عزيزي العربي

عزيزي العربي
        

وتريات

الإنسان والزمن

يكِرُّ الدهرُ والأيّامُ تجري ويمضي عمْرُنا حَرْبًا وسلما
عدوٌّ ليس يرحمُنا وخِلٌّ نُلاقي عنْدَهُ عَطْفًا ورأما
ولكنَّ العوادي ماضياتٌ وتحْطم روْعَة الآمالِ حَطْما
فكمْ يسعى الفتى يجني ويبني ويَنْسَجُ قلبُه حُلمًا وحُلما
ويكْبو ثم ينْهضُ من جديد ويَكْدَحُ كي يُلاقي ما أَهَمّا
ويذَرَعُ كلَّ درْبٍ غير وان كأنَّ الهَمَّ في الأضلاع حمّى
ويغْضَبُ كيفَ لا يجدُ الأماني وكيف يرى من الإخوان صَرْما
ويسخَطُ ثم يحْزَنُ ثم يبكي لعلَّ الناسَ ترفعُ عنه ظُلْما
يُقيمُ اللّيلَ, يُقعدُه, يُنادي وينتظرُ الكواكبَ أن تَهِمّا
ولكنْ ليسَ يِسْمعُه سواه ولا يَعْنيه أنَّ القلبَ يَدْمي
ويفْطَنُ بعْدَ أن خمدَتْ قُواه فيلْمسُ في حنايا القلب عَزْما
فيسألُ, بل ينادي: (أيا مَنْ أحاطَ بما أفتش عَنْه عِلْما
أليسَ لديكَ عَوْنٌ يرتجيه فؤادٌ زادَهُ الحرْمانُ سُقْما?
فإنْ لم تُعْطني صبْرًا فإنّي سأبقى في فَم الأحزان طُعْما
سألتُ الناسَ يا ربّي ولكنْ رَجَعْتُ بغير ما أمَّلْتُ لمّا).
كذا الإنسان في الدّنيا نراه يُكابدُ حالتيْ بُؤْسٍ وَنُعمى:
يصيحُ إذا تخلَّفَ عَنْهُ خيْرٌ ويَنْدُبُ حظَّه الأعمى الأَصَمّا
ويفرحُ إن أصاب الخيرَ حتّى كأن لمْ يَعْرِف الإخْفاقَ يوْما
فيا قلبي إذا الدُّنيا أطلَّتْ فَخُذْ سهْمًا ودَعْ سَهْمًا وسهما
في الدّنيا سيبقى كلُّ شيءٍ وَتَخْرُج أنتَ ترحيلاً ورُغْمًا
فإنْ أبكاك مفقودٌ فقلْ لي: ألَيْس رَحيلُك الفَقْدَ الأهَمّا?!


شعر: حسن منصور
الزرقاء - الأردن

الفعل الحضاري والطرح الجديد

          إن ركامًا عظيمًا من التناقضات والصراعات والعوز, على المستوى الفردي والجمعي مع ذواتنا والغير, يغلف حاضرنا - نحن عرب اليوم - ويدفعنا للتساؤل عن مصيرنا الحضاري.

          وهو (ركام التناقضات...) من التشعب والكثافة والتغلغل في نواحي مناشطنا وأحوالنا بلغ حدّا, يصعب علينا معه الوجود على النحو المطلوب.

          أضف إلى ذلك أن إخفاقنا الحضاري حاليًا, وحال الغير, وعلاقاتنا معه, وميلان كفته ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا, دفع إلى جو من التشاؤم, ليس فقط حول جدوى مشاريعنا الحضارية المطروحة على الساحة, بل وإلى قدرتنا نحن على الفعل الحضاري وجدوى هذا الفعل إن تم.

          وكذلك واقع الحال الذي يكشف عن تناقضات واختلافات عمدية, قد وضعت على المستوى القطري في القوانين والتشريعات والمبادئ والسياسات والطرق والإجراءات, بل وحتى المسميات, وذلك لإثبات وتكريس التمايز والاختلاف القطري على حساب الائتلاف الجمعي.

          كل هذا يهدد وجودنا الحضاري في التاريخ القابل على النحو الذي ينبغي أن يكون مما يجب معه أن يدفعنا أفرادًا وجماعات, لسلسلة من التحولات جعلتنا أكثر التصاقًا بأسباب البقاء, وهذا يستلزم هنا اعترافًا بكارثية الحال ورغبة صادقة في تغييره, وهنا نصل للنقطة الأكثر خلافية في الساحة (كيفية التغيير).

          ومما يدفع للبكاء أننا نحن عرب اليوم:

  • جزء منا فئات جامدة على مناهجها وأفكارها تريد حسب زعمها إعادة الحضارة الإسلامية, لا تمتلك من السياسات الواضحة والخطط الجاهزة ما يمكن تطبيقه لتحقيق المطلوب.
  • جزء ثان مبهور بالآخر وينادي بالتغريب وتطبيق النموذج الغربي للنهضة, متناسيًا اختلاف الظروف التاريخية والتكنولوجية والقيمية بين واقعنا اليوم وعصر النهضة الأوربية.
  • جزء ثالث ينادي بالتأسيس لجيل جديد والإصلاح من القاعدة, ويمثله تيارات واتجاهات أبرزها دينية, وهي جهود رغم فرديتها ومحدودية نطاقها وطول الوقت الذي تتطلبه, إلا أنها تمثل خطى حقيقية في الاتجاه الصحيح.
  • جزء رابع ذو اتجاه سياسي يرى أن الإصلاح يبدأ بصعوده, وكل السياسات والأفكار التي يقدمها والجهود التي يبذلها مكرّسة فقط نحو صعوده, وهو يستنفد طاقاته وأطروحاته فور الصعود.
  • وجزء خامس  يحمل أفكارًا مغلوطة حول التغيير بقوة وعنف, وهم من قوة الحماسة وعظيم الإيمان والانصراف عن تحكيم العقل والسير وفقًا لمقتضياته والسمع والطاعة, بما يسهل قيادتهم لتنفيذ ما يظنونه أنه وسيلة أسرع للتغيير.

          وعودًا على بدء لموضوع كيفية التغيير

          لا أعتقد أن أحدًا ينكر كارثية الحال, أو لا يرى حاجة للتغيير, فالإجماع منعقد على هذا. ولكن الاختلاف على الكيفية.

          الساحة مليئة بالمشاريع, لكنها تعاني عدم التفصيل والوضوح وقلة الملاءمة للواقع وضعف الإيمان بها من قبل القائمين عليها وضعف التفاعل الجمعي معها, بحيث لم تنتهج بعد الفعل اللازم المؤدي للنهضة. وهذا يستلزم إما إعادة النظر في هذه المشاريع والقائمين عليها, وإما الاتجاه لطرح جديد مستفيدًا منها, ومتلافيًا أوجه القصور فيها.

أحمد محمد شملان
الجمهورية اليمنية - صنعاء

عابرٌ سِرِّيٌ

إلى الذينَ يَركَبُونَ البَحرَ خِلسَةً

تَعَطَّرْ بِعِطرِهِمْ
واغْذُ شَفيفًا
لا شيءَ يُبْديكَ, حتَّى إذَا مَرَرْتَ
أَغْشَيْتَهُمْ, فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ
وأسْلُكْ طُرُقَا دَشَّنَتْهًا النَّوارِسُ قَبْلَكَ
ليْعبُرَهَا الهاربُون أَمْثَالُكَ
منْ صَمْتِ الوَقْتِ
والعَرَقِ النَّازِفِ هَدرًا
وأنتَ تَمُرُّ رَدِّدْ ما اسْتطَعْتَ
منْ أُغنياتِ الغَجَر..
الحُزْنُ موغِلٌ فيكَ
ومُوحشٌ هُوَ الفَرَحُ داخِلكَ

محسن أخريف
العرائش - المغرب

من أجل بناء ثقافة مضادة للفساد

          تسهم أجهزة الإعلام الحرة, وكذلك الممارسة الديمقراطية كثيرًا في إبراز المعلومات التي يمكن أن تؤثر في السياسات, وذلك من أجل مقاومة كل أوجه القصور التي تنتابها والمشكلات المرتبطة بها.

          ويعتبر الفساد ظاهرة عالمية بدليل اهتمام الأمم المتحدة, مما أدى إلى التوصل إلى إنشاء اتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد 2003 في فيينا, حيث إن ظاهرة الفساد غير مقتصرة على بلد معين أو على الحكومة وأجهزتها الديمقراطية, بل يمكن أن يتم في ظل نظم الحكم المتباينة, وكذلك في القطاعين العام والخاص على السواء.

          ومن الأخطاء الشائعة الاعتقاد بأن أجهزة الإعلام ليس لها دور فعّال في مجال مكافحة الفساد, بل على النقيض من ذلك حيث تعد من أهم الدعائم الأساسية في هذا المجال, بالإضافة إلى الأجهزة المختلفة الأخرى, وذلك نظرًا لما تتميز به من التنوع وقوة التأثير.

          ويتحتم أن تكون هناك استراتيجية إعلامية لبناء ثقافة ضد الفساد متضمنة ركائز مهمة لتفعيل دورها في هذا المجال, ومنها: الحرية الصحفية, ويتأتي ذلك عن طريق دعم أجهزة الدولة المختلفة لتلك الحرية, وعدم فرض القوانين والعوائق التي من شأنها العصف بها. وبالرغم من أن العديد من البلدان تتخذ أشكالاً من الرقابة على تلك الحرية فإنها أنشأت أنظمة قانونية لها متضمنة العديد من الضمانات القانونية لهذه الحرية, ومنها أيضًا حرية المعلومات فهي بصفتها مصدرًا للقوة من أمضى أسلحة العصر, ولابد من أن تتوافر في العديد من المعلومات المزمع نشرها أو بثها عدة مقومات أساسية كي تحوز صلاحية السريان, وتعد صفتا (الحرية - المصداقية) من أهم الصفات الملازمة للمعلومات, وبخاصة في عصر العولمة والتكنولوجيا المتقدمة والتدفق السريع للمعلومات عبر المعمورة.

          ومن هذه الركائز استقلال المحررين وهي: تعد من أهم الوسائل لتفعيل دور أجهزة الإعلام في مجال مكافحة الفساد, حيث إن عنصر الاستقلال يتيح للمحررين قدرًا كبيرًا من الشفافية وكشفًا لأوجه الفساد المختلفة, وذلك دون التعرض لأي دوافع أو ضغوط من أي نوع, وكذلك يتطلب من الصحفي أن يكون متدربًا سواء على كيفية الحصول على المعلومات الصحيحة, وكذلك كيفية مواجهة حالات الفساد والعمل على ردعها, إلى جانب الالتزام بالشفافية. وفي حالات كشفت الفساد لابد من توافر عناصر الشفافية والصدق والابتعاد عن التلفيق والتشهير لأي غرض, سواء كان الربح أو المنفعة المختلفة, والعمل على نشر الوعي القومي بآثار الفساد, وذلك بتبني أجهزة الإعلام حملة قومية لكشف الآثار المترتبة على الفساد, ويتم ذلك بناء على تخطيط من المتخصصين بهدف بناء ثقافة مضادة للفساد, بعقد العديد من المؤتمرات والندوات في المدارس والجامعات, على أن تتضمن المناهج الدراسية ظاهرة الفساد, وكيفية التصدي لعدم انتشارها. وهناك العديد من الاقتراحات ليس هنا مجال لسردها.

          ونختتم كلامنا بسؤال وهو: هل كما قال هتلر: (كلما كانت الكذبة أكبر ازداد ميل الجماهير لتصديقها)?!

علي صديق محمد أحمد
ماجستير في القانون العام
أسيوط / مصر

وتريات

أَنْتَ الْعَمِيدُ

أَنتَ العميدُ بحسٍّ راشِحِ الْكَمَدِ هلاّ صَبِرْتَ بقلْبٍ فاقِدِ الْجَلَدِ
تقْسو على مِثْلِكَ الأيَّامَ عامدةً لكنْ عَنِ البَوْحِ يَنْأى راجِحُ السَّدَدِ
غَارَتْ جُرُوحٌ ولكنْ لا طبَابَ لَهَا والدَّهْرُ يَرْمي طَريدًا فاقِدَ السَّنَدِ
والموْتُ شحٌّ يرُدُّ كُلَّ مسألةٍ عزَّ المماتُ بدَهْرٍ ظالمٍ نَكِدِ
هلْ ثمَّةَ فرحٌ لَمْ يَلْقَ صاحِبَهُ أَدْعُوهُ يا أَبَتِ في لَهْفَةِ الْوَلَدِ
إنّي اليَتيمُ تَبَنَّتْني يدُ القَدَرِ والحُزْنُ يسكُنُ في الشَّرْيانِ والكَبِدِ
كمْ أسمَعَ القلبُ مِنْ آهاتِهِ وَجَعًا وأَعْيَتِ العَيْنُ مِنْ دَمْعٍ ومِنْ سَهَدِ
يحْتَلُّني اللَّيْلُ لا أنْسى فواجِعَهُ إني المصيدُ إذن إنْ باتَ لَمْ يَصِدِ
إنّي الغَريقُ ومَنْ يدري بنازلتي إنّي الغُثَاءُ صَليبُ الريح والزَّبَدِ
إني العَليلُ الذي لا تُشْفى عِلَّتُهُ إنّي الرَّذَاذُ سليلُ الماءِ والبَرَدِ
إنّي القَتيلُ بِحِسٍّ مرْهَفٍ عَبِقٍ يُجْنى عَلَيَّ وَلمْ أجْنِ على أَحَدِ.


أحمد بن سالم عمري
فبلي - الجمهورية التونسية

تعقيب

اللوحة والحلم

          سألني أحد الفنانين التشكيليين قال: ماذا تريد من اللوحة حين تقف أمامها?

          قلت: أريد أن يغمرني الفرح كلما استطعت أن أكتشف ما خلف السطوح والألوان.

          أريد أن تعتريني الدهشة عندما تبوح لي خطوط اللوحة بمكنونات معطياتها بعد بحث وتقص حميمين, لأشعر بدسم المعرفة وكبرياء الإبداع وهزيمة الذبول.

          لا أريد أن أحاول الغوص في اللوحة دون طائل.. أو أن أغوص وأخرج خاويًا مقهورًا, فبذلك ضياع جهد, واستنفاد تفكير, وتبديد طاقة دون مقابل.

          كذلك لا أريد أن تعطيني اللوحة كل ما لديها ببساطة الساذجين.. وخواء المرتدّين, وبلاهة المنسيين أو سخف الانتهازيين. فالفن ليس مشروعًا تجاريًا ينتهي بانتهاء العقد, وإنما رسالة يعتلي صهوتها فارس مدجج بالمعرفة, سلاحه قوة الإيمان برسالته من أجل خوض معركة النصر ضد الشر. ورفع راية التقدم والرقي بالحس البشري إلى خير الإنسانية, لدعم متطلبات الحاضر في بناء صرح المستقبل.

          إن (... إنتاج المعلومة وامتلاكها واستثمارها معرفة وتطبيقًا, صارت هي الثروة الجديدة في العالم اليوم, وسيشار إلى المجتمعات الأكثر تطورًا وغنى على أنها مجتمعات معرفة لا مجتمعات صناعة متقدمة..).

          هذه الكلمات جاءت في حديث الشهر للدكتور سليمان إبراهيم العسكري في العدد رقم 542 من مجلة (العربي) تحت عنوان (حلم مجتمع المعرفة العربي), وضرب مثلاً على الحلم الذي أصبح حقيقة في المجتمع الماليزي خلال خمسة عشر عامًا.

          هذا الحلم الذي يراود كل فرد من أفراد مجتمعنا, يحتاج إلى نزعة من تفكيرنا كحلم وجعله فقرة من فقرات برنامجنا اليومي, لا بل محركًا لهذا البرنامج ومفعّلا لخطوات حياتنا اليومية, لا كمرشد وموجه, بل داعم في إنتاج المعلومة وامتلاكها واستثمارها معرفة وتطبيقًا.

          يجب أن ينقلب الحلم حقيقة واقعة نعيش مجرياتها ونستثمر منتجاتها في تعزيز مخططاتنا المستقبلية باستخدام الكمبيوتر الذي أصبح موجودًا في كل زاوية من زوايا بيوتنا, يحتاج إلى فكر متوقد يبعث فيه الحياة ويتجه نحو مستقبل متميز ينعش ذاكرة الأصالة لينسج منها عباءة الحداثة بثوب جديد ممتلئ حيوية ونشاطًا يمحو عار الخمول والاستكانة والاعتماد على الآخر.

أحمد الجفان
دمشق - سورية

الفوضى ونقيضها

          سُرِرتُ كثيرًا حين قرأت في العدد (550 - سبتمبر 2004) من مجلة (العربي) التي لها هذا القدر من الانتشار بين قرّاء الضاد, مقالاً بعنوان (فوضى لا تعرف الفوضى) تتحدّث عن نظريةٍ رياضيةٍ فيزيائية تعتبر بحقّ الثورة الثالثة في العلم في القرن العشرين, بعد نظرية النسبية والميكانيك الكمومي. ومع تقديري واحترامي لكاتب هذا المقال. وشكري له فإنّني أريد أن أشير إلى خطأ علميّ ربّما ورد سهوًا في هذا المقال.

          ففي الصفحة 148 يقول الكاتب: (اكتشف (الحديث عن لورنتز) أنه حين يُدخِل المعاملات نفسها, لا يحصل على النتائج نفسها, بل تتغيّر تغيّرًا كبيرًا من تجربة إلى أخرى).

          وهذا غير دقيق بالتأكيد, إذ كيف يمكن أن ندخل الأرقام نفسها في معادلةٍ (أو جملة معادلات) رياضية فنحصل على نتائج مختلفة? حقيقة الأمر أنّ لورنتز كان يُدخِلُ المعاملات نفسها بعد حذف عدد من الأرقام العشرية بعد الفاصلة ظانّا أنها أقلّ قدرًا من أن تؤثّر في النتيجة ويمكن توضيح ذلك, على سبيل التبسيط, بالمثال التالي: لنفرض أنّ سرعة الرياح في لحظة ما كانت في مدينة دمشق 20001م/س (عشرين ألف متر ومتر واحد في الساعة أي 20.001 كم/س. سيبدو سخيفًا أن يقول المذيع في التلفزيون إن سرعة الرياح هي عشرون كيلومترًا ومترًا واحدًا.. إنّ حذف الرقم واحد لا يؤثّر كثيرًا في النتيجة, وهكذا ظنّ لورنتز أن الأمر سيّان وأدخل الأرقام مقربة وكانت النتيجة أن هذا التغيير الطفيف في المعطيات يولّد تغيّرًا هائلاً في النتائج ومن هنا ظاهرة الفراشة التي ذكرها المقال. فسرعة متر واحد في الساعة هي من مرتبة سرعة رفّة جناح الفراشة.

          أودّ من جهة أخرى أن ألفت النظر إلى موضوع آخر شديد الأهميّة وهو قضيّة ترجمة المصطلحات العلميّة الذي يختلف من دولة عربيّة لأخرى أو من دار نشر لأخرى أو من جامعة لأخرى.. وكنّا نتمنّى لو توجد جهةٌ تتبع الجامعة العربيّة مثلاً تعمل على توحيد ترجمة المصطلحات العلميّة. ومع ذلك فإنّ الترجمة الأكثر تداولاً لكلمة Chaos هي (الشواش) وليس (الفوضى) كما جاء في عنوان المقال وأمّا عن اقتراح كلمة هيولا (والأفصح هيولى بالألف المقصورة) فلا أعتقد أنّه مناسبٌ جدًا فالهيولى في اللغة هي المادّة الأولية التي صنع منها الكون (إن كان قد صنع من مادة أولية) أما الشواش (من فعل شوّش وتشوّش, أي اختلط والتبس عليه الأمر) فهي تستخدم للتعبير عن الحالة الأوليّة التي كان عليها الكون وليس من مادّته. في جميع الأحوال يرتبط الأمر بالمدلول الفلسفيّ لنظريّة الشواش أو الفوضى أو الهيولى, وهو الجوهر والأكثر أهميّة من المصطلح المعتمد وهو ما لم يعطه المقال حقّه من الإيضاح على ما أظنّ. إنّ النتيجة التي تخرج بها هذه النظرية هي التالية: إنّ الكثير من الظواهر (كالطقس مثلاً) إنما تبدو لنا فوضوية بسبب عجزنا عن متابعتها وهي محكومة بنظامٍ غايةٍ في الدقة يفوق قدراتنا. هذه الحقيقة التي باتت, مع نظرية الشواش حقيقةً علميةً كان قد عبّر عنها على نحو بليغ الفيلسوف سبينوزا حين قال: (لا فوضى في الطبيعة .تبدو ظاهرة ما فوضويّة بسبب ضعف نظرنا).

أديب الخوري
دمشق - سورية

طرب هذا الزمن!!

          رأيت صورة لفنانة شابة, نصف مشهورة, واحترت هل هي مطربة أم ممثلة?! وكدت أرجح في قرارة نفسي أنها ممثلة!! لولا أنني قطعًا للشك باليقين سألت أحد الأصدقاء: هل (فلانة) التي صورتها أمامنا الآن تعمل بالتمثيل?!فما كان منه إلا أن ردّ عليّ بلا أدنى شك: هي مطربة وعدّد لي أسماء بعض أغانيها ومطالعها المشهورة!والواقع يا صديقي أن هذا حوار باطل, لا أنت أدركت الصواب ولا أنا, كما عبّر الشاعر ايليا أبو ماضي في إحدى قصائده, فالفنانة نصف المشهورة, بدأت بالتمثيل فأدّت عدّة أدوار, ويبدو أنه ثقل عليها طريق التمثيل المليء بالأشواك, فأرادت أن تقصّر على نفسها وعلى جمهورها المشوار الطويل لتدخل عالم الغناء الذي يصنع من الشاب أو الشابة نجمًا بسرعة لا يتخيلها عقل.والسؤال الآن: ترى أيام الطرب الأصيل, أيّام جيل الرّواد, هل كان الفرد منّا يقع في (حيص بيص) في تصنيف الفنان كما يحدث الآن خاصة إذا وقف أمام قامة فنية شامخة, تجمع بين أكثر من موهبة, وفي أكثر من مجال كعبدالوهاب, الموسيقار الكبير, والمطرب الأصيل حتى بعد سنّ الستين, والمثقف الواعي لأدقّ أدقّ تفاصيل فنّ الغناء خاصة, وشتى فنون الحياة بصفة عامة?! وكعبدالحليم حافظ, الفنان الحساس في الغناء والناضج في التمثيل, والشديد الذكاء في علاقاته الاجتماعية داخل وخارج الوسط الفني, وكذلك محمد فوزي الذي جمع بين التلحين والغناء والتمثيل دون أن يؤثّر ذلك على مكانته كمطرب في قلوب محبيه الذين زاد عددهم بعد أن شاهدوه على شاشة السينما يؤدي أدوارًا سينمائية تتسم بالبساطة وخفّة الدم والرومانسية.

السيد التحفة
شبراخيت - مصر

القراءة وبناء مجتمع الرشد

          حوالي عام 610 ميلادية, تلقى الرسول العربي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وحيًا يتضمن آيات تأمره بـ (القراءة), وتؤكد أن الإنسان خلق من علق, وهو ما لم يكن معلومًا في ذلك الزمان.

          وتمضي تلك الآيات في جمع القراءة بالكرامة, والتعلم بالقلم, وتوكد أن الإنسان لا يَعْلَم بل يُعَلَّم, وأنه جنس يطغى.

          وذكرت هذه الآيات أربع صور للفرد: الفرد الذي ينهى العباد عن الصلاة, والفرد الهادي, والفرد الآمر بالتقوى, والفرد الكذاب المتولي. ونصت بعد ذلك على أن الله يرى, ولكن ذلك يعرف بعلم, مستعملة صيغة (ألم يعلم).

          إن هذه الآيات كلف محمد, نبي الإسلام, صلى الله عليه وسلم, بتقديمها للبشر, ضمن سور ذات مصدر إلهي, وهي تمثل سننا كونية خالدة, في تشخيص عميق لأزمة الجنس البشري.

          وهي أفكار غريبة عند أناس ألفوا الجهل, ولا يعرفون معنى الحرية, بل لا يحسون باستبداد الحجر الذي يعبدون, لذلك لم يقبلوها وحاربوها وواجهوا رسول الله بما لهم من سلطة مادية (الإغراء بالمال), ومعنوية (ممارسة الضغط بواسطة الأقارب).

          لكن الفكرة الإسلامية التي تكونها هذه الأفكار, كانت قوية على أي مواجهة عقلية ولا عقلية. لذلك مضت في طريق بناء مجتمع راشد وفقًا لسنن التاريخ.

          إن الحدث الناتج عن هذه الفكرة كان أكبر من تصور أي فرد من أفراد زمن 610م. لقد بدأت الأحداث تتوالى من منطقة قبلية صغيرة, لا تمثل شيئًا في عالم شهد سقوط إمبراطورية الغرب سنة 476م, وتدشين كنيسة آياصوفيا في القسطنطينية سنة 537م, وبدء ولاية البابا غريغوريوس الكبير سنة 590م, والتي انتهت سنة 604م. وقضاء هرقل على إمبراطورية الساسانيين ما بين 622م و629م.

          لكن عظمة الفكرة الإلهية دفعت بالقبائل العربية المنعزلة إلى مسرح التاريخ, لقيادة تغيير شمل كل المجالات, واتسع الأمر بعد ذلك لبناء حضارة امتدت قرونًا طويلة, ويتضح هنا ما قاله ول ديورانت في قصة الحضارة: (أن ليس الجنس العظيم هو الذي يصنع المدينة بل المدينة العظيمة هي التي تخلق الشعب).

          إن أزمة المسلم اليوم أزمة (قراءة): (بمعنى العلم, والمعرفة, والفكر...), وهي لا تتعدى هذا, فالمسلم اليوم لا يطيع أول أمر في القرآن, ولذلك لا نرى أنفسنا نواجه نقصًا في الأشياء, ولكن نقصًا في الأفكار, كما قال مالك بن نبي.

          وإذا كان اختتام النبوات مقدمة ليعول الإنسان على طاقاته الذاتية, فإن (القراءة) أول طاقة ذاتية يجب استثمارها, وما هذا الذل الذي حل بنا إلا نتيجة حتمية لرفض أمر (اقرأ).

          إن الإنسان بذرة أساسية لعملية تسمى (القراءة), في حقل التاريخ الذي نحصد منه (المعرفة).

          أما حالة العالم الإسلامي اليوم فليست خارجة عن سنن التاريخ, فنحن نعيش مرحلة ما بعد الحضارة كما حدد ذلك مالك بن نبي, والأزمة التي نعانيها أزمة إنسان في نفسه جهل, ولكن إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

رشيد أوراز
قرية مستي - جنوب المغرب

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات