ذكرى البدايات الـجميلة (العربي).. هذا الصرح الشامخ

ذكرى البدايات الـجميلة (العربي).. هذا الصرح الشامخ

اقترحتم علي أن أقف قليلاً مع مجلة (العربي) في مرفأ الذاكرة, ورحبت باقتراحكم لأنه وجد في نفسي صداه, وحتى لو لم تقترحوه عليّ لتوسلت إليكم أن تفعلوا, لأن الموضوع يتصل بظرف ما كان أعزه عليّ وأحبه إلى قلبي! عنفوان الشباب:
فإذا تمثل في الضمير رأيتُه
وعليه أغصانُ الشبابِ تميد!

كانت بداية قصتي مع (العربي) بمدينة فاس (المغرب) وليس في الكويت!! وهذا أمر قد تستغربونه, ولكنه الواقع! وكان التاريخ أواخر يناير 1958 عندما ورد علينا الأستاذ الدكتور أحمد زكي, بصفته رئيساً للوفد المصري, ليحضر المؤتمر الإقليمي الأول للجان الوطنية العربية لليونيسكو, وكنت أنا ضمن أعضاء الوفد المغربي, فبهذه المناسبة وخلال اللجان التي تفرعت عن المؤتمر والتدخلات التي كانت تعرفها قاعة الاجتماعات بثانوية مولاي إدريس, وأثناء تجوالنا في دروب المدينة العتيقة, وما أدراك ما دُروب فاس! وتجوالنا كذلك في مدينة صفرو البستان الدائم, وفي المآدب التي أقيمت آنذاك تكريماً للضيوف, وعلى رأسها مأدبة الملك محمد الخامس الذي كانت الفرحة العارمة تغمره وهو يجد نفسه بين إخوانه من ديار المشرق بعد أن كان الأمس الذاهب يحرمه من التعرف عليهم. بل ومن قراءة كتبهم بل ومن الاستماع إلى إذاعاتهم!!

هناك بفاس كانت (القمة) التي خصصها الدكتور زكي للحديث حول (العربي) كنا نستمع إليه في إمعان, وأحاول الآن أن أتفقد أسماء الحاضرين معنا وأشعر بالتأثر العميق يلفّني وأنا أذكر أن التّراب طواهم أجمعين على نحو ما سيفعله بالباقين!

ماتَ المداوي والمدَاوَى, والذِي جَلَبَ الدو
اء, وبَاعَهُ, ومَن اشْتَرى!!

هناك, وبعد أن قدم لنا الدكتور مجلة (العربي) التي تعتزم الكويت إصدارها أعرب عن الرغبة في أن يجد له بالمغرب مراسلاً يكون (على شرط البخاري ومسلم) كما يقول المحدثون!

وكان المتكلم الأول في هذه (القمة) الأستاذ محمد الفاسي وزير التربية الوطنية آنذاك ورئيس المؤتمر... خاطب الدكتور زكي بقوله وهو ينظر إليّ رحمه الله: ستجد رغبتك في هذا التازي الذي يوجد بجانبك!

وتبادلنا إشارات المجاملات والمكايسات التي كانت تعبر عن نوع من التفاهم... ثم جرت أحاديث حول (العربي) لكن هذه كانت بيني وبين الدكتور, على حدة, ومع ذلك لم تتم (البيعة) إن صحّ هذا التعبير.

ونظراً للمركز الذي كان يحظى به الدكتور عند الجميع فقد كان مجلسه محبباً إلي, وكان يكفي أن أصيخ السمع لما يقول, فما يقوله جميعه حِكمة وعلم وفائدة.

ووجدتُني بعد أن رحل عنا إلى الكويت مدفوعاً للكتابة إليه مذكراً بأيام فاس, ومقدما إليه ما استجد من أخبار الحارة, وخاصة عندما تحول الأستاذ الفاسي من الوزارة إلى رئاسة الجامعة.

وعلى إثر هذا سعدت بخطابه الأول المؤرخ يوم 18/8/1958 الذي كان يحمل في رأسه عنوان (العربي) باللون الأحمر وقد رُسم على خريطة تمثل العالم العربي... وكتب تحت الاسم: مجلة عربية علمية أدبية فنية ثقافية عامة. صندوق البريد رقم 748 - رقم تلفون 3374.

وقد تخلص الأستاذ زكي ليقول: في رسالته التي أعتز بالاحتفاظ بها ضمن شخصياتي:

(... أما عن مراسلة مجلة (العربي) فأرجو أن تقبل أن تكون أنت مراسلها, وسأبذل كل الجهد لتخفيف أعبائها عنك, فأنتم - لما فيكم من صفات شخصية ممتازة ومن علو ثقافة, ومن شباب وقاد, فضلاً عن المركز الذي تشغلونه, ولما توطد بيننا من أسباب الصفاء, لكلّ هذا أنتم جديرون بأن تقوموا - عن إخلاص - بنفع هذه المجلة العربية الخالصة التي لا أرجو منها كسباً أكثر من كسب يكسبه قراؤها...).

كلام تأثرت به وكان وراء تشجيعي على أخذ الطريق مع زميل عظيم كبير جليل القدر كالدكتور زكي.

ومن الصدفة أن يكون أول موضوع يقترح علي الدكتور الكتابة حوله هو (مسجد القرويين بمدينة فاس), هذا المسجد الذي يعتبره الباحثون في التاريخ المغربي أنه ليس فقط مسجداً لأداء الصلوات, ولكنه جامعة علمية لو لم يمنّ الله بها على أهل المغرب... لكان ربّما يدين بدينٍ غير الإسلام ويتكلم بلغةٍ غير لغة القرآن.

وأسجل أن هذا الاختيار من (العربي), لهذه البدايات يعبر وحده عن الهوية التي اختارتها المجلة, وكان مما زاد في اقتناعي بمصداقية (العربي) ما طلبه الدكتور من الحصول على الصور الملونة للمسجد المذكور... واستعداد المجلة لمكافأة الذين يقومون بالمساعدة على تحقيق الرغبة وتقديم الموضوع أحسن تقديم وليس مجرد تقديم!

وقد ختم الدكتور رسالته المؤرخة كما قلت, يوم 28 أغسطس 1958 بهذه العبارة الكافية في تقديم (العربي) قال: فمجلّتنا نريدها عالمية لا تنشر إلا الممتاز.

طالع اليُمن

ولم أتأخر عن جواب الأستاذ أحمد زكي فقمتُ بتحرير مقال عن (جامعة القرويين) نال تقدير الدكتور الذي كتب إليّ بذلك بتاريخ 4 نوفمبر 1958, وكان توقيعه هذه المرة بصفة (رئيس تحرير مجلة العربي).

ولقد نشر مقالي في العدد السادس من (العربي) في شوال 1387 هـ بداية 1959م, ومما استطرد ذكره هنا أن هذا الموضوع المقترح عليّ من قبل (العربي) كان طالع يمن بالنسبة إلى لأنه سيمسي هو موضوع أطروحتي فيما بعد لنيل درجة دكتوراه من جامعة الإسكندرية.

وقد صحب خطابه المذكور بمكافأة بلغت (عشرين جنيهاً استرلينياً) وهي ما هي قبل أربع وأربعين سنة!! ولقد طلب إلي أن أقوم بحجز صندوق بريد في الرباط لحساب مجلة (العربي) يكتب إليه القراء رسائلهم... ليكونً عليّ أن أجمع هذه الخطابات كلّها وأرسلها برسم (العربي)... الأمر الذي تحقق حيث أصبح الصندوق يحمل رقم 701, أكْدال, الرباط!!

وقد أسعدتني الفرصة بزيارة دولة الكويت ذاتها وعينها! وكان ذلك بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع للأدباء العرب, هذا المؤتمر الذي لا أنسى فضله عليّ في التعرف, أكثر, على حشد حافل من رجالات العالم العربي من المحيط إلى الخليج بعد أن كنت أخذت عنه فكرة في مؤتمر اليونيسكو سالف الذكر.

وصلنا الكويت يوم الخميس 18 ديسمبر 1958 حيث تم تجمع الواردين, بعد وداع المطار, في نادي الموظفين حيث تتوزع الوفود على مراكز الضيافة. وهناك في النادي كانت مفاجأتي الأولى هي الوقوف على الوليد الجديد الذي سمعت عنه بفاس, هذا الوليد هو العدد الأول من مجلة (العربي), التي وجدتها ضمن المنشورات التي تستقبل الواردين!! كانت لدي بعض الخلفيات عن هذه المجلة التي أصبحتُ مراسلاً لها بالمغرب, وقد تصفحت بشوقٍ كبير هذا العدد الذي كان يحمل تاريخ جمادى الأولى 1378هـ - ديسمبر 1958م.

وقد عرفنا جميعاً ماذا يعني اتخاذ الكويت منزلاً للعربي, كلمات جميلة وازِنةٌ خاطب بها المحرر قراءه: لماذا سميت المجلة بـ (العربي), وما هي المبادئ التي تستند إليها المجلة, والأهداف التي تتوخاها).

كلام لم نعتد التمهيد به في عمل من الأعمال الثقافية المشابهة, خطاب واضح, ونحوٌ واضح, وقلب مفتوح, وآمال موصولة, رءوس أقلام لمستقبل واعد زاخر بالعطاءات.

لقد نُقشت موضوعات هذا العدد في ذاكرتي بعد فاتحة الدكتور أحمد زكي, القومية العربية كما ينبغي أن نفهمها, بحث عن النخل والتمور مزوداً بالصور الملونة, صلاح الدين الأيوبي, التبادل بين الشرق والغرب, واعرف وطنك أيها العربي, عناوين لبحوث جادة تشدّك شداً إلى المجلة إضافة إلى العناوين الترفيهية والعلمية والشعرية, عدد سمين يحتضن كلّ الحقول التي يحتاج إليها القارئ العربي.

وأتذكّر أن (العربي) طغت على ما عرض على طاولة النادي من نشرات سجلت أسماءها في مذكراتي التي صدرت عن مطبعة حكومة الكويت.

كان في تلك النشرات (الأندلس) لسان حال أسرة طارق في ثانوية الشويخ, رسالة النفط التي تصدرها شركة نفط الكويت و(الكويت اليوم), الجريدة الرسمية للحكومة, ثم المجتمع والشعب والفجر والعامل, إضافة إلى الجرائد الخارجية.

لقد كان مقامي بالكويت أثناء انعقاد هذا المؤتمر في الضيافة رقم 3 حيث كان مرافقي هو الأستاذ عبدالوهاب الزواوي الذي انقطعت عني أخباره.

كان أول ما فكرت فيه زيارة أستاذنا الدكتور زكي الذي كنت معه على (شبه موعد), زرته في بيته حوالي السادسة من يوم الجمعة 19 ديسمبر قبل أن نغرق نحن مع الأدباء في الموائد والفوائد!

كان في نيتي أن أعود للضيافة حوالي الساعة الثامنة لكن ساعتين لم تكونا كافيتين مع الدكتور الذي وجدتّه يحتفظ دائماً بحيويته ونشاطه وضحكاته. لقد كان وصله حديث عن المغرب:

(البلاد المباركة) بقلم الدكتور صلاح الدين المنجد مدير معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية الذي كنت تعرفت عليه بالمغرب, كان الدكتور زكي يعتزم نشر الحديث في العدد القابل من (العربي), ولما كان المقال يتوفر على صور من المغرب. فإن الدكتور كان يلح علي أن يعرف مطابقة الصور للتعليقات حتى لا يظهر المقال على صفة تجافي الحقيقة!

ولما كان الحديث طويلاً مع الدكتور فقد استمرت المذاكرة على مائدته الإنجليزية التي علّق عليها الدكتور بقوله وكأنه يعتذر: إن المعيشة هنا صناعية... بين يديك خير كثير ولكن هذا الخير مجلوب من جهات أخرى نائية, صُبِّر وقَصَد طريقهُ إلى الكويت في علب تحتاج إلى المفتاح واللولب!

ثروة من المخطوطات

لقد كان الدكتور زكي يقيم في (فيلا) ممتازة على مقربة من النادي, تجاذبنا أطراف الحديث بمحضر السيدة حرمه وهي سيدة فاضلة من جنسية إنجليزية, وكان الثالث في سمرنا حفيده رشاد الذي كنت أرى الجدّ زكي يتلقف كلماته بتقدير كبير! ويعلق على تساؤلاته, حريصاً على أن يرضي استطلاعاته, كنت أشعر بأن قلبه يهفو للنظر كثيراً في حفيده, كان هو سلواه بعد العمل المتواصل في (العربي)... وهذا جانب عاطفي وتربوي في حياة الدكتور يجب أن نقف عنده..!

