مسيرة مضيئة.. نساء الكويت والعمل التطوعي

مسيرة مضيئة.. نساء الكويت والعمل التطوعي
        

          إذا كان العمل التطوعي قد ساهم في بناء نهضة الكثير من المجتمعات عبر مختلف الأزمنة, في الوقت الذي كان له فيه الدور الأهم في تكوين الشخصية الإيجابية البناءة, فإن مسيرة هذا العمل الذي لا يسعى إلى الحصول على مردود, تنامت بشكل لافت في دولة الكويت خلال السنوات الأخيرة, خصوصًا في جانب إقبال النساء الكويتيات على الالتحاق بمجالات العمل التطوعي.

          منذ فترة طويلة اندفعت أجيال متعاقبة من أبناء الكويت إلى تطوير المبادرات الاجتماعية, وبلورتها في العديد من الأنشطة التطوعية, فكان الانضمام إلى الأندية واللجان الخيرية واللجان الشعبية, قبل أن يتم الانتقال فيما بعد إلى مرحلة أخرى مهمة تمثلت في العمل المؤسسي.

          وقد شكل العمل التطوعي مجالاً خصبًا للمرأة الكويتية, سعت من خلاله إلى إثبات وجودها, ومن هنا كان الدور الواسع الذي ساهمت به عبر سنوات طويلة في تكريس المبادرات التطوعية, تلك التي كانت بلغت ذروتها خلال محنة الاحتلال الغاشم للكويت, إذ إن النساء لعبن دورًا شديد الأهمية في ذلك الوقت عبر أنشطة تطوعية متعددة.

حضور متزايد

          وتحتل النساء الكويتيات عدة مناصب حكومية, فهناك امرأة تشغل حاليًا منصب وكيل وزارة, هي د.رشا الصباح وكيلة وزارة التعليم العالي, وهناك عدة سفيرات من النساء من بينهن السفيرة نبيلة الملا التي تحتل منصب مندوب الكويت الدائم في الأمم المتحدة, فيما ترأست جامعة الكويت لفترة قريبة سيدة هي د.فايزة الخرافي, كما يشارك ثلث النساء الكويتيات تقريبًا في قوة العمل, وتعمل الغالبية العظمى منهن في القطاع الحكومي, بينما ازداد حضور المرأة في سوق العمل باطراد خلال العقد الأخير.

          وقد مرت المرأة الكويتية بمرحلتين مهمتين أولاهما مرحلة ما قبل النفط, وثانيتهما المرحلة التي تلت ذلك. في البداية كان المجتمع الكويتي مجتمعًا تقليديًا كانت أعمال المرأة فيه تتمثل في الأمور المنزلية, وبعض الحرف الخفيفة, إذ كان دافعها إلى العمل الحاجة الاقتصادية والضرورة الاجتماعية.

          لكن الأمر اختلف في أيامنا هذه مع تزايد الوعي وبروز دور المرأة في التنمية الاجتماعية, فلم تعد الحاجة الاقتصادية هي سبب خروج المرأة للعمل, بل أصبح تحقيق الذات وتنمية الشخصية والمشاركة في الحياة العامة وتنمية المجتمع عادة من عادات نساء الكويت اللاتي يحرصن عليها.

          وقد أثبتت المرأة الكويتية جدارة كبيرة في جميع المجالات, وسلحت نفسها بمهارات وقدرات مبنية على أسس علمية, فخرجت من تقوقعها باتجاه التعليم وصولاً إلى الدراسات العليا, والحصول على درجات تؤهلها لأداء دور فاعل في مسيرة الحياة التنموية, كما لم يعد عمل المرأة مقصورًا على فئة اجتماعية بعينها بل اتسع ليشمل أنواعًا عدة من التخصصات, فتدرجت المرأة في مجالات القيادة وترأست الجمعيات الأهلية ومارست الأعمال العلمية والتقنية.

