هل نجحت ندوة العربي في تجسير الهوة المشارقية - المغاربية?

  هل نجحت ندوة العربي في تجسير الهوة المشارقية - المغاربية?
        

          أثارت الندوة التي نظمتها مجلة (العربي) خلال الفترة من 4 إلى 6 ديسمبر 2004 تحت عنوان (حوار المشارقة والمغاربة .. الوحدة في التنوع) العديد من النقاشات, وطُرحت خلالها أفكار وتساؤلات لاتزال مفتوحة. هنا نعرض وجهتي نظر للكاتب خليل علي حيدر والدكتور عبدالله هدية:

          شهدت ندوة (حوار المشارقة والمغاربة) التي نظمتها مجلة (العربي) جولات من حوارات شائقة بين نخبة من أساتذة الفكر والكتابة من دول عربية عديدة, صبت جميعها في محاولة تجسير بعض الخلافات الثقافية التي يرى البعض أنها قائمة وقوية بين ثقافة دول المشرق العربية.. ودول المغرب.

نقد المغرب للمشرق

          ومن أبرز القائلين باختلاف الثقافتين, مفكر المغرب الشهير محمد عابد الجابري, الذي انتقد اللغة العربية, وقال إنها (ليست لغة ثقافة وفكر), وأخذ على العقل العربي جموده, فـ (الثقافة العربية بوصفها الإطار المرجعي للعقل العربي, نعتبرها ذات زمن واحد منذ أن تشكلت إلى اليوم, زمن راكد يعيشه الإنسان العربي اليوم مثلما عاشه أجداده). وعن الفكر المغربي يقول: هنالك (حقيقة أساسية, حقيقة استقلال المدرسة الفلسفية في المغرب والأندلس استقلالاً تامًا عن زميلتها في المشرق), إذ (باستثناء التجربة الأندلسية فإن الزمن الثقافي العربي.. قد ظل هو هو, منذ عصر التدوين يجترّ نفسه). بل انتقد الجابري الكُتَّاب والأكاديميين المشارقة, كما أشار د. طيب تيزيني في ورقته, فقال إن (معظم الكتب التي تؤلف في المشرق هي دروس للطلبة يطبعها الأستاذ ليكمل ماهيته, أي أجرته أو راتبه الشهري, أما نحن في المغرب فلم نعتد على هذا).

          وقد حاول الأكاديمي المغربي د.كمال عبداللطيف في مقال له, التخفيف من حجم هذا الانقسام فقال: (إذا كان محمد عابد الجابري قد اتجه في منتصف سبعينيات القرن الماضي لبلورة أطروحة تتجه لترسيخ التقابل والاختلاف بين مشرق, يهيمن فيه وعليه فكر الغزالي وابن سينا, ومغرب تمنحه العقلانية الرشدية والواقعية الخلدونية خصوصية ترفع مكانته الرمزية في تاريخ الفكر الإسلامي في عصورنا الوسطى, فقد تم في نظرنا تفنيد هذا الموقف من أقطار عربية متعددة).

          ووسع وزير الخارجية الجزائري الأسبق د.أحمد طالب الإبراهيمي نطاق الملامة قائلاً: (هناك تساؤل كثيرًا ما يتردد على ألسنة المغاربة, وآمل أن يجد جوابًا من خلال هذه الندوة وهو: لماذا يعلم المغاربة عن المشرق أكثر مما يعلم المشارقة عن المغرب? في تقديري أن لهذه الظاهرة سببين: أولهما التصور الشائع والمحق بأن المشرق منبت الوحي وهو مصدر العروبة, وهو القلب السياسي والثقافي الذي يغذي الأطراف, ولا يُغذّى منها, وإلا فكيف نفسر افتقار الأيديولوجية العربية الإسلامية إلى مساهمة المغاربة من المعاصرين, كمالك بن نبي ومحمد عابد الجابري, وعبدالله العروي, وهشام جعيط, ومحمد طالب, ومحمد أركون? أما السبب الثاني, فيكمن في محتوى الكتب المدرسية التي تُحضّر للناشئة وتخصص للمختارات الأدبية والفكرية, فنجد في المغرب أن حصة الأسد أعطيت للمشارقة - على غرار ما فعل ابن عبد ربه الأندلسي في كتابه العقد الفريد - حيث إننا نقرأ لابن المقفع والجاحظ وابن حيان والبحتري والمتنبي والمعري في الأقدمين, ونقرأ للرافعي والحصري وطه حسين وشوقي والرصافي وإيليا أبي ماضي من المحدثين, بينما في الكتب المشرقية لا نجد إلا نادرًا ذكر أمثال ابن حزم وابن شهيد وابن الخطيب وابن دراج وابن زيدون وابن هانئ في الأقدمين, ولا ذكرًا عن ابن باديس وابن العربي العلوي وعلاّل الفاسي في المحدثين).

رسائل الشابي

          وقد ساهم د.جابر عصفور بشكل مهم في تفنيد التعالي الثقافي المشرقي, بعرض الرسائل التي تبادلها الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي (1909 - 1934) وصديقه محمد الحليوي, وتناولا فيها التوتر الثقافي بين المشارقة والمغاربة, فنرى الثاني يكتب للأول في نهاية يوليو 1929, تعقيبًا على ما كتبه (العقاد) عن الشعر في مصر, فيرى أن العقاد, يتعصب لأبناء قومه وتتغلب نزعة القومية على نزعة الصراحة.. ويقول إن (العاطفية والشاعرية من طبيعة الأمة المصرية), ويقول في الوقت نفسه مقرًا (إن مصر لم تنجب شاعرًا من غرار أولئك الشعراء الملهمين القائمين برسالة الحياة في هذا الكون). فبأي قولَيْهِ نأخذ? وما السبب في عدم ظهور شعراء في مصر إذا كانت هي أمة شاعرة?

          وفي رسالة ثانية إلى الشابي في 26 مارس من السنة نفسها يقول: إنني (أسخط وأحنق على الشرقيين عامة والمصريين خاصة, أولئك الذين لايزالون يحسبوننا من الهمج, فلا يرون لنا أي مزية, ولا يعترفون لنا بأي مكانة, ويسقطوننا من حسابهم, كما يسقطون من حسابهم زنوج إفريقيا وهنود أمريكا, بل ولا يعرفون بالضبط حتى موقع بلادنا من إفريقيا الشمالية).

          ودافع د.عصفور في الورقة نفسها عن المغاربة وإبداعهم الفكري قائلاً:(قارن مثلاً بين الإنجازات الفكرية في الخطاب الفلسفي للمغاربة, حيث يمكن للمنصف أن يلمح التقدم الذي لم يستطع أن يصل إليه بعض المشارقة من الذين لايزالون غارقين في أيام مصطفى عبدالرازق وعثمان أمين وأبو ريدة وزكي نجيب محمود وزكريا إبراهيم وغيرهم). وأضاف إن بعض المشارقة يتعللون بأوهام (الريادة) التي لم يفهموها كما ينبغي, (فالريادة عناء متصل ومناقشة مستمرة وسعي دائم للارتقاء وحوار بين أكفاء).

ندوة (التفقيط)!

          وتحدث باحث سعودي شاب, وهو حسين بافقيه, عن هجرة المثقفين الجزائريين إلى الحجاز: (فبعد أن أعلن الشريف حسين بن علي ثورته على الأتراك أيدتها فرنسا, وأرسلت وفدًا إلى الحجاز ضم عددًا من الجزائريين, كما أن نفرًا من الضباط الجزائريين كانوا قد رافقوا الشريف أثناء ثورته. وبينما اتجهت الثورة العربية الكبرى إلى الشام, كان الأمير عبدالقادر الجزائري (الحفيد) أول من رفع علمها في دمشق اتفاقًا مع الشريف حسين بن علي).

