مسرح.. البولشوي خطوات من السحر
مسرح.. البولشوي خطوات من السحر
احتفلت روسيا العام الماضي بمرور 225 عاماً على تأسيس مسرح البولشوي الذي تعرض فيه أعمالها أشهر فرقة للباليه والأوبرا. فما قصة هذا المسرح? وما أشهر الأعمال التي قدمت على خشبته? في عام 1776 بتشجيع البرنس أوروسوف وعلى يد مدير المسرح الإنجليزي النشيط مستر مادوكس بني مسرح أطلق عليه في ذلك الوقت اسم (مسرح بتروفسكي) لأن واجهته كانت تطل على شارع بتروفسكي بموسكو. كان هذا المسرح هو مهد الأوبرا الروسية ولكنه احترق تماماً في عام 1805. ومع ذلك, استمر الفنانون في تقديم عروضهم في أمكنة أخرى بموسكو بعد أن أعلنت الحكومة دعمها لهم وجعلهم مؤسسة تابعة للدولة الروسية. وفي عام 1825 افتتح بناء جديد في المكان القديم نفسه, قام ببنائه المهندس المعماري أوزيب بوفيه تنفيذاً للتصميم الذي وضعه البروفسور الكسندر ميخايلوف, وقد انبهر الشعب الروسي بعظمة المبنى واتساعه الذي احتل في ذلك الوقت المركز الثاني بعد مسرح لاسكالا بمدينة ميلانو الإيطالية, ولذلك أطلق عليه اسم (مسرح البولشوي), أي (المسرح الضخم). ومرّت بعد ذلك أحداث مهمة شكّلت مصير الأوبرا الروسية, فقد عرضت في هذا المسرح مشاهد الحروب الدامية المصحوبة بالموسيقى الشعبية الروسية, وقدم فيروستوفسكي أوبراته الشعرية التي تشبّعت برومانسية العصور الروسية القديمة, كما أن فارلاموف مؤلف الأغاني والملحن العظيم ساعد قائد أوركسترا البولشوي على بعث سحر الألحان الغنائية الروسية عميقة التأثير. أما أستاذ الباليه والرقص جلاشكوفسكي, فقد كان أول مَن لجأ إلى أشعار بوشكين التي وجد فيها كنزاً من المادة الدرامية للباليهات التي قدمها والتي وضعت الأساس للرقص الروسي الكلاسيكي. الأوبرا الشعبية في عام 1842 استطاع المؤلف الموسيقي الروسي ميخائيل جلينكا أن يتغلب على المقاومة العنيفة لحاشية القيصر وأبدع أوبرا شعبية بطولية باسم (إيفان سوزانين) استخدم فيها الموسيقى الروسية الشعبية لعرض بطولات الشعب الروسي في دفاعه عن الوطن دون ذكر أي تمجيد للقيصر. ولكن بناء على أمر حاشية القيصر, أدخلت على النص الأوبرالي تمجيدات للقيصر وأطلق على الأوبرا اسم (يحيا القيصر), مع أن القيصر لم تكن له أي صلة بهذا العمل. كان هذا العرض تجسيداً لأحزان الشعب وأفراحه, وظلام الليل وشروق الفجر في روسيا, وكانت كلماته تستهوي الجماهير, وتراتيل التكفير فيه تعبّر عن الفخر والمهابة, لدرجة أن أقل الفلاحين شأناً لو أخذ من كوخه إلى المرح لتأثّرت مجامع قلبه وجوانح نفسه أشد التأثير. واليوم إذا استمعنا إلى أوبرا (إيفان سوزانين) بعد أن حذف منها كل ما أدخل عليها في عهد القيصر, فإننا نستمع إلى ألحان روسية جميلة يثريها الشكل السيمفوني الحي العظيم للموسيقار جلينكا, ونشاهد شخصيات وطنية حيّة وتضحياتها في سبيل الوطن. إن فكرة (الصدق الموسيقي) التي أثبتت وجودها بمولد أوبرا (إيفان سوزانين) للموسيقار جلينكا أحدثت أثرها الكبير في تطوير الأوبرا الروسية ابتداء من دار جوميشيسكي وموسورجسكي الى رمسكي كورساكوف وتشايكوفسكي, ومن تشايكوفسكي إلى بروكوفييف. ولم يقتصر مسرح البولشوي على الأوبرات الروسية, بل اهتم بعروض الأوبرات الغربية العظيمة, ولذلك فإن تراثه الأوبرالي يشمل أعمال فيردى وروسيني, جونو وبوتشيني, بيزيه وسيمتانا, موتسارت ودونيزيتي. البولشوي يحترق في عام 1853 احترق مسرح البولشوي للمرة الثانية, فأعيد بناؤه على يد المهندس كافوس, وتم توسيعه في عام 1856 ليتسع لأكثر من 2000 مشاهد. وفي عام 1924 أضيفت قاعة أخرى للمسرح, وفي عام 1961 أصبح قصر مؤتمرات الكرملين يستخدم كمكان آخر للعروض الضخمة لأنه يستطيع أن يستضيف 6000 مشاهد. ولم تتأثر فرقة البولشوي بالثورة الشيوعية في عام 1917, ولا بالحربين العالميتين, ولا بتفكك الاتحاد السوفييتي في عامي 1990 و 1991, بل ظلت تمارس عملها حتى اليوم, كما أنها قامت بعرض أعمالها في مجال الأوبرا والباليه في معظم بلاد العالم منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي حتى الآن. ويتميز بنا, مسرح البولشوي بواجهته وأعمدته الضخمة, أما رمزه فهو أبولو مع أحصنته الأربعة البرونزية التي تزيّن واجهته. ومن الفنانين الذين عملوا في مسرح البولشوي واكتسبوا شهرة عالمية, فيودور شاليايين في مجال الأوبرا, وجالينا أولانوفا, ومايا بليستكايا اللتان تعتبران من أشهر راقصات الباليه في العالم. رقص كالأحلام يرجع تاريخ مدرسة رقص الباليه إلى زمن إعادة بناء المسرح في عام 1856 بعد حريقه الثاني, وبفضل جهود أساتذة الرقص الروسيين في القرن التاسع عشر اشتهرت روسيا في أواخر ذلك القرن في العالم أجمع بأنها (بيت الباليه). إن فن الباليه الروسي نما بفضل صلته الوثيقة بالدراما الكلاسيكية, فقد استلهم مصممو رقصات الباليه أعمالهم من الأدب والموسيقى الروسية, فدون بوشكين وتشايكوفسكي ما كان هناك وجود لأي واحدة من الراقصتين يكاترينا جلستر أو جالينا أولانوفا. وقد حرص أفضل راقصي وراقصات مدرسة الباليه على نقل تجاربهم إلى الطلبة والطالبات, وبهذه الطريقة اكتملت تقنية الباليه الروسي على مر الأجيال, من جيل إلى الجيل التالي له. أما السر الحقيقي للمدرسة الروسية للباليه, فيكمن في وحدة الحدث الدرامي مع الرقص, ووحدة الموسيقى مع الصورة, ووحدة الفكرة مع النقاوة واستقامة العمل. إن طلبة وطالبات مدرسة الباليه يبدأون تدريبهم في سن العاشرة لمدة تسع سنوات, ويقضون تدريبهم اليومي على القضيب الحديدي لمدة خمس ساعات. إن (الإلهام المجنّح) هو شعار الباليه الروسي وهدف مدرسة الباليه. أما منهج مدرسة الباليه, فيهتم أشد الاهتمام بالرقصات الكلاسيكية ورقصات الشخصيات ويشتمل على التمثيل وسكتشات الباليه. وقد أمدّت مدرسة الباليه مسرح البولشوي بأفضل عناصر الراقصين والراقصات من الموهوبين الذين حققوا لهذا المسرح الشهرة العالمية التي يتمتع بها حتى اليوم. تراث الباليه استطاع أساتذة الموسيقى أن يؤلفوا تراثاً رائعاً للباليه الروسي مثل: - زهرة الخشخاش الحمراء, وراكب الخيل البرونزي للموسيقار جليير. - لهيب باريس, ونافورة باختشيساراي للموسيقار أسافييف. - سفيتلانا, وطائر اللقلق الصغير للموسيقار كليبا نوف. - لورنسيا للموسيقار الكسندر كراين. - أنواع الجمال السبعة للموسيقار كارا - كارييف. - جايانه وسبارتاكوس للموسيقار خاتشاتوريان. - دون كيشوت للموسيقار مينكوس. - عطيل للموسيقار ماجافارياني. - سندريللا للموسيقار آدم. ويتزعم قائمة الباليهات الروسية: - بحيرة البجع, وكسّارة البندق, والجمال النائم للموسيقار تشايكوفسكي. - روميو وجولييت للموسيقار سيرجي بروكوفييف والذي يعتبر من أجود العروض التي قدمتها فرقة البولشوي على المستوى العالمي. وقد وصفته صحيفة (التايمز) اللندنية بأنه ترجمة لكلمات شكسبير الحرفية إلى شعر أصيل. أما جالينا أولانوفا التي قامت بدور (جولييت) في باليه (روميو وجولييت), فقالت: (إن نص مسرحية شكسبير أوحى إليّ بالمرح المنطلق في المشاهد الأولى, والانفعال والإثارة في مشهد الأقنعة, والمرح والنشوة في مشهد الشرفة, والعفّة في مشهد الزواج, والتغلب الشجاع على الخوف من القبر في المشهد الأخير). وهكذا رقصت أولانوفا دور جولييت ببراعة مذهلة مما دعا المشاهدين إلى وصفها بأنها فعلاً (جولييت شكسبير). .. وتراث الأوبرا أهم الأوبرات في مسرح البولشوي هي:
|