الهوميوباثي أو العلاج التجانسي

 الهوميوباثي أو العلاج التجانسي
        

نظام طبي يعتمد على (داوِني بالتي كانت هي الداءُ)

          بالرغم من كثرة المبالغات وتحوّل ممارسات الطب البديل إلى تجارة إعلامية ودجل غير علمي في كثير من الأحيان, فإن المعرفة واجبة لبعض من حقول هذا الطب خاصة عندما يقدمها عاملون بالعلم والطب.

          الطبيب الألماني صمويل هانمن (1779-1843) الذي كان منكبّا على ترجمة العديد من كتب الطب والصيدلة للغة الألمانية, ونقل ما يزيد على 12 ألف صفحة إلى لغته الأم. أثناء ترجمته لكتاب cullins materia medica اتضح له تأثير نبات السنكونا في علاج مرض الملاريا (البراد), فعزم في خطوة خطيرة ومبتكرة على أن يجرب تأثيره على الجسم الإنساني السليم, فتناول عقار السنكونا بجرعات كبيرة, وبعد ساعات قصيرة ظهرت عليه علامات الإصابة بالملاريا, فكانت هذه التجربة هي البداية الحقيقية لعلم العلاج التجانسي. بعد سنوات عدة ألّف د. هانمن كتابه الشهير (أسس فن الشفاء) والذي بث فيه مفهومه للعلاج التجانسي, وطرح الحلول لعدد من الأمراض التي كانت ولاتزال مستعصية على الطب الحديث.

القوانين الأربعة

          يعتمد العلاج التجانسي على تنشيط الأعراض المرضية, فيعالج المرض بما يجانسه من الأعراض, ويلاحظ أن مفهومه قريب من مفهوم اللقاحات, وقد لخّص د. هاتمن القواعد التي يعتمد عليها العلاج التجانسي بأربعة قوانين:

          1- قانون التجانس.

          2- قانون توجيه العلاج (قانون الإثبات).

          3- قانون العلاج بالدواء المفرد.

          4- قانون الجرعة الأقل.

          فالمداواة التجانسية تستعمل لعلاج الأمراض المزمنة والحادة على حد سواء. إذ إن المريض يعتبر وحدة كاملة, ويركّز على مستوى خلله البدني والعاطفي والنفسي من أجل محاولة استبعاد الخلل غير الطبيعي, لأن هذه الاعتلالات ما هي إلا طريقة يعبر بها الجسم عن حال من عدم التوازن, فالعلاج التجانسي يهدف لإعادة التوازن إلى المستويات الثلاثة بتحريك قوة المدافعة وتقويتها.

          تتشكل الوصفات العلاجية من خلطات مستخرجة من الأعشاب والنباتات البرية وبعض المواد الحيوانية والكيميائيات الطبيعية, مع محاولة التركيز على تعاطي علاج واحد.

          كما عرفنا الطب التجانسي يتعامل مع الفرد كوحدة تامة, فيركز على قراءة خصائص وصفات الفرد بشكل محدد, وعادة ما يطرح المعالج التجانسي عددًا من الأسئلة المتنوعة, وذلك بهدف رسم خريطة كاملة عن حال الجسم في كل مستوياته, وأثناء ذلك يحاول ملاحظة تصرفات المريض وردود فعله.

          كثيرة هي الأسئلة التي تطرح على المريض, والتي تختلف باختلاف المعالج والمدرسة التي ينتمي إليها. ومن هذه الأسئلة نذكر: ماهية المرض, متى يشعر المريض بالمرض? ما الطقس المناسب للحال المريحة للمريض? ما أنواع الطعام التي يفضلها المريض, وبالمقابل الأطعمة التي تزيد من سوء الحالة? يطلب من المريض أن يتحدث عن عواطفه وعلاقاته بالمجتمع, ما الذي يشعره بالتحسن ومتى?  وكيفية نوم المريض.

          لتفسير قانون التجانس يمكن الاستعانة بمثل بسيط: لو أخذت البصل مثلا ثم قمت بتقشيره وتقطيعه, فلابد من أن تدمع عيناك وتعطس ويسيل أنفك, كذلك تشعر كما لو كنت مصابا بالزكام! ومنها  أنك لو شعرت بتلك الأعراض وأنت مصاب بالزكام فإن وجبة محددة من البصل سوف تزيد من قوة جسمك الدافعة وتطرد البرد والزكام منك بحول الله. أما القانون الثاني فهو يتعلق بتجربة الدواء وتحديد تأثيره العلاجي بشكل مدروس, بحيث تبرز الأعراض بشكل خفيف, مما يحرك النظام الدفاعي للجسم ضد مسببات المرض المستترة. كما أن القانون الثالث يركز على مبدأ المعالجة بمادة واحدة حسب الاستطاعة. وحسب القانون الرابع يتم تحضير الدواء بطريقة خاصة حيث نجد المحلول الدوائي قليل التركيز ذا تأثير دوائي قليل, بينما نجد أن للمحلول الدوائي المخفف جدا تأثيرا دوائيا مرتفعا جدا, وعلى هذا الأساس, فإن الدواء ذا التأثير الأقوى يحتوي على جزء معتبر من المادة الفعّالة. وبالتالي فلا يتوقع أن يصاحب العلاج أي تأثيرات جانبية أوحتى سميّة!!

          لقد قام عدد من العلماء ولايزالون بدراسة هذا النوع من الطب, لمعرفة كيفية عمله, ولكن لا توجد حتى الآن نظرية محددة وقاطعة تفسر ميكانيكية عمل الطب التجانسي, هذا على الرغم من الخبرات البشرية المتراكمة منذ منتصف القرن السابع عشر, فهو يعتمد في العلاج على مادة واحدة في الغالب مع تناولها بشكل مخفف جدا, وهذا ما يتناقض مع قوانين الصيدلة الأساسية, فهناك علاقة مباشرة بين التأثير الدوائي والجرعة المستخدمة.

          البعض يطرح تفسيرًا قد يكون مقبولا, وهو أن طريقة عمل العلاج بالمثل تعتمد على الطاقة أو الذبذبات التي تخرج من المحلول المائي المخفف, وتعمل على مستوى طاقة محدد في جسم الإنسان, لكنها تبقى مجرد نظرية لم تثبت بعد. لكن الحقيقة التي يجب أن نؤمن بها هي أن المريض لا يهمه طريقة عمل الدواء بقدر ما يهمه فعاليته, وهذا ما يجب أن تركز عليه الجهود خلال الفترة القادمة.

انتشار عالمي

          تسارع انتشار هذا النوع من الطب في العديد من دول العالم خلال السنوات القليلة الماضية, ويتركز خاصة في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة والهند وبريطانيا, وحظي باعتراف السلطات الصحية في هذه البلدان, حيث أصدرت أغلب هذه الدول دستورًا لأدوية الهوميوباثي الخاص بها, كما يوجد عدد من الاتحادات الإقليمية والدولية التي تشرف على نشاطات الهوميوباثي, ويأتي على رأسها الاتحاد العالمي للهوميوباثي, والذي تشارك في مؤتمراته أكثر من 35 دولة حول العالم, بالإضافة إلى منظمة الصحة العالمية.

          في أوربا توجد العديد من المستشفيات والعيادات الخاصة بالعلاج بالهوميوباثي التي تتعامل مع عدد من الجامعات المرموقة وأطبائها في الدراسات الإكلينيكية, وفي فرنسا وحدها يوجد أكثر من  18000 عيادة 32% منها تتعامل مع أدوية الهوميوباثي والتي تصرف من 23000 صيدلية, وفي استبيان أجري عام 1992ظهر أن 36% من الشعب الفرنسي استخدموا مرة واحدة على الأقل أدوية الهوميوباثي, أما في بريطانيا, فقد بدأت سلسلة صيدليات (بوتس) الشهيرة الاتجار في أدوية الهوميوباثي منذ سنوات قليلة, أما صيدليات (Ainsworth) فتخصصت في أدوية العلاج بالمثل منذ زمن طويل, كما أن أشهر وأكبر مستشفى حكومي يتعامل بالعلاج التجانسي يقع في شارع (آرموند العظيم) وهو مستشفى لندن الملكي للعلاج بالمثل, الذي أسسه الطبيب الإنجليزي فردريك كونا 1849م. ومن العجيب أنه يوجد ببريطانيا حاليًا أربع جمعيات مهنية خاصة بالعلاج بالمثل, إحداها متخصصة في الأسنان فقط, أما مدينة (بارليمنت), فأنشئت فيها كلية للعلاج بالمثل منذ عام 1950 تخرج فيها حتى الآن أكثر من 1600 متخصص, ولكن أكبر شركة دوائية متخصصة في الهوميوباثي على مستوى العالم هي شركة بوارون الفرنسية والتي تتخذ من مدينة ليون مقرّا لها.

كلمة أخيرة

          لاشك في أن العلاج التجانسي ليس السبيل الوحيد للشفاء من المرض, فهنالك العديد من الطرق والوسائل, ولكن هذا الأسلوب المبتكر والخلاق يفتح آفاقًا واسعة لبني البشر لاكتشاف ذواتهم ومداواتها أولاً قبل مداواة أمراضهم! فالصحة تاجٌ يصعب الحصول عليه, فضلاً عن المحافظة عليه!!

 

عبدالرحمن بن سلطان السلطان   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




العلاج بأنواع شتى من المواد المتعلقة بأصل الداء





جرعات ضئيلة جدًا في سوائل أو أقراص شديدة التخفيف