رامبرانت (السيدة حاملة الريشة)

رامبرانت (السيدة حاملة الريشة)
        

          إضافة إلى النواحي الجمالية المتميزة التي تعتبر تحصيل حاصل عند كبار الأساتذة عمومًا, تمتاز الصور الشخصية التي رسمها رامبرانت فان رين (1606-1660م) بإشعاعها العاطفي, والمشاعر النفسية المختلجة في أعماق هذه الشخصيات, وقدرة هذا الفنان على نقلها إلى المشاهد.

          لقد رسم ليوناردو دي فنشي مثلاً ثلاث صور شخصية فقط ذات أعماق نفسية (الموناليزا واحدة منها). أما رامبرانت فقد رسم العشرات منها. وإذا كنا نعتبر, اليوم, هذا الرسام الهولندي كأحد عباقرة فن الرسم على مرّ العصور, فذلك يعود إلى مجموعة الصور الشخصية التي رسمها في السنوات الأخيرة من عمره, بعد أن كان فقد زوجته سيسكيا وأولاده الثلاثة, وتميّز معظمها بالانكسار والحزن والصمت, حتى قيل إن رامبرانت كان يرسم نفسيته ومشاعره الشخصية من خلال رسم وجوه المجتمع الهولندي.

          في صورة (السيدة حاملة الريشة) التي رسمها رامبرانت في أواخر عمره, نرى منطق الألوان الذي ساد أعمال الرسام, وقد صار توقيعًا خاصًا به. الأسود, البنّي الداكن, والبرتقالي الدافئ, والقليل من الأبيض الذي يروي اللوحة كاملة.

          وجه وياقة ثوب, ويدان وريشة نعام بيضاء فقط, فيغوص المشاهد في أعماق الشخصية المرسومة ليكتشف امرأة في العقد الرابع من عمرها, أعياها مرض أو همّ ما, تبدو متألّمة, مستكينة, راضية بقدرها, ويتعزّز هذا الإيحاء بالرضى أو الاستسلام من خلال الوضعية البسيطة التي تتخذها اليدان, وكأن هذه السيدة هي في حضرة أمر لا حول لها ولا قوة تجاهه.

          لقد ضاع اسم هذه المرأة في غياهب التاريخ, ولكن للوحة تاريخًا حافلاً. فقد بقيت لسنوات معلقة في قصر يوسوبوف في روسيا. شهدت أفراح النظام القيصري وأتراحه. وشهدت أيضًا تسميم الراهب الشهير راسبوتين, وإطلاق النار عليه في الغرفة التي كانت تحتل أحد جدرانها.

          وعند اندلاع الثورة الروسية, قام الأمير يوسوبوف بنفسه برسم منظر طبيعي تافه فوقها ليتمكن من تهريبها إلى الخارج.

          وبعدما باعها الأمير المنفي إلى الملياردير الأمريكي جوزيف وايدنر, حاول أن ينكر حصول عملية البيع لأن ثريًا آخر هو كالوست غولبنكيان عرض عليه أغلى سعر يُعرض ثمنًا للوحة حتى آنذاك. فنشبت معركة قضائية شهيرة انتهت بالحكم لمصلحة وايدنر الذي تبرع بهذه التحفة لاحقًا للناشيونال غاليري في واشنطن, حيث لاتزال حتى وقتنا الحاضر.

 

عبود عطية   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




رامبرانت فان رين: (السيدة حاملة الريشة). (5ر99 × 5ر82 سم) حوالي 1660م. ناشيونال غاليري, واشنطن