وأذكر أن الدكتور زكي سألني عن الدكتور طه حسين الذي قام, صيف هذا العام 1958 بزيارة للمغرب كانت محل تعليقات ضافية وقد كنت ضمن مرافقيه أثناء هذه الزيارة.
وكنت أشم من خلال السؤال ما كان بين (الزميلين) من مراجعات كان في صدرها ما وصلنا حول إخوان الصفا.

وقد التحق بنا بعد العشاء وعلى غير موعد الدكتور صلاح الدين المنجد الذي تناول الحديث عن ثروة المخطوطات بالمغرب مستدلاً ببعض العناوين, وأذكر أنني كنت حملت معي إلى الكويت ميكروفيلماً لعدد من المخطوطات بقصد إهدائها للمكتبة الوطنية.

وأذكر بتقدير كبير أن الدكتور زكي بما عهد فيه من تواضع العلماء ألحّ علي أن يشيعني, وهنا وقع بصري في الحديقة على حبّات مما نسميه في المغرب الدلاع: أو الركي كما يعرفه أهل الخليج, لقد اعتدنا في المغرب ألا نرى هذه الفاكهة إلا في عز الصيف واليوم أراها ناضجة في الكويت يوم 19 ديسمبر!

وودعت أخي الدكتور زكي ولكن على موعد قابل من أجل متابعة الكلام حول (العربي) وهكذا استمر تواصلنا طوال أيام انعقاد مؤتمر الأدباء.

لقد حضر هذا المؤتمر الرابع سائر الدول العربية بوفود رسمية وغير رسمية تعبيراً منها عن تحية هذه الدول لاستقلال الكويت: حضرت جامعة الدول العربية, والمملكة الأردنية, والبحرين, وتونس, والجزائر, وإمارة دبي, وجمهورية السودان, والجمهورية العراقية, والمملكة العربية السعودية, والجمهورية العربية المتحدة, وفلسطين, وإمارة قطر, والجمهورية اللبنانية, والمملكة الليبية, وعمان, والمملكة المغربية, والمملكة المتوكلية اليمنية, والجنوب العربي, والكويت.

تسع عشرة رايةً كانت تخفق على أعالي البناية التي تحتضن اللقاء: نادي المعلمين, لقد كنت أعيش ببصري وسمعي مع كلّ ما يجري من حوالي في زيارتي الأولى هذه للديار الشرقية.

لقد حضرتُ المهرجان الرياضي الذي أقيم بهذه المناسبة يوم الجمعة 26 ديسمبر 1958 حيث حررت خطاباً إلى زوجتي أقول فيه بالحرف:

(... وإذا كنتِ تريدين أن تتكهني عن مستقبل الكويت فيكفي أن تكوني من الذين حضروا المهرجان الرياضي الذي نظم بعد ظهر هذا اليوم في ملعب ثانوية الشويخ التي تعتبر جامعة بكل ما تحمله كلمة الجامعة من معنى, مهرجان حضره ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربعة تلاميذ وتلميذات (3304).

ولو رأيت الفتيات اللاتي اعتدن أن يشاهدن أمهاتهن في العبايا السود, لو رأيتهن بالشُّورْت والقمصان ذات الأكمام القصيرة لآمنت بما ينتظر الفتاة بالخصوص من تطور, إن شعار هذه الأمة دائماً إلى الأمام).

في كل منعطف كان عَلَم الكويت يرفرف, وحتى على السيارات التي تُقلنا من الضيافة إلى مختلف الجهات, العلم الأحمر يتوسطه اسم الكويت باللون الأبيض.

لقد كان من أبرز ما أثار انتباهي ممّا كان الدكتور زكي حكاه لي: إنك لا تجد أثراً هنا في الكويت للمتسولين, فالدولة ملتفتة إلى ذوي الحاجة ترعاهم في دور الرعاية, ولذلك, فإنه لا أثر للمتسكعين ولا للمحتاجين حتى يوم الجمعة على أبواب المسجد!!

وتلك إشارة لها دلالاتها الكبرى لا يسوغ لي أن أمر عليها مرور الكرام!

لقد ظل الدكتور زكي دليلي الصادق في تعرّفي على الكويت ورجالها الأمر الذي جعلني آخذ فكرة جيدة عن الآفاق الواعدة التي تنتظر البلاد, وكان مما أثار انتباهي ثلة من الطلاب المغاربة الذين وجدوا في الكويت ملاذهم منذ هذا التاريخ, وهم يقولون إن طلبة الكويت أسعد طلبة على وجه الدنيا. تعرفت على السيد الإدريسي الذي كان من طلبتي بجامعة فاس أيام كنت مقيماً بها, كما عرفت منهم السيد المؤمن من القصر الكبير, ومصطفى الصباغ من تطوان إلى آخرين غابت عني أسماؤهم.

كما كان مما لفت نظري كذلك وجود عدد من التجار هنا من أصلٍ مغربي, من الريف وللشمال المغربي ينعمون بصيت طيب وذكر جميل, ظلّوا على اتصال بنا ودعونا إلى بيوتهم, ومن هؤلاء من ذهب إلى إمارة دبي, وأصبح قاضياً هناك بحكم مذهب الإمام مالك, شأن المعروف بالمغرب.وقد ادخرت لي الأقدار أن أتعرف فيما بعد, عام 1970 على ابنته وهي سيدة فضلى كانت زوجة للسيد أحمد سلطان سليم. كنت سفيراً لبلادي ببغداد وعهد إليّ بمهمة خاصة في الإمارات.

وفي مؤتمر الأدباء بالكويت هذا طرح اقتراح إنشاء نادي ابن بطوطة للتعارف, فقد أدرك الأدباء أنهم بحاجة إلى ما يربط وشائجهم أكثر ولم يجدوا غير اسم ابن بطوطة شعاراً لهذا التعارف!

فهل كانت تلك آخر صلةٍ لي بالدكتور زكي?

لقد كنتُ على موعد معه صباح الخميس 25 ديسمبر 1958 وهذه المرة بدائرة المطبوعات التي يرأسها الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي أصبح من أعز أصدقائي... وتعتبر هذه الدائرة من أحدث الإدارات التي تُعنى بما يقدم للشعب الكويتي مما يغذي معلوماته, فهنا تطبع الجرائد والمجلات والكتب والمحاضرات, وتحتل مجلة (العربي) هنا جانباً مهماً في الدائرة بما تحتوي عليه من مكاتب ومحررين وفنيين. ولا أحتاج مرة أخرى إلى أن أتحدث عن الدكتور أحمد زكي الذي كان محل احترام وتقدير وودّ كذلك من الجميع, ولذلك, فإن مكتبه بالدائرة يظل اليوم كله كعبة الزوار الواردين من جلّ جهات العالم العربي.

ومن أولئك الذين كانوا يلازمونه صباح مساء ممن تعرفت عليهم عن كثب الأستاذ الدكتور محمود السمرة, والأستاذ أحمد السقاف اللذان كانا ينعمان بقوة في النشاط ودأب على العمل. وبهذه المناسبة أخذت لنا صورة تذكارية نشرت فيما بعد بمناسبة مرور ربع قرن على ظهور (العربي), عدد يناير 1984.

دارصين

وأذكر في المشروبات الشّتوية التي قدمها لنا الأستاذ زكي شراب القرفة: ما نسميه بالمغرب (دارصين) وهو مما يقدم بالمشرق للضيوف, تطبخ أعواد القرفة طبخاً, ثم تضاف إليها أقراص من السكر حسب الرغبة.

وقد تجددتْ مرة أخرى أحاديث الدكتور معي حول (العربي) مما كان يشعرني أنه كان يتعلق بها تعلّق الأب بابنته الوحيدة!

وأمام تكاثر طلب المغاربة لمجلة (العربي) التي كانوا يجدون فيها ما يشتهون, وما يتطلعون إليه ويتوقون, أصبحتْ إدارة (العربي) تواجه مشكلاً مادياً كبيراً. تكشف عنه الرسالة التي بعثها إلى الدكتور بتاريخ 27 مايو 1959 بعد عودتي إلى المغرب.

(.. إن مسألة التوزيع في المغرب أقلقتنا, عزيزي الأستاذ عبدالهادي, إن النسخة الواحدة تكلفنا لكي تصل إلى بلادكم أربع روبيات أي ست شيلين إنجليزية, لذلك, عدلنا عن إرسال (العربي) إلى المغرب, وقررنا أن نترك الحرية لمن يشاء شراءها من مصر أو بيروت وبيعها بما شاء!).

ولما كان الدكتور طلب إلي استطلاعاً عن المرأة في المغرب, فقد عهدت إلى زوجتي الأستاذة ثريا بوطالب بإعداد الجواب عن هذا الاستطلاع الذي نشرته (العربي) في عددها الحادي عشر. ربيع الأول 1379هـ/ أكتوبر 1959م على النحو الذي طلبه. وأذكر أن رسوم هذا المقال وصوره كانت وثائق ناطقة تعبر عن تاريخ النهضة النسائية في المغرب لاسيما بعد استرجاعنا لاستقلالنا ووقوف الفتاة المغربية على مشارف الطرق التي نقبل اليوم على تجاوزها.

وقد زاد في تقديري للدكتور أنه ظل وفياً لتلك الأواصر, وظل يتابع نشاطي حتى بعد التحاقي بالعمل الدبلوماسي ومن هنا طلب إليّ تزويده بنسخةٍ من تحقيقي لمخطوطة عن تاريخ المغرب والأندلس وهو التأليف الذي قدمه زميلي وأخي الدكتور محمود السمرة في مجلة (العربي) عدد 91 ــ صفر 1386هـ/ يونيو 1966م.

لقد ظلت (العربي) رفيقة دربنا طوال مسيرتنا ولا تزال, وإذا كانت الظروف حالت دون الاستمرار في مراسلتها بسبب انتقالي للعمل في الحقل الدبلوماسي, فقد ظللت على صلة بها سواء كنت في بغداد أو طرابلس أو الإمارات أو طهران. أعدتها وأمست لي (نشوة) كما يقولون في المغرب. لقد أخذني كلّ شيء فيها:

توزيع موضوعاتها, توازنها, خصوصياتها, مبادراتها, تصيّدها للفرصة المناسبة لتناول الموضوعات المناسبة ولكأنها على موعد مع اختيارات القارئ وهواجسه, وإني لأعتز أيما اعتزاز أنني كنت في صدر الذين عملوا على إيصال صداها إلى بلادي المغرب.

كنت وما أزال أعتبرها موسوعة جديرة بأن تحتل رفوف مكتبتي ولا أكتمكم أن أسعد أوقاتي هو الوقت الذي أجلس فيه إلى جانب عدد قديم من أعدادها أتصفح أوراقه لأستمتع بما مر في أمسي من أحداث, وما غاب عني من وجوه, لا أدري هل ما إذا كان من حقي أن أقترح على المشرف عليها الزميل د. العسكري وقد حظيت بالتعرف على جميع الكوكبة التي قادت المسيرة: زكي, بهاء الدين, الرّميحي, اقترح عليه أن يسهر على إعداد فهرس بل فهارس لمحتويات (العربي) منذ صدورها إلى اليوم, فهرس موضوعاتي, وفهرس بعناوين المقالات والبحوث, وفهرس بأسماء الرجال والنساء الذين كانوا يتنافسون على أن تظهر أسماؤهم على صفحات (العربي) التي لم تكن مجلة لدولة الكويت وحدها, ولكنها مجلة لكل العرب سواء أكانوا في الكويت أم بعيداً عن الكويت, أكثر من هذا مجلة لا تنتمي لجهة سياسية فتختفي باختفاء, تلك الجهة, ولا تخضع لسلطان غير سلطان العلم والفكر, ظلت كما تمنّى أصحابها: أن تكون عالمية ممتازة بكل المعايير شكلاً ومضموناً, بل إنها تنافس المجلات العالمية. تلك مبادئ مجلة (العربي) كما أعلن عنها منذ أن خط الحرف الأول على صفحاتها, تلك المبادئ التي كانت وراء صمودها وحبّ القراء لها

 

عبدالهادي التازي







د.التازي ورئيس التحرير د. سليمان العسكري





في مكتب رئيس التحرير مجلة العربي المرحوم الدكتور أحمد زكي - ديسمبر 1958 ويرى المرحوم أحمد زكي واقفاً خلف الأستاذ أحمد السقاف





الملك محمد الخامس يتحدث إلى الدكتور احمد زكي





د. أحمد زكي يزيح الستار عن شارع اليونيسكو بفاس





مع حفيدته سلسبيل





غلاف احد كتب د.التازي