كيف انتبه العرب لأدب الأطفال?

 كيف انتبه العرب لأدب الأطفال?
        

يتفق الدارسون على أن أدب الأطفال عرف في المجتمعات كافة, غير أن أشكاله تغيرت مع تغير هذه المجتمعات. والمثير أن البعض يرى أن نشأة هذا الأدب كانت متماثلة في مختلف هذه المجتمعات.

          تكشف الدراسات الأكاديمية الباحثة عن مصادر آدابها الأولى والتي تدل على تنوع هذه المصادر, كما هي الحال في أصول الآداب الشعبية الغربية مثلا, والتي ورثت عن العرب, كما ورثت عن الجذور الكلاسيكية (يونانية ـ رومانية), ثم المسيحية (مسيحية ـ يهودية). كذلك حال أدب الأطفال الغربي الذي ورث عن الآداب العربية الكلاسيكية ما ورثه كما في قصص لافونتين التي عاد العرب فأخذوا عنها ما أخذوا.

          وقد سبقت أوربا في النزوع الأدبي للتوجه نحو الأطفال. أما في بلاد العرب, فمن الصعب تحديد نقطة البداية تماما إلا مما يمكن أن نعتبره إرهاصات في هذا المجال تجلت في أغاني ترقيص الأطفال أو أغاني المهد lullaby والتي تنتشر في كل اللغات, الأمر الذي يكاد يحصرها في بوتقة التراث الشعبي والفولكلوري, كذلك في القصائد التي كتب الشعراء فيها عن أولادهم راثين أو مشفقين أو شارحين امتدادهم الوجودي لهم. أما بالنسبة للقصة, فقد عرف العرب قديما, كما سائر الشعوب, تراثا شعبيا قصصيا عبر عن روح الشعب وعقله وطرق حياته, وفكرته عن الحياة. وشكلت القصص جانبا مهما من جوانب الأدب عندهم في الجاهلية, حتى إنهم فتنوا بالأساطير وروايتها, وبحكايات الأبطال والمعارك والانتصارات والفروسية والتقاليد والصفات السامية التي أرادوا تكريسها في نفوس السامعين. وكان لقصص الجاهلية دلالات شعبية نظرا لتصويرها الدقيق للمجتمع الجاهلي بما فيه من أمور إيجابية, كالتمسك بالقيم الأخلاقية السائدة, وأمور سلبية, كالظلم والغدر والعدوان والقسوة, وإن كان يؤخذ عليها اهتمامها بالأبطال والملوك والشيوخ, وإهمالها العامة والناس العاديين والأطفال.

          عندما جاء الإسلام, (نعثر أول ما نعثر على ما جاء في القرآن الكريم من قصص القرون السالفة, والأنبياء مع أقوامهم, فنرى قصة (يوسف عليه السلام) مع إخوته وأبيه وعزيز مصر, تمثل القصة الفنية الكاملة). هذا عدا ما يحفل به القرآن الكريم من قصص تصلح أن تكتب للأطفال والناشئة بأسلوب مبسط سهل يحبب إليهم الدين ويقربهم منه. والقرآن الكريم جاء للناس بالقصص للعبرة والتذكرة والموعظة الحسنة, كي يستفيد السامعون من تجارب السابقين, ويتبينوا طريق الخير فيتبعوها, مبتعدين عن طرق الشر والتكبر والتسلط والإلحاد والوثنية والإشراك بالله. وقد اعتمد القرآن الكريم على القصص لأنه وقت نزوله على الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - كانت القصص وروايتها فنا منتشرا بين القبائل العربية المنشرة في أرجاء الجزيرة آنذاك وهذا ما جعل الأمهات المسلمات يحكين لأطفالهن قصص الدين الجديد وبطولات الرسول. وازداد نشاط القصص الديني, وكثرت القصص التي تحكى للأطفال, في العصر الإسلامي, خصوصا في عهد الأمويين, وربما كان ذلك بسبب الاهتمام العام بهذا الفن. فقد عين الخلفاء من العصر الأموي (40 ـ 132 هجرية) وما بعده قصاصا يقصون على الناس سير الأنبياء والملوك في المساجد, كما عنيَ الخلفاء أنفسهم بالاستماع إلى التاريخ والقَصص. وفي القرن الرابع الهجري وُضعت المقامات وهي قصص أدبية قصيرة. وفي مصر, اتسع القَصص منذ عهد الفاطميين ووُضعت أعظم القصص العربية وأطولها, وهي قصة عنترة, ليوسف بن عبد العزيز في عهد العزيز بالله الفاطمي (365 ـ 386 هـ), وقد نشرت في اثنين وسبعين جزءا. وفي أثناء الحروب الصليبية أُلفت في مصر قصص تمجد مآثر الأبطال كسيرة الظاهر بيبرس, وقصة سيف بن ذي يزن, والأميرة ذات الهمة, وفيروز شاه. وعملت مصر منذ القرن الخامس الهجري على إتمام (ألف ليلة وليلة) حتى أوصلتها إلى صورتها الحالية في القرن العاشر الهجري.

أنواع القصة

          والقصة, عند العرب, قسمان: مترجم دخيل, وعربي أصيل. النوع الأول يمثله كتابا (كليلة ودمنة) و(ألف ليلة وليلة) اللذان قدما للأدب العربي والعالمي أجمل القصص المتأثرة بهذين الكتابين, سواء من حيث استخدام الحيوان كرمز ناطق, أو من حيث الخيال الجامح والحكايات المتداخلة. أما النوع الثاني, فمنه (مقامات بديع الزمان الهمذاني), و(مقامات الحريري), و(رسالة الغفران) للمعري, وهي رحلة تخيلها أبو العلاء المعري في الجنة, وفي الموقف والنار. وقصة (حي بن يقظان), لابن طفيل, حيث تُلحظ جوانب نضج قصصي في الشرح والتبرير والإقناع. كما قدم الجاحظ قصص البخلاء وقصص الحيوان في كتابي (البخلاء) و(الحيوان) وقدم (قصة الكندي), التي اعتبرها عبد الملك مرتاض (أجمل من القصة, وأرقى من المقامة, وأطرف من الحكاية, وأمتع من المقالة), كما اعتبر الجاحظ (أكتب كتاب العربية إلى يومنا هذا). ومن النوع الثاني, أيضا, القصص الشعبي وسير الأبطال كسيرة عنترة, وقصة الزير سالم, وقصة بني هلال, وقصة الملك سيف بن ذي يزن, كذلك وقائع علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع عتاة الجن والغيلان والكائنات الشريرة, وغيرها. كما كان لهم قصص على لسان الحيوان, ويمكن أن يقال ـ إجمالاـ إنها كانت فطرية أسطورية تشرح ما سار بين الناس من أمثال, وإما مأخوذة من كتب العهد القديم, وما عدا هذين, فمتأخر عن (كليلة ودمنة) ومتأثر به, كما في بعض قصص الحيوان عند الجاحظ. ولعل قراءاتنا لتراثنا, تكشف لنا الكثير من القصص الممتعة التي تحقق مقومات القصة الفنية, وما علينا إلا البحث الجاد للاكتشاف وإثبات أن المجتمع العربي الشعري القديم المنبثق من حضارة البادية القحة, كان يملك فن القصة, التي شكلت مصدرا من مصدري القصة في الأدب العربي الحديث. أما المصدر الثاني, فغربي ترجم إلى العربية بعد الاتصال بالغرب إثر حملة نابليون لمصر, والتي حملت معها تقنية الطباعة, وشجعت على الترجمة بزعامة رفاعة الطهطاوي, فحافظ إبراهيم, ونجيب حداد, وفرح أنطون, وغيرهم حيث شجعت الترجمة الأدباء العرب, فيما بعد, على التأليف في هذا الفن متخذين من الحياة العربية موضوعا لرواياتهم.

بدايات أدب الأطفال

          أما إذا أردنا البحث عن بدايات أدب الأطفال العربي, فلابد لنا من العودة إلى أسباب نشوء وازدهار هذا الأدب. وبعيدا عن حصر هذه الأسباب في عامل واحد, فإن الأسباب الواقعية أبعد من ذلك, أهمها:

          أ ـ بروز الطفل في الساحة الثقافية العالمية ومن ضمنها العربية.

          ب ـ انتشار التعليم.

          ت ـ الترجمة والاقتباس.

          فإذا ما بدأنا بالعامل الأول, وجدنا أن الطفل العربي برز في الساحة الثقافية مطالِبا بزاد ثقافي خاص قد يكون عامل المثاقفة Enculturatio - أي حيازة الثقافة الخاصة - قد لعب دوره في الحث على خلق أدب يشبه ما يقدم للطفل الغربي, تماما كما حصل وقت ترجمت القصص الفرنسية الأولى إلى الإنجليزية فشجعت الأدباء الإنجليز على الكتابة.

          وكان انتشار التعليم, من أبرز العوامل في نشوء أدب الأطفال في التراث العربي الحديث. وقد ورد في تقرير التنمية البشرية الصادر عام 1996 عن هيئة الأمم المتحدة لبرنامج التنمية, (أن معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي (في البلدان العربية) تضاعفت أكثر من مرتين خلال الفترة 1960 ـ 1990 من 38% إلى 77%, كما أن معدلات الأمية بين الكبار انخفضت من حوالى 70% عام 1967 إلى حوالى 46 % عام 1992). ويدل التقرير على مدى انتشار التعليم الذي يعني حاجة الأطفال إلى أدب خارج إطار المدرسة كما هم بحاجة إلى الكتب المدرسية التي ساهم الأدباء والشعراء العرب في تقديمها لهم مطبوعة بالطابع الوطني التربوي الموجه في خطوة منفصلة عن الأدب المترجم, وسائرة نحو إيجاد أدب أصيل.

          أما العامل الثالث, فهو عامل الترجمة, أو عامل النقل translation الذي ساهم ويساهم في نقل ثقافات الأمم بعضها إلى بعض في إطار التعاون والتكامل الإنساني المؤثر بالآخرين والمتأثر بهم. ومنذ القديم وحتى اليوم, كانت الترجمة, وما زالت, (حاجة حضارية ملحة تكتسب أهميتها من قوة تأثيرها في عملية التقارب والتفاهم بين الناس في مجتمعاتهم المتباعدة جغرافيا والمختلفة ثقافيا), مما يعني أن أهميتها تنطلق من جانبين اثنين: (جانب إنساني يتعلق بالتواصل الحاصل من خلال انتشار الأثر المكتوب وتخطيه حدود البيئة التي أنتج فيها ليصل إلى مجتمعات أخرى حيث يلتقي قراء البلاد المختلفة على كثير من الأفكار والقيم والعلوم الإنسانية التي تقرب فيما بينهم. وجانب اجتماعي يتعلق بالمجتمع المستقبِل لهذا الأثر, ومدى تفاعله مع مستوى تطوره الثقافي ـ الاجتماعي, وحاجته لرفع هذا المستوى وتطويره من خلال استيعاب هذه الثقافة الوافدة وتمثلها في إطار ثقافته المحلية بما يعزز مكانتها ويحافظ على أصالتها وهويتها). وبصورة أكثر دقة, فإن أي عمل أدبي يترجم من لغته الأصلية التي يطلق عليها علماء الترجمة تسمية (لغة المصدر) إلى لغة جديدة تسمى (لغة الهدف), فإنه (يغادر أدبه القومي, أي أدب لغة المصدر, ليستقر في أدب قومي جديد, هو أدب لغة الهدف). لذا, توصف الترجمة بأنها (هجرة النص).

          وليست هجرة النص, كما يقول عبده عبود, عملية سهلة, بل معقدة ومتعددة الأبعاد, تطرأ خلالها على النص تغيرات أسلوبية جمالية, ودلالية, ونصية, تقل أو تكثر, وذلك لأن الترجمة الأدبية ليست عملية نقل ميكانيكي لنص من لغة إلى لغة أخرى, بل هي عملية إبداعية, يعاد خلالها خلق النص الأدبي في لغة جديدة, وفقا لمستند مكتوب باللغة الأصلية لذلك النص. ويرفض عبود القول إن كل ترجمة خيانة, ويعتبره قائما على سوء فهم لطبيعة العملية الترجمية, دون أن ينفي أن فكرة الأمانة التامة في الترجمة الأدبية.

الترجمة.. وسيلة التعارف

          شكلت الترجمة الخطوة الأولى نحو تنبيه أدباء الأطفال العرب إلى هذا الأدب إذ نقلته من لغة المصدر إلى لغة الهدف في محاولة لتعريف المجتمع المستقبِل به. فقد عرف العرب أدب الأطفال في القرن التاسع عشر, أي بعد قرن تقريبا من توجه أوربا نحو الطفل وعلى شكل بدايات بسيطة عن طريق البعثات الدراسية والعلمية التي كانت تتابع تحصيلها العلمي في عواصم أوربا, وعن طريق كبار الكتاب الذين كانوا يتقنون لغة أو أكثر إضافة إلى العربية.

          وإذا كانت الترجمة عاملا من عوامل ظهور أدب الأطفال في التراث العربي الحديث, فإن رجلا مثل رفاعة الطهطاوي (1216 ـ 1290 هـ ـ 1801 ـ 1873 م), عجل بظهور أدب الأطفال من خلال عمله في حقل الترجمة إلى اللغة العربية, وإشرافه على صحيفة (روضة المدارس), وترجمته عن الإنجليزية قصصا بعنوان (حكايات الأطفال), فكان عمله أول عناية شبه رسمية بأدب الأطفال في الوطن العربي, لأنه كان مسئولا عن التعليم في مصر, ولأنه أدخل قراءة القصص في المنهاج المدرسي.

          عرف العرب, أوائل القرن, شعرا نظم فيه الشعراء خرافات لافونتين وخرافات إيسوب بالعربية, وكان أقدم هذه الكتب كتاب (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ) لمحمد عثمان جلال (1245 ـ 1316 هـ = 1829 ـ 1898م), وكان الشاعر قد شُجع من قبل رفاعة الطهطاوي الذي أعجب به فأرسله إلى مدرسة الألسن. ولنبوغه وإتقانه الفرنسية, التحق بالديوان الخديوي معلما ومترجما للفرنسية, وظل يتدرج بعد ذلك في أعمال الترجمة والكتابة في دواوين الحكومة وآخر ما وليه منصب قاض بمحكمة الاستئناف بالقاهرة. وكتابه أول محاولة عربية تعبد الطريق أمام الكتاب لإرساء دعائم أدب الطفولة, وهي محاولة تسبق محاولة أحمد شوقي بسنوات طويلة, مما يحقق له الريادة الزمنية. ووفق الشاعر وهو يترجم (حكايات لافونتين) إلى منظوماته الشعرية إلى تحري دقة النقل إلى الأدب العربي, وفي التعبير عن البيئة المصرية, وتمثل الشخصية المصرية تمثلا صحيحا في ميلها إلى البساطة والمرح وخفة الظل, مما يعني أن ترجمته أقرب إلى الاقتباس منها إلى الترجمة الحرفية loan translation, ومما يعني, أيضا, حريته في الحذف والإضافة, أي ما يمكن أن يطلق عليه, أيضا, الترجمة الحرة free translation.

          شكل(العيون اليواقظ), إذن, الإرهاصة الأولى في ميدان أدب الطفل العربي, حيث نجح الشاعر عثمان جلال في تعبيد الطريق أمام المبدعين لتأصيل أدب الطفل كلون أدبي مستحدث. وتنتهي المرحلة بوفاة محمد عثمان جلال عام 1898م, ولكن العام التالي لوفاته شهد مرحلة جديدة في أدب الطفل رادها الشاعر أحمد شوقي (1285ـ 1351هـ = 1868 ـ 1932 م) في أعقاب عودته من فرنسا داعيا, في المقدمة الإضافية التي تصدرت الطبعة الأولى من الشوقيات عام 1317 هـ, إلى إرساء دعائم لأدب الطفل, مشيرا إلى أهمية تضافر جهود الأدباء والشعراء بعامة وصديقه الشاعر خليل مطران بوجه خاص. وبالرغم من أن أحمد شوقي عبر عن مدى تأثره بأسلوب لافونتين, فقد أغفل تماما تجربة محمد عثمان جلال التي سبقته, بالرغم من أن ديوان الأخير قد طبع قبل ميلاد شوقي وفي حياته أكثر من طبعة, بل ظهرت الطبعة المدرسية قبل ظهور ديوان شوقي ببضع سنوات, كما قررته نظارة المعارف على أطفال المدارس الأولية في حياة شوقي! وتختلف تجربة شوقي عن تجربة جلال في أن مصادر حكايات الأول قد تنوعت ما بين الأدبين العربي والأجنبي, إذ استقى أفكاره الأخرى من أصول تراثية عربية ككليلة ودمنة وحياة الحيوان وغيرهما, كذلك في تنبيهه, في (منتخبات من شعر شوقي في الحيوان) الوعي القومي, وحب الوطن, إلى جانب نقد بعض العادات الاجتماعية بينما اكتفى جلال بخرافات لافونتين مقتبسا منها, ممصرا إياها.

          عام 1913, صدر كتاب إلياس بك قدسي فيس (1266 ـ 1345 هـ = 1850 ـ 1926م) بعنوان (نوادر وفكاهات من أحاديث الحيوانات), وتتميز هذه النوادر بالروح المرحة وبأنها كتبت بالعامية, وأنها لم تلتزم الترجمة الحرفية loan translation, بل الترجمة الحرة free translation.

          وفي العام نفسه, صدر كتاب (آداب العرب) لإبراهيم بك العرب المتوفى 1927 م في تسع وتسعين قصة شعرية على غرار خرافات لافونتين أيضا, ولكن القصائد الشعرية فيه كانت بعيدة عن روح الفكاهة التي تميز بها جلال وشوقي, وأقرب إلى الكتابة الوعظية التي تدور في فلك الاتجاه التعليمي, أو أنها كانت تنزع إلى النزعة التعليمية Didacticism.

          وبينما التزم الأب أبو هنا المخلصي, أحد أدباء دير المخلص في صيدا, الترجمة الحرفية لخرافات لافونتين, في كتابه (أمثال لافونتين), استقى جبران النحاس في (تطريب العندليب) معظم قصصه الشعرية من لافونتين أيضا.

من الهراوي للكيلاني

          وفي الوقت الذي كان الشعراء يترجمون فيه هذه الحكايات, كتب شعراء آخرون للنشء يعلمونهم قواعد السلوك عبر التوجه المباشر لهم, أو عبر قص حكاية, متأثرين, بشكل أو بآخر, بخطاب الطفل, فقدم محمد الهرَّاوي (1302 ـ 1358 هـ = 1885 ـ 1939م) عام 1923, منظوماته (سمير الأطفال للبنين) و(سمير الأطفال للبنات) لتتناسب مع مستويات الأطفال اللغوية والإدراكية, كما صدرت له, عام 1924 أربعة أجزاء من (أغاني الأطفال). ويعد الهراوي من أوائل من انصرفوا بجد نحو كتابة الشعر للأطفال وقد حرص على أن يخاطبهم من خلال شعره, بلغة سهلة واضحة ومعبرة, كما حرص على اختيار أخف الأوزان وأيسرها حفظا. وقدم معروف الرصافي (1294 ـ 1364 هـ = 1877 ـ 1945 م) مقطوعات شعرية في كراس بعنوان (تمائم التعليم والتربية). ولم يكتف الشعراء بالاستقاء من مناهل الأدب الأجنبي, بل نظموا بعض حكايات (ألف ليلة وليلة), و(كليلة ودمنة), مما يوضح نشأة هذا الأدب معتمدا على الترجمة والاقتباس عن كلا التراثين الأجنبي والعربي شعرا في البداية, ثم ما لبث الأدباء أن ترجموا واقتبسوا النثر وقدموه للقارئ العربي. ويعد علي فكري (1296 ـ 1372هـ = 1879 ـ 1953 م) من أوائل من اهتم بأدب الأطفال, وهو كثير المصنفات, له منها (السمير المهذب) في أربعة أجزاء, كما أصدر(مسامرات البنات), وهو عبارة عن أشتات مجتمعات في أدب التسلية, وعظات دينية وأخلاقية, وذكر خصال النساء, ولا يعد الكتاب من كتب أدب الأطفال, لكن كتابه (النصح المبين في محفوظات البنين), ووصيفه (في تربية البنين), ونظيره (في تربية البنات), والتي أصدرها عام 1916, من الكتب الأولى التي ساهمت في ميدان أدب الطفل الحديث. وقد عرف كتاب (تربية البنين) بأنه كتاب صغير يهدي النشء إلى واجباتهم المدرسية, والمنزلية, والاجتماعية, فيشبون من صغرهم على مكارم الأخلاق, ومحاسن الخصال وجليل الأعمال التي يكونون بها رجالا في المستقبل, نافعين لأنفسهم ووطنهم وأسرهم. أما (تربية البنات), فكتاب لتربية البنات تربية إسلامية حقة في أدوار حياتهن المنزلية والمدرسية والاجتماعية, ويشمل الأناشيد الأدبية, والحكم والأمثال الوعظية, لتكون بها سيدة مهذبة, ومدبرة عاقلة, وامرأة صالحة, نافعة لأمتها وأسرتها كما جاء في نهاية (السمير المهذب) الجزء الرابع.

          ويعد كامل الكيلاني (1315 ـ 1379 هـ = 1897 ـ 1959 م) أول من كتب قصص الأطفال في الأدب العربي الحديث, وقد ساعده في هذا إتقانه اللغتين الإنجليزية والفرنسية. كتب للأطفال (مجموعة قصص فكاهية) و(مجموعة قصص من ألف ليلة وليلة), و(مجموعة قصص هندية), و(مجموعة من أساطير العالم), و(مجموعة قصص علمية). وكان أول ما نشر من هذه القصص (السندباد البحري) سنة 1922, وآخر قصة له (نعجة الجبل). وتعادل مكتبة الكيلاني, في قيمتها الفنية ودرجة الإقبال عليها من جمهور الأطفال والأدباء والآباء والأمهات, ما حققته كتابات اندرسن Andersen Hans Christian (1805 ـ 1875) في الأدب الغربي. ويؤكد خليل مطران ريادة الكيلاني في إنشاء مكتبة الأطفال القصصية, فيذكر: لو لم يكن للأستاذ الكيلاني إلا أنه المبتكر في وضع (مكتبة الأطفال), بلسان الناطقين بالضاد, فكفاه فخرا بها. ويتميز الكيلاني بغزارة الإنتاج التي زودته بخبرة في الكتابة وكانت سبيله إلى حقل التأليف والاستفادة من التراث العربي القديم, كما هي حال مجموعته (قصص عربية) التي تضم قصصا عن حي بن يقظان وابن جبير وعنترة, مما يعني أن الكيلاني استفاد من الترجمة والاقتباس للانتقال إلى حقل التأليف في مرحلة تالية.

 

إيمان بقاعي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





 





 





الرسوم للفنان محمد سعيد البعلبكي من أشعار أحمد شوقي للأطفال