          تقول فاتن البدر المدير العام لمركز تقويم وتعليم الطفل: (إن التنمية الحقيقية إذا أردنا أن نعيشها يجب أن ترتبط بالقيم التحررية في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وقضية المرأة في المجتمع الكويتي لا تخص النساء وحدهن, بل هي اضطراب في نسق الحياة بما فيه - أحيانًا - من جمع بين التعصب القبلي والتطرف الديني, وعدم فهم للعلاقات التي يجب أن تسود المجتمعات, لتصل إلى التقدم المنشود).

          فمركز تقويم الطفل تأسس عام 1984 بهدف تقديم خدمات متخصصة في مجالات تشخيص حالات العجز عن التعلم, وصعوبات التعليم أي Learning disabilities وعلاجها.

          وهذه الخدمات متوافرة بالمركز باللغتين العربية والإنجليزية وتضم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 أعوام وأربعة عشر عامًا. بعدما واجهت بعض أولياء أمور التلاميذ مشكلة أثناء تعليم أبنائهم, إذ كانوا يلاحظون أن أبناءهم أسوياء بل يزيدون بمميزات ومواهب قد لا تتوافر في التلاميذ العاديين, وبالرغم من ذلك يعانون مشكلات في التعلم, فلم يجدوا تفسيرًا لهذا الأمر, مما جعلهم يلجأون في البداية لمراكز تخصصية في الخارج لعدم وجودها في العالم العربي آنذاك, وهذا ما دفع مجموعة من أولياء الأمور والتربويين المهتمين إلى إنشاء مركز تقويم وتعليم الطفل الذي يعد من المراكز النادرة في الوطن العربي والشرق الأوسط, ويهدف إلى إجراء البحوث والدراسات في مجال العجز عن التعلم, وصعوباته وإعداد نواة من المتخصصين الكويتيين والعرب المؤهلين في مجالي التقويم والعلاج وتشخيص الأطفال الذين يعانون صعوبات وعجزًا في التعلم وعلاجهم ونشر الوعي حول العجز والتعلم والتواصل مع المؤسسات والهيئات الخيرية المحلية والعالمية عن طريق تبادل المعلومات والخبرات لتطوير برامج في مجالي التقويم والعلاج. وكان للمرأة دور بارز في إدارة هذا المركز والعمل على استمراره والاستفادة منه الاستفادة القصوى. وتقول البدر: (الناظر إلى مسيرة المرأة الكويتية الشاقة يجد من النساء من شاركن في صياغة المجتمع الكويتي, وفيهن من قضين حياتهن في العمل من وراء الكواليس بعيدًا عن الصخب فكنّ بحق أدلة شامخة على عظمة هذه المرأة الكويتية, والناظر في المؤسسات الحكومية والأهلية سيجد أثر هؤلاء النساء ماثلاً للعيان, حيث اندمجت المرأة اندماجًا حقيقيًا في مجالات التنمية).

          ودور المرأة الكويتية بارز أيضًا في التربية الوطنية والمجتمعية, وخصوصًا في بناء الأجيال وتحويل هذا العطاء الزاخر إلى مبادرات اجتماعية ونشاطات تطوعية تمثلت في جمعيات النفع العام واللجان الخيرية واللجان الشعبية واللجان النسائية, وانتقل بعد ذلك إلى العمل المؤسسي, وبذلك حققت المرأة شخصيتها الاعتبارية التي لا تبغي من أعمالها الربح المادي ولا الشهرة, وإنما تهدف إلى القيام بنشاط اجتماعي أو ثقافي أو ديني, لأنها يجب أن تشارك في صياغة تاريخ وطنها وصنع أمجاده.

علامات مميزة

          المتطوعون كان ولايزال لهم دور فعّال في كثير من الميادين المجتمعية لسد حاجاته المادية, كلجان الخير والزكاة والصدقات التي يتميز بها المجتمع الكويتي, وأصبحت إحدى علاماته, ففي جمعية بيادر السلام النسائية والتي تأسست عام (1981) أبواب خير كثيرة, يرجى فيها إلا احتساب الأجر من عند الله تعالى. وتختص الجمعية بشئون المرأة والطفل, وتسعى إلى توعية المرأة وتثقيفها, وإرشادها إلى ميادين الخير والإيمان بما يعود عليها وعلى أفراد أسرتها ومجتمعها بالنفع والخير, وذلك عن طريق المحاضرات والنشرات والحفلات الخيرية, والرحلات والمناقشات في مختلف المواضيع التربوية وإنشاء حضانات نموذجية, وتنظيم دورات تعليمية في مجالات مثل (الطباعة - التصوير - الخياطة - إدارة المنزل ومراكز تحفيظ القرآن) بما يعود بالنفع على الفتيات وبما يساهم في معالجة المشكلات الاجتماعية عن طريق التعاون مع المؤسسات الاجتماعية والتربوية, فمستقبل التطوع بخير مادام أفراد الخير في زيادة, وشاع في المجتمع تشجيع هؤلاء, وعملت الدولة على تكريم أصحاب الخدمات وإعانة المؤسسات التطوعية على تقديم الأفضل, وذللت لها كل الصعاب لتحقق أمانيها في نهضة مجتمعها.

          وقد يخطئ البعض في تصوير العمل التطوعي النسائي على أنه نوع من الرفاهية, أو لسد فراغ عند البعض, والحقيقة أن العمل التطوعي اليوم أصبح ضرورة وحاجة اجتماعية وخدمة وطنية ورغبة صادقة.

          فإبان الاحتلال العراقي لدولة الكويت, ظهرت مجموعات تطوعية نسائية عدة, لكنها غير منظمة, هدفت بجميع أشكالها إلى مقاومة الاحتلال والتحدي والمقاومة والعمل على المساعدة والتعاون بين أفراد المجتمع الكويتي, حتى أصبحت هناك مراكز للمتطوعات تابعة للدفاع المدني بدولة الكويت تعمل بحماس واستمرار دافعًا الجميع للالتحاق بمثل هذه المراكز التطوعية.

          تقول المتطوعة نوال المراغي: (كان التطوع في السابق وقت الحاجة ووقت الأزمات والكوارث, أو خارج البلاد عندما تقدم الكويت يد المساعدة لأشقائها العرب والمسلمين ممن هم بحاجة إلى هذه المعونات, بالتقدم والعمل على المشاركة المجانية, لكن حاليًا أصبح الإدراك بأهمية التطوع والتعاون والمساعدة الخيرة داخل وخارج الكويت أمرًا باعثًا على السرور لدى جميع المتطوعات, ولم يعد مرتبطًا بزمن أو بحدث). كما أن الدورات التدريبية التي تقدم للمتطوعات وكذلك الجولات الميدانية التي تتضمن عمليات إخلاء للمواقع وإعداد في الملاجئ وإسعاف المصابين وغيرها, جعل وجود المرأة في تلك الأعمال أمرًا طبيعيًا ومتفتحًا وغير مستغرب. فهي تضحية جليلة تقدمها المرأة في المجتمع المحكوم بالعادات والتقاليد, فتلاشى الخجل من هذه الناحية. كما أن وجودها إلى جانب أخيها الرجل في العمل بجميع ميادين الحياة والمجتمع بات أمرًا مألوفًا, فالمرأة الكويتية تقف بثبات في كل وقت وهي قادرة على أن تخرج بقرارات سليمة, وفي أوقات حرجة, وتستطيع التعامل مع المواقف الصعبة, كما أصبحت أكثر انفتاحًا على العالم, وعلى مشكلات العصر المختلفة في كل مكان بالعالم أجمع.

          وقد أظهرت نتائج دراسات أجراها قسم الدراسات والإحصاء في إدارة التنمية التعاونية بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل أن 55% من أعضاء مجالس الجمعيات التعاونية يؤكدون أفضلية المرأة على الرجل في العمل التعاوني, لما تمتاز به من الدقة في العمل والإخلاص, وأنها أكثر نظامية وأكثر إقناعًا وقوة في الشخصية, ولديها القدرة على إنجاز العديد من الأعمال التي يتطلبها المجتمع. وحول دور المرأة القيادي, أظهرت الدراسة أن 92% من الجمعيات النسائية تؤيد دور المرأة القيادي, كما يؤيد هذا التوجه 67% من العاملين في وزارات الدولة, و61% من طلبة وطالبات الجامعة, و44% من ربات البيوت.

أدوار قيادية

          وهاهي أم محمد التي تقوم بتعليم المتدربات من خلال الدورات التي تقدمها جمعية السدو الحرفية التعاونية تقول: إن حرفة (السدو) - أو فن حياكة الصوف - توارثتها عن جداتها وأمهاتها, ومع أن هذه الحرفة قاربت على الاندثار, فإنها انضمت للجمعية أملاً منها في المحافظة على التراث المحلي, لأنها ترى أنها مازالت مطلوبة, وأن هناك إمكانًا لتطويرها بما يلائم الحداثة.

          وتتعدد الأنشطة التطوعية للنساء, ويمثل السدو واحدًا من أقدم الفنون والحرف التقليدية لدى أهل البادية في الكويت وشبه الجزيرة العربية, وهو صناعة يدوية تحتاج إلى مهارة إبداعية وفنية عالية.

          وتقول السيدة ابتسام الرجيب وهي رئيسة مجلس إدارة جمعية السدو الحرفية التعاونية: إن مشروع السدو تأسس عام 1979 كمعهد خاص من قبل مجموعة من المهتمين بالنهوض بتلك الفنون والمنسوجات التقليدية,وفي عام 1991 طُور المشروع ليصبح أول جمعية حرفية تعاونية تملك أسهمها الناسجات في مجال الحرفة نفسها.

          من جهتها, ترى الشيخة ألطاف سالم العلي الصباح الرئيسة الفخرية للجمعية أن (أهمية المحافظة على الهوية الثقافية والقومية تبرز ضرورة المحافظة على الحرف التقليدية والصناعات الشعبية لأنها عنصر مهم في الثقافة المادية وتعكس واقع الإنسان والمجتمع وأسلوبه الأمثل في التأقلم مع البيئة).

          أما الجمعية الكويتية التطوعية النسائية لخدمة المجتمع, التي تم إشهارها في عام 1991م برئاسة الشيخة لطيفة الفهد السالم الصباح والتي حرصت على جمع اللجان التطوعية التي تكونت خارج دولة الكويت إبان جريمة الاحتلال الصدامي قبل استقرارها بالكويت بعد التحرير, فإنها تهدف لتشجيع العمل التطوعي للمرأة وترسيخ انتمائها للوطن وإعدادها للقيام بدور إيجابي في خدمة المجتمع والتربية الأسرية ورعاية الطفولة.

          وتقول السيدة عفاف قبازرد مديرة الجمعية (إن العمل التطوعي هو جزء من نهضة المجتمع, فالمرأة بشكل عام معطاءة سواء لبيتها أو لعملها أو في جهودها التطوعية). وتؤكد على هذا القول السيدة منيرة عبدالجادر وهي عضوة بالجمعية, حيث تقول (إن العملية التطوعية مزدهرة بالكويت وإيجابية, وهو عمل خيّر فيه إرضاء لله والوطن.

          وهذا العمل ليس جديدًا على المرأة في الكويت, فقد دأبت منذ قديم الزمن على مساعدة الجيران ضمن المجتمع الصغير والكثافة السكانية القليلة وما يحصل اليوم, هو امتداد لعادة قديمة كانت عليها نساء الكويت).

          وفي نهاية المطاف, تبين أن العمل التطوعي أكثر الأعمال التي أثبتت فيها المرأة الكويتية نجاحًا, فقد أدارت العديد من الأعمال التطوعية, ولعل تاريخ المرأة العربية الطويل في هذا المجال, كان هاديًا للمرأة الكويتية في مشاركة مثيلاتها, حيث تقاسمت الأدوار مع الرجال في العمل التطوعي, وبرز بذلك مفهوم المشاركة, وهو التجلي الأمثل لفكرة المساواة في الحقوق والواجبات بينهما.

 

وفاء شهاب   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات