حاجة العرب إلى تطوير (القومية الاقتصادية) جورج قرم

حاجة العرب إلى تطوير (القومية الاقتصادية)

موضوع التعاون العربي المشترك في المجال الاقتصادي انطلاقاً من تجربة إنشاء السوق العربية المشتركة, جدير بملاحظات محورية عدة أولها أن القضية الاقتصادية في الفكر النهضوي العربي الحديث لم تأخذ الحيز الذي تستحقه. فالهموم السياسية والدينية في حركة النهضة العربية كانت سيدة الموقف, على خلاف ما حصل في دول شرق آسيا مثل اليابان, أيام النهضة اليابانية بقيادة الإمبراطور ماييجي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فقد حاصرت الولايات المتحدة اليابان لمدة سنتين لإجبارها على فتح أسواقها للسلع الأمريكية, فتركزت الهموم على الموضوع الاقتصادي أمام التفوق الغربي.

العرب, ولأسباب عدة, ركزوا اهتمامهم على الدفاع عن الإسلام وإصلاح الأوضاع الدينية والقومية العربية بشكل عام, أو على القومية القطرية كما في حال مصر. ولم يطوّروا أي نوع من أنواع ما أسمّيه بـ(القومية الاقتصادية) التي ظهرت في اليابان. وآخر موجة في هذه القومية الاقتصادية هي موجة كوريا وبقية دول شرق آسيا التي تسمى (النمور الآسيوية). وهذه ثغرة كبيرة جدا في الأوضاع العربية بشكل عام.

العرب لم يتوقوا إلى منافسة الغربيين في المواضيع العلمية والإنتاجية والتكنولوجية. لقد اهتموا بالتربية ولم يهتموا بالإنتاج. وهناك فرق كبير بين الاثنين. وهناك دراسات للدكتور أنطوان زحلان - مثلاً - تؤكد هذا الشيء. لقد تخرج مئات الآلاف من المهندسين والأطباء العرب وسواهم, إنما من ناحية الوجود العربي في حركة التكنولوجيا والنهضات الصناعية المتتالية في العالم, فقد ظل العرب خارج هذه الحركة. وهذا يشكل نقصا هائلا ينبغي أن نستدركه مستقبلاً.

القواعد الغائبة

لا أحد يجادل في أهمية القضايا الدينية, أو القومية السياسية, فهي قضايا مهمة فعلا, ولكن الأوطان تُبنى بالاقتصاد, والبريق الحضاري لا يمكن أن يُستعاد إلا بقاعدة علمية تكنولوجية, وديناميكية إبداعية في الاقتصاد والعلم. وفي غياب هذه الديناميكية, فإن أي محاولات إصلاحية سياسية فقط, مصيرها الفشل. وأعتقد أن ما حصل في الخمسين سنة الأخيرة في الأقطار العربية التي مارست جميع أنواع الثورات, وجميع أنواع القومية السياسية أو القومية الدينية, خير دليل على ذلك. فهذه الثورات والحركات لم تُعط النتائج المرجوّة لأن القاعدة الإنتاجية والديناميكية الإبداعية في العلوم والتكنولوجيا والإنتاج كانت مفقودة. ولا نجد نشاطا واحدا برز للعرب في الساحة العالمية. هذا مع العلم بأن الدول التي ليس لها وجود في الإنتاج العالمي, في ظل حركة العولمة الحالية, ليس لها وجود سياسي. وأعتقد أن ما يحصل من غزوات وفتوحات في العالم العربي اليوم ناتج عن انعدام القدرة العسكرية في الدفاع عن النفس, أي عن حال عجز إرساء مقومات اقتصادية علمية تكنولوجية حقيقية. ودليلنا على ذلك هو هذه الأعداد الهائلة من الكفاءات العربية التي تهجر الوطن, وتصبح في الخارج في عداد الكفاءات العلمية والاقتصادية والمالية المعروفة عالمياً. وهذه ظاهرة تستحق وقفة مطولة من المثقفين العرب, وصانعي القرار, والإعلاميين تتمحور هذه الوقفة حول: لماذا ليس لدينا قومية اقتصادية? لماذا لا نعاتب أنفسنا على عجزنا الصناعي والتكنولوجي? لماذا لا نتمكن من صنع القلم, من صنع السيارة, من صنع الطائرة? نحن لا نصنع شيئا إلا في مجال البتروكيماويات, وبعض المأكولات الغذائية. لقد تحولنا إلى مجتمعات استهلاكية ساكنة, ولا علاقة بين أنماط الاستهلاك وأنماط الإنتاج.

إن الحال الاقتصادية العربية حال مؤسفة فعلا, وهي جديرة بأن نلتفت إليها أكثر مما نفعل في الواقع. أما العامل النفطي فإنه كان عاملا سلبيا جدا. أعطى النفط بحبوحة وإمكانات كثيرة بحيث إننا لم نشعر بالحاجة إلى التطوير الذاتي في التكنولوجيا, بل اكتفينا باستيراد التكنولوجيا وكانت مقولات السبعينيات تتلخص بشعار تصدير النفط واستيراد التكنولوجيا. ولكن المشكلة أن التكنولوجيا لا تستورد, فهي ممارسة جماعية, وإذا كانت هذه الممارسة الجماعية مفقودة, فإن باستطاعتنا استقدام آلاف الآلات, ولكننا لن نستطيع أبدا السيطرة عليها. لنأخذ مثلا زراعة القطن المزدهرة في مصر, فإننا مازلنا نستورد الآلات الخاصة بصناعة النسيج من اليابان, أو من كوريا, أو من ألمانيا. ليس لدينا صناعة خاصة بصنع آلات النسيج. أما في صناعة النفط, فإننا مازلنا إلى الآن نعتمد على الشركات الأجنبية في صناعة الأنابيب وتركيبها, وفي الحفر, والاستكشاف. إنه عجز مذهل. أما في الزراعة حيث نملك مساحات زراعية ضخمة, وتقاليد عريقة, فليست الحال أفضل, فالمأكولات المفضلة عندنا هي المعلبات التي ترد من الدانمرك وسائر الدول الأوربية, وليست الصناعات الغذائية العربية. وما ننفقه من موارد على الأبحاث والتطوير قليل جدا. فالعرب ومعهم الأفارقة من أقل الدول التي تبذل الجهود في أبحاث التطوير. والقليل من هذه الجهود يجري فقط في إطار جزر مقفلة منعزلة عن سائر المجتمع. والقطاع الخاص, بصورة خاصة, لم يكرس أي جهد في أبحاث التطوير, مع الإشارة إلى أن القطاع الخاص في العالم, وليس القطاع العام هو الذي يقوم بجهد كبير في هذا المجال.

تجارب أخرى

الملاحظة الثانية في الموضوع الاقتصادي العربي هي أننا استعضنا عن هذا النقص في القومية الاقتصادية بسيل من الأدبيات عن (الوحدة الاقتصادية) و(التكامل الاقتصادي) والسوق العربية المشتركة. والجامعة العربية منذ تأسيسها اهتمت بهذه المواضيع كلها, والكتابات الاقتصادية الموضوعة من قبل تيارات عدة من القوميين العرب دعت إلى توحيد السوق على فرضية تقول إن السوق الكبير هو الذي يسمح بانطلاقة نهضة اقتصادية وصناعية. وكانت هذه الفرضية خطأ, وهي تنتمي في الواقع إلى الفكر الستاليني, والماركسي عموما. هناك أمثلة عدة في العالم, وعن دول صغيرة للغاية, طورت أقوى التكنولوجيات, نبدأ بالبرتغال التي طوّرت في القرنين الرابع عشر والخامس عشر, تقنيات الملاحة البحرية, وتقنيات إنتاج السفن بشكل رائع سمح للبرتغال بأن تكون رائدة في مجال الغزو الاستعماري, وأيضا في مجال النقل البحري. وانتقل كل ذلك لاحقا إلى هولندا وهي دولة صغيرة تحوّلت إلى جبار في صناعة السفن والتجارة البحرية. كما انتقل هذا أيضا إلى بريطانيا, وهي بلد صغير وليس بلدا كبيرا. ولنأخذ في عصرنا الحالي دولة مثل الدانمارك التي تملك تكنولوجيات رفيعة للغاية مع أنها دولة لا تعدّ سوى ستة ملايين نسمة, ومواردها موارد زراعية بسيطة. وهناك سنغافورة التي تعد ثلاثة ملايين نسمة, ومساحتها لا تتجاوز الثلاثة آلاف كيلومتر مربع, ولكنها تصدّر إلى الخارج مواد تكنولوجية بقيمة 80 مليار دولار. أما تايوان وكوريا فدولتان صناعيتان عملاقتان. وهكذا نجد أن المقولة التي تتحدث عن سوق واسع لابدّ منه لبناء نهضة عمرانية واقتصادية, مقولة تصمد على ضوء الأمثلة والوقائع التي أشرنا إليها.

