هل نُعدم أواني الطهو?

هل نُعدم أواني الطهو?
        

أدوات طبخ وقدور قلي مصنوعة من الألمنيوم ومغطاة بطبقة لا يلتصق بها الطعام. إنها حقا ميزة لكل ربة بيت. فماذا يختفي تحت هذه الطبقة?!

          بينما تتصف الأواني المصنوعة من الألمنيوم أو النحاس أو الصلب الذي لا يصدأ (ستانلس ستيل) بخاصية التصاق الطعام المحضر بجدارها, فإن وجود طبقة التيفلون في تغطية بعض أواني الطبخ وقدور القلي يؤدي إلى عدم تفاعلها مع المكونات الغذائية بما فيها الأحماض العضوية والقلويات الموجودة طبيعيًا في الأغذية, أو التي قد تضاف إليها, فلا يتلوث الطعام المحضر فيها بالعناصر المعدنية المستعملة فيها, على نقيض ما يحدث عند طبخ الطعام في أوان مصنوعة من النحاس أو الألمنيوم فيتلوث بأملاحها الضارة بالصحة, وبدأ بريق نجم أواني التيفال يختفي بعد ظهور أواني طبخ جديدة في الأسواق تسمى Anodized aluminum وهي مصنوعة من الألمنيوم المغطى بطبقة من أكسيد الألمنيوم الذي لا يتفاعل مع الأحماض والقلويات ولا يلتصق بها الطعام, ولونها رمادي داكن, وتتفوق في صفات جودتها النوعية على أواني التيفلون وغيرها, وأثرت سلبيًا على معدلات بيعها.

          بعد الحرب العالمية الثانية, ظهر أول منتجات مركب التيفلون في العالم يحمل العلامة التجارية الشهيرة تيفلون, وقامت شركة دو بونت الشهيرة عالميًا بتحضير التيفلون وهو مركب فلورو بوليمر في مصانعها في مدينة بطرسبرج وغرب فرجينيا بالولايات المتحدة واليابان وهولندا.

          وفي أوائل الستينيات من القرن الماضي ظهرت لأول مرة بأسواق العالم أواني الطبخ المبطنة بطبقة من مركب التيفلون التي لا تلتصق بها الأغذية المطبوخة فيها, ثم شاع استعمال هذه الأواني المنزلية في عمليات الطبخ, وذاع صيتها بين الناس, وقامت شركة دو بونت وغيرها بصناعة أواني الطبخ والقلي المغطاة بمركب التيفلون للاستخدامات المنزلية وفي المطاعم, كما انتشر استعمال التيفلون في صناعة العوازل الكهربائية والاتصالات الهاتفية وعمل أدوات صيدلانية وأجهزة فضائية, وكذلك في النقل وصناعات أخرى, وسمحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باستعمال أواني التيفلون في الطبخ. كما شاع استعمال أطباء جراحة التجميل لمركب التيفلون في بعض عملياتهم الجراحية, لأنه خامل كيماويًا عند زرعه في جسم الإنسان مثل بعض الجراحات في الحنجرة لزيادة ثخانة أو دعم الأنسجة التالفة أو الطبقات المشلولة من الثنايا الصوتية, وأشياء أخرى, ومازالت التأثيرات الصحية لوجود التيفلون فترة طويلة داخل أنسجة جسم الإنسان غير معروفة?

تركيبة الكيماوي

          التيفلون أو التيفال - كما يسمّيه عامة الناس - هو اسم تجاري لمركب بوليمري يسمى عديد رباعي فلوروايثلين, وينتشر استخدامه في صناعة العوازل الكهربائية ومحركات الاحتراق وأجهزة كيماوية, وفي عمل أنابيب صممت لمقاومة معظم الكيماويات, وفي صناعة أواني القلي والطبخ التي لا تلتصق بها الأغذية وأدوات مطبخية أخرى, وهو يتركب أساسًا من سلسلة من ذرات الفحم مثل غيره من البوليمرات - الجزيئات المتجمعة مع بعضها.

          والتيفلون تركيبيًا عبارة عن سلسلة محاطة كليًا بذرات عنصر الفلور, وتكون الرابطة الكيماوية بين ذرة الفحم وعنصر الفلور قوية جدًا داخل هذا المركب, فتقوم ذرات الفلور بتكوين حجاب واقٍ له بالإضافة إلى صفة الانزلاق الشديد, وأنه مركب خامل ضد تأثير معظم الكيماويات المعروفة عند ملامستها له.

          وخلال عملية صناعة أواني التيفلون توضع طبقة التيفلون على شكل طبقات متتالية على معدن الألمنيوم لأواني الطبخ أو القلي, وتكون الطبقة الأولى منها ذات طبيعة كيماوية للصق طبقة التيفلون بالسطوح المعدنية لأدوات الطبخ, ثم وضع طبقات مركب التيفلون فوق بعضها لتكوين طبقة منه شديدة التماسك مع بعضها, والتيفلون عبارة عن مركب خامل كيماويًا وغير سام للإنسان عند دخول كميات صغيرة جدًا منه إلى الجهاز الهضمي نتيجة تكسّره أو تقشّره من أواني الطبخ بفعل سوء استخدامها.

تأثير الحرارة على التيفلون

          يتصاعد أثناء عمليات التسخين الشديد لمركب التيفلون في أواني الطبخ, وبشكل خاص عندما تكون خالية من الطعام غازات سامة نتيجة احتراق وتكسّر جزيئاته تلوث الهواء في المطبخ, وفي الحقيقة لا تصل درجة حرارة تسخين التيفلون خلال عمليات الطبخ العادية إلى درجة احتراقه وتصاعد أبخرة منه.

          لكن يؤدي تسخينه على نار شديدة إلى حدوث أضرار صحية على الإنسان تشابه ما يحدث عند فرط حرارة تسخين الزيوت أو الزبد أو المارجرين, فيؤدي استنشاق الأبخرة المتصاعدة من التسخين الشديد لطبقة التيفلون في قدور القلي إلى شكوى الإنسان من أعراض صحية تشابه الأنفلونزا, ويمكن تجنب حدوثها بعملية التهوية الجيدة للمطبخ, وبممارسات سليمة في عمليات طبخ الأغذية فيها, وتكون الأبخرة المتصاعدة من التسخين الشديد لطبقة التيفلون ذات أضرار على صحة الطيور المنزلية عند استنشاقها لها, وتعاني زيادة حساسية جهازها التنفسي لهذه الغازات الضارة, وهذا يماثل تأثير استنشاق الإنسان الأبخرة المتصاعدة من بعض مواد التنظيف المنزلية, والغازات المتصاعدة نتيجة تسخين زيوت الطبخ على نار شديدة.

          وهناك تساؤل عن عدد المركبات الناتجة عن التسخين الشديد لمركب التيفلون التي تتجمع في جسم ربة المنزل, مثل مركب حمض بيرفلوروأوكتويك, ومعرفة درجة انتقالها مع دمها إلى جنينها عند الحمل, وما إذا كان بعضها يسبب حدوث اضطرابات هرمونية في جسمها?

تحذير أوربي

          صدر إعلان صحي في أوربا يحظر استعمال الأواني المصنوعة من التيفلون في عمليات الطبخ والقلي لخطرها المحتمل على صحة الإنسان, وفي الحقيقة لا يكون استعمال أواني التيفلون بشكل سليم له أضرار على صحة الإنسان, لكن يؤدي تسخينها إلى درجة حرارة مرتفعة وهي خالية من الطعام أو الزيت أو السمن إلى تحلل هذه الطبقة إلى مركبات كيماوية طيارة, تحتوي على عنصر الفلور مثل HF وهي سامة, ولا يكون مركب التيفلون سامًا إذا لم يستنشق مسحوقه (غبار) أو الأبخرة المتصاعدة عند زيادة تسخينه على النار, فيتصاعد غبار التيفلون عند سحق هذا المركب أو قطعه بالمنشار, وتتصاعد الغازات الضارة عند نسيان مقلاة التيفلون على نار شديدة ولو دقائق تؤدي إلى تحلل وتكسر هذه الطبقة, ولا يؤذي الإنسان حصوله بشكل عرضي على كميات صغيرة من مركب التيفلون في طعامه, نتيجة حدوث خدوش وتكسر في طبقة التيفلون بأواني الطبخ أو القلي, وبلاشك هناك ضرورة إجراء دراسة علمية حول التأثيرات الصحية المحتملة لدخول كميات كبيرة من التيفلون بأي طريقة إلى الجهاز الهضمي للإنسان.

          وتحرص هيئات المحافظة على سلامة البيئة على عدم تشجيع استعمال الأدوات, التي تؤدي بنفسها أو بنواتج تحللها في البيئة بعد تلفها أو حرقها إلى تلوث البيئة أو تلف طبقة الأوزون في الغلاف الجوي, فتؤدي عملية احتراق طبقة التيفلون في أواني الطبخ التالفة مع الفضلات الصلبة للمدن على درجة حرارة مرتفعة تصل إلى 800 مئوية إلى تصاعد مركبات غازية منها, فيها عنصر الفلور, وهي ضارة بطبقة الأوزون وتسبب تكوين ما يسمى ظاهرة البيوت الزجاجية أو الانحباس الحراري على سطح الأرض. ويحذر العلماء من الإفراط في استعمال مركبات بيرفلورو كلورو كربون كغازات في أجهزة التبريد والتجميد وغيرها, ويمكننا تصور كمية الملابس والأقمشة التي تغطى بطبقة التيفلون (أكثر الألياف الصناعية التي توصف بأنها قابلة للاستنشاق), التي يتخلص منها مع الفضلات الصلبة للمدن ونواتج حرقها.

          فيؤدي تسخين أواني الطبخ المغطاة بطبقة التيفلون في درجة حرارة 248 مئوية إلى تطاير جزيئات بالغة الدقة منها. وإذا سخنت إلى درجة حرارة 500 مئوية تتصاعد نواتج غازية أخرى ومنها بيرفلوروايزبيوتلين ومركبات أخرى ذات سمية شديدة للإنسان, وعرف أن هذه الجزيئات بالغة الدقة ذات أحجام تقل عن 0,1 ميكرون ولها سمية للخلايا ونشاط كيماوي مرتفع.

          ويؤدي تسخين مركب التيفلون ومنتجات بوليمرات فلورية أخرى إلى تكوين حمض ثلاثي فلور كلورو كربون وكيماويات أخرى, ومنها بير فلور كلورو كربون تحطم طبقة الأوزون, وغازات فلوروكربون تساهم بعملها كغازات فيما يسمى البيوت الزجاجية التي تؤثر سلبيًا في طقس الأرض, وأظهر العلماء أضرار مركبات كلورفلورو كربون وهيدروفلورو كربون, لأنها تستنفد طبقة الأوزون بمركبات كيماوية أخرى غير ضارة بها, ولاحظوا ارتفاع تركيز مركب ثلاثي فلور حمض الخليك في الغلاف الجوي ومركبات إف أي التي يستمر وجودها في الأرض فترة زمنية طويلة وتضر بنمو النباتات.

نصائح

  • أفضلية استعمال أواني الطبخ الألمنيوم المغطاة بطبقة من أكسيد الألمنيوم, وهي تمتاز عن باقي أواني الطبخ بعدم تفاعل هذه الطبقة مع الأحماض والقلويات في الأغذية ولا يلتصق بها الطعام المحضر فيها.
  • ضرورة عدم تسخين أواني التيفلون إلى درجة حرارة شديدة خلال عمليات القلي أو الطبخ خاصة عند خلوها من الزيت أو أي مادة غذائية أخرى.
  • تجنب استعمال الأواني الرديئة من أواني الطبخ المصنوعة من التيفلون التي يسهل تكسر طبقة التيفلون فيها نتيجة ضعف التصاقه بمعدن الألمنيوم, فيتلوث الطعام المحضر فيها بهذا المركب.
  • عدم استعمال أواني التيفلون بعد حدوث تكسر أو تقشر في أجزاء من طبقتها في تحضير أطباق طعام تحتوي على أحماض عضوية أو قلويات تتفاعل مع عنصر الألمنيوم, فيتلوث الطعام بهذا الفلز الضار بالصحة.
  • عدم استعمال ملاعق أو شوك معدنية في تقليب الأغذية داخل أواني التيفلون واستخدام أخرى مصنوعة من الخشب أو البلاستيك المقاوم للحرارة.
  • ضرورة تنظيف هذه الأواني بعد استعمالها باسفنج ناعم في وجود الصابون أو المنظف الصناعي مع حجم كافٍ من الماء.
  • عدم الخشونة في استعمال وتداول أواني الطبخ والقلي المغطاة بطبقة التيفلون لتجنب حدوث تكسر أو تقشر فيها فتلوث الطعام المحضر فيها.

 

محيي الدين لبنية   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





ماذا يحدث عندما تدخل مركبات معدنية جسم الإنسان?