إضاءة على حركة عربية نشطة التيارات والتوجهات الفنية في الحركة التشكيلية السعودية

إضاءة على حركة عربية نشطة التيارات والتوجهات الفنية في الحركة التشكيلية السعودية

تأثرت التجربة التشكيلية في المملكة العربية السعودية بعدد من التوجهات الفنية, شأنها شأن أي حركة فنية تشكيلية عربية, بل إن هذه الحركة تميزت - مع تأخر بروزها - بعدة خصائص لعل أهمها الارتباط القوي بالمعطى التراثي الذي أصبح إحدى السمات الواضحة فيها.

بدأ الفن التشكيلي في المدارس, ومن خلال مادة التربية الفنية التي برزت فيها بعض الأسماء, ومع الحاجة إلى إيجاد معلمين متخصصين ومؤهلين أكاديمياً تمّ ابتعاث بعض الطلبة إلى بعض البلدان العربية والأجنبية.

وقد عبّرت المعارض المبكرة التي شهدتها المدن السعودية خلال الستينيات وبداية السبعينيات لعدد من الفنانين والفنانات مثل (عبدالحليم رضوي, محمد السليم, سعد العبيد, عبدالعزيز الحماد, مشعل السديري, محمد الرصيص, صفية بن زقر, عبدالجبار اليحيا, ضياء عزيز), وغيرهم. عبّرت عن اهتمام بالطبيعة والمكان المحلي, وسنجد رضوي يرسم عن الحارات, والعادات في مكة المكرمة, وجدة, وكذلك صفية بن زقر التي رسمت المشاهد المحلية, والأدوات التقليدية, وعبّرت أعمال السليم عن الصحراء والريف وحياة الترحال والحياة الجديدة في المجتمع السعودي, ولم تكن تلك الأعمال إلا اللبنة الأولى للتوجهات الفنية التي برز اختلافها مع بروز حركة المعارض وانتشارها مع قيام الرئاسة العامة لرعاية الشباب في السبعينيات, والأخذ على عاتقها تنظيم معارض على مستوى المملكة, وعلى مستوى المناطق ومع عودة الدارسين من الخارج, وتخرج الدارسين في معهد التربية الفنية بدأت بوادر تيارات واتجاهات مختلفة تبرز في هذه المعارض التي شجعتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالجوائز, والاقتناء.

الحياة الاجتماعية

منذ بداية الفنانة صفية بن زقر برز في أعمالها تعلقها بالمحيط, وبالمكان, وقد رسمت في الستينيات المظاهر المحلية التقليدية مؤكدة على تفاصيل مشهدها بما يحقق تسجيلاً أو توثيقاً تعمد إلى إبرازه وإن تطلب ذلك التخلي عن بعض فنيات لوحتها.

رسمت حياة البداوة وحياة البائعين وحركة التسوق, لكنها اتجهت إلى توثيق الحياة المحلية داخل المنزل حيث جلسات السيدات أو الرجال اليومية, كما أبرزت جانباً للمناسبات كالأفراح والأعراس, وغيرهما, حتى أن هذا الاهتمام انتهى بإنشاء دارة سمّتها باسمها وضمنتها أعمالها الفنية, وكذلك قطع أثرية للألبسة أو للأدوات المستخدمة أو غير ذلك. هذا التوجه نحو البيئة المحلية برز في لوحات الفنان محمد الصندل الذي رسم مشاهده من طبيعة ريف مدينته الأحساء. رسم الفلاحين والباعة, كما رسم المظاهر الحياتية للنساء في منازلهن موثقاً للعادات أو التقاليد. كما رسم كدح الناس من خلال مهنهم كالخباز أو السقا أو الفلاحين, وغيرهم. ويقابل هذا الفنان, فنان آخر هو سعد العبيد الذي تناول في لوحته, وقريباً من معالجات الصندل مظاهر الحياة التقليدية في المنطقة الوسطى, كما رسم الأدوات والأواني والشخوص بأزيائهم المحلية. لقد تناول مظاهر الحياة في المجتمع التقليدي في المملكة العربية السعودية العديد من فنانيها, سنجد ذلك عند عبدالله الشلتي الذي رسم الطبيعة المحلية لمنطقة عسير حيث يعيش الفنان, ووثق لعدد من العادات والتقاليد, والمظاهر الاجتماعية.