          وتناول الأكاديمي التونسي د.عبدالسلام المسدّي موضوعًا طريفًا, هو اختلاف المصطلح بين المشرق والمغرب. وقال إن المغاربة وضعوا لجهاز الفاكس اسمًا عربيًا هو (ناسوخ), التي انتشرت فيما بعد. كما وضعوا للكمبيوتر كذلك اسمًا عرف به هو (الحاسوب). وقد عرّب بعض أهل المغرب اسم الورقة البنكية فقالوا (الصك), ولكن جل أهل المشرق آثروا اللفظ الأجنبي فقالوا (الشيك). وقيل هنا (السوق المالية) وقيل هناك (البورصة).

          ومن طرائف ما ورد في ورقته أنه في يوم من الأيام جاء القائمون على التداول المالي إلى اللغويين يستفتونهم: هل يجوز أن نستعمل أداة الحصر (فقط) قبل محصورها, فنقول: (ادفعوا مقابل هذا الشيك فقط ألف دينار), ثم نؤكد الحصر المتقدم بحصر متأخر, فنضيف بعد كلمة دينار (لاغير).

          ويضيف المسدي: فتعاون هؤلاء وأولئك على تنظيم ندوة دراسية وجعلوا لها عنوانًا اقتبسوه من أداة الحصر, فكانت الندوة حول (التفقيط)!!

لماذا نتوجس من التعددية?

          أثارت الندوة كما هو متوقع الكثير من النقاش والمداخلات والأفكار. وقد وضح لي أننا بحاجة إلى المزيد من الكتب والملخصات التي تقدم لنا أفكار وأعلام وإنجازات مثقفي شمال إفريقيا والمغاربة. فأنت تستطيع الذهاب إلى أي مكتبة وشراء مجموعة من الكتب التي تلخص مثلاً حياة وإنجازات أدباء ومفكري مصر ولبنان وسورية والعراق, ولكن الشيء نفسه لا تراه ميسرًا لنا بالنسبة لمثقفي المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا, حياتهم وأفكارهم وأعمالهم.

          ووجدت نفسي كذلك أتساءل: لماذا ننفر من التعددية الثقافية في هذا (العصر الديمقراطي)? ما المخيف في أن تكون في ثقافة شمال إفريقيا العربية عناصر تختلف عنها في مصر وسورية والعراق والخليج? لماذا هذا الهوس السياسي الثقافي بتوحيد ودمج كل ما تصل إليه أيدينا, نحن الذين نكرر ليل نهار, محاولين عبثًا إقناع أنفسنا, بأن (في التعددية قوة)?

          ولقد لمست مما طرحه الكثير من المغاربة والجزائريين والتونسيين المشاركين في الندوة, أن طرحهم كان يحاول إرضاء الميول السياسية والثقافية السائدة في المشرق لا التعبير عن مصالح ورؤى أهل شمال إفريقيا بتجربتهم الثرية.

          هناك اليوم مثلاً جاليات شمال إفريقية في أوربا, وقوانين للأسرة في المغرب جديدة وتفاعلات وتجارب ديمقراطية, فلماذا لم يتناولها المغاربة في بعض أوراقهم?

          ثم أين الدروس التي استخلصها المغاربة من فشل المشارقة في جوانب عديدة من تجربتهم على امتداد نصف قرن?

          وأخيرًا, فأنت ترى في كتابات شمال إفريقيا روحًا شديدة العداء للغرب, أوربا وفرنسا خاصة وكذلك الولايات المتحدة, وهو عداء مفهوم الأسباب في ضوء التاريخ, ولكن هل هو مبرر ومفيد في ظل الواقع والمستقبل? كيف يمكن للديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية والانفتاح الحضاري وغير ذلك من المستجدات أن تزدهر في ظل مثل هذه (الثقافة الانتقامية)?

خليل علي حيدر
كاتب من الكويت

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات