقها ويروي عمّان وسكانها, كانت تنبع مياهه من سفوح التلال المحيطة بواد عُرف باسم وادي عبدون, ثم اشتهر برأس العين, وقد شيّدت عمّان على جانبي السيل.

ومن المفارقات أن هذا السيل كان يهدد سكان عمّان -الذين يقيمون - بجانبه بفيضانه, ويدمّر منازلهم حتى وقت قريب - بدايات القرن الماضي - كما كان الناس يصطادون منه الأسماك! بل كان من الصعب اجتيازه مشياً خلال فصل الشتاء أو حتى على ظهور الدواب, وكان الوادي أقرب إلى غابة كثيفة الأشجار, حتى أن بولس سلمان كتب عام 1913 في مجلة (المشرق) (ما يكاد يحفر في تلك الأرض حفرة صغيرة إلا وتتدفق المياه المتفجرة, ولذلك ترى الأعراب واردين إليها بمواشيهم حتى إذا سألهم المسافر عن اسم عمّان أجابوا بكلام الاستعارة: إنها مدينة المياه)!

لقد اختفى هذا السيل الآن, ولم يبق منه سوى اسم المنطقة للدلالة عليه, وحلّت محله الشوارع الاسفلتية والمباني الخرسانية, وأصبحت مشكلة المياه من أخطر المشاكل التي تعانيها عمّان, خاصة مع سنوات الجفاف.

نصعد إلى المبنى, نتجه إلى مكتب أمين عمّان المهندس نضال الحديد الذي كان في استقبالنا, يحييّنا بحرارة قائلاً: إن (العربي) هي أول جهة إعلامية - مطبوعة أو مرئية - يتم دعوتها لتشهد استعدادات عمّان لإعلانها عاصمة للثقافة في شهر أبريل الجاري.

تستوقفني لباقته في الحديث, وأناقته في ملبسه, وأكثر من هذا صغر سنه

أهنّئه بفوز المبنى بجائزة منظمة المدن العربية للعمارة, والذي كنا قد علمنا به قبل توجهنا مباشرة للأمانة, يعلق (لقد اخترنا هذا الموقع لإقامة مقر أمانة عمّان كبرى لإعادة إحياء عمّان القديمة).

نصف الفعاليات.. للامانة

أنتقل مباشرة إلى السؤال الذي شغلني حتى قبل مغادرتي الكويت (أليس غريباً أن تهتم أمانة عمّان - بلديتها - بالثقافة?! أليس هذا بعيدا عن مجال عملكم?!).

يقول المهندس نضال الحديد (الفكرة ليست جديدة ولها مثيل في بعض الدول العربية, خاصة الدول التي خضعت للاستعمار الفرنسي, فهي نقل لتجربة البلديات في فرنسا, وحتى بعض الدول الأوربية الأخرى).

ويستطرد قائلاً (إلا أن الأمر الذي يجب أن يكون واضحاً, هو أننا لا نحاول أن نلعب دور البديل للمثقف الأردني, بل إن عملنا يتركّز على تأمين البنية التحتية للعمل الثقافي, وتهيئة المناخ والمكان للمبدعين, وإتاحة الفرصة أمامهم لنشر هذه الإبداعات, لذلك فإن 20% من الموازنة الرأسمالية للأمانة تصرف على المشاريع الثقافية, لذلك ليس غريباً أن تعرف أن من بين 58 نشاطا رئيسيا أقرتها اللجنة العليا للاحتفال بعمّان عاصمة للثقافة العربية, هناك 28 نشاطاً ستقوم به الأمانة, عدا مئات الأنشطة الفرعية والتي ستضطلع الأمانة بعدد كبير منها).

فإذا أضفنا إلى كل هذا ما تقوم به الأمانة - وتحديداً دائرتها الثقافية) - من إصدار ثلاث مجلات شهرية تعنى بالأدب (عمّان) والمرأة (تايكي) والطفل (براعم عمّان). ونشرها العديد من الكتب في مختلف مجالات المعرفة لعرفنا حجم العمل الذي تقوم به الأمانة في المجال الثقافي.

ويحدّثنا المهندس الحديد عن أحد مشروعات البنية التحتية التي تزمع الأمانة الانتهاء منه خلال هذه السنة, ألا وهو افتتاح (شارع الثقافة), الذي تم اختياره في منطقة الشميساني, حيث سيغلق الشارع أمام السيارات ويخصص للمشاة فقط, مع ترك حارات صغيرة لخدمة المحال على جانبيه, أما الشارع فستقام به عدة حوانيت صغيرة لبيع الصحف والمجلات والكتب, ومدرج صغير لإلقاء الشعر, وإعادة إحياء تراث (الحكواتي), إضافة إلى مرسم حر للفنانين التشكيليين.

ننهي حديثنا مع المهندس نضال الحديد بنقل مخاوف البعض من اختيار عمّان عاصمة للثقافة العربية, يجيب بابتسامة (مازلنا في أول شهر من العام, ومع ذلك قرأت العديد من الانتقادات! المشكلة أن عدم وجود دور مباشر لجهة معينة أو كاتب معين يجعله يبادر للانتقاد فوراً, وإبراز السلبيات, ولكن لا بأس, فإلقاء الضوء على السلبيات وأوجه القصور في عملنا يجعلنا نبادر إلى تلافيها... والنقد حق للجميع).

نترك مبنى الأمانة وننتقل - سيراً على الأقدام - إلى (مركز الحسين الثقافي), أحد أهم الصروح التي تتبع أمانة عمّان, والذي يقع على بعد خطوات قليلة من الأمانة, مشكّلاً -مع مبنى الأمانة - معلماً بارزاً في منطقة عين النبع.

كان من المفترض أن نلتقي هناك مدير المركز الشاعر الكبير (حيدر محمود), ولكنه كان قد عيّن في اليوم السابق فقط وزيراً للثقافة! لذلك استقبلنا نائب المدير, الذي أحالنا إلى عضو اللجنة الإعلامية المنبثقة عن اللجنة الوطنية العليا لإعلان عمّان عاصمة للثقافة العربية الزميلة سميرة عوض, وهي زميلة مهنة بحكم كونها مديرة تحرير صحيفة (عمّان 2002), وهي النشرة الناطقة باسم اللجنة الوطنية العليا والتي تصدر نصف شهرية, تقول عنها سميرة (النشرة ليست خبرية, بل إننا نسعى بعد اكتمال السنة إلى أن تصبح وثيقة أدبية لمختلف أنواع الإبداع).

تأخذنا سميرة عوض في جولة في أنحاء مركز الحسين الذي لم يكن قد مضى على افتتاحه عام واحد, وهو مركز يضم العديد من القاعات متعددة الأغراض, إضافة لمكتبة (العاصمة عمّان) المركزية حيث كان العمل مازال قائماً فيها, والتي ستضم كل ما نشر عن عمّان سواء كان ذلك بالكلمة أو الصورة الفوتوغرافية أو الشريط السينمائي, وهي تقع في خمسة طوابق, ويتبع المكتبة 28 مركزاً موزعا على أحياء عمّان المختلفة.
ويجاور هذا الصرح الثــقافي - في تكوين معماري متداخل معه - المسرح البــلــدي, وكــان الـعـمل فـيه على قدم وساق لافتتاحه رسميا في الثلاثين من شهر يناير الماضي الذي يصادف عيد ميلاد الملك عبدالله بن الحسين, وهو المسرح الذي سيـشـهـد حــفــل الافتـــتاح الرسمي بتدشين عمّان عاصمة لـلـثــقـافــة الـعـربـيــة.

انفتاح على الآخر

تركنا - زميلي وأنا - مركز الحسين الثقافي على أمل العودة مساء إلى مبنى أمانة عمّان, حيث كانت تعرض في قاعتين من قاعاته الثلاث أعمال لفنانتين أردنيتين, وهذه القاعات تفتح مجاناً لجميع الفنانين لعرض أعمالهم, كما تقوم الأمانة باقتناء عدد من هذه الأعمال دعماً للفنان الأردني.

إن عدم اقتصار دور أمانة عمّان على إقامة البنية التحتية لأنشطة الثقافة, واقتحامها دور العمل الثقافي والإبداعي يحتّم عليها - بالطبع - إيجاد جهة مسئولة عن هذا العمل, لذلك وجدت (دائرة الثقافة) في عام 1997 لتكون أحد الأجهزة الثقافية المتخصصة, وليكون لهذا النشاط الثقافي إطار مؤسسي يعمل على تطويره واستمراره, ويرأس هذه الدائرة عبدالله رضوان أحد المثقفين العرب والذي له العديد من الكتب المنشورة, ويقول لنا عبدالله رضوان - وقد قمنا بزيارته في يومنا التالي - (لقد بدأت الدائرة بمكتب صغير, ثم توسعت, مع توسع أنشطتها, بل إن توسعها جاوز المبنى الذي نحن فيه, فقد قمنا - الدائرة الثقافية ممثلة لأمانة عمّان - باستملاك عدد من البيوت القديمة في عمّان بهدف الحفاظ على التراث المعماري لهذه البيوت, ولاستخدامها في العمل الثقافي الذي تقوم به الدائرة, ومن أهم هذه البيوت, بيت الشعر, وبيت الفن).

وعن دور الدائرة في عام 2002, يقول رضوان (نحن ممثلون في اللجنة الوطنية العليا لعمّان عاصمة للثقافة العربية, وهذه اللجنة أقرّت مجموعة من البرامج المركزية على مستوى المملكة, وتركت لكل جهة ثقافية حرية وضع برنامجها الخاص إضافة لذلك ونحن - أمانة عمّان - نشارك في البرامج المركزية, ولنا برنامجنا الخاص أيضاً, ونحن نتحرك على ثلاثة محاور, الأول هو المحافظة على البعد الاحتفالي للمناسبة بتكثيف وتعميق ما كنا نقيمه عادة من مهرجانات وندوات ومعارض, والمحور الثاني هو الاهتمام بالبنية التحتية للثقافة بإضافة العديد من المراكز الثقافية وتزويدها باحتياجاتها).

(وأخيراً الاهتمام بحركة نشر الكتاب الأردني, فنحن عادة نقوم بنشر ما يقرب من 22 كتابا, وندعم جزئياً نشر 25 كتابا, سيضاف لذلك - في عام العاصمة الثقافية - 57 كتاباً, منها (موسوعة عمّان) التي ستعيد إنتاج مجمل البعد المعرفي المتعلق بعمّان التاريخية والشعبية, وهي موسوعة مكوّنة من 12 جزءا ستصدر على التوالي كتاباً في كل شهر من أشهر السنة).

ما أثار دهشتي أن بعض الكتب الصادرة عن أمانة عمّان كانت للروائي الأردني الكبير غالب هلسا, الذي عاش بعيداً عن موطنه سنوات عدة, ومات منذ سنوات قليلة في دمشق, وإصدار آخر للشاعر المتمرّد مصطفى وهبي التل والمشهور باسم عرار.

هذا التوجه والانفتاح نحو الآخر - والذي لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال مواليا للحكومة - شجّعني على الاقتراب من منطقة اعتقال رئيس إحدى الصحف, وإن كان بحذر.

سألت عبدالله رضوان (وماذا عن التشريعات المتعلقة بحرية الرأي والنشر والإبداع?).

أجابني بابتسامة من فهم ما أرمي إليه من وراء سؤالي وأجاب (ربما تندهش إذا علمت أن اللجنة الوطنية العليا - ليست أي جهة أخرى - كانت وراء مشروع يهدف إلى تحديث وتطوير التشريعات المتعلقة بقوانين المطبوعات والنشر وحقوق المؤلف والملكية الفكرية, وآليات الصرف على المشاريع الثقافية, ولقد تكوّنت بالفعل لجنة من كبار أساتذة الحقوق في الجامعة الأردنية لدراسة هذه التشريعات ووضع توصياتها بهذا الخصوص, ولكن - كما يعلم الجميع - أن تغيير التشريعات له إجراءاته والتي قد تطول بعض الوقت).

لم أكن مخطئاً في ملاحظتي حول انفتاح الأجهزة الرسمية على الآخر, ففي يومنا التالي قمنا بزيارة للمركز الثقافي الملكي, وهو مركز ضخم ذو نسق هندسي جميل يضم عدداً من القاعات ومسرحين وقاعة للباليه, افتتح رسمياً عام 1983 ويرأسه حالياً إعلامي مخضرم هو عبدالسلام الطراونة, وهو المركز الذي عقدت في قاعته الكبرى عام 1980 مؤتمر القمة العربي الحادي عشر.

وفي معرض تأكيده أن المركز يحاول أن يستقطب جميع المثقفين الأردنيين على اختلاف مشاربهم وأطيافهم السياسية والفكرية, قال لنا عبدالسلام الطراونة إن الحزب الشيوعي الأردني أقام أحد مؤتمراته العامة في المركز, بل وجرت انتخابات لجانه فيه! وزاد إحساسنا بأن هناك هامشا كبيرا من حرية الرأي في الأردن عندما قمت بعد ذلك بزيارة لجريدة الدستور, وهي واحدة من كبريات الصحف التي تصدر يومياً في الأردن وعددها خمس صحف إحداها تصدر باللغة الإنجليزية...., فقد فتح مدير تحريرها (محمد القاق) - الذي عمل لفترة طويلة مديراً لتحرير جريدة الرأي العام الكويتية - موضوع العلاقات بين الأردنيين والفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية - وهو موضوع كنت أدرك مدى حساسيته وتجنبت الخوض فيه - وعندما استأذنته في إغلاق آلة التسجيل حتى لا يجد حرجاً في الحديث, ابتسم بودّ وقال (لا... لاداعي, لم يعد هناك ما يُخيف).

ولكن.. .رغم كل هذا الانفتاح, مازال فهد الريماوي معتقلاً بتهمة نشر أخبار غير صحيحة عن حكومة مستقيلة!!

ثقافة... قطاع خاص

حتى هذه اللحظة كنا قد التقينا العديد من المسئولين في جهات رسمية تعنى بالثقافة بشكل أو بآخر, وللخروج من هذه الدائرة توجهنا في صباح يوم بارد - وإن كان مشمساً - إلى مركز زها, وهو مركز للأطفال تبرعت بإنشائه السيدة زها - وهي سيدة لها باع طويل في العمل الخيري - وتشرف على المركز أمانة عمّان وترأسه السيدة فاتنة عميرة, ويقع المركز في منطقة خلدة بعمّان الغربية, وفي الشتاء يحجز لطلبة المدارس للاستفادة من التسهيلات الموجودة فيه من حدائق وملاعب ومكتبة للطفل ومركز للحاسوب يشرف عليه عدد من المختصين, إضافة إلى وجود لجان فنية تقوم بتعليم الأطفال فنون المسرح والموسيقى.

من هناك انتقلنا إلى المتحف الوطني الأردني, وهو يتبع مؤسسة غير حكومية لا تسعى للربح, وهي الجمعية الأردنية الملكية للفنون الجميلة والتي ترأسها الفنانة التشكيلية الأميرة وجدان بنت علي.

يستقبلنا على باب المتحف - وهو متحف للفنون الجميلة - مديره رسمي حمزة, ويحدّثنا عن نشاطات المتحف التي تجاوزت مجرد إقامة المعارض واقتناء الأعمال الفنية, والتي بلغت حتى الآن 1700 عمل فني من 65 دولة من دول العالم الثالث.

يقول رسمي حمزة (نحن نقوم بتنظيم العديد من المؤتمرات العالمية بالتعاون مع دول أجنبية أو منظمات دولية, بهدف التعريف بالثقافة العربية والإسلامية, لذلك فإن مؤتمراتنا لا تقتصر على الأردن, بل نحن نقيمها في الدول العربية والأوربية أيضا)ً.

( ولا يقتصر اهتمامنا على الفنون التشكيلية فقط, بل يتجاوزها إلى الجانب الفكري والمعرفي, لذلك نحن نقوم بإصدار حوالي 10 مطبوعات سنوياً باللغة الإنجليزية للتعريف بثقافات العالم الثالث).

ويضم المتحف مركزاً لفن الجرافيك, يقدم فيه كل ما يتعلق بهذا الفن وطباعته للفنانين الأردنيين إضافة إلى استقدام خبراء من دول متقدمة لإقامة دورات تتعلق بهذا الفن.

ويضيف رسمي حمزة (تم تكليف المتحف من قبل اللجنة الوطنية العليا بإقامة معرض شامل لـ180 فنانا عربيا في قاعات المتحف خلال عام 2002, وسيقوم المتحف بإصدار كتاب شامل لهؤلاء الفنانين يتضمن ملخصاً عن حياتهم وسيرهم الذاتية وصوراً لأعمالهم المشاركة في المعرض باللغتين العربية والإنجليزية).

(أما النشاط الكبير الآخر الذي سنقوم به خلال هذا العام فهو إقامة مشغل للنحت العربي يشارك فيه 15 نحاتا لمدة شهر كامل, وسيكون في حديقة المنحوتات التابعة للمتحف, ثم سيشتركون مع أمانة عمّان في اختيار أماكن لوضع منحوتاتهم في ميادين عمّان المختلفة, وهذا سيبقى في ذاكرة عمّان حتى بعد انتهاء احتفالاتها باختيارها عاصمة للثقافة العربية, كما سيقام مهرجان للأفلام الوثائقية العربية).

(ومن المشاريع المهمة لنا خلال هذا العام إقامة عدد من المحاضرات والفعاليات الإنسانية تكون على هامش معرض فني إسلامي يشارك فيه 90 عملا فنيا من دول العالم الإسلامي, يبدأ في جزيرة رودس وينتهي في واشنطن مروراً بست عواصم أوربية).

معرض للجمال

أثناء خروجنا من المتحف الوطني التقينا علي ماهر - مدير دارة الفنون - وبصحبته وزير الثقافة التركي السابق, وقد دعانا - علي ماهر - إلى زيارة الدارة والتي تعد من أبرز المعالم الثقافية في عمان.

و(دارة الفنون) بيت فني أسسته عام1993 مؤسسة عبدالحميد شومان التي بدورها تأسست عام 1980 بقرار من الهيئة العامة للبنك العربي, وهي مؤسسة خاصة تسعى إلى الإسهام في البحث العلمي العربي وتنشيطه والإسهام في التطور القومي للشعب العربي في مجال العلوم والدراسات الإنسانية, وجاء إنشاء دارة الفنون تتويجاً لاهتمام المؤسسة بالفنون والفنانين العرب.

وصلنا الدارة - والتي تقع في جبل اللويبدة - عصراً, الباب الخارجي المؤدي إليها لا يدل على أننا سنرى شيئاً مميزاً, وفعلا لا يوجد أي شيء يجعل هذا المبنى يختلف عما جاوره من مبان, ولكن فور دخولنا اكتشفنا ما يدهش الرائي.

الدارة مكونة من ثلاثة مبان تراثية مقامة فوق آثار بيزنطية, وتعود ملكية البيوت لأسر أردنية عريقة استطاعت مؤسسة شومان استملاكها والمحافظة على طابعها المعماري وتحويلها إلى مركز فني يخدم الفنانين العرب. المبنى الرئيسي كان مقراً في السابق للقائد البريطاني للجيش العربي وذلك حتى عام 1938, وفي شرفته التي كانت تطل على قرية شركسية صغيرة تنام في حضن الوادي كتب (لورنس العرب) مذكراته.

وقد أعيد ترميم البناء, وحولت غرفه إلى ثلاث قاعات عرض تتصل كل منها بالأخرى, واستفيد من أسقفها العالية في وصول الإضاءة الطبيعية إلى القاعات نهاراً, وقد أضيفت إلى هذا المبنى قاعة المكتبة التي زودت بأحدث الكتب الفنية باللغتين العربية والإنجليزية, ومكتبة للأفلام.

أما المبنى الثاني - وهو مبنى تراثي أيضاً سكنه إسماعيل حقي عبدو الحاكم الأسبق لمدينة عكا - فقد خصص للمكاتب الإدارية, مع الاستفادة منه في إقامة المعارض, وقد أضيفت للمبنى حديقة صغيرة صممت على الطراز الشركسي لتتناغم مع الطراز المعماري للمبنى.

وثالث المباني كان سكناً للشاعر فؤاد الخطيب الذي كان يعمل في ديوان الأمير عبدالله في مرحلة إمارة شرق الأردن وأصبح في الخمسينيات سكناً لسليمان النابلسي أحد رؤساء الوزارات آنذاك, وقد أعيد ترميمه وتهيئته لاستضافة زوار الدارة من الفنانين, وتوفير أماكن عمل لإبداعاتهم.

وهناك حديقة جنوبية يمكن الوصول إليها عن طريق درج, تقع أسفل المبنى الإداري, تضم آثاراً لكنيسة بيزنطية تعود للقرن السادس الميلادي. وقد تم الكشف عن بقايا أرضية من الفسيفساء وقطع فنية أثرية في الموقع, وهي الآن معروضة في إحدى غرف دارة الفنون.

وفي قاعات دارة الفنون يقام معرض (مستمر) على مدار السنة يضم أعمالاً معارة لما يزيد على 50 فناناً عربياً تجدد بشكل دوري, إضافة إلى أن الدارة تقوم باستضافة الفنانين العرب لعرض تجاربهم الإبداعية.

كما تقوم الدارة بإعداد برنامج شهري لأنشطتها التي تشمل المحاضرات والموسيقى والشعر والفنون المسرحية وعروض الأفلام, والتي تقام في قاعات الدارة أو في الهواء الطلق سواء كان ذلك في الحديقة الصغيرة أو الحديقة الجنوبية (حيث آثار الكنيسة البيزنطية).

ولقد هيأت الدارة مشاغل فنية حرة لممارسة الأعمال الفنية بمختلف أنواعها, كما تقوم بعقد دورات متخصصة بإشراف فنانين عالميين.

وتقوم الدارة بنشر عدد من المطبوعات المتعلقة بالفنون البصرية والتشكيلية.

حتى هذه اللحظة, لم أستطع أن أتبين سبب تخوف البعض من اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية, لماذا اعتبرها البعض ورطة, فما شاهدنا حتى الآن, والخطط الموضوعة تبشر بسنة حقيقية للثقافة, ولكن, أيكون ما لمسته من حماس وما شاهدته من إنجازات وما سمعت عنه من خطط لا يعدو أن يكون كلاماً رسمياً.. أو كما نقول (كلام جرائد) ?

تجربة فريدة

كان علينا أن نبحث عن وجهة نظر أخرى... ربما يستطيع أن يمنحنا إياها حبيب الزيودي, مدير بيت الشعر التابع لأمانة عمان - وهو شاب آخر ينضم إلى مجموعة الشباب الذين التقيناهم والذين يقع عليهم عبء تحمل مسئولية النهوض بعمان الثقافية.

وحبيب شاعر مجد - بحسب تقييم من لا أشك في تقييمه - ولكن المنصب ظلمه على حد تعبير أحد الأصدقاء, لا أستطيع الحكم على مدى صحة هذا الرأي فأنا لم أقرأ له من قبل, واكتشفت أن هذه المشكلة هي أحد الهواجس الأردنية الثقافية, فهم يرون أن الأردن يعج بالمبدعين, ولكن ما ينقصهم (صناعة النجم) التي تتيح لهؤلاء المبدعين التحليق في فضائهم العربي الرحب, لذلك,يبقى المبدع الأردني أردنياً, إلا من ساعدته الظروف فيعرفه إخوانه العرب.

قيل لي إنه شاب (قلق), لا يعرف تزيين الكلام, كل هذا شجعني للذهاب إليه في (بيت الشعر), إضافة إلى مقابلته الودود التي تتخطى حواجز الرسمية وتشعرك أنك تعرفه من زمن.

بيت الشعر تجربة ليس لها مثيل عربي إلا في تونس وفلسطين, وعمان ثالثتهما.

البيت يحتل موقعاً فريداً يليق بالشعر والشعراء, فهو يسكن أعلى جبل مطلاً على المدرج الروماني وساحة الهاشميين, يقابله على الجانب الآخر من الوادي جبل القلعة بآثاره.

والبيت كان أصلاً للأمير نايف لذلك يسمى (بقصر نايف).

(من المفارقات التي استوقفتني أن في الكويت موقعاً يدعى قصر نايف كان يشنق فيه المحكومون بالإعدام!).

رغم برودة الجو, فقد فضلنا أن ننتظر حبيب الزيودي - الذي جاء متأخراً عن موعده - في حديقة البيت مستمتعين بالمنظر الساحر المحيط بنا من كل الجوانب.

بدأ حبيب الزيودي حديثه معنا ملخصاً أنشطة بيت الشعر عام 2002 - وعلى رأسها مهرجان الشعر العربي الذي ستكون هذه هي دورته الثالثة, وهو يقام عادة أواخر أبريل من كل عام.

يقول الزيودي (سندعو - كعادتنا - عددا كبيرا من الشعراء العرب, والجديد في المهرجان أننا نحاول أن نكسر الشكل التقليدي الممل الذي كان سبباً في هروب جمهور الشعر, أقصد المنصة التي يجلس عليها عدد من الشعراء والجمهور أمامهم, سنحتال على هذا الشكل بمحاولة إيجاد شكل أكثر حميمية بين الشاعر والجمهور, وخلق تآلف بين الشعر والفنون الأخرى, فهناك قصائد ستلقى بمصاحبة الموسيقى, وأخرى سيلقيها ممثلون بمصاحبة لوحات مسرحية, مع إعطاء الشاعر الوقت الكافي لعرض تجربته الشعرية).

(أمر آخر بدأنا الاهتمام به في الدورات السابقة, وسنعطيه زخماً أكبر هذا العام, وهو الاهتمام بالقصيدة المغناة, فنحن نرى أن تراجع الذوق العربي والأغنية العربية مرده إلى ابتعادهما عن الشعر, وهذا الفاصل الوهمي بين الأغنية والشعر, لذلك قمنا باختيار مجموعة من القصائد العربية التي سيؤديها عدد من المغنين العرب الكبار بألحان كبار الملحنين أيضاً).

قومي.. بالضرورة

لم يكن هناك بد من أن أطرح سؤالي مباشرة (هل اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية يشكل ورطة?).

أجابني بشكل سريع: (لا تجرني إلى الانحياز إلى مدينتي عمان, ولكن, وللحقيقة, إذا تحدثنا عن الثقافة الأردنية فسنرصد أنها ثقافة قومية, حتى على نطاق الأنشطة اليومية التي تقدم - بغض النظر عن اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية - ولو ضربت مثالاً بالشعر, فإنك لن تجد شاعرا عربيا كبيرا لم يمر بعمان, بل أستطيع أن أقول إن المواطن الأردني لا يهتم بالفعاليات الثقافية المحلية إن لم يكن لها بعد عربي, وستجد المثقف الأردني مطلعا على الخريطة الثقافية العربية بشكل كبير, ربما لن تجد له مثيلاً في أي بلد عربي).

(لذلك, فعمان أكثر من أي عاصمة عربية أخرى تستحق أن تكون عاصمة للثقافة العربية, وربما يساعدها على ذلك دور الأردن الوسطي سياسياً, فالأردن كانت دائما مفتوحة لجميع الأخوة العرب رغم الخلافات بين الدول العربية).

(ما يجب أن يكون مفهوماً أن فكرة العواصم الثقافية يجب أن تكون فكرة قومية تتناول الثقافة العربية بكل مفرداتها وأطيافها, تتجاوز ثقافة التجزئة, فالمثقف العربي وحدوي بطبعه, ملتزم بقضايا أمته ويرفض التجزئة, دون ذلك لا أرى سبباً لمثل هذه الفكرة).

وللتدليل على كلامه ذكر لنا - متحدياً أن ننشر ما سيقوله - أنه في أحد المهرجانات التي أقامها بيت الشعر التقى شاعران صديقان أحدهما كويتي والآخر عراقي, وكان لقاء مؤثراً تعانق فيه الصديقان وسط دموعهما.

حاولت إزالة اللبس لديه - ولدى الكثير من مثقفينا - حول هذا الأمر موضحاً أن ما بين الشعب الكويتي والشعب العراقي روابط لا يمكن فصمها, وأن الموقف الرسمي والشعبي الكويتي يرفض نظام الحكم في بغداد, ولا علاقة للشعب بذلك, والدليل على ذلك ما رواه بنفسه لنا.

وتأكيداً على ذلك, طلبنا منه أن يرتب لنا لقاء بعدد من المثقفين العراقيين المقيمين بالأردن, ووعدنا أن يتم ذلك مساء اليوم التالي.

في الساعة السادسة مساء كنا نزور بيت الشعر للمرة الثانية, وكعادته بالأمس جاء حبيب الزيودي متأخراً عن ميعاده لأكثر من ساعة, ولكن المفاجأة أنه جاء وبصحبته شاعر إيطالي!!

شككت في نفسي, وبأنني قد قلت له بأنني أريد الاجتماع بمثقفين إيطاليين, بدلا من عراقيين.. أو ربما يكون هو قد سمعها كذلك!! ولكني عزيت نفسي قائلا (الشعراء يتبعهم الغاوون)!!

البحث عن إجابة

رغم الأيام التي كنا قد قضيناها في عمان مستمتعين بهذه المدينة الساحرة التي أعترف بأنني وقعت في غرامها وغرام أهلها.. ورغم كل ما سمعناه عن استعدادات عمان لعرســها الثقـــافي, والــذي -بلا شك - يؤهلها لأن تحمل عبء الثقافة العربية عام 2002, إلا أن أسئلتنا مازالت تبحث عن إجابة لها في شوارع عمان وفي مؤسساتها الثقافية وعند مثقفيها.

وربما كان علينا أن نتوجه إلى وزارة الثقافة - المسئول الأول عن الثقافة - علنا نجد أجوبة عنها... وهذا ماكان.

في مبنى صغير في أحد أحياء عمان كانت تسكن وزارة الثقافة, وفيه استقبلنا أمينها العام الدكتور صلاح جرار, وهو أستاذ الأدب الأندلسي في الجامعة الأردنية أيضاً.

سألته هل يجب أن تكون هناك معايير يتم على أساسها اختيار مدينة ما لتكون عاصمة للثقافة? فأجابني:

(لنعد لأصل الحكاية, فكرة العواصم الثقافية بدأت في أوربا, وكان أساسها اختيار عاصمة أوربية لتكون عاصمة للثقافة في أوربا, وفي عام 1995 قدم مندوبو الدول العربية في اليونسكو مشروعا باعتماد العواصم العربية - بالتناوب أيضاً - لتكون عواصم للثقافة العربية, وأخيراً قرر وزراء ثقافة الدول الإسلامية في اجتماعهم الذي عقد في الدوحة بقطر اعتماد ثلاث عواصم إسلامية سنوياً لتكون عواصم للثقافة الإسلامية, وستكون البداية عام 2004, وتم اختيار مدينة مكة المكرمة لتكون الانطلاقة منها. اختيار عاصمة للثقافة فرصة للدول لتفعيل العمل الثقافي فيها. وبالطبع هناك حواضر للثقافة العربية, والعمل الثقافي فيها له تاريخ متجذر, ولكن هذا لا يعني أن نحرم المدن الأخرى ولا نشجعها كي تنهض بالثقافة, وأن تكون الثقافة عاملاً من عوامل نهوضها).

قلت (إننا لا نحرمها, ولكن نطلب منها أن تنافس المدن الأخرى كي تكون عاصمة للثقافة, والثقافة ليست أقل شأناً من كرة القدم أو الألعاب الأولمبية التي تستوجب تقديم ملف بإنجازات وإمكانات الدولة حتى تستطيع استضافة أي من هذه الألعاب).

أجابني د. صلاح جرار (لا أخفيك أنني كنت ممن يتبنون هذا الرأي, وقد تغيّرت قناعاتي باختيار عمان عاصمة للثقافة العربية عندما وجدت كثيرا من المتخوفين والذين يحاولون الانتقاص من أهمية هذا الإعلان. فمن خلال تماسي المباشر بالاستعدادات, ومن خلال بحثي في المؤهلات والمقومات التي تؤهل عمان كي تلعب هذا الدور, اكتشفت أن بإمكاننا أن نوظف أعمالا كثيرة في حياتنا وواقعنا لهذا الغرض, وبإمكاننا أن نُفَعّل الكثير من المؤسسات لدينا خلال هذا العام, ووجدت حماساً لدى العديد من المؤسسات الثقافية التي كانت محدودة الأنشطة لمضاعفتها, وبالتالي فإن إعلان عمان عاصمة للثقافة العربية ضخ دماء جديدة في شرايين كثير من المؤسسات الخاملة, وأعتقد أن هذا ينسحب على أي عاصمة يتم اختيارها عاصمة للثقافة).

(ويجب أن ننتبه إلى أن الاعتراضات والانتقادات التي وجهت لاختيار عمان عاصمة للثقافة من بعض المثقفين الأردنيين تعكس في حقيقتها غيرة على عمان وحرصاً عليها وتخوفاً من عدم النجاح, أو عدم القدرة على النهوض بهذه المسئولية, كما أنها تعكس طموحا لحالة مثالية للعمل الثقافي يقارنها بما نحن عليه).

على سبيل المثال اعترض البعض على هذا الاختيار من واقع أن على الدولة تأمين وظائف للمثقفين العاطلين عن العمل! وأنا في اعتقادي أن تأمين وظائف للمثقفين ليس مسئولية وزارة الثقافة أو المؤسسات الثقافية فقط, بل مسئولية الدولة ككل, ولكن مهمتنا الأولى كوزارة للثقافة هي صنع نجومية المبدع, وتوفير المناخ له للتعبير عن إبداعه من خلال النشر والتوزيع ووسائل الإعلام... إلخ).

واحد منّا

في يومنا التالي كان قد حدد لنا ميعاد بديل مع وزير الثقافة الجديد الشاعر الكبير حيدر محمود, والذي كنا سنلتقيه - من قبل - كمدير لمركز الحسين الثقافي.

كان هناك شعور واضح بالارتياح والسرور بين المثقفين الأردنيين لاختيار حيدر محمود وزيراً للثقافة, واعتبره الكثيرون تكريماً للمثقفين جميعاً, وربما تلخص كلمة أحدهم هذا الموقف عندما قال (إنه واحد منا).

عندما التقيناه اكتشفت سبباً إضافياً يدعو لهذا الارتياح والسرور, وهو تواضعه الشديد رغم مكانته الكبيرة كشاعر ومثقف.

والمفارقة في تعيين حيدر محمود وزيراً للثقافة أنها جاءت في وقت يتحدث فيه الجميع عن حل وزارة الثقافة!! وأن يستبدل بها مجلس أعلى للثقافة أسوة بما حدث لوزارتي الإعلام والشباب, بل الحديث الدائر أن قرار الحل قد اتخذ فعلاً وإن كان قد أرجئ لما بعد عام 2002, بعد الانتهاء من أنشطة العاصمة الثقافية, المفارقة الأكبر أن شاعرنا من أكبر المؤيدين لإلغاء الوزارة.

بعد تهنئته بالمنصب الجديد بادرته متسائلا (هل يحتمل الوضع في دولة نامية أن ترفع الدولة يدها عن دعم الثقافة... فتلغي وزارتها?).

فأجاب (هناك وجهتا نظر حول هذا الأمر, رأي يرى أن مجلساً أعلى للثقافة يستطيع أن يعطي للثقافة حرية أوسع, باعتباره ليس مؤسسة حكومية بالمعنى المباشر, ويستطيع أن يرعى - بمعزل عن أي تأثير حكومي - الثقافة, أفضل بكثير مما قد تقوم به وزارة الثقافة, التي هي في النهاية جزء من الحكومة, وهو ماحدث في المجلس الأعلى للإعلام - وقد كنت عضواً فيه حتى يوم أمس - البديل غير الحكومي لوزارة الإعلام, فقد تم اختيار مجموعة من المهتمين بالشأن الإعلامي ليس لهم علاقة بالحكومة بشكل مباشر, فهم ليسوا موظفين لدى الدولة, وهذا يعطيهم حرية حركة أكثر اتساعاً ومدى ورحابة من العاملين في الوزارة..).

(حاولوا تعميم الفكرة أيضاً على وزارة الشباب, التي حل محلها المجلس الأعلى للشباب, الذي يضم الأندية والأنشطة الرياضية واللجنة الأولمبية والقطاع الخاص الذي يقوم بهذا الدور, ويظل دور الحكومة هو الدعم المادي والمظلة الرسمية لهذه المجالس.

وبالمثل طرح أن يكون الوضع الثقافي تحت مظلة مجلس أعلى للثقافة.

والفكرة هي اختيار رئيس للمجلس وعشرة أعضاء من قطاعات الثقافة المختلفة, وربما يكون من ضمن الأعضاء رجال أعمال بهدف دعم الثقافة, وهي مسألة مهمة, فالدولة لا تستطيع أن تنفق على الثقافة إلا بحدود, لذلك, يجب فتح المجال لمساهمة القطاع الخاص, وهذا يحل إشكالا آخر هو أن الحكومة لا تستطيع أن تقبل تبرعات من أي جهة, بينما يستطيع المجلس القيام بهذا الأمر.

ولهذا, فالفكرة بالأساس لتسهيل الأمر على المثقفين, والنهوض بالحركة الثقافية في بلد صغير كالأردن).

(الرأي الآخر الذي يدعو لإبقاء الوزارة تغلب إلى حين - وخاصة مع اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية, ولكن هذا لا يعني أن الفكرة الأولى قد ألغيت, ولكن سنعيد التفكير فيها بعد انتهاء هذا العام, وخاصة أن هناك العديد من المناسبات في هذا العام تستدعي وجود الوزارة, ففي هذا العام سيعقد مؤتمر وزراء الثقافة العرب برئاسة الأردن, مما يستوجب وجود وزير للثقافة, كمسألة بروتوكولية بحتة, وكثير من الأنشطة الرسمية الأخرى التي تحتاج إلى مظلة رسمية عبر وزارة الثقافة).

(هناك وجهة نظر ثالثة - أميل بشكل شخص إليها - وهي ضم مجالس الثقافة والإعلام والشباب في مجلس واحد, وأنا هنا أتحدث عن الشباب كفكر وتربية وثقافة وإعلام.

وإذا عرفنا أن الثقافة تحتاج إلى ترويج أجهزة إعلامية لصناعة نجوم الإبداع, لعرفنا مدى تداخل هذه القطاعات.

وعلى أقل تقدير يجب ضم قطاعي الثقافة والإعلام في مجلس واحد, فأنا مؤمن تماماً أن قنوات الإعلام هي ذاتها قنوات الثقافة, وخصوصاً في الوطن العربي, فكل ما تقوم به من عمل ثقافي يصبح في لحظة صدوره عملاً إعلامياً, وينسحب هذا على الكتاب والأعمال الفنية... إلخ, ويخضع لقوانين الإعلام.

كما أن الإعلام لا يستطيع أن يقوم بدوره دون وجود المثقفين, وبالمثل لا يستطيع المثقف أن ينجح إن لم يكن ذكياً إعلامياً يعرف كيف يستطيع أن يروج لنفسه).

رابطة للتطبيع!!

لم يكن من الممكن أن تنتهي رحلتنا في عمان دون أن نرى الوجه الشعبي للثقافة في الأردن, وأن نعرف كيف يرى المثقفون ممن لا يركبون قطار الثقافة (الرسمي) عمان عاصمة للثقافة العربية, وبدعوة كريمة من زميلنا صلاح حزين, جمعتنا أمسية في منزله ببعض هؤلاء. كان هناك الأديب جمال ناجي, رئيس رابطة الكتاب الأردنيين, التي صادف أن أحد أعضاء مجلس إدارتها كان قد قدم استقالته من مجلس الإدارة متهماً إياها بأنها تسعى للتطبيع مع العدو الإسرائيلي لقبولها عضواً جديداً متهما بأنه من المطبعين.

كان من الطبيعي أن نسأل جمال ناجي عن أصل القضية, هل حقاً تدعو رابطة الكتاب الأردنيين للتطبيع مع إسرائيل?
بدأ جمال ناجي حديثه من تاريخ الرابطة (فالرابطة عرفت بمواقفها القومية منذ نشأتها, بل إنها لعبت دوراً مؤثرا قبل عام 97 عندما لم تكن هناك قوانين تسمح بوجود الأحزاب, فكانت هي الحزب المعارض, ولسان حال المثقفين والسياسيين في الأردن, حتى أدى الأمر إلى إغلاق مقرها بالشمع الأحمر.

بعد عام 97 اختلف الأمر تماماً, فقد سمحت الدولة بإنشاء الأحزاب وإقامة انتخابات برلمانية مما حد من دور الرابطة بلا شك, فالدور السياسي الذي كانت تقوم به انتقل إلى الأحزاب, وهو الأمر الطبيعي, وعملنا الآن هو عمل نقابي بالدرجة الأولى, وقبول أحد الأعضاء يخضع للوائح الرابطة والتي ليس من بينها الانتماء السياسي للشخص, وزميلنا المستقيل يدعي أن الشخص الذي قبلناه من مؤيدي اتفاقيات وادي عربة - اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل - دون أن يقدم دليلاً على ذلك, ثم إنه لا يوجد نص يلزم بعدم قبول مؤيدي الاتفاقية في الرابطة, وأنا أقول هذا رغم أننا جميعاً من غير مؤيدي اتفاقيات وادي عربة).

وحتى لا نبتعد عن الهم الثقافي سألته عن موقف الرابطة من اختيار عمان عاصمة للثقافة, وهل تم استبعادهم من العمل في منظومة هذه الاحتفالية?

قال جمال ناجي (إننا ممثلون في اللجنة الوطنية العليا لإعلان عمان عاصمة للثقافة العربية, ولكننا تأخرنا كثيراً في حضور اجتماعاتها, لماذا? لأن الهيئة الإدارية السابقة كانت ترى عدم حضور هذه الاجتماعات. وحالياً نحن نحضر اجتماعات اللجنة بشكل منتظم ومشاركون في اتخاذ قراراتها, وإن كانت هناك الكثير من المشروعات التي أقرت في غيبتنا!! واعتراضاتنا على اللجنة تنبع من عدم اتفاقنا على أهمية بعض الأنشطة وأوجه الصرف عليها).

سألته إن كانت الرابطة قد تقدمت بمشاريع ورفضت, فاجأني بأنه من أصل 11 مشروعا تقدمت بها الرابطة للاحتفال بعمان عاصمة للثقافة رفضت أربعة مشاريع فقط!

كانت هذه جولتنا في عمان 2002 عاصمة للثقافة العربية, في مؤسساتها الرسمية والشعبية, في عقول مثقفيها بما تحمله من هموم ومن مخاوف وطموحات... بقي أن نذكر أنه قبل أن نغادر عمان كان قد أفرج عن زميلنا فهد الريماوي.

 

طارق حسني



 





صورة الغلاف





منظر عام لمنطقة رأس العين ويظهر في المنتصف بين مركز الحسين الثقافي والمسرح البلدي





الفنانة د. أنصاف الربضي والفنانة زوان العدوان تشرحان معروضاتهما في قاعات أمانة عمّان





الفنانة د. أنصاف الربضي والفنانة زوان العدوان تشرحان معروضاتهما في قاعات أمانة عمّان





مبنى أمانة عمان





المهندس نضال الحديد أمين عام أمانة عمّان





سوق سقف السيل في رأس العين حيث تباع البضائع المستعملة





عبدالله رضوان مدير الدائرة الثقافية بأمانة عمان





(مكتبة العاصمة عمان) في مركز الحسين الثقافي





دورات الكمبيوتر من أنشطة مركز زها الرئيسية





فاتنة عميرة مديرة مركز زها مع عدد من الأطفال





مكتبة الأطفال في مركز زها





منظر عام لإحدى ضواحي عمان ويظهر في المنتصف جامع الملك عبدالله





رسمي حمزة مدير المتحف الوطني





صورة عامة للشارع الذي سيتم تحويله إلى شارع للثقافة في منطقة الشميساني





الحديقة الجنوبية في دارة الفنون وتظهر فيها بقايا الكنيسة البيزنطية





المبنى الرئيسي لدارة الفنون





جانب من معروضات الفنانة فخر النساء التي كانت الدارة تقيم معرضاً لرسومها





في حديقة بيت الشعر





مبنى بيت الشعر (قصر الأمير نايف)





الشاعر حبيب الزيودي





المدرج الروماني ويظهر إلى اليسار أعلى الصورة بيت الشعر





منظر عام يبين مدينة عمان





إلى اليسار الشاعر حيدر محمود وزير الثقافة الأردني وإلى اليمين الدكتور صلاح جرار أمين عام الوزارة





إلى اليسار الشاعر حيدر محمود وزير الثقافة الأردني وإلى اليمين الدكتور صلاح جرار أمين عام الوزارة





في المتحف الوطني للآثار





سبيل الحوريات أحد الآثار الباقية في منطقة سقف السيل





أحد الشوارع الرئيسية في شرق عمان ويظهر إلى اليسار جامع الحسين





أحد الميادين العامة الذي يبين التطور العمراني في عمان الحديثة





جمال ناجي رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين





آثار بيزنطية على جبل القلعة