ومثله مفرح عسيري الذي أكد على الرقصات التقليدية ذات الارتباط بالمناسبات, وكذلك فايع الألمعي الذي وثّق للأماكن بكل المعطيات الطبيعية, والجمالية للمكان العسيري, وكذلك حسن عسيري. على أن الفنان في هذه الحالة قد يلجأ إلى مخيلته لرسم مشهده وأحياناً إلى صورة ضوئية ونادراً عن المشهد مباشرة.

وقد أكّدت الفنانة صفية بن زقر على ذلك بأن تلجأ أحياناً إلى كبيرات السن ليساعدنها على إيضاح وشرح الصورة التي ترغب في رسمها. لقد عرفت الطبيعة اختلافاً في أراضي المملكة العربية السعودية, وسنجد الطبيعة, بخضرتها وجبالها في أبها تختلف عن انبساطها وصحراويتها في المنطقة الوسطى أو عن جبليتها في مناطق غربية كمكة أو الطائف أو عن ساحليتها, وريفها في مثل المنطقة الشرقية, وجيزان, وفي هذه المدينة وثق بعض فنانيها مثل عبدالوهاب عطيف للأمكنة التقليدية وللمساكن, وللعادات المعروفة, كما ظهرت في أعمال عدد قليل من فناني هذه المدينة مثل ناصر الرفاعي ومهدي راجح وغيرهما. وأبرز منصور كردي وفؤاد طه مغربل ومحمد سيام في لوحاتهم المظاهر المعمارية, والعادات القديمة في المدينة المنورة التي تشبّعوا بطقوسها وبأماكنها المقدسة, فكانت الحارات والجوامع والمدارس بأنماطها المعمارية التقليدية, وكذلك المهن التقليدية التي أكّد على رسمها (توثيقها) فؤاد مغربل, وكذلك كردي, أما في المنطقة الشرقية فقد أبرز فنانو الأحساء المظاهر الاجتماعية مؤكدين على الجانب الريفي الذي برز في لوحات أحمد المغلوث والصندل وأحمد السبت وسعيد الوايل وعبدالمنعم السليمان وعبدالرحمن الحافظ, بينما اهتم علي الصفار ومنير الحجّي برسم المظاهر البحرية لحياة الصيادين والبحّارة. ومع ذلك فقد تنوّعت الأعمال والاهتمامات بتوثيق المظاهر الحياتية التقليدية في أعمال البعض الآخر مثل عبدالعظيم الضامن وإبراهيم الهبوب ومجيد الدار وغيرهم.

وأبرز الفنان إبراهيم الزيكان في لوحته الطبيعة الريفية بكل جمالياتها وعلاقة الإنسان بها, كما رسم المنازل الشعبية, شأن فناني القصيم الذين أبرزوا الأدوات الشعبية, والمكان بكل جمالياته المعمارية وزخارفه التقليدية, ومن بينهم صالح النقيدان الذي شكّل مع الزيكان ثنائياً في تناول المكان الشعبي في القصيم, لكن أعداداً من التشكيليين السعوديين تناولوا الحياة التقليدية وآثارها بشيء من الاختلاف خاصة نحو تقنية أعمالهم الفنية, وإحالتها أحياناً إلى شكل من الحرفية, ومن بين مَن برزت في أعمالهم الفنية المشاهد والمناظر على نحو تسجيلي عبدالرحمن الحواس, عبدالله الحجي, إبراهيم الفارس, خالد العبدان, صالح الخليفة, سليمان المقبل, حسن مداوي, خالد الصوينع, سعود العثمان, وفوزية عبداللطيف, وعلي الرزيزاء, ويعتبر هذا الأخير من أبرز من استحدث صيغة يوظف لها المعاجين, والألوان البرونزية أو الذهبية باعتبار عمله بعثاً جديداً لما كان يقوم به البنّاء أو النقّاش الشعبي. على أن أعمال هذا الفنان بحرفيتها وبمقدار ما تتطلبه من مهارة وأناة, وكذلك بالموضوع المعماري الذي يتناوله قد لفتت أنظار جماهير المعارض التي تقام خارج المملكة العربية السعودية. وقد تأثر بهذا الاتجاه بعض الفنانين الشباب الذين درسوا أو تدرّبوا على يديه. ولقد كانت أعمال الفنان الرزيزاء المبكّرة في هذا التوجه قد ألفت بين جزئية معمارية, وكتابة عربية, وبالحس ذاته الذي تطوّر عنده ليتحوّل إلى شكل مباشر, وهو اتجاه برز مع بداية الثمانينيات الميلادية, وقد بدأ مشاركاته بانتظام, وكان توجهاً ضمن شكل من استلهام الموروث المحلي نحو لوحة أكثر حداثة من أن تنقل أو توثّق وتحاكي.

التراث في صيغ تحديثية

يعتبر التراث أكثر التيارات استقطاباً في أعمال الفنانين التشكيليين السعوديين, وبرز هذا الموروث في عدة أوجه ابتداء بمحاكاته, ومروراً بمحاولة تحديثه ضمن توفيقية بين التقليد والتحديث, ثم بعثه في شكل فني أكثر حداثة وجرأة.

إن تناولنا السابق لتوثيق المظاهر الحياتية في لوحات الفنانين التشكيليين السعوديين يتضمن شكلاً من تناول التراث المحلي, وبمباشرة ومحاكاة, إلا أن هذه المحاكاة أحياناً تتجاوز المباشرة ويخضع العمل الفني إلى محاولة من التأليف بين عدة أشكال, ومصوغة بشكل تأليفي نجده بداية عند الفنان عبدالحليم رضوي الذي انشغل في العديد من لوحاته بالمعمار المحلي, والمدينة السعودية في إطار تشكيلاتها الشعبية, ونقل حركتها وحيوية أهلها ضمن عمله البانورامي, في بعض لوحاته, وقد أكّد رضوي مراراً على جانب الأصالة والمعاصرة والتي يقيم عليهما توازن أعماله وأفكاره. وكما يقول الفنان عن ذلك: حتى لا أفقد شخصيتي العربية المميزة, ولا أتأخر عن مواكبة العصر. مشبهاً لوحته بالرواية المصغّرة لحدث اجتماعي أو تاريخي أو إنساني.

وقد وظّف الفنان في بعض أعماله الحرف أو الكتابة العربية من أجل تكثيف فكرته, وإيصالها بمباشرة. وقد تناول مواضيع مختلفة بينها ما يلامس القضايا الإسلامية أو القومية كموضوع القدس الذي كتب في إحدى لوحاته (القدس تناديكم) أو (أين الضمير?). وغيرهما. والتناول التراثي في هذا الإطار تناوله العديد من الفنانين السعوديين وعلى اختلاف الصيغ أو التناول.

وسنجد فناناً مثل بكر شيخون يؤلف في عمله الفني بين الأبنية المعمارية, ورأس الحصان, والكتابات النقشية - دون معان - مقسماً لوحته إلى أجزاء هندسية ومتقشفاً في تلويناته, معبّراً عن صيغة رمزية في عمله.

أما سمير الدهام فإن عناصره المحلية مع اختلافها فإنه يخضعها لاختزال متفاوت - بين عمل وآخر - تأتي بانورامية عندما يرسم سوقاً أو مشهداً شعبياً أكثر مباشرة, ومحدودة عندما يتناول موضوعاً مباشراً كدراسة وحدة معمارية أو غيرها.

وتتميز أعمال الدهام بتلويناتها التي تبعث في موضوعه حيويته واختلافه, وتتنوع أعمال الفنان عبدالله الشيخ بين نسيج الحكاية الشعبية المستوحاة من القص الشعبي أو الرواية المحكية, أو بين استلهام المدينة العربية في إطار من جمع عدة عناصر حية أو معمارية كالحمام والخيول والجمال والمنازل بتفاصيلها, أو غير ذلك, إلا أن هذا الجانب الذي أخذه إلى شكل من التزيين غاب مع صيغ ومعالجات أكثر ديناميكية وحيوية وتعبيراً عن الحنين إلى مكان في الذاكرة.

وتناول إبراهيم بوقس المعمار في تشكيلات وتقطيعات هندسية تبرز بتلوينات زاهية وباهتمام في بعض تفاصيلها, وبرزت التشكيلات الهندسية, والوحدات المعمارية المحلية في مجسمات الفنان سعد المسعري, وعلي الطخيس الذي ركز على وحدة أو عنصر لينشئ حوله عمله (منحوتته) إلا أن الفنان عبدالله حماس أكثر جرأة وحرية في تناول وتأليف وحداته وعناصره, وبرغم أن منطلقاته كانت مباشرة, إلا أن الفنان لم يزل ينوّع ويغاير كنوع من تجاوز أو الاختلاف عمّا يقدمه. وتناول الفنان علي الصفار الوحدات المعمارية, والأبواب والنوافذ, والزخارف الجبسية على نحو مباشر, تختلف أو يحاول معها التحديث من خلال تآليفاتها وإبعادها عن منظومة اللقطة الكلية المباشرة. ويقدم سليمان باجبع موضوعه في تأليفية محكمة محدودة العناصر ومقننة المعالجة فنجد في لوحته غالباً كتابة وطيوراً وخيولاً ونساء, وما بين لوحة وأخرى شيئاً من ذلك أو كله. وبرزت في عمل رائدة عاشور المدينة العربية ببساطتها وجماليتها والتي سرعان ما اختارت من تفاصيلها أو تقاطيعها ما منح عملها أكثر بساطة وشفافية. لقد برزت الوحدة المعمارية, والاستفادة من المعمار التقليدي في أعمال العديد من الفنانين التشكيليين السعوديين, ومن بينهم: أحمد السبت, أحمد الأعرج, عبدالله نواوي, علي الغامدي, إبراهيم النغيستر, علي الدوسري, ميرزا الصالح. ونشير إلى أن عدداً من الفنانين الذين تناولوا التراث المحلي قد أضافوا بين عمل وآخر حروفاً أو كتابات ليست بالضرورة تضيف قيمة أدبية أو فنية في عملهم الفني.

ولقد برزت الحروف العربية في لوحات بعض الفنانين السعوديين بداية من رضوي, وشيخون, والرزيزاء, إلا أن فناناً رائداً مثل محمد السليم قد طرح الكتابة في لوحته كبديل لعنصر ما عندما أطلق أعماله التي تتناول الصحراء ويسميها فيما بعد, وكاتجاه بـ (الآفاقية), وكتب السليم في لوحته عبارات وكلمات مختلفة بين مساحات سكين الرسم الأفقية الممتدة من يمين لوحته إلى يسارها. وقد تراوحت الكتابات بين المباشرة الشديدة إلى البساطة التي اندمجت في خطوطه العفوية, إلا أن فناناً مثل ناصر الموسى كان الأشد إخلاصاً للحرف العربي منذ تناوله في بداية 1983م, وأقام معرضه الشخصي حول الحرف العربي في خطوة أولى, ومعها تواصل اهتمامه وتنويعه للحرف صيغاً وأشكالاً.

وعلى نحو مباشر رسم يحيى شريفي حروفه مع بعض الزخارف الإسلامية, وانطلقت صيغ الفنان محمد الصقعبي من كتاباته المباشرة لآيات أو أحاديث حتى اختفت الكلمة, وبقي الحرف أو أثره. وتتشكل حروف الفنان عبدالعزيز عاشور متشابهة أو مغايرة لشكل الحرف المقروء. على أن الفنان سليمان الحلوة كانت أعماله أكثر شفافية وهو يوظف استلهامات حروفية, وبمعالجات مائية, وقد تناول الحرف العربي أو التشكيلات الحروفية عدد من الفنانين التشكيليين السعوديين مثل فهد الربيق, وأحمد عبدالنبي, ومحمد المعجلان, وحمزة باجودة, ويوسف أحمد جاها, وآخرين وضمن صيغ أو معالجات يتأثر بعضها ببعض الفنانين العرب الحروفيين. وقد أقامت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون, فرع الدمام معرضاً للحرف العربي للفنانين السعوديين عام 1989.

الحضور السيريالي

تعتبر السيريالية من أهم التيارات التي تركت تأثيرها في حركة الفن التشكيلي العربي, ومنذ وقت مبكر, وقد ظهر تأثير هذه الحركة في أعمال عدد قليل من الفنانين التشكيليين البارزين. على أن عدداً كبيراً من الناشئين والناشئات قد تأثروا بصيغها, وعلى نحو متواضع في معظم الأحيان, ويعتبر الفنان عبدالحميد البقشي من أبرز فناني السعودية الذين تأثروا بهذا الاتجاه منذ منتصف السبعينيات الميلادية حيث تركت أعماله أثراً في بعض الفنانين التالين له. تناول عبدالحميد البقشي في لوحته المكان, وأكّد على شكل من التناول الرمزي المتمثل في علاقات العناصر.

ويتضح بين هذه التأليفات والصيغ مقدار من تشكيل صوره الخيالية التي تنبعث من ذاكرة غنية بالوقائع والأحداث والتصوّرات مع اهتمام بجانب تفصيلي في أجزاء اللوحة يقابله ما يثيره اللون من درامية - بجانب الشكل المصوغ - وقد تناول فنان آخر هو خليل حسن خليل مواضيعه المحلية بصيغ تتأثر بعالم أحلام السيرياليين, وقد سمى مطبوعة صدرت حول أعماله بـ (أحلامي) ويطرح خليل في لوحته عناصر محلية يختارها من محيطه وما يتعامل معه بشكل يومي أو في إسقاط رمزي لأحداث ووقائع تاريخية على زمن راهن, وعلى محدودية الفنانين الذين تركت السيريالية تأثيرها في أعمالهم إلا أنه يمكن الإشارة إلى سامي الحسين وحميدة السنان, ورضية برقاوي وعبدالعظيم شلي, ومهدية آل طالب, وفهد الربيق وصالح خطاب. وطرح بعض الفنانين التشكيليين السعوديين أعمالاً رمزية يمكن لمس مضمونها المباشر من خلال العلاقات بين العناصر المنتقاة - بعناية أحياناً - وتتناول قضية ما إنسانية أو اجتماعية. أو حتى ذاتية, ونجد في أعمال للفنان عبدالجبار اليحيا اتجاهاً نحو التعاطف مع المرأة التي يربطها غالباً بالنخلة, وبالمنازل. على أن هذا الفنان رسم في مراحله الفنية المناظر والمشاهد المحلية المباشرة, ومثله الفنانة بدرية الناصر التي رسمت بداية وبمباشرة جلسات النساء وأفراحهن. إلا أن أعمالاً لاحقة لها تناولت بشكل رمزي المرأة في عدة حالات منها الحزن والكآبة والانتظار... إلخ, وهو جانب جاء أشد درامية في بعض لوحات الفنانة شادية عالم وهي ترسم المرأة منكفئة على نفسها, وفي حال من الوحدة والألم. وفيما ترسم هذه الفنانة أيضاً مشاهد طبيعية على نحو فطري كما هي بدرية, وعلى نحو شاعري اتجهت معظم أعمال الأمير الفنان خالد الفيصل الذي قارب بين القصيدة واللوحة التشكيلية حتى أنه رسم مجموعة من القصائد العربية الشهيرة وأقام بها معرضاً شخصياً في مدينة الرياض.

إن التوجه الرمزي على تعدد صيغه وطرائقه تناوله العديد من الفنانين سواء بمباشرة, وبعلاقات واضحة وصريحة أو من خلال توظيف دلالات معينة, وصيغ مختلفة, وسنجد أن العنصر/الرمز يتبدى في معظم اللوحات بما يحقق معنى ما يحتمل التأويل والتفسير أو يبقى أمراً مفتوحا.

وقد عبّر عن ذلك بعض مَن تناولوا الوجه الإنساني وعلى نحو درامي يؤدي اللون فيه, وكذلك مقدار تأثير اللقطة فعل الإثارة. وجاءت أعمال أحمد فلمبان على هذا النحو وهو يتناول الوجوه في أوضاع مختلفة من الاستغاثة, أو الصراخ, أو الانكسار والتألم, ويمكن اعتبار وجوهه أشد تعبيرية بين أعمال الفنانين التشكيليين السعوديين, كما تناول هذه الحالة زهير طوله.

على أن حالة التعبير عند نوال مصلي تخلّص الوجه من الملامح أو التفاصيل مكتفية بمعطى اللون وتأثيره, كما تناولت زهرة بوعلي وفهد الحجيلان وعلي الغامدي وصفية بن زقر وعبدالجبار اليحيا وضياء عزيز وآخرون الوجه الإنساني محاولين تحقيق تأثير ما أو درامية من خلاله, إلا أن النتائج تتفاوت كما هي الصيغ.

المحاولات التحديثية

عبّرت أعمال عدد من الفنانين السعوديين عن محاولات تحديثية تنطلق وفق مفاهيم وقناعات, فمع انطلاق أعمال عبدالحليم رضوي لتناول معاصر وفق منطلقات تراثية يسمّيها بالأصالة, إلا أن عدداً من الفنانين حاولوا الانطلاق إلى الحداثة عبر وسائط أو وسائل مختلفة. ويبرز بين هؤلاء منيرة موصلي وفيصل السمرة ومحمد الغامدي ونايل ملا وبكر شيخون ولحق بهم جيل من الفنانين الشباب مثل مهدي الجريبي وعوضة الزهراني وحمدان محارب وصديق واصل.

وعلى ما يمكن الإشارة إليه من اختلاف مفاهيم أو ماهية هذا الاتجاه بين هؤلاء حد التباين, إلا أننا أمام محاولات شابّة بحاجة إلى مزيد من التكريس المستوعب لمفاهيم الحداثة أو ما بعدها من أجل صياغة أفكار جديدة مواكبة لا مجرد لحاق أو تقليد أعمى.

تعتبر منيرة موصلي من أوائل الفنانات اللاتي عرضن بشكل فردي في مدينة الرياض أواسط السبعينيات. وعبّرت أعمالها المبكرة عن أفكار وطروحات تقترب من شكل المشروع كما هي تجربتها (الواسطي وأنا ومواضيع أخرى) وهي تجربة كغيرها وظّفت لها الخامات المحلية وما يضيف لبحثها الجديد في اكتشاف مغاير ضمن أعمال الواسطي. واتجهت أعمال الفنان فيصل السمرة إلى تأثر بأعمال الفرنسيين حيث تلقى دراسته الجامعية إلا أنه عاد إلى موحيات صحراوية, فعلّق قماشته بما يوحي بالخيام وتناول إشارات وعناصر لها دلالاتها المحلية. على أن هذا الفنان ما انفك يجرب ويعيد مع أعماله ذاكرة تسترجع مشاهد طفولية أو شبابية وموظفاً خامات مختلفة بين أكثر من تيار فني حديث.

وتكتشف إلهام بامحرز في المعاجين مادة لتشكيل مواضيعها الإنسانية مستخدمة خامات مختلفة لتحقيق موضوعها, وضمن هذا التوظيف كانت بعض أعمال شريفة السديري في طرح بعد رمزي لعملها, ووظف عبدالله المرزوق خامات كالأخشاب والأسلاك وقطع الترانزستور لعمل يحمل أبعاده المكانية مضيفاً الصورة والكتابة كما في مجموعته (قوس قزح الصحراء) وزاوج محمد الغامدي بين قطعه الخشبية من الأشجار وقطع الحديد التي أخذها من بقايا المصانع لتأليف عمل يحمل دلالة زمن راهن, وقريباً منه كانت أعمال صديق واصل الذي يستخدم الحديد ويضيف إليه ما يمنح عمله إيحاء بحركة إنسانية أو تأثير الآلة. وقد وظّف عدد من الفنانين والفنانات الخامات من المعاجين والأخشاب وقطع الحديد والأسلاك والأقمشة والأوراق والحبال والخيوط, وغيرها. ونشير إلى تجارب كمال المعلم وحميدة السنان وفايز الحارثي وصلاح باشراحيل وعبدالعظيم الضامن واعتدال عطيوي.

النحت

ظهرت التجربة النحتية منذ بداية المعارض المنتظمة منتصف السبعينيات, وتراوحت بين الفن التطبيقي, والتعامل مع مواد كالأخشاب والحجر, وبرزت مبكراً أعمال علي الطخيس ونبيل نجدي وعبدالله العبداللطيف الذي ترك أثراً واضحاً في أعمال فناني مدينته الدوادمي حيث ظهر الطخيس وأحمد الرقيم, وآخرون, وبرزت أعمال نحتية لكمال المعلم وحرفية لصالح الزاير.

ويعتبر عبدالحليم رضوي من أكثر الفنانين السعوديين الذين تعرض أعمالهم المجسّمة في الميادين السعودية, وقد قدّم أعماله منذ بداية الثمانينيات في مدينة جدة.

هذه المدينة التي تشهد ميادينها أعمال فنانين عرب وأجانب لم تزل خالية من منحوتات السعوديين عدا رضوي, وعلى محدودية النحّاتين في السعودية فإنه يمكن الإشارة إلى أعمال هاشم سلطان وعبير فتني وزكي نواوي.

***

تعتبر الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية من أنشط الحركات التشكيلية في الوطن العربي, واستقطبت مدينة جدة من خلال صالات العرض الخاصة معارض جماعية وفردية لفنانين سعوديين وعرب, وتقام فيها أكبر مسابقة تشكيلية تنظمها الخطوط الجوية العربية السعودية تحت مسمى (ملون السعودية) قيمة جائزتها الأولى خمسون ألف ريال سعودي. كما تُمنح جوائز مالية أخرى لأحد عشر فناناً والمشاركة متاحة للسعوديين وللعرب والأجانب المقيمين في السعودية, واستقطبت لتحكيمها فنانين ونقّاداً عرباً, من خلال المعارض التي تنتشر في المدن والمحافظات السعودية عن طريق الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو مكاتبها أو عن طريق الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وفروعها أو عن طريق جهود الفنانين الخاصة أو المراكز الفنية وقاعات العرض الأهلية. وتعتبر (المنصورية) للثقافة والإبداع التي أنشأتها الأميرة جواهر بنت ماجد من أهم المؤسسات الفنية التي ظهرت في السعودية متبنية الأعمال الفنية الجادة وراعية للمعارض وللفنانين الذين ترى أهميتهم وجديّتهم.

لقد ظهر في المملكة العربية السعودية العديد من الأسماء الفنية التي أسهمت في إثراء هذا النشاط على مستوى الداخل, ويمكن الإشارة إلى فيصل المشاري, يوسف جاها, محمد سيام, عبدالله إدريس, تركي محمد الدوسري, خالد العويس, عبدالعزيز الناجم, رضا معمر, عبدالعزيز عاشور, إحسان برهان, زمان محمد جاسم بجانب الأسماء التي أشرنا إليها ضمن سياق الموضوع

 

عبدالرحمن السليمان






عمل للفنان زمان محمد جاسم





لوحة لزهير طولة





منحوتة للفنان علي الطخيس





من أعمال الفنان طه صبان





من أعمال يحيى شريفي





من أعمال شادية عالم





من أعمال عبدالعظيم الضامن





من أعمال عوضة الزهراني





من أعمال عبدالعزيز عاشور





من أعمال عبدالله إدريس





من أعمال الفنان الرائد محمد موسى السليم