جذور العداء الفرنسي للأمركة فيليب روجر عرض: ماجدة أباظة

جذور العداء الفرنسي للأمركة

لكي نفهم ما يدور الآن من مناوشات بين فرنسا وأمريكا لا بد أن نعود إلى الجذور التي يلقي هذا الكتاب بأضوائه عليها.

صدر هذا الكتاب عن دار (سوى Seuil) بفرنسا عام 2002 ويقع في 589 صفحة لمؤلفه الكاتب فيليب روجر الذي يعمل في المركز القومي للبحوث ويدرس في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الإنسانية, والذي كتب العديد من الكتب الخاصة بفترة القرن الثامن عشر, ويترأس حاليا مجلة (نقد).

ويستهل الكاتب كتابه بجملة ذكرها جورج واشنطن: (إن الأمة التي تترك لمشاعرها الطبيعية العنان سواء بحب أو بكره تجاه أمة أخرى تصبح بشكل أو بآخر عبدة. تصير عبدة لهذا الكره أو هذا الحب).

ويتناول الكتاب العداء الفرنسي للأمركة باعتبارها معطى رئيسيا في الحياة الثقافية والسياسية في فرنسا وهو عداء ملتهب تتميز به فرنسا عن سائر الدول الأوربية. ويتسم هذا العداء بالتناقض والغموض في الوقت ذاته (حيث لم تدخل فرنسا الحرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية أبدا, بالإضافة إلى أن العنف الذي يتسم به العداء الفرنسي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية يبدو منقطع الصلة بالتوترات والاختلافات التي تحدث بالفعل).

وهذا الكتاب يهدف تحديدا إلى إلقاء الضوء على هذا الاستثناء الفرنسي.

إن العداء تجاه الأمركة لا يعتبر نقدا للولايات المتحدة الأمريكية, إذ إنه لا يتلبس طابع الأيديولوجية أو العقدية (بل إنه يجمع اليمين واليسار على السواء), ويشرح العداء الفرنسي للأمركة نفسه على اعتبار أنه تدرج سلبي في أنواع الخطاب الذي يشكل (التقليد) في فرنسا, بمعنى أن هذا الخطاب يزداد ثراء من جيل إلى جيل بحيث يشكل رابطة بين الفرنسيين المنقسمين أيديولوجيا.

ففي منتصف 1980, أعلن الرأي العام والسياسيون, انحسار وانتهاء أمريكا تماما: فبحسب هذه الآراء لم يبق أمام العداء للأمركة إلا برهة من الزمن وينتهي. لكن الزمن قد تجاوز هذه القوالب الجامدة حتى وجدنا - على العكس من ذلك - التحذيرات للجمهور من الوقوع تحت تأثير الكليشيهات المضادة (للهوس الأمريكي) المنتصر. فقد بدل المثقفون موقفهم, ونجد بالتالي كتابات أخرى تشير إلى (تحول الأنتلجنسيا. كان يمكن أيضا لكلمة (تحول) أن تدوم إذا تحققت المعجزة. إذ إن هذا الهدوء المؤقت, الحقيقي أو المتخيل, لم يدم. فقبل الدخول إلى الألفية الثالثة, تمت إعادة ضبط عقارب الساعة. بدأ هجوم المزارعين على منتجات ماكدونالدز, وأوقفت الحكومة الانتشار التجاري لكوكاكولا لأسباب تتعلق بالصحة العامة, وأصبح ينظر إلى أمركة العملية التعليمية باستهجان, سواء كان ذلك بالنسبة للتعليم الأساسي والذي أطلقوا عليه مسمى (الليسيه لايت), أو التعليم العالي. ونجد أيضا في خضم أحداث التدخل في كوسوفو كيف أن الفرنسيين المؤيدين عامة للناتو هم أنفسهم الذين أظهروا عداء تجاه أمريكا من خلال استفتاء أجرته CSA Liberation. لقد استعادت فرنسا ذاتها وعادت الأنتلجنسيا إلى موقعها, مستاءة من تفسير غفوتها على أنه فرار: فبالإضافة إلى بعض المواقف الأخرى, فإن موقفها من أحداث 11 سبتمبر أزال عنها كل الشكوك المتعلقة بتحولها نحو أمريكا.

عداء له تاريخ

ولا يعتبر العداء الفرنسي للأمركة قصير المدى, بل إنه متجذر في التاريخ, قليل التأثر بالظروف والتغيرات الدولية. ولا يمكن اكتشافه عن طريق تلك المتغيرات الموسمية, فقد تشكل داخل الزمن ومن خلاله, وعليه يتطلب الأمر من الباحث الغوص في هذا الزمن.

على خلاف الاعتقاد السائد, فالعداء لا يرجع إلى حرب فيتنام, ولا إلى الحرب الباردة, ولا إلى ثلاثينيات القرن العشرين, رغم أنه شهد بعض الصعود آنذاك. وإنما هي عوامل متداخلة منذ نهاية القرن التاسع عشر.

يبحث الكاتب عن الجذور لفهم هذا العداء الفرنسي للولايات المتحدة الأمريكية والتي يجد دلالاته في الثقافة والوعي الجمعي للمجتمع الفرنسي.

يقسم الكاتب هذا العمل إلى عدة أجزاء: (الافتتاحية) حيث يتحدث خلالها عن مظاهر العداء الفرنسي للأمركة منذ القرن التاسع عشر, والتناقض التاريخي الواضح المتمثل في عدم خوض فرنسا حربا واحدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية, وعدائها الواضح لها. ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى (التمهيد) متناولا أحداث مرحلة القرن العشرين عارضا لوجهه نظر التيار التنويري فيما يتعلق بالعداء للأمركة والعلاقات الفرنسية الأمريكية باعتبارها أسطورية (هوليوودية) تنسج أحداثها بعيدا عن استوديوهات هوليوود.

كيف ينظرون إلى نشأة الولايات المتحدة الأمريكية, واعبتار هذا العداد عداء تجاه الاستيطان, الذي أسس لنشأة هذا البلد, الذي هو وليد الطوفان المتفاخر أكثر مما ينبغي بأنه الدولة الجديدة, دولة الخلاص. ولكن يظل هذا البلد الجديد في نظر العالم القديم مجرد دولة وليدة تفتقر إلى الخبرة, بلد بدا متأخرا في كل شيء.

ثم يقسم الكاتب الكتاب إلى جزأين كبيرين, الجزء الأول بالعنوان التالي (صعود اليانكيز الذي لا يقاوم) والجزء الثاني بعنوان (انحياز المفكرين), بالإضافة إلى وضع عناوين لكل مرحلة من مراحل الجزأين. المرحلة الأولى من الجزء الأول بعنوان (زمن الازدراء) حيث انتهاء الإمبراطورية البريطانية للمرة الثانية في معركة (واترللو), ومن الجانب الآخر انغلاق فرنسا على نفسها بعد انتصارها الذي طال انتظاره. يعم الإحساس لدى جيل بأكمله بأن هذا العالم القديم لم يعد يسعهم نظرا لصعوبة الانتقال داخله وتكلفته, بل إن السفر إلى الولايات المتحدة أصبح أكثر يسرا وأقل تكلفة, فبالرغم من بعد المسافة فإنه لا يتطلب أوراقا أو جواز سفر أو فيزا.

حاجز نفسي

وبالرغم من ذلك, تظل هجرة الفرنسيين قليلة نظرا للحاجز النفسي القائم, حيث لعب الأدب دورا في إلصاق صورة الفاشل والوضيع بمن يسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية, ويشير الكاتب في هذا المقام إلى أعمال بلزاك وستندال وغيرهما.

المرحلة الثانية من الجزء الأول بعنوان (الولايات غير المترابطة لأمريكا)

في هذه المرحلة يتحدث الكاتب عن الحرب الشمالية, وعلاقة كل من بريطانيا وفرنسا بها, تأييدًا أو معارضة لها.

وبغرق السفينة (ألاباما) تغرق معها السياسة الفرنسية الإمبريالية.

تعيد الحرب الأهلية الشمالية الولايات الأمريكية إلى الساحة الأيديولوجية والخيالية الفرنسية. يستغرب المؤرخ (ويست ريد) الاهتمام المبالغ فيه لفرنسا فيما يتعلق بالحرب الشمالية بالرغم من قلة تأثيرها عليها أكثر من اهتمامها بالتحولات الكبرى التي تحدث في أوربا ذاتها, مثل بلوغ إيطاليا للمرحلة الأخيرة من اتحادها مما يشكل إزعاجا بالنسبة لفرنسا, وصعود بروسيا مسببة المزيد من العزلة لفرنسا. حيث بدت فرنسا وكأنها تراهن على فشل الفيدرالية الأمريكية. وسرعان ما ظهرت انتماءات السلطة دون الإفصاح عنها جليا, إذ نلحظ ميل الإمبراطور نابليون الثالث إلى ترجيح كفة الجنوب والكونفدرالية دون اتخاذ مواقف تحسب عليه.

ينتهي الأمر بهزيمة الجنوب الذي لم يجن من فرنسا إلا الكلام المعسول, أما الشمال المنتصر فسيظل طويلا متذكرا موقف فرنسا غير المساند له.

وتجدر الإشارة هنا إلى التناقض الذي شاب الموقف الفرنسي حيال الحرب الأهلية, ففي حين كانت فرنسا تساند الجنوب, إلا أنها كانت تختلف معه جذريا فيما يتعلق بقضية العبيد, مما أدى إلى ظهور العديد من الأفكار في اللغة الخطابية لأنصار الجنوب التي تهدف إلى الفصل بين موضوع الحرب الأهلية وقضية العبيد, بالإضافة إلى ظهور تحليلات أخرى في هذا الصدد توضح محاولات العنصر الإنجلو - أمريكي للسيطرة على القارة الأمريكية.

عنوان المرحلة الثالثة هو (تمثال الحرية ومحطمو الأيقونات)

يعرض الكاتب هنا لتأثير النظام السياسي الأمريكي الحديث على الحياة السياسية الفرنسية والاحتفالات بمناسبة إهداء تمثال الحرية, إذ يسيطر الغموض على الخطاب الرسمي بين مؤيد ومعارض لمبدأ الحرية وتأثير الجمهورية كنظام للدولة. يظل اللبس مستمرا خاصة حين قوبلت الهدية الفرنسية تمثال الحرية بتحفظ من قبل الأمريكان, لاستهجانهم موقف الفرنسيين المحايد من الحرب الأهلية. ظل الفرنسيون بدورهم ينظرون من علٍ إلى الأمريكان باعتبارهم يتسمون بالغلظة وعدم الكفاءة, علاوة على أنهم أصحاب ثقافة الدولار.

عنوان المرحلة الرابعة (من هافانا إلى مانيلا هل العالم أصبح ملكا للأمريكان?

يستعين الكاتب بمقولتين الأولى لـ (جول هوري) الكون له حدود... ما مصير أوربا المفتتة أمام هذا الغول الواقعي? والثانية لـ (أوربين جوهيه) أن الشعب الذي يملك هذه القارة سيهيمن على العالم في القرن العشرين. لا يوجد أدنى شك في هذا الخصوص). اعتبرت الثمانينيات من القرن التاسع عشر سنوات الشك تجاه الولايات المتحدة الأمريكية, أتكون هذه البلاد جديرة حقا بإعجاب وتقدير الفرنسيين? طرح هذا السؤال نفسه أقطاب مدارس فكرية متباينة وأجابوا جميعا بالنفي. ازداد الموقف السلبي في السنوات التالية حتى أنه اتخذ شكل الازدراء والعداء. بل أصبح هناك قلق واضح من تحول هذه البلاد إلى (الإمبريالية) مما يشكل تهديدا على العالم القديم. تحول هذا الشك إلى حقيقة حين أعلنت الولايات المتحدة الحرب على إسبانيا ودمرت أساطيلها ودخلت إلى كوبا, وتأهبت من بعدها للدخول إلى الفلبين. شكلت الحرب الأمريكية - الإسبانية صدمة لدى الفرنسيين. وتعتبر كل مرحلة من هذه المراحل رافدا من تطور الخطاب العدائي ضد أمريكا, منتقلا من جيل إلى جيل. يزداد هذا التخوف أمام التقدم الذي تحرزه الولايات المتحدة في مجال تصنيع الأسلحة وبخاصة في المجال البحري.