الملاحظة الثالثة هي أنه نُظر إلى قضية الوحدة الاقتصادية على أنها قضية متفرعة عن فشل الوحدة السياسية. قالوا: (فشلت الوحدة السياسية, فالعوض يتمثل في الوحدة الاقتصادية). طبعا فشلت المحاولات الأولى للوحدة الاقتصادية في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي عندما دخلت عدة دول عربية في وحدة اقتصادية. ولكن البعض نظر إلى هذه المحاولات على أنها تعوّض عن الوهن الذي أصاب العرب بسبب فشلهم في التوحيد السياسي. جرى اهتمام بالسوق العربية المشتركة في تلك الفترة, وتقريبا عندما قامت ست دول أوربية بوضع اتفاقية روما حول إنشاء السوق الأوربية المشتركة. والنقص الكبير في مسألة السوق العربية المشتركة. في الاتفاقية والتصورات, تمثل في عدم تطلع العرب إلى المعطيات الواقعية.

آليات مفترضة

إن أي سوق مشتركة, لكي تنجح, لابد أن تتضمن سلسلة من الآليات وذلك لمنح تعويضات للنشاطات الاقتصادية التي تتضرر حتما من فتح الحدود على التجارة.

إن سرّ نجاح السوق الأوربية هو آلية التعويضات. أما في العالم العربي فلم يُعط أحد أهمية لهذا الموضوع خاصة أن الظروف الاقتصادية بين دولة عربية ودولة عربية أخرى, ظروف مختلفة تماما. ثمة دول لديها مصادر طاقة رخيصة لا تكلف شيئا تقريبا. بينما هناك دول عربية أخرى مضطرة لأن تستورد بالأسعار العالمية العالية. ولم يكن هناك بحث في إنشاء شبكة توزيع الطاقة بين العرب لكي تأخذ سائر الدول العربية الطاقة بسعر الكلفة إضافة إلى هامش معين من الربح من الدول العربية المنتجة أو المصدرة للنفط. لذلك وُجد نوعان من الاقتصادات العربية: اقتصادات لها مصادر خاصة, رخيصة للغاية, واقتصادات لا تتوافر لديها هذه المصادر الخاصة.

أمام هذا الواقع تم تطوير أساليب العمل العربي المشترك كنتيجة لفشل السوق العربية المشتركة في دول غنية. إنما المنطلق لم يكن اتخاذ الإجراءات التي يمكن أن تؤمن التمويل الطاقوي, إن صح التعبير, لكل الدول العربية وبالسعر نفسه. لقد جاء ذلك من منظور خاطئ غير مفيد, أي أن هناك دولا عربية غنية تساعد دولا عربية فقيرة. وقد خلق هذا توترات كبيرة, وحالات ابتزاز أيضا تمثلت في دول فقيرة سعت لنيل مساعدات أكبر. ولم يكن ذلك خاضعا لأي منطق اقتصادي, بل جاء من منطق أن هناك أغنياء ينبغي أن يساعدوا فقراء.

وإلى اليوم لانزال نشكو من مثل هذه السياسات, لنأخذ السعودية على سبيل المثال, فإمكانات النهضة الصناعية فيها إمكانات ضخمة جدا نظرا أولا لتوافر مصادر الطاقة, أما في لبنان فالطاقة فيه مكلفة للغاية. زد على ذلك مسألة المستويات المختلفة تماما في كلفة الأجور. فالأجور في دول عربية مثل مصر, أجور متدنية للغاية, وكذلك في سوريا, في حين أن الأجور في دول أخرى مثل لبنان والأردن, أجور مرتفعة. وهذه أيضا حال تمنع حصول أي تجانس بين الأوضاع السائدة في الأسواق العربية.

الدراسات حول هذه المواضيع دراسات منعدمة تقريبا. إن شرط نجاح السوق العربية المشتركة هو جعل المعطيات والظروف والمقومات الاقتصادية والاجتماعية وبالتدريج, متشابهة بين الدول العربية. فإن لم يتم ذلك, فإن الفشل هو مصير أي مسعى نحو سوق عربية مشتركة.

إن ما حصل في الاتفاقات الثنائية حول التبادل التجاري, هو أن رجال القطاع الخاص هم الذين عطلوا في معظم الأحيان تطبيق هذه الاتفاقات لأن هذا التطبيق كان سيؤدي إلى تدمير صناعاتهم أو نشاطاتهم الاقتصادية. ومن هذا المنطلق أعتقد أن منطقة التجارة العربية الحرة ستفشل أيضا لأن إزالة كل العوائق الجمركية في حال انعدام التجانس في شروط الإنتاج عملية مجحفة. فالدول التي لديها امتيازات مثل توافر الطاقة, واليد العاملة الرخيصة, تكون الاتفاقات لمصلحتها, في حين أن الدول التي لا تملك لا الطاقة الرخيصة, ولا اليد العاملة الرخيصة, تكون الاتفاقات ضد مصلحتها.

التفكيك داخلياً

بناء على هذه الملاحظات الثلاث التي أوردناها فيما سبق, يتعين علينا أن نغيّر مجرى التفكير العربي في موضوع القضية الاقتصادية. هناك أولا وهن اقتصادي عربي لا يمكن في المدى المنظور أن نقضي عليه لأن القدرات البشرية الضخمة الموجودة, والقدرات المالية المحدودة في الدول التي ليس لها موارد نفطية, ولكن التي تتوافر على بعض الفعاليات الاقتصادية في القطاع الخاص, يمكنها أن تعد بالكثير. ثمة قدرات بشرية عربية - بلا شك - ولكن المشكلة هي أن أحسن العقول تهاجر إلى الخارج. وهناك بالإضافة إلى ذلك وضع مفكك يتمثل في جامعات ليس لها اتصال مع القطاع الخاص, ولا تجري الأبحاث فيها للتطوير. وهناك قطاع خاص لا يتصل بالجامعات, بل بالحكومات فقط للحصول على امتيازات أو حمايات, أو احتكارات اقتصادية, أو خصخصة. والقطاع الخاص أيضا لا يتصل بهيئات التنمية المحلية. لذلك نجد أن الاقتصاد العربي اقتصاد مفكك داخل كل قطر, وليس على الصعيد القومي العام وحسب, والأداء الاقتصادي العربي معروف, فهو من أدنى مستويات الأداء في العالم, وهو في ذلك شبيه بالأداء الاقتصادي للدول الإفريقية. وهذا - مع الأسف - وضع لا يليق بدول ذات خلفية حضارية عالية. ولكن المشكلة تكمن في أن الهم الفكري للنخب العربية, وهمّ صناعي القرار, ليس حتماً موجهاً نحو القضايا الجوهرية أو الحقيقية. هذا الهم موجه أساسا إلى قضايا غير اقتصادية, إلى قضايا دينية أو قومية, إلى الصراع بين قومية عربية علمانية وقومية عربية إسلامية, وقومية إسلامية محضة, وتناحر حاد بين اتجاهات أيديولوجية بعيدة كل البعد عن الواقع العربي. وإذا وجد هناك بين وقت وآخر, وبين دولة وأخرى, فكر اقتصادي, فإن هذا الفكر لا يركز على المشاكل الأساسية, والمشاكل الأساسية في كل قطر تتمثل في الاقتصاد المفكك, الاقتصاد الذي ليس لديه أداء. وأي تصوّر لوحدة, أو حتى لسوق عربية مشتركة, لا يمكن أن ينجح بسبب قلة الإنتاج, وسوء الأداء الاقتصادي. ولو جمعنا الأقطار العربية كلها, لبقي الضعف الاقتصادي على حاله, إن لم يزد.

لا يمكن حل مشاكلنا الاقتصادية العربية عن طريق الاتحاد الجمركي, أو السوق العربية المشتركة, أو الوحدة الاقتصادية. إن القضية الأساسية التي ينبغي أن نُوليها اهتمامنا هي إعادة الديناميكية إلى الاقتصادات العربية على اختلافها واختلاف ظروفها. ومع الأسف, فإن مجمل اقتصاداتنا العربية لا تتوافر على هذه الديناميكية.

علينا أن ندرس بعناية تجربة دول شرق آسيا, كوريا الجنوبية كانت أفقر من مصر في بداية الستينيات من القرن الماضي. كوريا الجنوبية اليوم عملاق صناعي, عدد سكان كوريا أربعون مليون نسمة لا أكثر, وأراضيها ليست شاسعة, وليس عندها موارد طبيعية ذات شأن, (في حين أن لمصر موارد طبيعية أكثر) هي تصدّر بضائع بقيمة مائة وخمسين مليار دولار, أي أكثر من كل الدول العربية مجتمعة مع بترولها وبتروكيماوياتها.

بُعد مستقبلي

مثل هذه الوقائع المؤلمة يجب أن نأخذ علما بها ونستفيد منها. إنني أعتقد أن سبب إخفاقنا في النظام الدولي ناتج عن عجزنا الاقتصادي, وظاهرة مؤلمة مثل ظاهرة 11 سبتمبر, أي ظاهرة الشبان العرب الذين ينخرطون في غمار الحركات المتطرفة التي تمارس العنف الأعمى باسم الدين, لم تكن لتحصل لو أن هؤلاء الشبان كان لديهم انخراط في عملية إنتاج ذات بُعد مستقبلي وحضاري. ولو أن فرص العمل كانت موجودة, ومعها الأداء الاقتصادي العالي الذي يسمح للفتى العربي الذي لديه قدرات أن يمارس ويلمع ويتفوق في العلم والتكنولوجيا, لما كان لمثل هذه الحركات المتطرفة أن تنشأ أصلا. ولاشك عندي أن مأساة العالم العربي تتمثل في شبابه الذين لم نفتح أمامهم طريق المستقبل. ثمة إهدار كامل للقدرات البشرية. والنزيف البشري العربي يتمثل أولا في هجرة أفضل العقول إلى الخارج. وكل هذه الظواهر ينبغي أن نركز عليها بداية. إن بداية الوعي الاقتصادي هي أخذ العلم بداية بالمرض, بعوارض المرض. وأي تركيز منا على الظواهر السياسية لن يجدي في غياب الاهتمام بالجانب الاقتصادي. ناهيك عن أننا لن نستطيع معالجة الظواهر السياسية السلبية في غياب التوعية بما يجري في الميدان الاقتصادي. ونحن - لسوء الحظ - مأخوذون بشكل عام بأدبيات المجتمع الاستهلاكي. فعندما نتملك سيارة حديثة, أو كمبيوتر, أو مصنعا استوردناه كاملا, نتصور أننا وصلنا إلى حال الديناميكية الاقتصادية. بالعكس, فنحن عندما نستورد كل شيء من الخارج, نكون لا في حال الاقتصاد الساكن, بل في حال الاقتصاد ذي الأداء السلبي. وكلما استوردنا من الخارج, قضينا على فرص العمل في الداخل. ومن هذا المنطلق, أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في الأدبيات الاقتصادية العربية, وإجراء حوار معمق بين من يفكر في الاقتصاد ومن يفكر في السياسة بسبب عدم وجود رابط بين الاثنين. والعرب الذين يبحثون عن مسالك لنهضة عربية, سواء كانت قومية أو غير ذلك, يجب أن يعيدوا الربط إلى كل الظواهر: الظاهرة الاجتماعية, الظاهرة الاقتصادية, الظاهرة السياسية. ومادمنا نفصل بين السياسة والاقتصاد والمال وعلم المجتمع, فسنبقى نتخبط في حال العجز عن دخول عالم الإنتاج الحديث في جميع أوجهه.

 

جورج قرم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات