سونتة شكسبير.. بين الترجمة الشعرية والنثرية
سونتة شكسبير.. بين الترجمة الشعرية والنثرية
من خلال ترجمتين لعمل أدبي واحد, يثير الكاتب قضية ترجمة الشعر نثرًا أو نظمَا. نشرت منذ فترة قريبة مجموعة من الترجمات لقصائد من الشعر الإنجليزي مختارة من أزمنة مختلفة تحت عنوان (إذا وقصائد أخرى), وقد كان استقبال الصحافة والقرّاء لتلك المجموعة مشجعًا للغاية. وكنت قد ذكرت في مقدمة تلك المجموعة أنني قد أحاول أن أعد مجموعة ثانية وذلك لاطلاعي على كثير من القصائد الإنجليزية الجميلة التي كنت أحسبها ستحظى باهتمام القارئ العربي حتى وهي في شكلها المترجم. في المجموعة السابقة كانت هناك إحدى عشرة قصيدة مترجمة في قالب شعري وأربع عشرة قصيدة في قالب نثري. أما في المجموعة الجديدة التي آمل أن تنشر قريبا, فالترجمات نثرية, ما عدا قصيدتين ترجمتهما شعرًا بيتيًا (أو عموديًا) هما (السونتة 18) لشكسبير, و(وداعا) لآن برونتي وثلاث قصائد ترجمتها شعرًا تفعيليًا هي (حب بلا مثيل) لروبرت جريفز و(نشيد المقاومة الفرنسية) لليو ماركس, و(تغيير نظام) لأندرو موشن. وأنا في العادة أترك نفسي على سجيتها عند اختيار الشكل. وترجمة الشعر شعرا تحتاج بالقطع إلى شاعر كما يتطلب الأمر أن يكون الشاعر متفاعلا مع النص الأصلي كي لا تكون الترجمة نظما لا تنبض فيه روح الشعر. وفي كل الأحوال لكي تكون الترجمة موفقة ينبغي أن يكون المترجم متقنا للغتين, ومطلعا على بيئة الشاعر الذي يترجم قصيدته, وملما بالثقافة والحضارة التي ينقل عنها. واللغة الإنجليزية لغة أتعامل بها بشكل يومي منذ أكثر من نصف قرن تماما كالعربية. والشعراء الذين في المجموعة هم من بريطانيا وأيرلندا وأمريكا والهند وهي بلدان عرفتها عن كثب, بل عشت في بعضها سنوات طويلة. والترجمة النثرية تكون في العادة في نظري أقرب إلى النص الأصلي من الترجمة الشعرية التي قد تضحي ببعض الدقة في الالتزام بالأصل, ولكنها تكتسب بعض جماليات الشعر مثل موسيقى الوزن, ولكي يقارن القارئ بين النوعين من الترجمة أقدم بعد هذه المقدمة ترجمة نثرية لقصيدة شكسبير السونتة 18 (ولعلها أشهر سونتة في الأدب الإنجليزي في جميع عصوره) تتبعها ترجمة شعرية للقصيدة نفسها. ولا يخفى على القارئ أنه من الممكن أن تكون هناك ترجمات شعرية كثيرة للقصيدة نفسها مختلفة باختلاف المترجمين, وقد تستعمل أوزانًا مختلفة, كما يمكن أن تكون هناك أكثر من ترجمة نثرية. بل إن المترجم نفسه قد يقوم بأكثر من ترجمة تختلف حسب مزاجه وتفاعله مع النص عند القيام بالترجمة, وإذا كانت ترجمات شعرية, فربما استخدم أوزانًا مختلفة. أما بخصوص أهمية البيئة الجغرافية للشاعر, فيكفي أن يلاحظ القارئ - على سبيل المثال - كيف أن شكسبير فكر بمقارنة فتاته الجميلة بيوم صيفي وذلك لجمال الصيف في بلاده إنجلترا الباردة المناخ, حيث يفرح الإنجليز بظهور الشمس التي تجلي عنهم الضباب (وما زلت أتذكر تماما كم كنت أفرح بالأيام المشرقة الدافئة والنادرة في فترة الدراسة الجامعية الأولى في إسكوتلندا في مطلع الستينيات من القرن الماضي). بينما لو شبه شاعر في بلد كالإمارات حبيبته بيوم صيفي لخطر لها أنه يقصد هجاءها السونتة 18 هل أقارنك بيوم صيفي السونتة 18
|