في المقابل هناك صعود للخطاب الأمريكي الذي يرى نفسه (صاحب أرض الميعاد) المنوط به حماية الحرية في العالم.

المرحلة الخامسة والسادسة تدور حول (اليانكي والأنجلو - ساكسون) وسمات تكوين عنصره.

في هذين الفصلين, يتحدث الكاتب عن بروز جنس اليانكي (الذي يطلق على الأمريكان الشماليين: والذي يتسم بالحدة والخشونة. يعتبر تبلور هذا الجنس الجديد انتصارا للإنجليز في مواجهة الفرنسيين حتى على المستوى اللغوي).

تظهر في هذه المرحلة نظريات عديدة لإعادة تناول خصائص وسمات تكوين العنصر أو الجنس. يضرب الكاتب مثالا على ذلك من خلال وصف السفير الفرنسي لشخص الرئيس روزفلت, الذي يعد الرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدة, والذي يصفه بأنه رجل طموح جدا, يساند السياسات الإمبريالية والعسكرية. وصف يرسم صورة جيدة للجنس الأنجلو - ساكسوني الشاب. ولكننا نجد بعد مرور أربع سنوات على هذا الوصف, وصفا آخر يقوم به (ألبير سابين) مترجم السيرة الذاتية للرئيس نفسه بعنوان (روزفلت عبر الزمن) فنجده يرسم صورة لشخصية مختلفة, حيث يرجع تكوين الرجل من حيث القوة والهدوء إلى مجموعة من العوامل, فهو حذق على الطريقة الأسكتلندية, مقاتل ومحب للخير على الطريقة الإيرلندية, أما حيويته وخياله وجرأته فعلى الطريقة الفرنسية. خليط من الدماء المختلفة لا يمكن إلا أن تنتج رجلا قويا وصادقا وأصيلا.

لم تنج المرأة الأمريكية من تناول الفرنسيين, التي وصفوها بالتحرر الزائد, والتسلط على الرجال, ثم أضافوا إلى ذلك جهلها وكسلها في القيام بالأعمال المنزلية.

حروب وامتزاج

المرحلة السابعة بعنوان (أناس في عروقهم دماء الأعداء). تتناول هذه المرحلة أمواجا من الهجرات الأولى الكبرى التي تساهم في إعادة صياغة التركيبة الاجتماعية للعالم الجديد, ويشير في هذا المقام إلى كتاب (الولايات المتحدة اليوم) للكاتب أندريه سيجفريد الذي اعتبر مرجعا لجيلين متتالين. حرب الأجناس وأمريكا الغرباء وخلفيات الصراع, التعامل مع السكان الأصليين (الهنود الحمر) والزنوج, وازدواجية الدولة العنصرية وامتزاج العناصر فيها في الوقت ذاته.

المرحلة الثامنة بعنوان (إمبراطورية الاحتكارات: اشتراكية أم إقطاعية)?

إن صورة أمريكا الإمبريالية صورة حديثة نسبيا, حيث إنها كانت تعتبر طوال القرن التاسع عشر بلدا زراعيا في المقام الأول, ولكن مع التطور الكبير الذي أدى إلى تحول المزارع الصغيرة إلى كبيرة, ثم إلى صناعة وتجارة المعلبات, وصولا إلى أمريكا صاحبة (الدولار الملك) وعالم المليونيرات, ابتدعت الولايات الأمريكية نظام الاحتكارات, والذي قلب موازين المعاملات الاقتصادية في العالم, التي قيل عنها في كتابات كثيرة إنها وسيلة السيطرة والهيمنة على المقدرات الصناعية. يدرك المراقبون الفرنسيون كافة, خطورة النظام الاحتكاري على الاقتصاد الأوربي وتهديده له.

مناهضة أمريكا

في المرحلة الثامنة (من الديون إلى التبعية). يستشهد الكاتب بمقولة (أوسكار وايلد) نحن منفصلون من خلال لغة واحدة). تلعب مرحلة ما بعد الحرب دورا أكثر أهمية من فترات النزاع ذاتها, لأنها تترك آثارا وجراحا تفوق ما تتركه الصراعات ذاتها. إذ شعر الفرنسيون بالمهانة من كونهم أصبحوا أمة تحتاج إلى المساعدة بعدما كانت تعد من الأمم الكبرى الممسكة بزمام أمورها. في خضم هذه الأحداث المضطربة تحدث تغييرات على الساحة, لكن الملاحظ أن التيارات السياسية المتناقضة من يمين ويمين متشدد وشيوعيين وديجوليين يناهضون جميعا الولايات المتحدة الأمريكية, خاصة حينما يتعلق الأمر بالمشاورات المرتبطة بديون ما بعد الحرب وإعادة تقسيم الثروات, إذ اعتبرت فرنسا أن هناك تحيزا لصالح بريطانيا من قبل الولايات المتحدة, مما يثير شجونا قديمة لصالح الأنجلو - ساكسون.

من جانبهم ربط الفرنسيون تسوية الديون بحسن أداء المانيا لعمليات إصلاح ما بعد الحرب, وهو تصور لم يحظ بالقبول الأمريكي. تتحول أمريكا بالنسبة لكثير من الفرنسيين إلى العم (شيلوك) المرابي اليهودي. تدخل العلاقات الفرنسية - الأمريكية مرحلة دقيقة بعد الحرب العالمية الثانية فيطرح نموذج (خطة مارشال) والذي يرى الفرنسيون فيه تخليا عن اقتصادهم القومي.

يتصاعد بروز العداء في الموقف الفرنسي في الخمسينيات من القرن العشرين, خاصة حين امتلكت أمريكا القنبلة الذرية إذ كيف تكون هناك (ديمقراطية ذرية). فالعنف لا يصاحب الديمقراطية.

تلقي المرحلة الرابعة الضوء على الرغبة في (الدفاع عما هو فرنسي) فبالرغم من عدم وجود مقولة إن أمريكا غزت فرنسا في أي من كتب التاريخ, فإن هناك وعيا جمعيا آخر يشعر بوجود هذا الغزو.

في المرحلة الخامسة من الجزء الثاني يطلق الكاتب هذه العناوين (الدفاع عن الإنسان, العداء للأمركة تيار إنساني).

مما لا شك فيه أن المدينة الأمريكية من العشرينيات إلى الخمسينيات من هذا القرن (من القرن العشرين) قد شهدت تطورا كبيرا جدا ولكن ظل الموقف الفرنسي حذرا تجاه هذا النمط الذي وصفه في كثير من الأعمال بأنه نمط يستهلك الإنسان ويدخله في ترسانة مهلكة تجرده من نهاية اليوم, أو الأمر, من مشاعره, مجرد آلة من دون إحساس. ويرسم (سيجفريد) بقلمه صورة للإنسان الآلة داخل مجتمع يحكمه المنطق الشمولي, إذ إن كل شيء مرتبط بالآخر فتقنيات الإنتاج وأساليب العمل والنظافة والصحة والحياة والعلاقات الإنسانية والعادات والاستهلاك كلها وحدة واحدة.

المرحلة الأخيرة بعنوان (تمرد النفس البشرية وحرب الثقافة والدفاع عن الاتحادات). يبقى أخيرا أن نوضح قوة العداء الثقافي الفرنسي الذي يعتبر الرافد المستمر, المسيطر في معظم الوقت على الخطاب الخاص بالعداء للأمركة. في البداية هناك الجانب الديني, ومنه الصراع بين الكاثوليكية والبروتستانتية, والمفهوم الديني في مواجهة المفهوم العلماني. فكما يقول (بول موران) في آخر صفحة من كتاب (أبطال العالم): (دولة لا يعني فيها الصليب إلا أنه علامة زائد). ونجد أيضا مقولات في فرنسا عن الحالة الدينية في الولايات المتحدة إن الأمريكان مواطنون ليسوا متدينين بحق في دولة ليست علمانية بحق.

يؤكد الكاتب في تتمة كتابه أن هذه الدراسة ليست نتيجة لأحداث 11 سبتمبر, حيث إنه بدأ كتابتها قبل ذلك بعدة سنوات. ولا يمكن من وجهة نظره القيام بتلخيص دراسة عن علم الأصول, بل يمكن إعادة تتبعها للوصول إلى الجذور.

 

فيليب روجر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات