كوابيس بيئية

كوابيس بيئية
        

          لا توقظوا المردة النائمين.. تلك هي الرسالة التي وجهها إلى العالم علماء البيئة الذين شاركوا في مؤتمر إكسيتر البيئي في المملكة المتحدة.

          الوقت ينفد, وبأسرع مما نتوقع. فمستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتزايدة ودرجات الحرارة الأعلى ستطلق عاجلا تغيرات كارثية قد تحتاج إلى مئات آلاف, وربما ملايين, السنين لإصلاحها.

          تحذيرات مرعبة أطلقها علماء المناخ الذين شاركوا في مؤتمر إكسيتر البيئي الذي عقد أخيرا في المملكة المتحدة. وبينما واصل المشككون دعاياتهم, واستمر السياسيون في مراوغاتهم, سلط العلماء الضوء على أدلة تثبت أن الخطر بات داهما بدرجة أكبر بكثير مما نعتقد. وقال كثيرون منهم: (إننا نوقظ المارد النائم).

          وكانت الحكومة البريطانية, التي تترأس حاليا مجموعة الدول الثماني الغنية, قد دعت إلى هذا المؤتمر بهدف تركيز المناقشات على التغيرات المناخية (الخطيرة).

          وعلى الرغم من أن تحديد ما هو (خطر) يبقى مهمة رجال السياسة, فإن العلماء حددوا ثلاث مجموعات من الأخطار الملحة. المجموعة الأولى تتعلق بالتغيرات التدريجية في متوسط الظروف المناخية التي يمكن للبشر التكيف معها إذا حذروا منها مسبقا, أو أن يتجنبوها من خلال الهجرة إذا كان ذلك في وسعهم.

          والمجموعة الثانية هي تأثيرات متوسط الظروف المتغيرة على فرص وقوع أحداث بالغة الخطورة, مثل موجة الحرارة التي اجتاحت أوربا في العام 2002 وأدت إلى قتل نحو 30 ألف شخص.

          أما المجموعة الثالثة فتتعلق بإيقاظ المردة النائمين - أي التسبب في تغيرات غير قابلة للإصلاح في الأنظمة الطبيعية, مثل ذوبان القمم الثلجية القطبية. ففور تجاوزنا لهذه العتبات نصبح مباشرة عند نقطة اللاعودة. وقد أكد معظم العلماء الذين تحدثوا أمام المؤتمر أننا أصبحنا أقرب إلى الحافة أكثر مما كنا نعتقد.

          وبالرغم من عدم تحديد أهداف رسمية, فإن معظم العلماء والباحثين يعتقدون أنه يتعين على العالم ألا يتجاوز أبدا ارتفاع حرارة كوكبنا درجتين مئويتين مقارنة بدرجات الحرارة في عصور ما قبل الصناعة. ويقول جون شلينهوبر, مدير مركز تيندال لبحوث التغير المناخي في جامعة كمبريدج: (إذا تجاوزنا حاجز الدرجتين المئويتين, فإننا سنفتح أبواب الجحيم).

          لكن الوصول إلى هذه النقطة يبقى أمرا غير واضح نظرا لاستمرار حالة عدم اليقين فيما يتعلق بمدى حساسية المناخ إزاء الجرعات الزائدة من غازات الاحتباس الحراري. وتشير معظم التقديرات إلى أن مضاعفة كميات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة (أي من 275 جزءا في المليون إلى 550 جزءا) سترفع درجة حرارة الأرض بين درجتين وأربع درجات. غير أن دراسات حديثة ذهبت إلى أن من شأن هذا أن يرفع درجة حرارة الأرض إلى مستويات أعلى بكثير قد تصل إلى 11 درجة مئوية.

          وقد أكد العديد من العلماء في المؤتمر أن العالم يجب أن يستهدف إبقاء مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تحت مستوى 400 جزء في المليون. ومن المعروف أن المستويات الحالية للغاز في الغلاف الجوي أقل بقليل من 380 جزءا في المليون, وقد تصل إلى 400 جزء في أقل من عقد.

