البرنامج النووي الإيراني والمتغيرات في أمن الخليج

البرنامج النووي الإيراني والمتغيرات في أمن الخليج
        

          مثلما أثارت تجربة إطلاق الصاروخ الإيراني متوسط المدى (شهاب 3), الذي يصل مداه إلى 1300 كيلو متر في أواخر شهر يوليو 1998م. ردود فعل دولية وإقليمية واسعة النطاق, فإن ردود الفعل - الإسرائيلية والأمريكية - كانت أكثر حدة بعد التجربة الإيرانية على صاروخها (شهاب) متوسط المدى, بعدما أجرت عليه عدة تعديلات فنية.

          وتنطلق المخاوف الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء, من أن جهود تطوير الصواريخ الباليستية متوسطة المدى التي تقوم بها إيران, تأتي كنشاط مكمل للجهود الإيرانية لامتلاك السلاح النووي. وبالتالي فإن امتلاك إيران صواريخ باليستية قادرة على حمل رءوس نووية يمكنها الوصول إلى إسرائيل, أمر يمكن - من وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية - أن يهدد الأمن الإسرائيلي, أو على الأقل يضعف من قدرة الردع العسكري الإسرائيلي مستقبلا.

          أما على الصعيد الإيراني, فقد اعتلت نبرة حدة التحذير الإيراني لإسرائيل من محاولتها ارتكاب أي حماقة غير محسوبة منها - أي إسرائيل - إزاء المنشآت النووية الإيرانية, أو الإضرار بمصلحة الشعب الإيراني العليا.

          والسؤالان اللذان يطرحان نفسيهما علينا الآن هما: ما حقيقة القوة الصاروخية لإيران? وهل بإمكان إسرائيل القيام بتوجيه ضربة وقائية مفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية? الإجابة عن هذين السؤالين تدعونا إلى التجوال بين صفحات الكتاب الصادر أخيرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب, ضمن سلسلة الألف كتاب الثاني بعنوان (البرنامج النووي الإيراني والمتغيرات في أمن الخليج) والذي قام بتأليفه كل من اللواء د.ممدوح حامد عطية واللواء د.عبد الرحمن رشدي الهواري واللواء د.محمد جمال الدين مظلوم وبمراجعة الأستاذ جلال عبدالفتاح.

          تشير بعض التقارير الإيرانية إلى أن هناك ما لا يقل عن 100 منشأة على الأقل من مختلف الأحجام تعمل في مجال الإنتاج الصاروخي, وتضم هذه المنشآت عدة آلاف من الفنيين والعمال, وهناك في واقع الأمر شقان رئيسيان في مجال تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية.

          الأول : يتمثل في إنتاج منظومات صاروخية بالتعاون مع الصين لتطوير طراز من الصواريخ وإنتاجها يتراوح مداه بين 800 - 1000 كيلومتر, وتمكنت إيران من خلال هذا البرنامج من إنتاج عدة طرز من الصواريخ أبرزها (سكود - ب) و(عقاب).

منظومة صاروخية

          أما النوع الثاني, فيتمثل في إنتاج منظومات صاروخية بالتعاون مع كوريا الشمالية ويتم في هذا الإطار التركيز بصفة خاصة على عمليات تطوير وإنتاج الصاروخ (سكود-ب) الذي تنتجه كوريا الشمالية بكميات ضخمة, كما ساعدت كوريا الشمالية - أيضا- في عمليات تطوير الصواريخ الإيرانية الأخرى وإنتاجها مثل الصاروخ (شاهين 1), (شاهين 2) ومع ذلك, فان عمليات التعاون بين إيران وكوريا الشمالية في هذا المجال كانت أقل حجما وأضيق نطاقا من عمليات التعاون بين إيران وكل من روسيا والصين, استنادا إلى أن كل المنظومات التسليحية التي تنتجها كوريا الشمالية تعتبر في جوهرها نسخا أولية من المنظومات التسليحية السوفييتية القديمة المنتمية إلى عقود الخمسينيات والستينيات, وهو ما لم يكن يتجاوب تماما مع الاحتياجات الإيرانية, لكن إيران حرصت مع ذلك على مواصلة التعاون مع كوريا الشمالية في المجال الصاروخي, على اعتبار أن ذلك يوفر بديلا معينا لتغطية بعض الاحتياجات التسليحية الإيرانية .

