هل نجحت ندوة العربي في تجسير الهوة المشارقية - المغاربية?

 المشرق والمغرب: أسباب التباعد والتقارب
        

          في تظاهرة ثقافية أخّاذة افتتحت مجلة (العربي) احتفالها الثقافي السنوي لعام 2004 في مساء الرابع من ديسمبر, بموضوع شائق ومهم للغاية -كما ورد على لسان د.سليمان العسكري - ألا وهو (حوار المشارقة والمغاربة).

          ولعل اختيار الموضوع - في حد ذاته - يدل على أن مجلة (العربي) الرائدة وهي تقوم بدور طليعي في مجال الثقافة, استشعرت أن هناك (أزمة) بين شرق الوطن ومغربه, وهي بذلك تعدّت الأزمات المحلية التي تحيط بكل دولة عربية والأزمات التي تعصف بالإقليم العربي في المشرق, وتعدت الأزمة العامة التي يعيشها الوطن العربي سواء في المشرق أو المغرب, واختارت أن تشخص أسباب التباعد بين المشرق والمغرب, وإن كان هناك تقارب, فالتباعد أشد وضوحًا وأكثر بروزًا, وإذا كان هذا التباعد له أسبابه التاريخية فإن (العربي) وهي تمارس دورها الطليعي تنبهت لهذه الأزمة المشرقية المغربية, وهي وإن كانت جزءًا من الأزمة العامة التي يمر بها الوطن العربي, فإنها تملك خصوصيتها القديمة في تاريخ هذا الوطن.

          والمتأمل في هذه العلاقة يلاحظ للوهلة الأولى أن المشرق يمارس في هذه العلاقة دور المركز, أو القلب الذي يمد الأطراف, بالدم والغذاء, ويوصد بابه - إلا ما ندر - أمام أي تدفقات فكرية وثقافية مستقاة من هذه الأطراف بالرغم من الإبداعات الفكرية والثقافية التي ابتدعها لفيف من أبناء المغرب العربي في كل فروع الثقافة ومجالاتها. ولا أعتقد - يقينًا - أن هذا تكبر من المشرق على المغرب أو استعلاء أجوف يمارسه الشقيق على شقيقه, وإنما تعزى هذه الظاهرة في تقديري إلى أسباب تاريخية خارجة عن الإرادة, غير أن ذلك لا يعني أن النظم العربية تعفي نفسها من مسئولية هذا التباعد. ولكن يبدو أن الأزمات التي تعصف بكل دولة سواء في المشرق أو المغرب جعلتها تنكفئ على نفسها وتنشغل في هموم يومها: نهارها وليلها لا أكثر ولا تمد بصرها إلى أكثر من ذلك وتمر الأيام والسنون والحال هي الحال والبعيد بعيد, والشتيت شتيت.

          وإذا حاول الباحث أن ينعم النظر في هذه الظاهرة وأسبابها, لعله يجد نفسه أمام أسباب متعددة ومتباينة بعضها خارجي, وبعضها الآخر داخلي, وإن كان البعض يميل إلى عدم تضخيم الأسباب الخارجية, إلا أنها أسباب حقيقية وفعالة وهي التي تفت في عضد الأمة العربية وتحول دون تلاحمها وشد بعضها بعضًا. وأحاول أن أجمل بعض الأسباب في نقاط أحاول بلورتها في خطوط رئيسية كالتالي:

          1 - خضع المشرق والمغرب - مع صعود الرأسمالية الأوربية وانتقالها من أسواقها الداخلية إلى الخارجية - لاستعمار شرس دام ردحًا طويلاً من الزمن, قام بتشويه الأبنية الإنتاجية لهذا الوطن, وحال دون تطوره الطبيعي في سياق التطور البشري, وشوه ثقافته وتعليمه وعطل التطور الطبقي والفئوي لهذه المجتمعات. وإذا كانت هذه هي السمات المشتركة لجل الدول العربية التي خضعت للاستعمار الأوربي, فإن الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي سعى إلى (فرنسة) هذه البلاد ثقافيًا واجتماعيًا ولغويًا.

          ولا نستطيع أن ننكر أن هناك من مفكري المغرب من كان يكتب بالعربية عبدالحميد باديس, مالك بن نبي, إلا أن الغالبية كانت تكتب بالفرنسية, بالرغم من شعورها العربي والإسلامي.

          2 - ارتبط المغرب العربي ارتباطًا ماديًا واقتصاديًا بفرنسا, بعد الاستقلال وكون مجموعة دول (الفرانكوفون) مع الدول الإفريقية الأخرى التي خضعت للاستعمار الفرنسي, حيث ربطت فرنسا هذه الدول بمجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والثقافية, وارتبط أبناء المغرب العربي بفرنسا ارتباطًا اقتصاديًا وثيقًا, حيث كان التوجه والبحث عن لقمة العيش في فرنسا, المستعمر القديم والحديث, حيث كانت الآمال تتحقق بالتيمم صوب فرنسا للعمل والإقامة وتحسين مستوى الحياة, ونادرًا ما اتجهت القوى العاملة في المغرب العربي إلى المشرق إلا منذ ربع قرن تقريبًا وإلى بلاد الخليج وكانت مجموعات صغيرة.

خفوت وصعود

          3 - خفتت دعوات العروبة والسفور بالوحدة العربية في المغرب, في حقبة الاستعمار الفرنسي, وإن كان لم يخفت بهذا القدر الشعور بوحدة المسلمين وتضامن البلاد الإسلامية, وتركزت دعوات العروبة والوحدة العربية في المشرق العربي وتكونت جمعيات متعددة في بلاد الشام كانت تدعو للعروبة, خاصة من المسيحيين العرب مثل (الجمعية العلمية) (1860) لبطرس البستاني وصولاً إلى أمين نخلة وقسطنطين زريق وميشيل عفلق الذي أسس مع بعض رفاقه في فرنسا (حزب البعث) وعقب نكسة فلسطين, تأسست (حركة القوميين العرب). ولا نستطيع أن نغفل مفكرين كبارًا من العراق دعوا للوحدة العربية أمثال (ساطع الحصري), وهكذا كانت معظم دعوات العروبة والوحدة العربية مركزة في المشرق العربي, بينما المغرب كان يحشد الطاقات للنضال ضد الاستعمار الفرنسي وتحرير الوطن, دون إحساس بالعروبة والعرب. وربما اكتسب المغرب خاصية أساسية في الكفاح ضد الاستعمار باعتبار أن الملك بنفسه كان يقود حركة الاستقلال والتحرر ضد الاستعمار الفرنسي, وكان محمد الخامس رمزًا لحركة التحرر من الاستعمار الفرنسي.

          لقد أحسنت (العربي) باختيارها لهذا الموضوع, فهي جديرة باسمها وسباقة في وضع إصبعها على جراح هذه الأمة لطلب الشفاء, والالتئام لها في زمن التقاعس والتردي.

د. عبدالله هدية
جامعة الكويت