سجلات رحلات كولومبس بداية تاريخ السباق المحموم من أجل الموارد

سجلات رحلات كولومبس بداية تاريخ السباق المحموم من أجل الموارد

ثمة كتابات عديدة حول شخصية كريستوفر كولومبس, يصوره بعضها كمستكشف وبطل حقق للبشرية إنجازاً كبيراً, فقد كان يقصد فتح طريق بحري لتجارة الشرق, فاكتشف - دون أن يدري - أرضاً جديدة, هي القارة الأمريكية الشمالية والقارة الأمريكية الجنوبية, (والأمر العجيب أن كولومبس مات وهو يعتقد أن الأرض التي عبر المحيط إليها هي جزر الهند الغربية), بينما لا يرى بعض المؤرخين في كولومبس إلا غازياً, ويجدونه أسوأ من (أتيلا) زعيم التتار, ومن (هولاكو) المغولي, ومن الزعيم النازي (هتلر)!

على أي حال, لا يهمنا من كولومبس, في هذا المجال, إلا أن نتابعه في رحلاته الاستكشافية, من خلال سجلات رحلاته, التي احتوت على ما رآه بنفسه من غرائب, في البحار التي أبحر فيها إلى المجهول, وفي الجزر التي وطأت أرضها قدماه. وهي سجلات نراها شبيهة, في القصد, بالسجلات التي أعدها علماء الحملة الفرنسية لمختلف نواحي الحياة في مصر, وهي المتمثلة في كتاب (وصف مصر), الذي هو - في الحقيقة - رصد علمي دقيق وواف للموارد الطبيعية. لقد كان الهدف من وراء سجلات رحلات كولومبس وكتاب وصف مصر هو تعيين وتقدير لموارد المستعمرات, تمهيداً لاستغلالها, فقبل أن تستغل مورداً, عليك أن تحدد قيمته وموقعه.

وقد بدأ كولومبس, في يوميات السادس عشر من سبتمبر 1492, يسجل كل شيء عن ثروات (الأرض الجديدة), كان حريصاً على ألا يُفلت شيئاً, مهما كانت ضآلة قيمته. وبدأ سجلاته بالطحالب البحرية! نعم, الطحالب البحرية. فكتب يقول إن المياه المحيطة بسفنه مغطاة بحشود, أو كتل ضخمة من الأعشاب البحرية, التي انتشرت بكثافة عالية في مساحة كبيرة من المحيط, وكانت تأخذ ألواناً تميل إلى الأصفر والبني والأخضر.

وفي اليوم التالي, سجّل كولومبس أول حيوان بحري يقابله في رحلته, وكان سرطاناً بحرياً صغيراً, يتوارى بين الأعشاب الكثيفة. ولم يعط كولومبس أسماء للعشب أو للسرطان البحري, ولكن المنطقة من المحيط, التي رآها مكتظة بالأعشاب, تعرف الآن باسم (بحر السارجاسّو), وهي تسمية برتغالية, معناها الأرض المغطاة بالنباتات.

وفي نهاية نهار الثاني عشر من أكتوبر 1492, رست سفن المغامر البرتغالي أمام إحدى جزر الباهاما, لتنشط ريشة كولومبس في تسجيل (محتويات) الجزر.

وفي تلك الجزر, لم يسجل كولومبس أنه رأى حيوانات غير الببغاوات. ولقد سرّه أن يجد هذه الببغاوات, فقد كان لدى الأوربيين, بصفة عامة, اعتقاد بأنه حيث توجد الببغاوات يوجد الذهب!! ولمّا رأى أهل الجزيرة مدى شغف كولومبس بالببغاوات, قدموا له هدية, عبارة عن ببغاء في قفص, فأسعده ذلك كثيراً, فتتابعت هداياهم من النوع نفسه. ولما عاد كولومبس إلى إسبانيا, في شهر مارس من السنة التالية, حمل معه أربعين ببغاء.