          ولذلك اعتمد برنامج الصاروخ (شهاب 3) على تكنولوجيا روسية وصينية وألمانية وكذلك من كوريا الشمالية, حيث حصلت إيران من روسيا على خبرة التصميم الأساسي وتصنيع عناصر الصاروخ (شهاب 3), كما حصلت من الصين على تكنولوجيا الوقود الصلب وأجهزة الجيرو سكوب وتكنولوجيا بناء واختبار التوجيه. وتشير بعض التقارير الغربية إلى أن الصاروخ شهاب 3, لا يمثل أقصى الطموحات الإيرانية في مجال تطوير الصواريخ الباليستية وإنتاجها, بل إن إيران تسعى إلى إنتاج طراز جديد من الصواريخ الباليستية باسم (شهاب 4) يكون جاهزا للعمل في الخدمة الفعلية في أوائل القرن الحالي, وسوف يكون سلاحا استراتيجيا رادعا شديد الخطورة, حيث يمكن أن يزيد مداه إلى أكثر من 2400 كيلو متر عند تزويده برأس حربي تقليدي ثقيل, بينما يمكن أن يزيد المدى على ذلك كثيرا في حالة تحميله برءوس تقليدية أو غير تقليدية أخف وزنًا.

          وسوف يكون هذا الصاروخ بمنزلة تطوير للصاروخ الروسي الاستراتيجي (سي-سي-4) الذي كان أول طراز من الصواريخ الباليستية عابرة للقارات التي تدخل في صفوف القوات السوفييتية في الخمسينيات. وثمة مؤشرات عدة على أن إيران حصلت بالفعل على العديد من مكونات هذا الصاروخ من روسيا بالرغم من النفي الروسي لذلك. وفي ظل احتمالات تعرض إيران لعدوان أمريكي أو إسرائيلي, تتحسب إيران كثيرًا من احتمالات تعرض موقع إطلاق الصواريخ أرض- أرض للضرب, ولذلك سعت القوات المسلحة الإيرانية منذ عام 1994م إلى زيادة مواقع الصواريخ أرض - أرض إلى أربعة مواقع بدلا من موقع واحد تتمركز في الساحل الجنوبي الغربي لإيران وتستخدم في تخزين الصواريخ, كما أقامت إيران أنفاقا سرية على ساحل الخليج لنصب صواريخها الباليستية بعيدة المدى, ولاسيما الصواريخ (سكود) من طرازي (بي) و(سي), كما يمكن أن توضع فيها - أيضا - صواريخ (نود ونج) وشهاب 1 و2 و3.

          ومن المعتقد أن إيران استفادت من تجربة العراق في حرب الخليج في مجال إطلاق الصواريخ أرض - أرض, حيث كان العراق قد بنى عددًا من المخابيء الصاروخية المحمية بعضها بقي فارغا في حين أخفي البعض الآخر في شاحنات تخرج من مخابئها وتقوم بإطلاق الصواريخ, وتعود بسرعة وفي ظلمة الليل تتحرك الشاحنات إلى ملاجئ أخرى.

          وبالتالي, فإن برنامج تطوير الصواريخ الباليستية يحتل مكانة محورية في جهود البناء العسكري الإيراني, ولا تقتصر أغراض هذا البرنامج على مجرد الدفاع والردع ولكنها تمتد إلى محاولة إيران تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية من خلال امتلاك قدرات فعالة للردع الاستراتيجى.

مخاوف إسرائيلية

          بدأت إسرائيل عقب حرب تحرير الكويت عام 1991, تضع إيران في المرتبة الأولى كقوة رئيسية تهددها في المنطقة بعد أن تلاشى الخطر العراقي, وقد أعطت السياسة الإسرائيلية في هذا السياق تركيزا بارزا لما وصفته بـ (رغبة إيران في أن تصبح, ليس فقط قوة إقليمية, ولكن أن تصبح القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة) كما تم إعطاء عناية واضحة لما وصفه المحللون الإسرائيليون بالمسعى الإيراني لقيادة الجهاد الإسلامي المضاد لإسرائيل. وفق هذه الرؤية, ركزت إسرائيل على التطورات التسليحية الإيرانية, خاصة ما يتعلق بالتسليح النووي, وترى أن إيران اتجهت نحو تحقيق قدرة نووية ما, سواء من خلال التصنيع الوطني أو من خلال الاستيراد من جمهوريات آسيا الوسطي, مما يزيد من مخاطر الهجوم النووي الإيراني في المستقبل ضد إسرائيل.

          وفي ضوء هذه التطورات, تبنت القيادة الإسرائيلية على ما يبدو استراتيجية متكاملة في مواجهة إيران ارتكزت على ثلاثة محاور رئيسية:

          المحور الأول: في الضغط المكثف على الولايات المتحدة والقوى الغربية لتقليص الخطر الإيراني في المجال النووي, وانطلقت السياسة الإسرائيلية في هذا الصدد من أن إيران يمكنها الحصول على القنبلة النووية مع بدايات القرن الحادي والعشرين, ودفعت الولايات المتحدة لاتخاذ مواقف أكثر تشددا تجاه إيران.

          المحور الثاني: يتمثل في التحذير الإسرائيلي - طبقا لوجة النظر الإسرائيلية - من الإرهاب الذي تمارسه وتدعمه إيران على امتداد الشرق الأوسط والعالم العربي.

          أما المحور الثالث: فهو ينطلق من التهديد الإسرائيلي بأنها قد تضطر إلى التصرف منفردة لمنع إيران من أن تصبح قوة نووية, ما لم يتدخل الغرب في هذا الأمر, واستند الموقف الإسرائيلي في هذا الشأن إلى أن عدم التدخل لوقف النشاط النووي الإيراني, قد يتيح للقيادة الإيرانية فرصة امتلاك أسلحة نووية قادرة على الوصول إلى إسرائيل مع بداية القرن الحادي والعشرين, ما يشكل تهديدا لـ (وجود إسرائيل) ذاته, وتعول اسرئيل على ضرورة وجود موقف أمريكي ودولي مؤيد ومشارك لها في جهودها لتحجيم إيران.

          وبالرغم من التهديدات الإسرائيلية الموجهة إلى إيران فإن هناك العديد من المحاذير التي تحيط باحتمالات حدوثها, لعل أبرزها أن البرنامج الإيراني نفسه, مازال في مراحله الأولى, علاوة على أن المجتمع الدولي ليس مهيأ لعمل عسكري ضد إيران.

          أضف إلى ذلك أن إسرائيل لابد من أن تتحسب لاحتمالات التعرض لردود أفعال انتقامية واسعة النطاق من جانب إيران حال إقدامها على توجيه ضربة ضد الأهداف الحيوية الإيرانية, إذ إن اتجاه إسرائيل نحو تنفيذ أي عملية هجموية ضد إيران قد يؤدي إلى نشوب مواجة مفتوحة بين الجانبين, خاصة أن الجانب الإيراني لديه من الأوراق التي يمكن أن ينفذ بها أعمالاً انتقامية واسعة النطاق ضد إسرائيل على المستويين العسكري والسياسي, وبالتالي هناك محاذير من إقدام إسرائيل على تنفيذ هذه الخطوة منفردة.

          غير أن العلاقات العسكرية الإسرائيلية الوطيدة بتركيا, تمكن إسرائيل من شن هجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية من داخل تركيا قبل أن تتمكن إيران من اكتساب القدرة على صنع القنبلة النووية.

          فقد نشرت (كريستيان ساينس مونيتور) تقريرًا في الثالث عشر من يوليو 1998م عن أن إسرائيل تبني قاعدة عسكرية جوية سرية شرق تركيا ستخصص للطيارين الإسرائيليين, الذين أصبح بإمكانهم استخدام المجال الجوي التركي بموجب اتفاق فبراير 1996م.

          وذكرت صحيفة تايمز (TIMES) البريطانية, أن مسئولين إسرائيليين أكدوا تقرير النشرة البريطانية, وقالت إن خبراء المخابرات الإسرائيلية يعتقدون أن إيران لديها إمكانات الصواريخ الباليستية التي يمكنها ضرب إسرائيل, وأنها ستكون قادرة على بناء أول قنبلة نووية بحلول عام 2005م.

          وقد ازدادت المؤشرات على إمكان إقدام إسرائيل على توجيه ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية بالتعاون مع الولايات المتحدة ومن أجل ذلك قامت كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ الإجراءات التالية:

          1- تكثيف أعمال التشاور والتنسيق مع القوات الأمريكية والمسئولين الأمريكيين المعنيين بقضايا التسليح النووي الإيراني وجرى الاتفاق بين الجانبين على تنفيذ عمليات تدريبية مشتركة, كما جرى اتفاق - أيضا - على بدء تحضيرات أولية لتنفيذ هذا المخطط حالة حدوث أي تطورات في الموقف السياسي العسكري الإيراني, أو في حالة ازدياد المؤشرات الدالة على اقتراب امتلاك إيران السلاح النووي.

          2- المضي قدما نحو تنفيذ مبادرة الدفاع الاستراتيجي الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة والتي ستحقق لإسرائيل خلال بضع سنوات القدرة على الدفاع السلبي والإيجابي ضد أخطار أسلحة الدمار الشامل, والتي ستقنع الطرف الآخر بأن استخدام هذه الأسلحة ضد إسرائيل لم يعد أمرًا مجديًا.

          3- كما قامت إسرائيل بتطوير النظام الصاروخي المضاد للصواريخ الذي يعتمد على الصاروخ (حيتس), بمساعدة مالية وفنية من الولايات المتحدة الأمريكية, وصواريخ (باتريوت) للدفاع الثابت والمتحرك , مع الاعتماد على قمر الإنذار (أفق 3) بالتعاون مع أقمار الإنذار الأمريكية.

.. وضغوط أمريكية

          عقدت في موسكو في أواخر عام 1995م اجتماعات اللجنة الروسية - الأمريكية, والتي تم خلالها بصفة خاصة بحث موضوع العقد المبرم بين روسيا وإيران حول بناء المفاعل النووي الإيراني, وترى واشنطن أن بناء هذا المفاعل ليس إلا ستارًا من الدخان يحجب الهدف الأساسي من بنائه, ألا وهو رغبة إيران في صنع قنبلة نووية (Atomic Bombs) ولذلك تقوم واشنطن بممارسة ضغوط غير مسبوقة على روسيا يمكن أن تستخرج مواد يستفاد منها في تحقيق ذلك, حيث يتطلب الأمر تكنولوجيا عالية جدا وأموالا باهظة للغاية وعشرات من السنين.

          أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي, فقد اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون سلسلة من الخطوات التي من شأنها زيادة العزلة التي تعيشها إيران وتقوية العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها, والتي قد تؤدي إلى خنق الاقتصاد الإيراني, فهذه الخطوات قد تكون ذات أثر كبير على الأحداث في دولة مثل إيران.

          وفي الوقت نفسه, فإن إصرار الولايات المتحدة على استمرار سياسة الاحتواء التي تفرضها على إيران يزيد من استمرار المساعي الإيرانية في تطوير برنامجها النووي. بالإضافة إلى ذلك فقد هددت الولايات المتحدة بقطع المساعدات التي تقدمها إلى روسيا إذا ثبت قيام موسكو ببيع تكنولوجيا نووية إلى إيران بصورة متعمدة.

          وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى في شهادته أمام مجلس النواب, إن واشنطن ستلجأ إلى تطبيق قانون دعم الحريات بمجرد بيع التكنولوجيا النووية إلى طهران. وبموجب هذا القانون, فإن الإدارة الأمريكية ملزمة بقطع مساعدتها عن أي دولة تبيع تكنولوجيا من شأنها مساعدة دولة أخرى في إنتاج أسلحة نووية.

          ومن ثم هل تستطيع إسرائيل, وبمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية النيل من المنشآت النووية الإيرانية ومصالحها الحيوية? خاصة بعد وقوع إيران بين فكي الكماشة الأمريكية في أفغانستان والعراق? هذا ما ستجيب عنه الأحداث المقبلة.

 

اللواء د. ممدوح حامد عطية / اللواء د. عبدالرحمن رشدي الهوارى / اللواء د. محمد جلال الدين مظلوم   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات