الألغام الأرضية في دولة الكويت
الألغام الأرضية في دولة الكويت
مركز البحوث والدراسات الكويتية الألغام سلاح شديد الفتك, قليل التكلفة, عدو للبيئة وللإنسان ولجميع الأحياء, يمتد خطره لعشرات السنين, ويتطلب التخلص منه جهوداً مضنية وتكلفة باهظة. أدرك المجتمع الدولي في وقت متأخر, وبعد أن عمّت كارثة الألغام الأرضية دول العالم المختلفة خطورة هذا السلاح الفتّاك الذي يهدد الإنسان وعناصر البيئة المختلفة نظراً لوفرة إنتاجه, وسرعة انتشاره وسهولة استخدامه, وهبّ الغيورون على السلام العالمي وأنصار حقوق الإنسان للعمل على تحريم إنتاجه وتجريم استخدامه, وكان أبرز هذه الجهود التقاء الكثير من دول العالم على مقاومته, فعقدوا لذلك اتفاقية أوتاوا عام 1997م, والتي تستهدف إيقاف إنتاجه وتحريم استعماله. وتعتبر الكويت من الدول التي اكتوت بنار هذا السلاح المدمر من جراء العدوان العراقي على أراضيها في عام 1990م, حيث قامت القوات العراقية الغازية بنشر العديد من حقول الألغام في جنبات الكويت دون اكتراث بأي قانون أخلاقي أو عسكري. ويأتي هذا الكتاب الذي أصدره مركز البحوث والدراسات الكويتية عام 2001 كشاهد صدق على بشاعة هذا الجرم الذي ارتكب في حق البيئة وحق الإنسان الكويتي, وبخاصة في حق الأطفال الكويتيين الذين بلغوا ثلث ضحايا هذا العدو المتخفي في رمال الكويت وبين مسالك دروبها وطرقها ومرافقها العامة والخاصة. والكتاب بما يتضمنه من حقائق وأرقام بمثابة رسالة صريحة وواضحة إلى الضمير الإنساني في العالم, تحمل لوعة الآباء والأمهات في الكويت وآلام المعوقين والمشوهين من أطفالها. ولأن البحوث والدراسات التي تناولت الكارثة البيئية الناجمة عن الغزو العراقي لدولة الكويت لم تتطرق إلى تفصيلات جريمة زراعة الألغام وما ألحقته من أضرار اقتصادية وبيئية واجتماعية تمتد آثارها لسنوات طوال, وتتطلب تكلفة مالية عالية لإعادة تأهيل البيئة.. جاء هذا الكتاب ليحقق هذا الهدف, ويلفت أنظار الكويتيين والمسئولين ومتخذي القرار والمهتمين بقضايا البيئة في العالم إلى أبعاد هذه الجريمة. والكتاب وإن خلا من التقسيم التقليدي وما يشمله من أبواب وفصول ومباحث إلا أنه عرض للقضية بشكل متتابع, فتناول الألغام في العالم ثم الألغام في دولة الكويت, والتوزيع الجغرافي لأحزمة الألغام داخل أراضيها والإصابات البشرية الناجمة عن هذه الألغام, والأضرار البيئية, وإعادة تأهيل المناطق المتضررة, وعمليات التطهير الجارية والصعوبات التي تواجهها والاحتياطات والتدابير الوقائية للحد من إصابات الألغام, والحملة الدولية لحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد. فالألغام الأرضية أدوات فتاكة في الحروب والنزاعات المسلحة تسبب الدمار للبشرية, وتعوق برامج التنمية لعشرات السنين بعد انتهاء الصراعات وتستمر آثارها لأجيال متعاقبة بعد فض الاشتباك أو انتهاء الحرب. وقد عرفت الألغام كأداة حرب منذ فترات طويلة حيث استخدمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية, ففي الحرب العالمية الثانية استخدم أكثر من 300 مليون لغم مضاد للدبابات, وأعقب ذلك استخدام الألغام المضادة للأفراد التي شهدت تطوراً كبيراً مع تقدم التكنولوجيا. ومع هذا التطور التكنولوجي للألغام أصبحت أسلحة مفضلة في معظم العمليات الحربية, بسبب تعدد قوتها ورخص ثمنها, حيث يتكلف اللغم ما بين 3 و30 دولارا فقط, في حين تعدّ بديلاً لمعدات وأسلحة لازمة للحماية تحتاج إلى أضعاف تكلفة الألغام, كما أن الألغام يمكن الاعتماد عليها لفترات طويلة دون أن تفقد فاعليتها. عالم و110 ملايين لغم ينتشر في العالم حوالي 110 ملايين لغم, وفي كل عام تتم زراعة ما بين 2 و5 ملايين لغم, ويتم تصنيع ما بين 5 و10 ملايين لغم في العام. وبدراسة متوسط أعداد الألغام في الكيلو متر المربع في بعض البلدان مقارنة بمساحتها تبيّن أن أعلى عدد للألغام في الكيلو متر المربع تم رصده في دولة الكويت, حيث وصل الى 92,4 لغم وذلك بسبب الكثافة العالية للألغام التي زرعتها القوات العراقية في الكويت صغيرة المساحة. وتأتي كمبوديا في المرتبة الثانية وتضم 50 لغما/كم2, وموزامبيق في المرتبة الثالثة وتضم 26 لغما/كم2, ومصر في المرتبة الرابعة وتضم 23 لغما/كم2, والعراق في المرتبة الخامسة وتضم 22 لغما/كم2, وأفغانستان في المرتبة السادسة وتضم 15 لغما/كم2, وأنجولا في المرتبة السابعة وتضم 10 ألغام/كم2, في حين يبلغ عدد الألغام 2 لغم/ كم2 في كل من يوغوسلافيا والصين والسودان والصومال. ضحايا الألغام ويتعرض الكتاب لضحايا الألغام في العالم حيث تشير الاحصائيات إلى أن الألغام المضادة للأفراد تقتل أو تصيب شهرياً 2000 شخص من نساء وأطفال ورجال ومسنين على مستوى العالم, وتصل تكلفة علاج الشخص الذي تسبب لغم في بتر أحد أطرافه إلى حوالي 3000 دولار أمريكي, في حين نجد متوسط دخل الفرد في بعض الدول التي تنتشر بها الألغام حوالي 12 دولارا في الشهر, ويقدر عدد الأشخاص الذين بترت أعضاؤهم نتيجة لانفجار الألغام في أنجولا ـ على سبيل المثال ـ حوالي 20 ألف شخص بعد خمسة عشر عاماً من الحرب, ومعظم هؤلاء من النساء والأطفال, كما سجلت حوالي 3262 إصابة بسبب الألغام في أفغانستان خلال الفترة من يناير 1991 إلى يوليو 1992م. الألغام في الكويت وينتقل الكتاب لعرض كارثة الألغام في دولة الكويت, والتي تعد من أبشع الجرائم التي ارتكبها النظام العراقي أثناء عدوانه على الكويت واحتلالها عام 1990م, إذ نشر الجيش العراقي ما يزيد على مليوني لغم بري وبحري على طول سواحل الكويت وحدودها البريّة, وحول منشآتها النفطية والاقتصادية, وأقام من خلالها منظومة دفاعه في طول البلاد وعرضها. ويمثل ما عثر عليه في الكويت ـ حتى الآن ـ وفقاً لإحصاءات وزارة الدفاع الكويتية, وتقارير فرق العمل المختصة بإزالة تلك الألغام ما نسبته 92,4 لغم في الكيلومتر المربع, وهو ما يعادل 1,1 لغم لكل فرد, وتعد هذه النسبة أعلى نسبة للألغام التي زرعت في بلد من بلدان العالم. ويضاعف من تأثير خطر الألغام في الكويت طبيعة سطحها وظروفها المناخية التي أسهمت في اختفاء كثير من الألغام تحت الرمال الزاحفة بفعل حركة الرياح والعوامل الجوية الأخرى. وبعد أن تحررت الكويت في أواخر فبراير 1991م أولت الحكومة الكويتية اهتماماً خاصاً لبرامج تطهير التراب الوطني من الألغام والمتفجرات التي خلفها النظام العراقي المهزوم, وقد أدرجت برامج التطهير على رأس قائمة الأولويات الملحة ورصدت لها مبالغ طائلة وسخّرت لها كل الامكانات, ولقد واجهت ـ وما زالت تواجه ـ فرق العمل المسئولة عن التطهير, العديد من الصعوبات والمشكلات الفنية, نتيجة لعدم وجود خرائط أو معلومات عن الألغام, حيث لم تقدم القوات العراقية بيانات أو سجلات عن الألغام التي زرعتها بالكويت, كما تقضي بذلك القوانين والأعراف الدولية, مما نجم عنه العديد من حالات القتل والإصابة بين العاملين في مجال التطهير. ورغم أن فرق التطهير نجحت في تدمير أو تفكيك قرابة مليوني لغم إلا أنه ما زالت هناك أعداد كبيرة من الألغام مخــــتبئة عن الأنــــظار تترقب ضحاياها من الأبرياء لتقتلهم أو تصيبهم, فالألغام ـ كما عـرفتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ـ لا تخطئ هدفها, وتصيب ضحاياها دون تمييز, وتستمـــر في القــــتل بعد انتهاء الحروب إلى أمــد طـــويل, بل إنها تمارس الإرهاب دون تفكير. الضحايا الأبرياء ولا شك في أن الانتشار الجغرافي الواسع ـ كما يؤكد الكتاب ـ للأنواع المختلفة من الألغام والذخائر بالأراضي الكويتية قد أدى إلى وقوع العديد من الإصابات وزيادة أعداد القتلى. وتشير الإحصاءات الصادرة من مكتب وزير الصحة العامة بالكويت, إلى أن الإصابات والوفيات التي وقعت بالبلاد منذ التحرير وحتى نهاية ديسمبر 1992م بسبب انفجار الألغام والذخائر بلغت 1420 حالة, وكانت إصابات ووفيات الأطفال دون سن الـ 14 سنة حوالي 297 طفلاً, وبلغت إصابات الرجال والنساء دون سن الأربعين 983 رجلاً وامرأة, في حين أصيب 140 رجلاً وامرأة من الكهول وكبار السن. وتفيد نشرة حديثة لجمعية الهلال الأحمر الكويتي بأن عدد ضحايا الألغام في الكويت بلغ 4 آلاف مدني, توفي منهم 1700 فرد وكان عدد المصابين 2300 فرد, 70% منهم من الأطفال. كما تفيد هذه النشرة أنه قد عمل في إزالة الألغام بالكويت 5232 خبيراً وعاملاً من 7 دول, ولقي 84 خبيراً مصرعهم, وجرح 200 آخرون أثناء عملهم في إزالة الألغام. الأضرار البيئية ويستعرض الكتاب الأضرار البيئية الناجمة عن الألغام ومنها تلوّث التربة وتغيّر خصائصها الطبيعية والكيميائية والبيولوجية بسبب تفجير الألغام وتدميرها, وتدمير الشعاب المرجانية ومناطق المد والجزر ومستعمرات الطحالب بسواحل الجزر مما يؤثر سلباً في إنتاجية الأحياء المائية والطيور الساحلية, وتصاعد الرمال والأتربة في الجو أثناء عمليات حرث الأرض بالمعدات الثقيلة, وتكسير وتفتيت التربة أثناء عمليات البحث عن الألغام, وتدمير النباتات البرية ذات القيمة الرعوية والتي تساعد في تثبيت التربة وتماسكها. وللحد من إصابات الألغام بالكويت يقترح الكتاب مجموعة من التدابير منها: 1 ـ الاستمرار في دعم وتعزيز برامج التوعية بأخطار الألغام من خلال النشرات والملصقات, وتنظيم الندوات والمحاضرات وإقامة المعارض. 2 ـ التجديد والتحديث والتوسع في استخدام علامات التحذير من الألغام في المناطق التي يتوقع انتشار الألغام فيها. 3 ـ تطوير وسائل الكشف عن الألغام واستخدام التقنيات الحديثة من أشعة الرادار وغيرها. حملة دولية ضد الألغام ولأن الألغام كارثة عالمية, ولا تزال ملايين الألغام المضادة للأفراد مزروعة في حقول ألغام فيما لا يقل عن 70 دولة من بينها الكويت, وتشكل هذه الألغام التي تحصد سنوياً آلاف الضحايا, سلاحاً للتدمير الشامل يعمل ببطء, قامت حملة عالمية للتوعية بمخاطر الألغام, ولاستصدار قوانين دولية تحظر استخدامها, وتعتبرها أسلحة لا إنسانية بسبب طبيعتها العشوائية. ففي عـــام 1980 سنّت الأمم المتحدة اتفاقية حظر أو تقييد استعمـــال أسلـحة تقلــيدية معــينة يمكن اعتبارها مفـرطة الضرر أو عشوائية الأثر, وشملت هذه الاتـــفاقيـة حظر توجــــيه الألغام ضد مدنيين أو أهداف مدنية, وحظــر استعمالها عشـوائياً, وأن تسجـــل أطــراف النزاع مواقع جميع حقول الألغام وتحتفـظ بمواقعهــا في سجلات. وفي أكتوبر 1996م اجتمـــعت خمــســون دولة بمدينة أوتاوا بكــنـــدا وتعهـدت بالعمل يداً بيد, وعلى المستوى الإقليمي والدولي من أجل التوصل إلى حظر شامل للألغام, كما أيدت 155 دولة في ديسمبر 1996م قرار الأمــــم المتحدة الداعي إلى إبرام معاهدة جديدة تحرّم تماماً هذه الأسلحة. وخلال عام 1997م تمت مناقشة موضوع حظر الألغام للأفراد في مؤتمرين أحدهما عقد في بروكسل في يونيو 1997 والآخر في أوسلو في سبتمبر 1997م وتم على إثره إعلان 89 دولة موافقتها على توقيع اتفاقية حظر استخدام الألغــام المضادة للأفراد. وفي ديسمبر 1997م دعت الحكومة الكندية كل الدول للحضور إلى كنــــدا لتوقـــيع معاهدة تحرم الألــغــــام المضــــادة للأفراد, وصـــدرت هذه الاتفـاقية التي تحظر استعمال وإنتاج وتخزين وبيع وتصدير ونقل الألغــــام المضادة للأفراد لتعبر عن رفض العــــالم لهذه الأسلحة التي تعمل في الخفاء وتخلف ملايين القــــتلى والاصابات والعاهات البشرية
|