استنهاض عقول الناشئة

استنهاض عقول الناشئة

طرح الدكتور سليمان العسكري في مجلتنا الغراء (العربي) العدد 533 أبريل 2003 رؤية مستقبلية حول (كتاب الطفل.. وكِتابة المستقبل).

ومما لا شك فيه أن المجلس العربي لكتب الأطفال والنشء.. والمشاركين في تأسيسه كوكبة من الشخصيات العربية المهتمة بثقافة الأطفال العرب وبناء مستقبلهم.

وهنا تجيء التساؤلات: ما السبيل نحو إنشاء نظام ثقافي عربي للأطفال العرب, خاصة أن ثقافة الطفل لا تنفصل عن ثقافة مجتمعه?

إن للأمة العربية نموذجا تراثيا, وأدبا إسلاميا, فكيف يتم ترجمة تلك الخصوصية بفعل ثقافي وبرؤى اجتماعية وأخلاقية, تعيد للطفل العربي اتزانه?

والتعامل مع التراث يمثل رغبة نحو البحث عن: الصفات الجمالية التي تمثل دعامة للفنون العربية والإسلامية, فكم من أجيال معاصرة في صباها تعلمت من كتابات: محمد إقبال.. علي أحمد باكثير.. أحمد شوقي.. محمود تيمور.. نجيب الكيلاني.. عباس العقاد.. الخ.

الهدف أن يتفاعل النشء العربي مع ثقافته وأفكار مجتمعه الأدبية والاجتماعية والنشء العربي في حاضره محاصر بتعدد أدوات العصر الإعلامية مثل: التلفزيون.. والذي يشكل حلقة جذب للصغار والكبار في آن واحد. وفي ظل تطور وسائل الاتصالات, انتشرت القنوات الفضائية, والتلفزيون له دور بالغ التأثر والتأثير, لأن المشاهد أو المتلقى كل ما عليه إدارة مفتاح التشغيل للتلفزيون أو الكمبيوتر, ثم تجيء الصور والمشاهد لتشق طريقها إلى الذهن بكل سهولة.

تساؤلات

ومع رؤية (كتاب الطفل.. وكتابة المستقبل) أتساءل:

1 - أين الكتابة العربية الإبداعية للطفل العربي بالكلمة والرأي والمعلومة, والكتابة لغة أدبية, والبلدان العربية نحو 23 دولة, لكنها تتسم بالتباين الجغرافي والاقتصادي والسياسي والثقافي والسكاني والاجتماعي.

وإن كان هذا الاختلاف واقعا, فإن اللغة العربية مازالت تمثل عامل التوحيد ولها من الفاعلية الكثير.

لكن يجب أن نعلم أن المطبوعة الثقافية في مجال الكتابة للكبار أو الصغار تحقق الغرض المنشود.

2 - الكتابة للطفل يجب أن تكون مرجعا للمعرفة العربية في شتى العلوم والمعارف والابتكارات.. الخ.

الطفل العربي بحاجة إلى معرفة رؤى ثقافية مثل:

قضية فلسطين, قضايا البيئة, معركة حطين, علم الكمبيوتر, ثوابت العقيدة.. الخ.

والكتابة تختزن ثقافة أمة, وهي تؤهل عقل الإنسان لآفاق معرفية لعالمه ومحيطه تتسع لها مكتبة وقد لا يقوى على شرائها القارئ.

ثم إن العرب سبقوا شعوب العالم بالموسوعات الثقافية أذكر منها: كتب (إحصاء العلوم وترتيبها) لأبي النصر الفارابي.. (العلوم الفلسفية) لابن سينا.. (حدائق الأنوار في حقائق الأسرر) لفخر الدين الرازي.. (الأماني في كل فن) للزمخشري.. (الأغاني) لأبي فرج الأصفهاني.. (لسان العرب) لابن منظور.. الخ. دائرة المعارف العربية أن أحسن صياغيتها خففت الحاجة عن مطالعةالمراجع الأجنبية.

4 - الكتابة للطفل العربي باللهجة القطرية لا تفيد المجموع العربي.. وكل نشاط عقلي في بلدان الأمة يجب أن يعود بالنفع على الأمة ككل.

ويجب الابتعاد عن ثقافة الطفل العربي التي تتأرجح بين الانطواء والتغريب.. خاصة أن حاضر الأمة مليء بتراجعات عدة.. في الفكر والاقتصاد والثقافة والسياسة والتعليم.

هنا أصبحت ثقافة الطفل العربي تخفق جيلا بعد جيل, والكتابة للطفل لها عناوين بحيث توجه للنشء وفق المراحل السنية, والاهتمام بالمعايير والقيم الأخلاقية التي تحدد السلوك, وتلك المعايير هي التي تحدد سلوك حركة المجتمع مستقبلا.

5 - كمايجب الحذر من الغزو الثقافي الوافد حتى لا يعيش النشء بمعزل عن تراث أمته.. وقديما قالوا: (الطفل هو أب الإنسان).

إذن يجب أن تكون هناك حصانة فكرية, لأن الطفل العربي أصبح يقبل على مشاهدة برامج الكرتون وطفل السوبرمان.. الخ, وهي مشاهدة تدعو للعنف, ولا تساعد على تثقيف العقل.

حتى في مجال الرياضة, أصبح الطفل العربي يشاهد مباريات الكرة, ولا يمارس الرياضة برغم أن الرياضة وسيلة لبناء الجسم, وأطفالنا وشبابنا وسط الزخم الكروي يعرفون عن لاعبي الكرة أكثر مما يعرفون عن علماء الأدب والفكر داخل بلدانهم.

وقد يرجع ذلك أيضا إلى أن التعليم العربي لم يحقق لأبنائنا عشق الثقافة وحب القراءة وأصبح النشء العربي يعايش فراغا ثقافيا.

ولننظر عربيا على ما ينفق على الكرة بل واستقدام مدربي الكرة من الخارج, وبما ينفق على ثقافة الطفل العربي.

والأمة العربية عام 2025 سوف يتخطى نموها السكاني أكثر من 500 مليون نسمة.

ومن النمو شريحة عريضة قد تصل إلى 40% لمن هم تحت سن العشرين, فهل أحسنّا تنظيم أنفسنا ثقافيا وحضاريا لمواجهة كل التحديات الخارجية?

6 - الكتابة للطفل العربي لها تنوع ثقافي منه المسرح المدرسي, ولغة المسرح نوع من الثقافة, فما شكل المسرح المدرسي?

نشر الوعي

ولغة المسرح في نشأتها عند الإغريق في العصور الوسطى كانت تمتزج بالدين والشعائر المقدسة, وفي العصور القديمة كان الشعب اليوناني يشاهد المسلسلات الوطنية.

وفي العصر الحديث أصبح للمسرح لغة اجتماعية, كما أن الحداثة الفكرية أصبحت طريقا لإبراز المعرفة وإعمال العقل.

ومن المسرح تتشكل للطفل العربي لغة نقدية, وأساليب حوار, ونشر وعي تربوي ومسرح الطفل يجب أن تكون له كتابة جادة ترسخ المفاهيم الوطنية.

والأمة تمتلك قيمة من المبدعين والمفكرين والشعراء والمثقفين, أين كتاباتهم في مجال الطفل?

من تلك النقاط, أرى أن الأمة لن تخرج من دائرة التخلف, إلا بما تحققه من أعمال وفعال, وبما توفره من إمكانات لتدعيم العمل الثقافي العربي المشترك, وتوثيق العلاقات بين المؤسسات التربوية والإعلامية والثقافية, وتوفير المناخ الملائم للعمل الثقافي الجاد.. والثقافة تعزز الأخوة العربية.

وآن استخدام التطور التقني للنهوض بفكر النشء, ولتحقيق التغيير بخصائص ومكونات عربية.

إذن الكتابة للطفل لم تعد شعارا أو رغبة وإنما هي واجبة لكي تصبح كتابة بعنصر قوة للفكر, لاستنهاض طاقة العقول الناشئة.

يحيى السيد النجار
دمياط/ مصر

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات