جنود الحواجز الإسرائيلية ينكلون بالفلسطينيين

 جنود الحواجز الإسرائيلية ينكلون بالفلسطينيين
        

          تنكيل الجنود الإسرائيليين المنتشرين على الحواجز المنتشرة في كل مكان داخل الضفة الغربية وقطاع غزة بالسكان الفلسطينيين, وخاصة خلال السنوات الأربع الماضية, بدأ يجد طريقه للنشر في مؤلفات صادرة عن جنود, صحا ضمير بعضهم, ولكن بعد فوات الأوان.

          الجندي (ليران رون فورير) أصدر مذكراته في كتاب متواضع الحجم, ولم يجد مؤلفه (دار نشر) تتبنى الكتاب بسهولة, لأنّه سرد قصصا فظيعة عن التدهور الأخلاقي الذي وصل إليه الجنود الإسرائيليون, ولأنه يكذّب كل إدعاءات الناطق الرسمي بلسان الجيش الصهيوني, بأن ثمة مبالغة عربية في هذه القصص المخزية, وأن أي انتهاك حقيقي يعّرض الجندي الذي ارتكبه للعقاب. هاهم جنود خدموا على الحواجز يحكون رواياتهم, بشكل يندى له جبين الإنسانية ويعتبر إدانة موثقة لجرائم هذا الجيش: الأقوى في الشرق الأوسط, ولو كان لدينا - عربا وفلسطينيين - تخطيط سليم, لتمكنّا من تزويد كل منظمات حقوق الإنسان في العالم, وكذلك دائرة حقوق الإنسان في الخارجية الأمريكية, والاتحاد الأوربي, بهذه القصص والاعترافات الموثقة, ومن فم أصحابها, دون مبالغة عربية ولتمكنا, في مرحلة لاحقة, من جرّالكثيرين إلى محكمة العدل الدولية, ومحاكم جرائم الحرب, مثلما جرّالعالم قادة في يوغوسلافيا السابقة, ارتكبوا المجازر بحق شعوب البلقان.

          من جملة الروايات المرعبة, في مذكرات ذلك الجندي الذي غادر في إجازة للهند, لعّله ينسى ما فعله بشعب آخر. يقول هذا الجندي: (إننا كسرنا أيادي شباب فلسطينيين في قطاع غزة, لأنهم رفضوا إغلاق الراديو, فقط لا غير), ويقول إن الجندي (ليبكين) أطلق النار على طفل بالقرب من الحاجز, فقط لأنه تأخّر في الوقوف لبضع ثوان, حين أمروه بذلك, واتضح أن هذا الطفل معاق عقليا. كانت عقوبة الجندي الإيقاف عن العمل لمدة أسبوعين, ومع ذلك يستغرب صاحب المذكرات, هذه العقوبة القاسية, لأن (ليبكين) نفّذ ما أمره به قائد الكتيبة.. لماذا العقوبة? وأتساءل: (إذا كانت عقوبة إطلاق النار بقصد القتل دون سبب مقنع, عقوبتها وقف عن العمل لمدة أسبوعين, فما الذي سيردع إذن جنودا حاقدين عن القيام بذلك كل يوم?! وهم قد فعلوا ذلك, حسب رواية صاحب المذكرات الذي يتحدث عن سرقة مسابح الرجال الذين يجتازون الحاجز, وحين يرفض رجل ما إعطاءه المسبحة, فإنهم - كما فعل الجنديان ميرو وبوعاز - يقومون بكسر يديه, هكذا فعلوا, كما تقول هذه المذكرات المنشورة, باللغة العبرية, في إسرائيل, ماذا كانت عقوبة هؤلاء الجنود, بعد أن كتبت الصحف الإسرائيلية, حول الموضوع, ولم يعد ممكنا تجاهل الأمر: السجن شهر واحد, كيف يمكن أن تكون مثل هذه العقوبة على عمل وحشي واضح, دون أي مبرر, رادعة لأحد?! إنها ستغري بتكرار العمل المشين ذاته, وبشكل أكبر مادامت العقوبة الديلوكس هي السجن لمدة شهر واحد).

          يكتب ليران فورير: (لقد أطلقت النار على شخص ما هذا اليوم, إنهم زجّوا بي في إحدى المناطق المضطربة في قطاع غزة, شاهدت رجلا بين الأطفال الذين يرشقون الحجارة, صوبْتُ سلاحي نحو بطن ذلك العربي, وأطلقت عيارا ناريا واحدا, أصاب الهدف بدقة. زملائي الجنود ربّتوا على كتفي وقالوا: (إنك رجل فعلا, كل الاحترام والتقدير لك, إطلاق النار على شخص ما هو الشيء الحقيقي الذي يجب أن أقوم به, لقد شعرتُ بالفخر). حسب رواية الجندي نفسه, فإنّ هذا الرجل لم يطلق النار عليهم, ووجد, ربما مصادفة بين هذا الحشد من الأطفال الذين يرشقون الجنود الأغراب بحجارة فلسطين المباركة. أليست هذه جريمة حرب, يعترف بها الجندي بأثر رجعي?!

          أما الإهانات على الحواجز, فلا حصر لها. يقول هذا الجندي :(لقد كنا نضرب العرب, دون سبب, سوى الملل من الوقوف الطويل على الحاجز).

          (وكنا نرمي هوياتهم ليقوموا بالتقاطها عن بعد, دون سبب أيضا سوى التسلية, وكنا نجبر بعضهم على إلقاء النشيد الوطني الإسرائيلي, ونقوم بتلقينهم ما يجب أن يقولوا). أتساءل إذا كان أحد في إسرائيل, وفي الغرب, يريد معرفة السبب الحقيقي, لقيام شباب فلسطينيين وشابات فلسطينيات بتفجير أنفسهم في الحافلات والمطاعم والمقاهي, فإنه سيجد بعض الجواب في هذه الإهانات على الحواجز التي تخلق روح التحدّي, وتستجلب الردود القاسية. ماذا تتوقعون من شاب يرى الجنود يضربون والده أمامه على الحاجز, ألا يدفعه ذلك وهو شاب مُعْتد ّبشبابه, أن يرد على الإهانة, بأي طريقة ممكنة?!!

          في تقرير مركز غزة للحقوق والقانون لعام 2003م, يتحدث التقرير عن عقوبة غير مسبوقة في التاريخ, وهي قيام جنود على أحد الحواجز في الخليل, بمعاقبة الفلسطينيين عن طريق العقوبة بالقرعة, والتي تضمن عدة خيارات مثل كسر الأنف أو اليد, أو تكسير السيارة, أو إطلاق النار على القدم, كما حصل مع الطفل وسيم الشعراوي وعمره ثلاثة عشر عاما في 19/12/2002م, حيث أجبره الجنود على اختيار ورقة من بين أربع ورقات وكانت عقوبته كسر اليد, وبالفعل نفذ الجنود العقوبة.

زواج على الحاجز

          وفي القصص المنشورة: قصة الشاب نعيم أبو جامع من بلدة عقربا - قضاء نابلس, والذي منعوه من المرور على الحواجز وكان مصابا بنوبة قلبية, وفارق الحياة بعد أن أبعدوه عن حاجزهم بعشرين دقيقة. وفي مارس 2001م توفيت أميرة أبو سيف عند حاجز الجلمة على مدخل جنين, وهي في طريقها للمستشفى إثر ارتفاع مفاجئ في نسبة السكري بالدم. منعوا سيارة الإسعاف من مواصلة السير, فاتجهت السيارة نحو طريق ترابي, وما لبثت أميرة أن توفيت بعد دقائق.

          والصحفية الإسرائيلية (عميرة هاس) وكذلك الصحفي (جدعون ليفي) وكلاهما من صحيفة (هآرتس) ومن دعاة حقوق الإنسان واللذين كثيرا ما تعرضا للضرب والإهانة على يد رجالات من اليمين المتطرف في إسرائيل, نشرا قصصا, بلا حصر, عن هذه الإهانات. فعلت (عميرة هاس) ذلك في كتاب لها, هو مجموعة مقالاتها في الصحيفة وحمل عنوان: (تقارير من رام الله), وفعل جدعون ليفي ذلك في كتابه الصادر بالعبرية أخيرا ويحمل عنوان: (منطقة الغسق) (الحياة والموت تحت الاحتلال الإسرائيلي). تكتب عميرة هاس: (عند حاجز حوارة, قرب نابلس شاهدت الرجال من كبار السن يمرون وحدهم, وما دون ذلك يتم إيقافهم لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة, شدة الحر, أفقدت ثلاث نساء الوعي, وتصاعد بكاء الأطفال, الأصوات تتعالى باحتجاج: (الله أكبر), والجنود يلقون القنابل الصوتية بين أقدام المواطنين دون تمييز.

          مع ذلك, فإنّ إرادة الحياة لا تُقْهَر لدى الشباب الفلسطينيين, فقد شهد حاجز حوارة عقد قران شاب من مدينة القدس, منعوه من الوصول مع عائلته لمدينة نابلس, جاءت العروس من نابلس, وقرر العريس (شكري عودة) أن يعقد قرانه على الحاجز, رافضا العودة للقدس, وكان برفقته عشرون شخصا وأتموا مراسيم الزواج على مرأى من الجنود القساة والمتوحشين.

          لقد قام الجندي (يهودا شاؤول) بتنظيم معرض يقدم فيه الجنود الذين أنهوا الخدمة على الحواجز, وصحا ضمير بعضهم وقدموا, صورا وحكايات مما شاهدوه وعاشوه, وبما ساهموا فيه على كل هذه الحواجز.

          المعرض في تل أبيب, ويحمل مغلفات تحمل شهادات من الجنود, بعضهم رفض ذكر اسمه, وقال منظم المعرض: (لقد قررنا إنه لا يمكن الصمت, يجب أن نقول للآباء والأمهات ماذا يجري لأبنائهم في الخليل, وكيف تحولنا هناك في الخدمة النظامية إلى أناس من دون ضمير, لقد قررنا التحدث, ورواية ما حدث, الخليل ليست قائمة على كوكب آخر, إنها على بعد ساعة من القدس, لكنها بعيدة عن تل أبيب مسافة سنوات ضوئية, ولذلك قررنا إحضار الخليل إلى تل أبيب, وما بقي هو أن تحضروا, تشاهدوا, تستمعوا, كي تفهموا ما الذي يحدث هناك).

 

توفيق أبو بكر   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات