انفلونزا الطيور.. غيمة أخرى من الشرق حسان شمسي باشا

انفلونزا الطيور.. غيمة أخرى من الشرق

لم يكد العالم يلتقط أنفاسه من كابوس مرض (سارس) الذي حل بوطأته الشديدة على دول عديدة في شرق آسيا وغيرها, حتى استيقظ على وباء آخر ربما يكون أشد خطورة من (سارس).

هذا المرض الذي يدعى (أنفلونزا الطيور) Avian Influenza هلك بسببه الملايين من الدجاج في تايلاند وباكستان وإندونيسيا, وانتقل إلى الإنسان ليهدد حياة البشر.

وانقض هذا الوباء بشراسة على دول عدة في شرق آسيا, فبعد مداهمته لتايلاند وفيتنام, وفتكه باثني عشر شخصا معظمهم من الأطفال حتى الآن, انضمت إندونيسيا وباكستان إلى قائمة الدول الموبوءة بهذا المرض, وأعلنت الصين في 27 يناير 2004م انضمامها إلى قائمة الدول الموبوءة بهذا المرض.

وتتواصل حملة الإبادة للدواجن المشتبه بإصابتها بهذا المرض على نطاق واسع. فعشرة ملايين من الدجاج نفقت أو ذبحت في تايلاند منذ ظهور المرض في نوفمبر 2003. وأربعة ملايين من الدجاج ماتت في باكستان خلال أشهر معدودات, وخمسة ملايين أخرى تنفق في إندونيسيا بسبب هذا المرض, وأكثر من مليوني دجاجة تذبح في كوريا الجنوبية منذ ظهور المرض في ديسمبر 2003, واختفى الدجاج من المطاعم الفاخرة والمنازل في المدن الكبيرة في فيتنام, وأغلقت مطاعم كنتاكي فروعها هناك لتحويلها إلى مطاعم تقدم السمك بدلا من الدجاج.

وحذرت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر يوم 27/1/2004 من احتمال إصابة الملايين من الناس بوباء (أنفلونزا الطيور), ودعت المنظمة إلى حشد كل الطاقات والخبرات لمكافحة هذا الوباء. وتداعى الخبراء العالميون في يوم الأربعاء 28/1/2004 م إلى الاجتماع في تايلاند لتحديد استراتيجية عالمية للتعامل مع هذا الوباء الذي انتشر في عشر دول حتى الآن.

ويقول تقرير منظمة الصحة العالمية إن انتشار المرض في وقت واحد في كل هذه الدول يمكن أن ينذر بظهور سلالة جديدة من فيروس الأنفلونزا تهدد العالم. ويقول خبراء المنظمة إن إصابة شخص ما بأنفلونزا الطيور وأنفلونزا البشر في آن واحد, يثير إمكان تبادل الجينات بين الفيروسين, وتكوين سلالة جديدة يمكن لها أن تنتقل بين البشر.

ويقول تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر يوم 27/1/2004 إن مرض أنفلونزا الطيور الذي يسببه فيروس يدعى (H5N1) يمكن أن يؤدي إلى انتشار وباء أسوأ من وباء (سارس) الذي اجتاح عددا من الدول في العام الماضي, وتسبب في وفاة أكثر من 800 شخص,, وإصابة 8400 شخص في 32 دولة قبل أن تزول غمامته, وترك خلفه آثارا اقتصادية عميقة في الدول التي اجتاحها.

يصيب فيروس الأنفلونزا من نوع A أنواعا عديدة من الحيوانات كالطيور والخنازير والخيول. ولكن هناك فيروسا خاصا يطلق عليه فيروس )أنفلونزا الطيور) أو (أنفلونزا الدجاج), وذلك لأن الدجاج هو أكثر أنواع الطيور التي تحضن هذا الفيروس وتنقله. وأكثر أنواع أنفلونزا الطيور خطورة هو ذلك النوع الذي يعرف بـ(H5N1).

وكان يعتقد في السابق أن أنفلونزا الطيور لا تصيب الإنسان, إلى أن ظهرت أولى الإصابات بين البشر في هونج كونج في عام 1997, حيث أصاب هذا الفيروس 18 شخصا في هونج كونج مات ستة منهم. وقد اضطرت السلطات الصحية آنذاك إلى قتل أكثر من 1.5 مليون من الدجاج للسيطرة على الوضع.

وفي عام 1999 تأكدت إصابة طفلين بأنفلونزا الطيور في هونج كونج. وفي عام 2003 أصاب هذا المرض 80 شخصا من العاملين في مزارع الدواجن وعائلاتهم في هولندا, ومات واحد منهم فقط.

ولا تسبب معظم فيروسات الأنفلونزا عادة أي أعراض عند الطيور, ولكن قد تختلف شدة الأعراض في أنواع معينة من الطيور تبعا لسلالة الفيروس ونوع الدواجن. فالإصابة بالفيروسات من نوع H5 , H7 يمكن أن تسبب انتشارا كبيرا للمرض وموتا للطيور البرية المصابة خاصة الدجاج والديك الرومي.

وليس الدجاج وحده الذي يصاب بهذا المرض, فالبط أيضا يمكن أن يصاب رغم أن أعراض المرض تظهر عليه بصورة أبطأ مما هي عليه الحال في الدجاج.

كيف يصاب الإنسان?

أعلنت تايلاند وفيتنام حتى الآن عن حدوث إصابات بشرية بفيروس أنفلونزا الطيور من نوع H5N1. فقد مات ستة أشخاص من أصل سبعة أشخاص أصيبوا في فيتنام, ولقي اثنان حتفهما من أصل ثلاثة أصيبوا في تايلاند.

وتتم العدوى بالاحتكاك المباشر بالدواجن المصابة بالمرض, حيث يخرج ) فيروس الطيور ) مع براز الدواجن المصابة, و يجف البراز ويتحول إلى ذرات يستنشقها الدجاج السليم, كما ينتقل الفيروس عن طريق الرذاذ المتطاير من أنوف الدجاج المصاب, مثلما ينتقل عن طريق البراز. ويمكن لهذا الفيروس أن يظل حيا لفترة طويلة في أنسجة وعضلات الدواجن.

ولم يثبت حتى الآن إمكان إصابة الإنسان بالفيروس إذا ما تناول لحوم الدواجن المصابة, ومع ذلك فقد حظرت دول الاتحاد الأوربي استيراد الدجاج من البلدان الموبوءة. كما سارعت دول الخليج إلى منع استيراد الدواجن من تلك البلدان.

وبالرغم من أن الخبراء العالميين يؤكدون أن الدجاجة المطهية جيدا لا تضر بالإنسان, فإن الكثيرين عزفوا عن تناول لحم الدجاج في المناطق الموبوءة.

ويوصي خبراء منظمة الصحة العالمية بتناول الدجاج المطهي جيدا, والبيض المطهي. وبالرغم من محاولة الحكومة التايلندية طمأنة شعبها, بعرض لقطات تلفزيونية لوزراء تايلنديين يأكلون الدجاج, فإن الكثير هناك تجنبوا أكل الدجاج..

ويحذر التقرير الأخير الصادر عن مركز الأمراض المعدية CDC في الولايات المتحدة, ينصح المسافرين إلى المناطق الموبوءة في شرق آسيا بضرورة تجنب مزارع الدواجن, أو الاحتكاك بالحيوانات في أسواق الدواجن والحيوانات الحية, أو الاحتكاك بالأمكنة الملوثة بروث الدجاج أو الحيوانات الحية الأخرى,لأن هذه الفيروسات لا تصيب البشر عادة, فليس هناك مقاومة مناعية ضدها عند الإنسان.

وتكمن الخطورة في حدوث تغير في فيروس أنفلونزا الطيور, بحيث يمكنه أن يصيب البشر, ومن ثم ينتقل من إنسان لآخر. وإذا ما حدث ذلك فإن وباء عالميا من الأنفلونزا قد يبدأ في الظهور.

وربما يدخل العالم أجواء مشابهة لتلك التي عاشها في أوائل القرن العشرين. فقد حدثت ثلاثة أوبئة عالمية في القرن العشرين, انتشرت عبر العالم خلال عام واحد من اكتشافها.

ففي عام 1918 - 1919 مات حوالي 20-50 مليون شخص في العالم بسبب إصابتهم بالأنفلونزا الإسبانية التي تسببت في وفاة أكبر عدد من البشر في العصر الحديث. أما المشهد الثاني للأنفلونزا, فقد بدأ في الصين في عام 1957 - 1958 وانتشر في العالم, وتسبب في وفاة 70 شخصا في الولايات المتحدة وحدها. وكان خاتمة مشاهد الأنفلونزا في القرن العشرين في هونج كونج في عام 1968 - 1969, حيث أدى إلى وفاة 34 شخصا في الولايات المتحدة على الأقل بعد انتقاله إليها من هونج كونج.

وها نحن في بداية القرن الواحد والعشرين, ومرة أخرى من شرق آسيا يأتينا النذير, بأن العالم قد يكون على شفا جرف هار من أنفلونزا تبدأ في الطيور, ثم ما تلبث أن ترسل بالبشر إلى القبور!!.

وتتظاهر أنفلونزا الطيور عند الإنسان بأعراض الأنفلونزا المعتادة ( كالحرارة, والسعال, وألم في الحلق وآلام عضلية ) وقد تتطور لتشمل حدوث التهابات في العين, أو التهاب رئوي ( ذات الرئة ) أو فشل تنفسي حاد, أو مضاعفات خطيرة أخرى.

على العكس من (سارس), فإن الفحوص التشخيصية للمرض موجودة في متناول أيدينا, كما أن الأدوية الفعالة المضادة للفيروسات, وإن كانت باهظة الثمن, فإنها متوافرة للاستخدام.

ويحتاج التأكد من وجود هذا النوع من الفيروس عند المريض إلى عدة أيام, كما أنه يجب أن يجرى في مخابر مجهزة بشكل خاص.

وإضافة إلى كل تلك الآثار الصحية الخطيرة التي ذكرناها, فإن انتشار هذا الوباء سيخلف آثارا اقتصادية خطيرة, فتايلاند تعتبر رابع أكبر دولة مصدرة للدجاج في العالم يمكن أن تتكبد خسائر بملايين الدولارات, فقد حظرت اليابان والاتحاد الأوربي والصين وغيرها جميع وارداتها من الدجاج التايلندي. هذا إلى جانب خسارة مليارات الدولارات بسبب إحجام المسافرين عن السفر إلى تلك المناطق المنتشر فيها المرض.

كيف الخروج?

أعلن تقرير واحد صدر يوم 27 يناير 2004 عن ثلاث منظمات هي:

(منظمة الأغذية الدولية, والمنظمة العالمية لصحة الحيوان, ومنظمة الصحة العالمية ) أن وباء أنفلونزا الطيور يشكل خطرا حقيقيا للإنسان يمكن أن يهدد العالم أجمع. وأعلن الدكتور ) جونج ووك) المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في تصريح له في 27/1/2004: لقد تعلمنا درسا من مرض (سارس) أن العمل المشترك هو السبيل الوحيد للسيطرة على خطر وباء عالمي يهدد الإنسانية جمعاء. وقال الدكتور (جاك ضيوف) المدير العام لمنظمة الأغذية الدولية: (إن لدينا فسحة قليلة من الوقت فقط للسيطرة على هذا التهديد العالمي). وطالب الدكتور (ضيوف) أصحاب المزارع في المناطق المصابة بضرورة قتل الحيوانات المصابة أو المعرضة للإصابة فورا, ودون تأخير.

وقد تعرضت تايلاند إلى انتقادات حادة من قبل الاتحاد الأوربي للتعتيم على حدوث المرض فيها, مثلما تعرضت الصين للنقد الشديد حينما حاولت كتمان حدوث حالات مرض (سارس) في شهر نوفمبر 2002, وعدم شفافيتها في التعامل مع تلك الأمراض.

والأبحاث جارية حاليا لتحضير لقاح ضد هذه السلالة من الفيروسات. وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنها تعمل جنبا إلى جنب مع شركات الدواء العالمية لتطوير لقاح ( Vaccine ) ضد فيروس أنفلونزا الطيور, إلا أن هذا الأمر ربما يتطلب شهورًا عدة.

وهكذا يحبس العالم أنفاسه منتظرا انسدال الستار على المشهد الأخير من هذا المرض الجديد, وكله أمل في ألا تتكرر المشاهد المأساوية التي عاشها الناس مع أوبئة الأنفلونزا في القرن العشرين!!.

 

حسان شمسي باشا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





الدجاج هو الأكثر احتضانا لأخطر أنواع فيروس الانفلونزا





(انفلونزا الطيور) وباء جديد بات يثير الهلع في ارجاء العالم