عزيزي القارئ

 عزيزي القارئ

احــتــفــالــيــات الــثــقــافــة

تحضر (العربي) في هذا الشهر احتفالين ثقافيين مهمين, أولهما في الإسكندرية عروس المتوسط التي تستعد لافتتاح مكتبتها القديمة بعد قرون طويلة من إحراقها, وفقد ما فيها من مخطوطات نادرة. إن المكتبة الآن وهي تنهض في إهاب جديد تحاول أن تستعيد فيه عبق ذلك الماضي وتتلمس معرفة المستقبل, ولعل اللغة التي كتب بها استطلاع مكتبة الإسكندرية بكل ما فيها من شاعرية وحنين وتوق تضفي على هذا الحدث بعداً جديداً. كما ترحل (العربي) أيضاً إلى العاصمة الأردنية (عمّان), حتى تشاركها احتفالاتها بوصفها عاصمة للثقافة العربية هذا العام. لقد طوت الكويت راية العام الماضي وسلمتها لشقيقاتها وذلك حتى يظل هذا الفرح الثقافي قائماً ومتواصلاً حتى وإن تغيرت العواصم. و(العربي) يهمها دائماً أن تكون شريكاً في كل حدث ثقافي عربي, لا بحكم تخصصها, ولكن لأنها أول من نادت وطالبت بأن يكون للعرب هذه العاصمة في كل عام, ففي العدد 419 الذي صدر في أكتوبر 1993 نشرت (العربي) استطلاعاً حول بلجيكا التي كانت تحتفل باختيار مدينة (أنتوورب) - وهي مدينة تجارة الألماس الشهيرة - عاصمة ثقافية لأوربا. ووجهت المجلة في نهاية الاستطلاع دعوة تشبه النبوءة تقول فيها: (هذه دعوة توجهها مجلة (العربي) إلى منظمة المدن العربية وهي أن تتبنى مثل هذه الفكرة, أن تختار في كل سنة عاصمة ثقافية, مدينة تجمع بين التراث المعماري القديم والإضافات المعاصرة, تحاول أن تلقي الضوء عليها, وتساعدها في إبراز معالم الجمال في شخصيتها, وأن توحد فنونها مع بقية فنون الوطن العربي, إنها وسيلة فعّالة حتى تتخلص هذه المدن من دمامة قبحها, وأن تنفض الغبار عن كنوزها المطمورة, وأن تخلص النفوس من النزاعات السياسية العقيم, وأن تحاول أن تجد من الفن والثقافة وسيلة للتفاهم بعد أن عجزت عن ذلك كل الوسائل الأخرى تقريباً. في كل عام سوف يكون لدينا مدينة, بوتقة نصهر فيها كل مراراتنا القديمة, فنبدد شوائب الفرقة, ونجلو جوهر الجمال العربي, فهل يمكن أن تتبنى منظمة المدن العربية مثل هذه الدعوة?! أتمنى أن يكون ردّها بالإيجاب), وقد تحققت هذه الدعوة عن طريق اليونسكو العربية, وأصبح لدينا عاصمة كل عام, فهل تحقق الغرض المرجو منها? وهل تخطى الأمر تلك الاحتفالات والمهرجانات الشكلية كي نقوم بعمل جاد في تقويم البنية الثقافية لهذه المدن? إن استطلاع (العربي) لهذا العدد يحاول الإجابة عن هذا السؤال.

ولا تتوقف قضايا (العربي) على حافة المدن ولكنها تغوص في أعماق العقل العربي كي تتحسس أوتاره الحسّاسة, فهي تلمس قضية المستقبل في أكثر من مجال, بدءا من المقال الشهري لرئيس التحرير حتى آخر صفحات المفكرة الثقافية, وهي تؤمن بأن المستقبل هو قضيتنا المطروحة, وأن علينا أن نمعن التفكير فيه طويلاً حتى لا نكرر أخطاء الماضي.

(المحرر)