          ثم تجيء مسألة تكاليف تخفيض الانبعاثات. فحتى إذا كان المشككون محقين فيما يتعلق بالتكاليف, التي يزعمون أنها قد تصل إلى تريليونات الدولارات, فإن هذا المبلغ قد لا يعني الكثير مقارنة بحجم الاقتصاد العالمي المتنامي ومقارنة بالتكاليف التي قد نتكبدها في حالة عزوفنا عن التحرك الآن.

          فمع نهاية القرن الحادي والعشرين, سيصبح كل فرد من سكان الأرض أغنى خمس مرات. ولن يؤدي الشروع الآن في تخفيض الانبعاثات إلا إلى تأخير الوصول إلى هذا الرقم بضع سنوات فقط. وقال شنايدر: (سنصبح أغنى خمس مرات في العام 2102 بدلا عن العام 2100. وهو ثمن زهيد في رأيي).

          وحذر علماء البيئة المشاركون في المؤتمر من كوابيس بيئية يمكن لأي واحد منها أن يقوض الحياة على كوكبنا, وربما يجعل كل أشكال الحياة التي نعرفها تختفي إلى الأبد, بما في ذلك وجودنا ذاته.

الكابوس الأول
انفصال الصفيحة الجليدية الغربية في القارة القطبية الجنوبية

          بينما ترتكز الصفيحة الجليدية الشرقية في القارة القطبية الجنوبية على اليابسة, فإن الصفيحة الجليدية الغربية للقارة ترتكز في معظمها على جزء من القارة يقع تحت مستوى سطح البحر. وهو ما يعني أن هذه الصفيحة الجليدية بالذات عرضة للانهيار. وإذا حدث هذا, فستنفصل الصفيحة الغربية كاملة عن القارة القطبية الجنوبية, وسينفصل بالتالي جبل الجليد الواحد تلو الآخر عن الصفيحة نفسها, وسيؤدي هذا وحده إلى ارتفاع مستويات البحار خمسة أمتار بغض النظر عما إذا كان جليد الصفيحة سيذوب أو لا.

          ومن الواضح الآن أن الصفيحة تنزلق نحو المحيط بمعدلات أسرع من معدلات التعويض الناتجة عن تكون الثلوج. وكان تيري هيوز, عالم الأنهار الجليدية في جامعة مين قد حذر في العام 1983 من ذلك قائلا: (إن التراجع الذي لا يمكن تعويضه في الصفيحة الجليدية الغربية للقارة قد بدأ بالفعل في قطاع خليج جزيرة باين وسيكتمل في غضون مائتي عام).

          ويستبعد العديد من العلماء حدوث الانفصال الكامل في هذه الفترة الزمنية القصيرة. لكن في مؤتمر إكسيتر, حذر كريس رابلي, مدير هيئة المسح القطبي البريطانية, من مؤشرات تنذر بالسوء. وقال: (ربما نشهد الآن بدايات انهيار الصفيحة الغربية للقارة القطبية الجنوبية. وهو أمر يدعو للقلق البالغ. علينا أن نجند الكثير من الموارد المالية العالمية لكي نعرف بدقة ما يحدث هناك).

          الدليل: ثلاثة من أكبر الأنهار الجليدية حول جزيرة باين في غربي القارة القطبية الجنوبية آخذة في الاختفاء بمعدلات متسارعة. وهي تفقد سنويا نحو 250 كيلومترا مكعبا. وربما كان ذلك عملية تذبذب طبيعية. لكن رابلي يقول إن عملية الذوبان المتزامن للأنهار الثلاثة تفترض غير ذلك. والأنهار الثلاثة مجتمعة توفر ثلث جليد الصفيحة الجليدية الغربية للقارة.

          أرجحية الحدوث: غير واضحة.

          متى? ربما بدأ بالفعل.

          هل حدث من قبل? نعم. وآخر مرة ربما قبل مائة ألف عام.

          تأثيره: يمكن أن يؤدي حدوث هذا إلى ارتفاع مستوى البحار بنحو خمسة أمتار خلال بضع مئات من السنين, وإلى تقويض الصفيحة الجليدية الشرقية للقارة القطبية الجنوبية, التي تحتوي على كمية من المياه تكفي لرفع مستوى البحار خمسين مترا.

          الإصلاح: غير قابل للإصلاح.

الكابوس الثاني
اليابسة تنفث الكربون المختزن

          في الوقت الراهن, تمتص التربة والغابات نحو ربع ثاني أكسيد الكربون المنبعث من حرقنا للوقود الأحفوري. وهذه النسبة تتزايد لأن النباتات باتت تنمو أسرع, وتتغذى بمستويات أعلى من ثاني أكسيد الكربون.

          والحقيقة أن الطبيعة تساعدنا على أن ننقذ أنفسنا من أنفسنا. لكنها لن تفعل ذلك إلى الأبد. فمع تسارع ارتفاع درجات الحرارة, تتسارع أيضا معدلات تحلل الأخشاب, وأوراق الأشجار وجذورها لتطلق كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون في الجو. وعند نقطة معينة, ستتجاوز معدلات الإطلاق معدلات الامتصاص, وستتحول اليابسة من (مغاطس) تمتص ثاني أكسيد الكربون إلى مصدر لانبعاثاته. وإذا حدث هذا, فإن, تكاليف إعادة الاستقرار إلى مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ستكون أكبر مما نتصور.

          وتتوقع بعض النماذج الكمبيوترية أن يحدث هذا إذا تراوحت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بين 400 و500 جزء في المليون.

          الدليل: ليس هناك اختلاف علمي حول هذه الظاهرة.

          أرجحية الحدوث: مرجحة جدا.

          متى? خلال فترة تتراوح بين 10 و50 سنة.

          هل حدث من قبل? ربما, منذ ملايين السنين.

          تأثيره: تسارع متزايد في الاحتباس الحراري.

          الإصلاح: ممكن, فالتوازن بين الامتصاص والانبعاث سيعود ثانية لكن بعد إطلاق كمية هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

الكابوس الثالث
توقف أحزمة النقل المحيطية عن العمل

          تقوم أحزمة نقل الحرارة المحيطية, وتسمى أيضًا (أحزمة الحمل), بنقل كميات هائلة من الحرارة من المناطق الاستوائية إلى القطبين الشمالي والجنوبي. وأفضل نموذج لها (تيار الخليج) الذي يبقي أوربا الغربية دافئة. والقوة المحركة للأحزمة هي تكون الثلوج في شمالي المحيط الأطلسي مخلفة وراءها مياهًا كثيفة شديدة الملوحة تغطس إلى قاع المحيط. لكن هذه القوة الدافعة قد تتبدد إذا أصبح المحيط أدفأ بحيث لا تتكون الثلوج, أو إذا قلت كثافة المياه المالحة بسبب تدفق كميات كبيرة من المياه العذبة إلى المحيط نتيجة لذوبان الأنهار الجليدية القطبية.

          ويختلف العلماء حول إمكانية تحقق هذا الكابوس. فبعضهم يقول إنه يمكن أن يحدث إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض بين درجتين ودرجتين ونصف الدرجة, وبعضهم الآخر يقول إن نسبة حدوث هذا قد تكون واحدًا إلى ثلاثة إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض أكثر من ثلاث درجات.

          الدليل: منطقة شمالي المحيط الأطلسي أصبحت أقل ملوحة في السنوات الأخيرة, ربما بسبب تيار جرينلاند الثلجي وربما بسبب الزيادة الحادة في تدفق مياه الأنهار إلى المحيط المتجمد الشمالي.

          أرجحية الحدوث: غير مرجحة, لكن الدراسات الحديثة تنذر بالخطر.

          متى? خلال مائتي عام.

          هل حدث من قبل? نعم, وآخرة مرة قبل 12 ألف عام.

          تأثيره: ستبرد أوربا أسرع, ناهيك عن التأثيرات الأخرى للاحتباس الحراري, بينما مناطق أخرى مثل ألاسكا ستدفأ أسرع. وربما يتوقف تيار الرياح الموسمية الآسيوية في المحيط الهندي.

          الإصلاح: إذا حدث, غير قابل للإصلاح.

الكابوس الرابع
ذوبان قمة جرينلاند الجليدية

          سيؤدي ذوبان قمة جرينلاند الجليدية, التي يبلغ سمكها كيلومترين, إلى رفع مستوى البحار بنحو سبعة أمتار. وما إن تبدأ القمة الجليدية في الذوبان أسرع من التراكم الناجم عن تساقط الثلوج,سيتسارع إيقاع الذوبان. ذلك لأنه كلما قل ارتفاع سطح القمة الجليدية, أصبح الهواء فوقها أكثر دفئا. وتجمع كل الدراسات والنماذج الكمبيوترية الحديثة على أن هذا سيحدث إذا ارتفعت درجة الحرارة 7ر2 درجة مئوية.

          وربما يحتاج ذوبانها الكامل إلى ألف أو ثلاثة آلاف عام. لكن ما إن يبدأ, فإن شيئا لن يوقفه حتى لو انخفضت درجة حرارة الأرض. وعلى المدى القصير, سيؤدي تدفق المياه العذبة إلى شمالي المحيط الأطلسي إلى إيقاف أحزمة نقل الحرارة المحيطية.

          الدليل: هناك نهر ثلجي هائل الحجم يبلغ طوله 700 كيلومتر, يعرف باسم تيار زكريا الثلجي, آخذ في التدفق إلى شمال شرقي جرينلاند, لكن لا أحد يعلم حتى الآن ما إذا كان التدفق أخذ في التزايد.

          الأرجحية: ممكن الحدوث.

          متى? ربما يبدأ في أواخر هذا القرن.

          هل حدث من قبل? نعم.

          تأثيره: ستغمر مياه البحار والمحيطات العديد من التجمعات السكانية التي نعرفها اليوم.

          الإصلاح: ليس في هذا الجزء من العصر الجليدي.

الكابوس الخامس
تجشؤات الــــميثــــان

          يوجد ما يقدر بنحو 5000 بليون طن من غاز الميثان محبوسة داخل ترسبات في قاع المحيطات وتحت الأرض في جمد سرمدية (طبقة متجمدة باستمرار على عمق متفاوت تحت سطح الأرض في المناطق القطبية) تكونت على مدى ملايين السنين نتيجة لتحلل المواد العضوية. وفي الترسبات الموجودة في قاع المحيطات يوجد الميثان في صورة هيدرات غازية, يعتمد استقرارها على الضغط العالي ودرجات الحرارة المنخفضة.

          لكن ذوبان الجمد السرمدية واختراق دفء المحيطات للترسبات القاعية يمكن أن يطلقا كمية من هذا الميثان المختزن. وبما أن الميثان من غازات الاحتباس الحراري الفعالة, فإن هذا قد يؤدي إلى تسارع كبير وكارثي في الاحتباس الحراري. ويبقى السؤال هو: كم كمية الغاز المنطلقة وبأي سرعة?

          الدليل: التدفق السنوي للميثان من الجمد السرمدية في القطب الشمالي يفترض استجابة للتغير في درجة الحرارة. وتبين دراسات أمريكية حديثة أن الانبعاثات المتزايدة أمر ممكن.

          الأرجحية: ممكنة.

          متى? من المستحيل التنبؤ.

          هل حدث من قبل? نعم, ربما ساعدت انبعاثات الميثان على إنهاء العصور الجليدية السابقة. وربما حدث آخر انبعاث كبير قبل 55 مليون عام.

          تأثيره: ربما يؤدي إلى زيادة كارثية في الاحتباس الحراري ربما تقضي على فرص أي عصر جليدي آخر قبل نصف مليون عام.

          الإصلاح: غير ممكن.

 

أحمد الشربيني   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




انبعاثات ثاني أكسيد الكربون توقظ المردة النائمين





الصفيحة الجليدية الغربية في القارة القطبية الجنوبية مازالت صامدة, لكن إلى متى?





غابات الأمازون قد تختفي من الوجود





الشعاب المرجانية ستختفي من الوجود إذا ارتفعت حمضية المحيطات