في إطار كتابه القيم في تاريخ الكرتوغرافيا بعنوان (الخرائط العربية( الصادر في السنوات من 1927م - 1931م كان كُنراد مِلَر أول من سعى إلى تقديم خريطة الإدريسي للجمهور. لكنه مع الأسف كان مقتنعاً بأنها لم تكن في الأصل مستديرة بل مستطيلة. لذلك فقد ركب من تلك الخرائط الجزئية السبعين خريطة كلية مستطيلة كذلك, مما أدى ليس إلى انحراف شكل الأرض الكرتوغرافي باتجاه الشمال فحسب بل إلى إضطراب الشكل الكلي بما في ذلك صور القارات.

          أما خريطتنا المعروضة هنا فقد أعيد تركيبها حسابياً بواسطة الحاسوب وذلك بنقل بيانات الخرائط الجزئية الموضوعة على أساس المربعات إلى شبكة إسقاط مجسامي. واستُعين في ذلك أيضاً بنسخ خريطة العالم الموجودة في المخطوطات المحفوظة.

          على إثر خريطة العالم المستديرة التي صنعها جغرافيو الخليفة المأمون في الربع الأول من القرن الثالث للهجرة/التاسع الميلادي فإن خريطة الإدريسي تشكل مرحلة التطور الثانية في التصوير الكرتوغرافي لسطح الأرض التي توصلت إليها البيئة الثقافية العربية - الإسلامية بمواصلتها لمساعي السلف وخصوصاً الإغريق. إنها تعتمد في معظمها على خريطة جغرافيي المأمون. وبالرغم مما يظهر فيها من نواقص بالمقارنة مع الخريطة المأمونية فإنها تظهر تقدماً جوهرياً فيما يتعلق بمسار خطوط سواحل شمال أوربا وشمال آسيا وشمال شرق آسيا, كذلك في شكل البحر الأبيض وجزره وتصوير جبال ومياه آسيا. أما أهم نواقصها فتحويل الإسقاط الكروي المتقدم في الخريطة المأمونية إلى تصفيف خاطئ لسبع مناطق متساوية المسافات.

          كانت الجهة العليا في أصل الخريطة هي جهة الجنوب, فعكسنا الاتجاه مراعاة للمشاهد في العصر الحالي, لذلك تأتي صورة الكلمات العربية عليها منقلبة.

البروفسور فؤادسيزكين
مدير معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية
في إطار جامعة فرانكفورت. ألمانيا