حكاية العود

  حكاية العود
        

انْتَشيْ العُودُ وَ غَنَّى لِلْقَمَرْ فَتَجَلى البِشْرُ مِنْ قَلْبِ الوَتَرْ(1)
وَعَلَيْ طِيبِ حِجَازٍ حَالِمٍ حَمَلَ الأشْوَاقَ صَوْبَ المُنْتَظَرْ(2)
وَ مَعَ الرَصْدِ رَشَفْنَا المُعْتَصَرْ والنَهَاوَنْدُ اقْتَضَيْ حَلُّ الأُزُرْ(3)
وَ أنَا فِي حُضْنِِ بَدْرٍ مُنْبَهِرْ رَفْرَفَ الطَيْرُ فَأعْيَاهُ المَفَرْ(4)
وَ تَعَجَبْتُ لِعُودٍ كَيْفَ يَشْـ ـدُو بِحُضْنِِ غَيْرِ مَشْبُوبِ البُكُرْ!(5)
قَالَ لِي: (إيَّاكَ أنْ تُبْدي قِيَا سَاً لأمْرِي: ضَلَّ مَنْ قَاسَ البَشَرْ!)(6)
(ثَمَّ أمْر صَاغَ مِنِّي مُخْلِصَاً مُذْ رَضِعْتُ العِشْقَ مِنْ صَدْرٍِ الشَجَرْ,(7)
قَدَرِي فِي حُضْنِ لَيْلَى, حَيْثُمَا دَغْدَغَتْ أوْتَارَ قَلْبٍ مُنْفَطِرْ,(8)
أغْتَدي طِفْلاً رَضِيعَاً بَاحِثَاً عَنْ حَلِيبِ الشَهْدِ فِي عِزِّ الزَهَرْ(9)
عِنْدَهَا أحْيَا بِحَالٍ مُرْهِصٍ وَمقَامٍ فَاقَ فَيَّاضَ الفِكَرْ(10)
فَأنَا عُوْد طَرِيٌّ تَارَةًً وَ مَعَ الأخْشَابِ تَارَاتٍ أُخَرْ(11)
وَ لِهَذا جُزْتُ أحْضَانَ القَمَرْ أشْتَكي أمْري لِوَهَّابِ المَطَرْ)(12)
------------------------------
* حدث في الحلم حقاً أن تحاورت مع آلة العود, فقلت لهُ: (ما الذي يجعلك تتعرض يا أخي لسيادة عزف الرجال عليك, دون النساء?) أجاب: (اتق الله يا أخي, كيف يمكنني الخضوع في آن واحد: لحال ومقام متناقضين?, هل تتصور ما الذي ينتابني عندما أتحول, أنا الخشب العتيق المجرب, إلى طفل رضيع عندما تحضنه امرأة وتقوم باللعب على أوتار قلبه المنفطر?! علماً بأن هذا الحضن تعلوه صلة الرضيع بأمه).

(1) التجلي: ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب.
(2)  حجاز: مقام الحجاز في السلم الموسيقي العربي.
(3)  الرصد والنهاوند: مقامان آخران من مقامات الموسيقى العربية. المعتصر = خمر الحب.
(4)  البدر: بداية السبيل نحو المعشوق.
(5)  البُكُر: الحسان العذارى.
(6)  القياس: هو الذي أضل إبليس عندما ميز ذاته عن آدم عليه السلام.
(7) العشق: مقام حب متقدم, ويجسد إفراطاً في المحبة, وفي هذا الصدد يقول الشيخ العارف بالله محيي الدين بن عربي: (فإذا عم الحب الإنسان بجملته وأعماه عن كل شيء سوى محبوبه, وسرت تلك الحقيقة في جميع أجزاء بدنه وقواه وروحه, وجرت فيه مجرى الدم في عروقه ولحمه, وغمرت جميع مفاصله, فاتصلت بوجوده, وعانقت جميع أجزائه جسماً وروحاً, ولم يبق فيه متسع لغيره.. حينئذٍ يسمى ذلك الحب عشقاً) (الفتوحات المكية ).
(8) القدر: خروج الممكنات من العدم إلى الوجود, واحداً بعد واحد مطابقاً للقضاء ( الشريف الجرجاني, كتاب التعريفات), ليلى: هي المعشوقة الموصلة للحقيقة الأعلى.
(9) في حضن الحبيب ليس للعود إلا أن يتطلع نحو صدر ليلى طلباً للشهد المتشكل في عز الربيع.
(10) مرهص الحال: كون العود مصنوعًا من خشب عتيق مميز. المقام الفائق: العودة إلى اخضرار خشب العود بتأثير احتضان المعشوق له.
(11) يخضر العود وهو في أحضان الحبيبة, وتتغاير أشكال صلابته الخشبية بين عازف عليه وآخر.
(12) وهاب المطر: هو الله العلي القدير.

 

عدنان مصطفى   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات