هوبر) ولوحة.. (صباح من كارولينا)

هوبر) ولوحة.. (صباح من كارولينا)

الفنان الأمريكي إدوارد هوبر هو النموذج الأمريكي الذي انفرد بطابع خاص في مقتبل القرن الماضي. طابع منفصل عن مدارس أوربا وتعقيداتها في هذه الفترة. ومنفصل عن مدرسة الفن التي سادت في أمريكا خلال الفترة نفسها.

الفن الأمريكي ظل ينظر إليه نظرة إشفاق من قبل العالم القديم.. من قبل أوربا. فأين يذهب الأمريكي الساذج بمحاولاته في مجال الفكر, أو الأدب, أو الفن التشكيلي أمام شوامخ أوربا في هذه المجالات.

(إدوارد هوبر) ولد عام 1882, كانت اتجاهات الفن في أمريكا مقصورة على نظرة محلية, تصوير لعالم القرية الأمريكية القائم على الحصان, والمسدس.

في أوربا كانت موجات عديدة قائمة على أقدام وسيقان... المدرسة التأثيرية , التعبيرية, التكعيبية, التجريدية.

اتجاهات ثورية في مجال الفن, بدأت تخرج من القرن التاسع عشر, وتجد لها مكاناً في القرن العشرين. ويعادل البعض من النقّاد بين شخصية (ودرو ولسن) الرئيس الأمريكي الذي خرج بأمريكا من عزلتها السياسية بعد الحرب العالمية الأولى, وبين شخصية (إدوارد هوبر) في مجال الخروج أيضاً بالفن الأمريكي من العزلة الأمريكية.

ولكن (هوبر) لم يخرج من العزلة الأمريكية لكي ينحاز لمدارس الفن الحديثة الأوربية بأي اتجاه منها. لقد جعل لنفسه اتجاهاً خاصاً ربما كان أقرب إلى التعبيرية دون قصد.

بدأ (هوبر) يبحث عن الإنسان الأمريكي داخل المدينة الأمريكية المحاطة باتساع وفراغ هائلين, فراغ أثار ذعره, ودفعه إلى تصوير لهذا الفراغ بألوان محددة متسعة, في وسطها إنسان وحيد غالباً في حالة تأمل, وربما في محاولة لقراءة مستقبل هذا الفراغ الأمريكي الهائل.

عرض (هوبر) لأول مرة عام 1908, ولكنه فشل. كاد أن يترك الفن, ولكنه عاد. كان عليه أن ينتظر خمسة عشر عاماً أخرى حتى يجد قبولاً لأعماله.

أتيحت له الفرصة للذهاب إلى باريس ثلاث مرات, ولكنه عاد وظل على موقفه من اتجاهات الفن فيها. الأمريكي في نظره أصبح صاحب نظرة خاصة نابعة من كل معاناته الداخلية.

عرض له عام 1933 متحف الفن الحديث في نيويورك إبداعاته من خلال هذه النظرة. ووجد قبولاً عند الأمريكي, وإن ظل في عزلة عن سوق الفن الأوربي.

الضوء والفراغ... يقدمهما (هوبر) من خلال رؤيته الخاصة, والتي تتباين تـــبايناً كبيـــراً مع الضوء الأوربي كما صاغته التأثيرية على يد (مانيه), و(مونيه), و(رنوار), و(بيسارو), و(سيسلي)... وغيرهم.

الضوء الأمريكي حاد, عنيف, شمس الجنوب تصدم من يعيش في ظلها, وقد فرضت حدتها على عدد من الفنانين الأمريكيين. (هوبر) أضاف لمحة جديدة في حياة الأمريكي... الصحراء, في أعماله سعة الصحراء يضعها دائما في مقابله مع الإنسان.

في لوحته (صباح من كارولينا) رسمها عام 1955, نرى أيضاً الوجه الزنجي للمرأة يتأمل, ويتألم من وحدة... الفراغ أمامها واسع, والألوان بمسوحها الخالية من التفاصيل توحي بهذه العزلة.

(هوبر) فيما قدمه من أعمال كان المعبّر الصادق عن الأزمة الأمريكية أكثر من تعبيره عن الروح الأمريكية. أعماله تذكرك بذلك البائع المتجول (الكومسيونجي) الذي عبر عن مأساته (آرثر ميلر) في مسرحيته (موت بائع متجول), الشعور بالوحدة من الفراغ, والشعور بالوحدة وسط الجماعة. فالجماعة نقاط متفرقة في الواقع, وإن دعت الضرورة إلى تقاربها. اقتراب وابتعاد كأنه جحيم (سارتر).

لكن (هوبر) يرفض الجحيم الأوربي. فالجحيم الأوربي محصور في غرفة, بينما الجحيم الأمريكي يمتد إلى المدينة بكاملها

 

محمد المهدي







هوبر - بريشته 1925





صباح من كارولينا- هووبر 1955.