نظرية النسبية وفكرتنا عن الكون

نظرية النسبية وفكرتنا عن الكون
        

مائة عام على النسبية

          مازالت (العربي) تشارك العالم احتفالاته بمناسبة مرور 100 عام على نظرية النسبية. خاصة أن الأمم المتحدة قد أعلنت أن عام 2005 هو عام الفيزياء.

          إن نظرية النسبية التي أعلنها أينشتاين سنة 1905 تعتبر من النظريات القليلة التي هزت الوسط العلمي, وتركت أثرها على الفلسفة والفكر إلى يومنا هذا. لقد ترك أينشتاين أثرا لا يمكن المرور عليه بسهولة, ولا يمكن نكران فضله في تغيير نظرة الإنسان إلى الكون. لقد امتدت الثورة التي أحدثها كوبرنيكوس في القرن السادس عشر وبقيت آثارها إلى يومنا هذا, وكذلك ستبقى آثار نتائج أفكار أينشتاين معنا إلى قرون مقبلة!! هذا المقال عرض لتأثير نظرية النسبية العامة في نظرة الإنسان للكون, وكيف تغيرت هذه النظرة, وكيف فتحت هذه النظرية المجال لسنين مقبلة في البحث في الكون لمعرفته. وما أكثر ما يجهل الإنسان.

          ولد أينشتاين في 14 - 3 - 1879 في ألمانيا في مدينة صغيرة تسمى (أولم) وكان يحب علم الفيزياء والرياضيات وبرع فيهما, عمل في شبابه بوظيفة في مكتب تسجيل براءات الاختراع في برن.

          في عام 1905 وضع أينشتاين - خلال عمله في مكتب تسجيل براءات الاختراع - العديد من النظريات, التي جعلت من العام 1905 عاماً ثورياً في تاريخ العلم, فقد نشر ثلاثة أو خمسة أبحاث علمية في غضون أربعة أو خمسة أشهر مع أنه لم يكن آنذاك في مركز أبحاث أو جامعة!! تطرق في أبحاثه إلى مواضيع مختلفة مثل تفسير الظاهرة الكهروضوئية, وبحث في الحركة البروانية للجزيئات, وبحث لطبيعة المكان والزمان وبحث في ديناميكا حركة الأجسام الفردية. بعد نشر هذه الأبحاث اهتم علماء الفيزياء في مختلف الجامعات السويسرية به وطالبوا بضمه إلى الجامعة.

          قال أحد الفيزيائيين: معظم العلماء يكونون سعداء لو سنحت لهم الفرصة لاكتشاف شيء مهم, بحيث يدخل ضمن تعليم الأجيال من بعدهم, ولقد حدث مثل هذا للقليل منهم, ولكن أينشتاين في أشهر معدودة نشر بحوثا غيّرت العالم, ودخلت في المناهج إلى يومنا هذا. كذلك يقول العلماء لو لم يوجد أينشتاين, كان من الممكن اكتشاف الأعمال التي اكتشفها أينشتاين, لكن لم تكن لتحصل لشخص واحد وبهذه السرعة!

الكون عبر التاريخ

          منذ بداية التاريخ ومنذ أن وعى الإنسان ما يحيط به من مجهول سأل - ومازال يسأل - عن الكون وطبيعته, والشكر يذهب إلى العلماء والفلاسفة لمحاولاتهم العديدة للإجابة عن مثل هذه الأسئلة. بشكل عام مرت قضية النظر إلى الكون بمراحل مختلفة حسب تطور المعارف البشرية, ولقد بدأت بالنظرة السطحية اعتمادا على الظاهر فالأرض لها شكل مسطح ونرى أجسامًا لامعة في السماء وهذا التصور البسيط للكون كما في الرسمة التالية.

          قدماء اليونانيين: اعتقد كل من أفلاطون وأرسطو بالكون الأزلي, وقالا بوجود عقل وراء الكون يوزع النظام فيه, لأن المادة لا يمكن أن تحرك نفسها أما شكل الكون فلقد وضع أرسطو صورة له.

          عاش أرسطو من 384 إلى 322 ق.م, وكان شغوفا بدراسة كل شيء!! وكان يعتقد أن الجسم عندما يكون ساكنا فهو في موضعه الطبيعي, وعند الحركة لابد من توافر وسيلة تكون مسئولة عن هذه الحركة, وعندما تتوقف هذه الوسيلة تتوقف الحركة. بناء على نظرة أرسطو هناك موجود ذو امتياز, وهو المحرك الأول الذي بدأ الحركة, والتي حركت الأجسام الأخرى, والمحرك الأول يجب أن يكون في السكون المطلق. بالنسبة لشكل الكون فقد اعتقد أرسطو أن الأرض مركز للكون, والكواكب والشمس والقمر تدور حولها وكذلك النجوم.

          نموذج بطليموس: عاش تقريبا في الفترة (85-165 ميلادية), وهو عالم رياضيات وجغرافي وفلكي, طور أهم نموذج للكون في عصره, على أساس مركزية الأرض, وله الكتاب المشهور في علم الفلك - المجسطي. بناء على نظرة أرسطو ذكر بطليموس نموذجه عن الكون في هذا النموذج, كل الكواكب والشمس والقمر تدور حول الأرض وتحيط الأرض نجوم ثابتة وتدور النجوم بمجموعها حول الأرض, وما يقع ما وراء هذه النجوم لم توضح لعدم إمكان الإنسان معرفتها واستمر نموذجه إلى القرن الخامس عشر.

          أما في الحضارة الإسلامية فإن النظرة للكون لم تتغير بالنسبة لمركزية الأرض للكون, فلقد توارثها المسلمون عن اليونانيين, أما من ناحية خلق الكون, وأن للكون بداية ونهاية فاستنادا إلى العقيدة الدينية كما للأديان السماوية الأخرى فإن نظرتهم تخالف الكون الأزلي.

          وبالنسبة للنظرة للكون عند الأوربيين في العصور الوسطى, فقد تقبلت الكنيسة نموذج أرسطو للكون على أساس مركزية الأرض للكون واعتبرتها جزءًا من الدين!!, لأنه في نموذج أرسطو (أو بطليموس) تُركت فراغات واسعة خارج النجوم لتكون موقعا للعالم الآخر- الجنة! الدين المسيحي يؤمن بالخلق من العدم, كما هي الأديان السماوية, لكن هذا الإيمان بالخلق من العدم خلق نوعا من التناقض بين نظرتين, فمن ناحية يؤخذ نموذج أرسطو على أساس مركزية الأرض للكون, ومن ناحية أخرى يتم رفض فكرة أزلية الكون, والتي هي أيضا جزء من فكر أرسطو! من هذا يمكن القول إن فكرة الكون الأزلي التي تكلم بها أفلاطون وأرسطو لاتزال موجودة على الأقل بين بعض الفلاسفة!

          بدأت مرحلة جديدة إذ أحدث كوبرنيكوس ثورة في النظر إلى الكون لا من ناحية خلق الكون من العدم, ولكن من ناحية إزاحة الأرض من المركز, فصارت الأرض مثلها مثل أي كوكب آخر في حالة دوران حول الشمس ووضع الشمس مركزا للكون. جاء ذلك في كتابه الذي تم نشره في سنة 1543م بعد موته, بسبب الخوف من سطوة الكنيسة, التي كانت مسيطرة على المجتمع آنذاك. بعد كوبرنيكوس جاء كل من جاليليو وكبلر ونيوتن وعززوا الحقيقة العلمية التي قالها كوبرنيكوس.

          وكان نيوتن أول من تكلم عن نظرية في الجاذبية, ولكن واجهته مشكلة بالنسبة للكون والسبب في ذلك أن مجموعة من الكتل في الفضاء تكون غير مستقرة, لأنها تنهار على نفسها, بسبب وجود التجاذب بين جميع أجزائها والحل الوحيد لوقف الانهيار هو إعطاء بعض الطاقة للأجسام لتتمكن من أن تتباعد بعضهاعن بعض, لكي تمنع الانهيار. أو الافتراض الآخر أن تكون أبعاد الكون لانهائية.

مفاجأة القرن العشرين

          علم الرياضيات خير معين للإنسان في الكشف عن المجهول. ففي سنة 1916 نشر أينشتاين نظرية النسبية العامة, وبحل المعادلات خرج بأن الكون غير مستقر, وأنه في حالة تمدد!! ومن تأثره بنظرية الكون المستقر, هذا الإرث الكبير لنظرة الكون الأزلي, رفض أينشتاين نتيجة حل المعادلات وتحايل على الحل بأن أدخل ثابتا في المعادلات حتى يحصل على الكون المستقر وكانت هذه من الأخطاء الكبيرة, أخطأ خطأ العمر وكان يذكر ذلك دائما ويندم عليه!!

          سنة 1922 حل المعادلات عالم الرياضيات والفيزيائي الروسي الكسندر فريدمان Alexander Friedman وأخذ بفكرة تمدد الكون, وأثبتها من المعادلات وعندما حل آخرون معادلات نظرية النسبية ثبت لهم التمدد في الكون.

          في سنة 1923 وما بعدها لاحظ العلماء انزياح خطوط الطيف للمجرات, ومنها استنتجوا وجود تحرك في المجرات بعضها عن بعض, ولذلك ثبت تمدد الكون عن طريق المشاهدة مما عزز نظرية النسبية ومنها وضعت سيناريوهات بدء خلق الكون بانفجار عظيم, وكانت نظرية الانفجار العظيم.

          وفي سنة 1927 قام الفيزيائي والقس البلجيكي جورج ليماتير George Lemaitre بوضع الأساس لنظرية الانفجار العظيم, وقال إن للكون بداية, وبعضهم, يسمي هذا القسيس بالأب الروحي لنظرية الانفجار العظيم. تطورت نظرية الانفجار العظيم بعد ذلك إلى ما وصلت إليه الآن ومن الطبيعي أنها أي النظرية ليست في صورتها النهائية. إن التغيير الذي حدث لنظرتنا للكون في القرن العشرين, يرجع الفضل الكبير فيها إلى أينشتاين كما رأينا من نتائج نظرية النسبية العامة, وحل معادلات النسبية ثبت أن الكون في حالة غير ساكنة, وهذه أول مرة تحدث من الناحية العلمية!! أي ثبت علميا أن الكون له بداية, أو أن الزمن له بداية وبالتالي للكون عمر يمكن حسابه! من الطبيعي أن الأمور لم تحسم بهذه السهولة بل كان صراعا بين نموذجين القديم والجديد وهذا يتطلب وقتًا, لأن تستقر الفكرة الجديدة ويصير لها دعم من المشاهدة وتفسير ما يشاهده العلماء في الكون.

بدء الزمن

          هل الزمن له بداية? وهل له نهاية? لقد ثبت الآن أن الكون لم يوجد منذ الأزل بل له بداية حوالي 13 بليون سنة, وهذا يعتبر من أهم اكتشافات علم الكون حديثا. إن الزمن بالنسبة لأحداث الكون أرقام كبيرة جدا, ومن الممكن أن يكون هذا هو السبب في نظرة الإنسان إلى الكون على أنه أزلي. كثيرون كانوا غير راضين أن يكون للكون بداية!! لأنه يؤدي بهم لأن يعتقدوا بوجود موجود فوق الطبيعة خلق الكون!! لقد كانت الحوارات في مثل هذه المواضيع فلسفية, أو دينية, إلى بدايات القرن العشرين, ولكن في هذا القرن الأساليب العلمية باستخدام التلسكوبات والكومبيوترات ومختلف العلوم يريد الإنسان أن يصل إلى معرفة كيف بدأ الكون.

          وفي سنة 1965 اكتشف مهندسان وجود موجات الخلفية الإشعاعية, مما عزز نظرية الانفجار العظيم, ومع مرور الأيام ثبتت نظرية الانفجار العظيم, وألغيت نظرية الكون المستقر خاصة بعد سنة 1965 وانتهت إلى الأبد سنة 1992 بعد اكتشاف الخلفية الإشعاعية في الكون حسب نظرية الانفجار العظيم. في نفس هذه السنة أي 1965. وفي محاضرة ألقاها هويل - أهم مؤسسي نظرية الكون المستقر - اعترف بخطأ نظرية الكون المستقر, وتخلى عنها رسميا. من العجيب أن يستغرق كل هذا الوقت لكي نخرج من فكرة أزلية الكون بعد صراع طويل لأكثر من ألفي سنة!! الأمر الآخر أن الكون الأزلي كان مستندا قويا بيد الملحدين, وهذا المستند اهتز من أساسه, لذلك لا بأس من ذكر بعض الآراء في هذا المجال, حتى نكون على بينة بما كان من أثر لنظرية الانفجار العظيم وكيف غيرت الأفكار مع أخذنا بالاعتبار أن نسبية أينشتاين هي السبب الأول لهذا التغيير.

          وفي سنة 1989 كتب محرر مجلةNature العلمية قائلا: الموت لنظرية الانفجار العظيم, لأن هذه النظرية تُعطي المؤمنين بالله برهانا قويا على أفكارهم!!. لقد توقع المحرر خلال عقد من الزمان أن نظرية الانفجار العظيم سوف تفقد التأييد ومن المفارقات أنه خلال السنوات العشر حدث عكس ذلك, فقد ثبتت النظرية أكثر. كذلك قال العالم الإنجليزي ليبسون Lipson: (الانفجار العظيم شيء محرج للملحدين, لأن العلم أثبت فكرة دافعت عنها الكتب الدينية), الفكرة أن للكون بداية.

          قبل أن أختم هذا المقال أود أن أشير إلى موضوع متناول في الأوساط العلمية, وهو الثابت الذي افترضه أينشتاين!!

          الرجوع إلى الثابت الذي فرضه أينشتاين: رجع الاهتمام ثانية إلى الثابت الكوني الذي افترضه أينشتاين, والسبب أن هذا الثابت يفسر لنا الطاقة المظلمة التي اكتشفها العلماء, وهي إلى الآن ضمن الأبحاث والدراسات الواسعة لمعرفة كنه هذه الطاقة!! لقد تبين أن هذا الثابت له علاقة بمستقبل الكون, فما التطورات المتوقعة من هذا التطور? سؤال يستحق الوقوف عنده وهذا يحتاج إلى مقال آخر.

 

علي حسين عبدالله   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




اعتقد اليونانيون القدامى بأزلية الكون ووجود عقل يوزع النظام فيه





لو لم يوجد اينشتاين.. ماذا كانت ستكون فكرتنا عن الكون?