وقد روّع كولومبس حين رأى نوعاً ضخماً من السحالي, يحمل على ظهره بروزات قرنية قوية, ولكن خوف الرجل من السحلية, أو العظاءة, لم يمنعه من أداء واجبه, فسجل في يومياته أن معركة شرسة دارت بين تلك السحلية وبعض من بحارته, انتهت بأسر السحلية وسلخها, وحمل كولومبس جلد ذلك المخلوق العجيب, إلى إسبانيا, لتراه الملكة إيزابيلا.

وفي أبريل من العام 1493, بعد شهر من عودة كولومبس إلى إسبانيا, أقيم احتفال كبير لتكريمه, حيث أغدقت عليه الملكة إيزابيلا الأموال والألقاب, كما أعدّت له أسطولاً جديداً, مكوّناً من سبع عشرة سفينة, ليقوم برحلته الثانية إلى الأرض الجديدة التي اكتشفها.

وقد بدأت الرحلة الثانية في الخامس والعشرين من سبتمبر 1493, وتشير سجلات هذه الرحلة إلى استمرار كولومبس في تنفيذ أوامر الملكة إيزابيلا برصد وتسجيل مشاهداته اليومية. فيصف - في جزيرة كوبا - نوعاً كبير الحجم من الحمام,له زوائد فوق رأسه, تشبه التاج الأبيض, ونوعاً من الطيور الضخمة التي نعرفها الآن باسم (البشاروش), وأنواعاً من الغربان والنسور والصقور, وطيوراً أعطاها اسم (الحجل).

ويبدو أن كولومبس لم يكن قانعاً بما وجده في الأرض الجديد من (موارد), والأغلب, أن ذلك - أيضاً - لم يكن محل رضا راعيته وممولة مغامرته الملكة إيزابيلا, فنجده, في يوميات الرحلة الثانية, يكتب متسائلا: أليست هذه الأرض امتداداً للشرق? أين - إذن - الملوك والأمراء الذين تروى عنهم الحكايات العجيبة? وأين القصور الساحرة وأكوام الذهب والتوابل? إنني لم أجد شيئاً مما كنت أحلم به!!

وسرعان ما بدأت المشاكل تواجه كولومبس, متمثلة في الأمراض التي تعرّض لها رجاله, والسخط وحالات التبرّم التي كانت تنتابهم, بالإضافة إلى ما كانوا يدبرونه, فيما بينهم, من مكائد ودسائس. واشتدت تلك الأمور المزعجة في الرحلة الثالثة, التي بدأت في 30 مايو من العام 1498, وانتهت في 31 أكتوبر 1500, وامتدت إلى الرحلة الرابعة والأخيرة, التي بدأت في 9 مايو 1502, وانتهت في 7 نوفمبر 1504. ولكن تلك المنغّصات لم تكن لتمنع كولومبس من تدوين مذكراته وملاحظاته عن مشاهداته في الأرض الجديدة. ويبدو أنه أصبح يجد في هذه الكتابات متعة.

وقد تمكّن كولومبس, في رحلته الثالثة, من الوصول إلى أراضي أمريكا الجنوبية, حيث رست سفنه في خليج كان يسمى (خليج باربا), وهو الآن جزء من دولة (فنزويلا), فوجد الأهالي يستقبلونه بترحاب واضح, ويتبادلون معه السلع, فكانوا يعطونه اللآلئ مقابل أي شيء يقدمه لهم مما حملته سفنه. وسرعان ما تكوّنت لكولومبس شحنة كبيرة من اللؤلؤ, بادر بإرسالها إلى إسبانيا. وقد سجل كولومبس, في هذه الرحلة الثالثة, مشاهدته للديك الرومي, الذي كان يسميه بالطاووس. والحقيقة أنه لم يميز بين الديك الرومي والطاووس إلا في سجلات الرحلة الرابعة, حيث أطلق على الديك اسم (الدجاجة الكبيرة), وقال عنه: إن ذلك النوع الجديد من الدجاج أشهى مذاقاً من دجاجنا!

وقد انتهت رحلة كولومبس الرابعة نهاية حزينة, إذ هبت على أسطوله عاصفة شديدة, أمام شاطئ جامايكا, وتحطمت سفينتان, وطلب كولومبس العون من أهالي تلك المنطقة, فرفضوا. وكان الرجال الذين غرقت سفينتاهم يعانون الجوع والإرهاق, فلجأ كولومبس - الذي لم يكن يخلو من دهاء - إلى خبرته ومعلوماته الفلكية, يستغلها لدفع الأهالي إلى إمدادهم بالطعام. لقد كان يعلم, من حساباته الفلكية, أن موعد خسوف القمر وشيك, بل إن تلك الحسابات حددت الموعد في الليلة القادمة, فأرسل المغامر البحري المحنّك إلى الأهالي, يحذّرهم ويتوعدهم, بأنه سوف يجعل القمر يختفي إلى الأبد, إذا لم يزوّدوه ورجاله بالطعام.
سخر الأهالي من تحذيره, ولكنهم فوجئوا بالقمر يختفي, فعلاً, فقد بدأ الخسوف, فانتابهم ذعر شديد, وتأكد لهم صدق تهديدات كولومبس, وأنه قادر - حقا - على إخفاء القمر, وأسرعوا يقدمون له الطعام, ويرجونه أن يبعد عنهم غضبه, فوعدهم خيراً!!

وتلاشت الظلال عن وجه القمر, فعاد مضيئاً, لأن تلك الظاهرة الطبيعية المؤقتة - الخسوف - كانت قد انتهت.. ولكن جهل الأهالي البسطاء صوّر لهم أن لعنة كولومبس قد زالت عندما استجابوا لمطالبه.. ولم يعودوا يرفضون له طلباً!!

***

مس حقائق عن الأشجار

1- تناقض!

تقذفنا الآلات التي تستهلك الوقود الأحفوري بكميّات متزايدة من غاز ثاني أكسيد الكربون, أحد أهم المكونات الغازية لظاهرة (الدفيئة), وهي الظاهرة التي تسبب ما يتخوّف منه علماء المناخ, من ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض, بما يتبعه من عواقب, لا يعلم حجمها وتأثيرها إلا الله. وفي الوقت نفسه - ويا للتناقض - تتعرّض غابات عالمنا لأنشطة غير مسئولة, تؤدي إلى تقلُّص مساحاتها. وقد نتج عن اتحاد هذين العاملين أن ارتفع مستوى غاز ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي.

2 - ضاع النصف!

هل تعرف, عزيزي القارئ, كم دمرنا - نحن البشر - من ثرواتنا التي وهبنا الله لنا من الغابات? نصف مساحاتها! ولكي أقرّب لك حجم الدمار, يكفي أن تعلم أن ما تم تدميره يوازي مساحة دولتين كبيرتين, هما إندونيسيا والمكسيك. الأكثر من ذلك - كما تقول إحصائيات وتقديرات البنك الدولي - أن ثلاثة أرباع المتبقي من غابات المناطق المعتدلة والغابات الاستوائية, واقع تحت التهديد بالزوال, لأن أعمال تدمير الأشجار وتعرية أراضي الغابات لا تزال مستمرة, برغم كل شيء!

3 - كم تستهلك الشجرة الواحدة من ثاني أكسيد الكربون?

إن الأشجار تخلصنا من غاز ثاني أكسيد الكربون, وهي لا تفعل ذلك بطريقة سالبة, كأن تعيده إلى التربة,مثلاً, ولكنها تأخذه لتصنع منه مواد كربوهيدراتية (نشويات) تختزنها في أنسجتها. وتختلف الكمية التي تمتصها الأشجار من ذلك الغاز المسبب لظاهرة الدفيئة, تبعاً لنوع الشجرة وعمرها. وبصفة عامة, فإن متوسط ما تستهلكه الشجرة الواحدة من ثاني أكسيد الكربون, لتبني رطلاً واحداً من أنسجتها الحية, يصل إلى رطل ونصف الرطل.

4 - الأشجار.. محطة رئيسية في حركة دوران الماء!

الأشجار تعرق.. نعم.. إنها تتخلّص من الماء, في هيئته البخارية, فيمايعرف بعملية (النتح), فيخرج بخار الماء من خلال ثقوب مجهرية منتشرة على أسطح الأوراق. صحيح أن كل ورقة (تنتح) بضع نقاط من الماء في اليوم الواحد, ولكن مجمل ما تنتجه أشجار الأرض ونباتاتها من بخار الماء يتجمّع في الغلاف الجوي, ويمثل جزءاً مهماً من المحتوى المائي للأرض, ويدخل في الدورة التي تتحرّك بها المياه على سطح الكرة الأرضية, وتنتقل من موقع لآخر, ومن هيئة لأخرى.

والجدير بالذكر, أن شجرة واحدة, طولها مائة قدم, يمكنها أن تسحب من التربة, في موسم نموّ واحد, ما مقداره (11) ألف جالون من الماء, تستهلكها في عملياتها الحيوية, على مدار الموسم. إن الماء يتحلل في ذلك المصنع النباتي فائق الكفاءة (الأوراق النباتية), ضمن خطوات عملية التمثيل الضوئي, فيعطي غازين: الهيدروجين, الذي هو الأساس لبناء جزيئات المادة النشوية, والغاز الثاني هو الأكسجين, الذي تطلقه الأوراق, غير ثغورها, ليسهم في إنعاش كل صور الحياة على سطح الأرض.

وبالإضافة إلى ذلك, تنتج عملية التمثيل الضوئي كميات كبيرة من بخار الماء, تتخلّص منها الورقة من خلال ثغورها, لتعود فتدور مع رصيد الأرض من المياه.


5 - الأشجار دروع لنا!

إن منافع الأشجار, كما نرى, متعددة.. إنها (رئات) لكل كائنات الأرض الحية, وهي المصنع الرئيس للمركبات النشوية, أساس الهرم الغذائي على سطح أرضنا, وهي - أرضنا - الملجأ الظليل الذي يحمينا من حرارة الشمس اللاهبة, وهي أحد العوامل المنظّمة والعاملة على استقرار أحوال المناخ الأرضي, وأخيراً, وليس آخراً, هي مكوّن جمالي لا ينكره أحد من سكان الأرض.

هل نسينا شيئاً?

نعم.. سل المزارعين عن فائدة إضافية للأشجار, يخبروك أنها درعهم ضد نشاط الرياح, فهي تصدّ الرياح, فتحمي محاصيلهم, فلا تقتلعها أو تطمرها الرياح العاصفة, كما أن جذورها الضاربة في باطن الأرض, لعدة أمتار, تعمل على تثبيت التربة, فلا تجرفها الرياح الزاحفة فوقها. إن سياجا محكماً من الأشجار, يحيط بمزرعـــتك, يمكن أن يقلل سرعة الرياح - وبالتالي طاقتها التدميرية - بنسبة تتراوح بين 25 و75 في المائة.

***

كم رصيدك?

ظللنا نحن البشر, لزمن طويل جدا, نتعامل مع المياه على أنها مصدر طبيعي لا نهاية له, متاح للجميع, في كل مكان وزمان, بلا مقابل تقريبا. وأخذنا نستهلك ما بين أيدينا من مياه, حتى انتبهنا - ولعل ذلك لم يكن متأخراً - إلى أن ما حسبناه لا ينضب آخذ في التناقض, بل لقد وصل الأمر إلى حد أننا نعايش في عالمنا بعض إخواننا في البشرية, يعانون ندرة الماء الصالح للاستخدام الآدمي, وهم يكدون ليحصلوا على هذه السلعة الغالية, وبمقابل غير قليل!

غير أن المشــكلة, والحـــمد لله, لم تتـــأزم بعد, فلا يزال معظم سكان الكرة الأرضية يجدون كفايتهم من الماء, غير أن ذلك يجب ألا يجعلنا نغفل عن حقيقة مهمة, وهي أن بعض من رزقهم الله بوفرة في المياه لا يدركون أبعاد الموقف, أو لعلهم يدركون ولا يعبأون, فيستمرون سادرين في سلوكيات مائية غير حكيمة, فيستنفدون الآبار والعيون المائية, ويسرفون في استهلاك المياه, حيث يكون الاقتصاد ضرورة ملحّة, وينتجون - في سعيهم من أجل التنمية أو من أجل مزيد من الرفاهية - من أنواع الملوّثات الخطيرة ما يصبونه في المسطحات المائية, عذبها ومالحها, وكل هذه مسائل تضرّ بالشأن المائي في الأرض, وهي كفيلة بزيادة حدة إحساسنا بمشكلة المياه, في المستقبل القريب.

فمن فضلك, راجع معنا الجدول المنشور هنا, لتعرف كيف يتصرّف سكان الأرض في أرصدتهم من موارد المياه العذبة, ولعلك تنضمّ إلينا في ملاحظة التباينات الكبيرة في التعامل مع هذه الموارد, مما يصعّب الأمور على المهتمّين بالسياسات المائية, ويجعل تحقيق التقارب بين هذه السياسات ضرباً من المستحيل!

المسحوب من أرصدة العالم, من المياه العذبة, سنويا

(وهو قيمة متوسطة مقدرة بالجالون, لكل فرد -
مع عدم احتساب مياه المطر في هذا الرصيد)

القارة

المستهلك في الزراعة

المستهلك في الصناعة

الاستخدمات المنزلية

الإجمالي

أمريكا الشمالية

149000

145500

44000

338500

أستراليا

53200

5300

111650

170150

أوربا

62000

102000

3000

167000

آسيا

106250

12500

6250

125000

أمريكا الجنوبية

49450

16200

24300

89950

إفريقيا

45800

3300 6150 55250


***

الأخدري ذهب.. ولن يعود!!

الأخدري, حيوان له تاريخ. عرفته المنطقة العربية, وسجّلته دواوين الشعراء العرب. ومن صفاته, التي نقلتها الأشعار إلينا, أنه كان مسالماً, بالرغم من أنه كان يسكن البرية, وكان يدعى بالوحش.

عرفته السهول الجافة بفلسطين, حتى شهد منتصف القرن التاسع عشر اختفاء الأخدري من هذه المنطقة.أما تجمعات الحيوان, محدودة العدد, التي كانت تعيش في سهول العراق وجنوب شرق الأردن, فقد طال أجلها قليلاً, ولكنها انتهت إلى المصير نفسه, في مفتتح القرن العشرين. فالثابت, أن الأخدري قد تعرّض, لقرون طويلة مضت, لضغوط متصلة, كانت كفيلة بالقضاء عليه مبكّراً, غير أن سرعته الفائقة, وقدرته على احتمال أصعب ظروف الحياة في المناخ الجاف,كانتا العاملين اللذين جعلاه يتغلّب على تلك الضغوط, التي تمثّلت في أنشطة الصيد, باستخدام الأدوات التقليدية القديمة (القوس والسهم, وكلاب المطاردة), ولما عرف الصيادون الأسلحة النارية, وركبوا السيارات, تهاوت قدرة الأخدري على مناورة هؤلاء الصيادين, فقد اختلّت كفّتا الميزان لغير صالحه, فأخذت أعداده تتناقص, حتى اختفى تماماً من خريطة الحياة في منطقتنا العربية.

والتسمية الإنجليزية للأخدري (ONAGER), مشتقة من الكلمة اليونانية (ONAGERES), وتعني (الحمار البري), وكان العرب يعرفون الأخدري - أيضاً, وكما أسلفنا - باسم (الوحش). وكان ثمة اعتقاد بأن الأخدري, واسمه العلمي: (Equus hemionus) هو الجد للحمار المستأنس, واسمه العلمي (Equus asinus), حتى أظهرت الدراسات التصنيفية, التي تمكنت من رصد الأخدري قبل أن ينقرض, أن النوعين منفصلان ويختلف كل منهما عن الآخر تماماً, وإن كانا ينتميان لجنس واحد, هو (Equus), وأنّ الأخدري آسيوي النشأة, بينما الحمار المستأنس ينتمي لأصول إفريقية.

ويعرف دارسو الأدب العربي القديم الأخدري, من خلال تراثنا الأدبي, شعراً ونثراً, فقد كان الأخدري محل اهتمام نفر من الشعراء الجاهليين, من بينهم (الشمّاخ بن ضرار الذبياني), الذي نظم 172 قصيدة, أي ما يوازي 43% من مجمل إنتاجه الشعري (!!), متغنياً بالأخدري, وواصفاً رحلات الصيد التي كانت تستهدفه. ولعل هذا الاهتمام الشعري الجلي بالأخدري يعكس حالة الازدهار التي كان عليها ذلك الحيوان, في شمال ووسط وغرب المملكة العربية السعودية, في العصر الجاهلي.

ولعلك, قارئي الكريم, تتوقع أن يكون ذكر الأخدري قد جاء في أشهر كتب التراث العربي التي اهتمت بالحيوان: (كتاب الحيوان) للجاحظ.. نعم, وقد وصفه الكتاب بأنه أطول من الحمار المستأنس, وأن عمره قد يمتد إلى 40 سنة. وثمة روايات أخرى متفرّقة, تميل إلى التهويل, وتزعم أن عمر الأخدري يبلغ 200, بل 800 سنة! غير أن ما يهمنا - حقاً - من هذه الروايات غير المؤكدة, الوجود الراسخ الذي كان يتمتع به الأخدري, إذ يذكر (كمال الدين الدميري), في كتابه الكبير (حياة الحيوان) - الصادر في القرن 14 الميلادي - أن تجمعات حيوان الأخدري حول مدينة دمشق كان يصعب إحصاؤها!

وفي (عجائب المخلوقات), يرصد مؤلفه, أبو يحيى زكريا القزويني, من القرن الثامن الهجري, سلوكاً غريباً للأخدري, إذ يتعمد الذكر البالغ إخصاء الذكور اليافعة, فينهش مناسلها, حتى لا يزاحموه, فيما يختص بالسيطرة على الإناث, بعد أن يشتد عودهم! الأعجب من ذلك رد الفعل الذي يرصده (القزويني) من الأم (الأخدرية), التي تضطر إلى اعتزال الحياة الاجتماعية, مختفية بوليدها الذكر, وقد تتعمد إلحاق إصابة صغيرة بساقه, حتى لا يفارقها, فلا تسوقه الظروف لمقابلة (ثور) أخدري متربص, تعميه الغيرة, ولا يرضى بمنافسين له, حتى إن كانوا من صلبه! ولا تسمح الأم لصغيرها بالابتعاد عنها, إلا بعد أن تقوى سيقانه, ويصبح قادراً على الهرب من (رجال قبيلته) وصون كرامته!

الجدير بالذكر, أن العرب كانوا يصطادون الأخدري من أجل لحمه, إذ كان مقبولاً ومعروفاً كطعام آدمي, وفي كتابات قديمة, لمؤرخ أثيني عاش في منطقة الشرق الأوسط, في الفترة من 434 إلى 355 قبل الميلاد, يقرر أن لحم الأخدري (أطيب وأشهى من لحم الغزال).

وكان آخر ما عرف البشر من الأخدري حيواناً فرداً, تم أسره عند الحدود السورية - العراقية, في العام 1928, وعاش في حديقة للحيوان زمناً قصيراً, وبموته, أعلن العلماء - رسمياً - انقراض الأخدري.

وبالرغم من هذه الصورة القاتمة, للمصير الذي انتهى إليه الأخدري, فلا يزال نفر من العلماء يتمسّك بالأمل في وجود الحيوان, مختبئاً بمكان ما من صحراء المملكة العربية السعودية, أو عُمان, ويقولون إن الأخدري ربما يكون موجوداً إلى جوار طيور النعام البريّة, فقد اشتهر عن ذلك الحيوان المفقود ميلُه إلى صحبة النعام.

***

صحراء أخرى!

ثمة صحراوان: صحراء طبيعية, وصحراء البشر.

أمّا الأولى, فهي ذلك النظام البيئي الطبيعي, الذي يمثّل ملمحاً رئيساً من الشكل العام لكوكبنا, الأرض. وأمّا الصحراء الثانية, فهي تلك التي يصنعها البشر, بإدارتهم غير الرشيدة لأنشطتهم الحياتية المختلفة, التي يقوم عليها المجتمع الإنساني, فيحيلون الأرض الخضراء (مراعي أو أراضي زراعية), بإهمالهم لها, وتخاذلهم عن حمايتها, إلى صحراء, فلا يجد ذلك (الغول) المسمّى بالتصحّر, صعوبة في الاستيلاء عليها!

أنقل لكم إحصائية مزعجة, تقول إن التصحّر يُهلك 20 ألف ميل مربع من الأراضي الخضراء, سنوياً, فيحيلها إلى قفار رملية جدباء, كما أنه - في كل سنة أيضاً - يحاول اختراق مساحة أخرى, تقدّربحوالي 70 ألف ميل مربع, يتربص بها, متحيّنا الفرصة, فإذا غفلت أعين أصحابها عن حمايتها, ضربها الجدب, وأغرقتها الرمال.

إن التصحر يعني البؤس, يحلّ بالملايين من سكان الأرض, فيضطرهم إلى هجر مواطنهم الأصلية, بحثا عن أراض جديدة, تعطيهم طعاما. إن هذا (الوباء الطبيعي) يزيد عدد الجوعى في العالم بمقدار 33 ألف جائع, كل يوم!

والتصحر مشكلة ذات طابع عالمي, إذ تؤثر على 70 دولة من مجموع دول العالم, وتشير الإحصائيات إلى أنّ هذه الدول السبعين قد فقدت ما يقرب من 185 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة, في الربع الأخير من القرن العشرين. ويحذّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة والتنمية من أن سبل الحياة لما يقرب من 900 مليون آدمي, معرّضة للخطر, بسبب التصحر.

الجدير بالذكر, أنه - استجابة لبعض البنود التي اتفق عليها زعماء العلم في قمة الأرض (ريو 1992) - وبعد سنتين فقط من تلك القمة, وقّع ممثلو 87 دولة, في باريس, اتفاقية لتوفير الدعم المالي لبرامج صون خصوبة الأراضي الزراعية وحمايتها من التصحر, وستصبح تلك الاتفاقية معاهدة دولية, إذا اكتمل عدد الدول المصدقة عليها, ليصبح 50 دولة. (أربعون دولة صدّقت عليها, حتى الآن.. فهل ينتظرنا التصحر, حتى تأتي الدول العشر المتبقية?!).

***

تدوير المخلّفات.. في مؤتمر علمي

شهدت مدينة الإسكندرية, في السابع عشر من مارس 2002 انعقاد المؤتمر العربي الدولي لعلوم المواد, في دورته السابعة, وهو المؤتمر الذي تنظمه سنويا الجمعية العربية لعلوم المواد, التي يترأسها الدكتور شريف قنديل, أستاذ علوم المواد بجامعة الإسكندرية. وقد اتخذ المؤتمر, لهذا العام, محوراً عاماً, وهو (تدوير وإعادة استخدام المواد), وشارك فيه علماء من بعض الدول العربية والأوربية, قدّموا أوراقاً بحثية, اتسم معظمها بالجدّة, وتعدّ إضافة إلى جهود صون البيئة, عبر تنظيم استهلاك مواردنا الطبيعية, والاقتصاد في إنتاج المخلفات. ومن الموضوعات التي اهتمت بها هذه الأوراق:
1 - إدارة المخلفات الصلبة.
2 - العمليات التكنولوجية في تدوير وإعادة استخدام المواد.
3 - إنتاج الطاقة من المواد المعاد تدويرها.
4 - اقتصاديات إعادة تدوير المواد.
5 - الأثر البيئي لعمليات التدوير وإعادة استخدام المخلّفات.
وقد حرصت بعض الهيئات والمؤسسات الصناعية المحلية والعالمية, المنتجة لأدوات وآلات إعادة تدوير المخلّفات, على المشاركة بالمعرض المصاحب للمؤتمر, حيث عرضت جانباً من أحدث منتجاتها.

***

الفتى الذى هزم البلاستيك!

(جيم باور), صبى فى السادسة عشرة من عمره, يعيش فى بلدة صغيرة, تابعة لولاية (أيوا) الأمريكية, لا يزيد عدد سكانها على مائتى ألف نسمة, ومع ذلك, فإن كمية الفوارغ البلاستيكية, المتخلِّفة عن أنشطتهم الاستهلاكية, كبيرة جداً, يعجز النظام القائم لجمع القمامة فى البلدة عن التعامل معها. وحتى الجانب من هذه المخلَّفات البلاستيكية, الذى يجمعه عمال النظافة, يتراكم فى مستودعات القمامة, ويبقى على حاله, ولا أمل فى أن يتحلل, لعشرات السنين القادمة.

اهتم الفتى ( باور) بالمشكلة, واتصل بمصنع للبلاستيك, اتفق معه على توريد المخلفات البلاستيكية, لإعادة استخدامها فى تصنيع أدوات بلاستيكية نافعة, مثل أوانى جمع القمامة; كما اتفق مع أحد المتاجر الكبيرة فى بلدته على أن يضع أمام مدخله وعاءً ضخماً, ليكون مركزاً لاستقبال المخلفات البلاستيكية. ولقيت الفكرة استجابة طيبة, وازداد عدد مراكز استقبال المخلفات إلى ثلاثة, جمعت 25 طناً من المهملات والفوارغ البلاستيكية, فى سنة واحدة. ولم تلبث فكرة جيم باور أن تحولت إلى مشروع كبير, فاختفت المخلفات البلاستيكية من قمامة البلدة, وتحولت إلى المصنع, لإعادة تدويرها. وكان للمشروع مردوده الإضافى, إذ انخفضت كمية الطاقة الكهربية, التى تستهلكها صناعة البلاستيك بالمنطقة, إذ كان البلاستيك الخام الجديد يتطلب طاقة أكبر فى مراحل تصنيعه. أما المردود غير المنظور, فيتمثل فى منع مزيد من البلاستيك الخام من اقتحام البيئة, فى صورة سلع جديدة, تستخدم لفترة ثم تهمل, وقد لا تجد فتيً مثل (جيم باور) يهتم بتخليص موطنه منها!

 

رجب سعد السيد







كان كولومبس حريصا على تسجيل كل شئ عن ثروات الأرض الجديدة





للأشجار فوائدها وجمالها





أشجار دمرت لصالح صناعة الأخشاب





لم تتفاقم المشكلة بعد... ولكن علينا الأخذ بالحكمة في التعامل مع المياه





المفقود إلى الأبد





التوزيع العام للصحراء في العالم





تدوير المخلّفات في مؤتمر علمي





الفتي الذي هزم البلاستيك!