عزيزي القاريء

عزيزي القاريء
        

خلف الحصار

          من خلف الحصار والعنف والقهر, تنطلق تلك الأصوات العذبة لثلة من الشاعرات الفلسطينيات, يحملن جمر الكلمات المتقدة, وسط ظلمة العنف الضاري الذي تشنه عليهن القوات الإسرائيلية في كل لحظة, هؤلاء الشاعرات الست اللاتي تنشر (العربي) ملفًا يحتوي على نماذج من قصائدهن يمثلن روح (غزة) المدينة التي لن تقهر. فتيات يافعات, تفتحت أعينهن تحت أسر الاحتلال, دون أن يستلب شيئا من أرواحهن المتوقدة. والمدهش أنهن في هذه القصائد لا يقمن مناحات للحزن, ولايحشون القرائح بأحاديث من الفخر والمبالغة, ولكنهن ينشدن معاني حافلة بالحب والخوف واليأس والبهجة والأمل, مشاعر إنسانية حية وعفوية, تنم عن الموهبة والأصالة, وتواكب تيار الحداثة الذي وصلت إليه القصيدة العربية المعاصرة, خاصة تلك التي تطورت على يدي محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد. ويشتمل ملف الحصار أيضا ـ الذي تقدمه (العربي) في ذكرى مايو الحزين, شهر الضياع العربي الفلسطيني ـ على حوار مع شيخ المؤرخين العرب نقولا زيادة, يتحدث فيه عن تاريخ استلاب فلسطين والأطماع الاستعمارية, التي تجمعت وتكالبت لتنتزع من عمق الأرض العربية وطنًا قوميًا لليهود, في وقت لم يكن يزيد فيه عدد سكانهم في فلسطين على 7%. ويحتوي الملف أيضا على عرض لكتاب للناشطة الإسرائيلية إيلة شوحاط التي تمثل صوتًا معتدلا بين صرخات التعصب اليهودي التي تنادي بإبادة كل شيء, والاستيلاء على كل شيء.

          ولا يبتعد رئيس التحرير في مقاله الافتتاحي عن القضايا التي يثيرها ملف هذا العدد, فهو يناقش  إحدى الوسائل التي يطرحها العرب للتعامل مع قضاياهم, ومنها القضية الفلسطينية, وهي (الوسطية), ذلك التعبير الذي بدأ يظهر في الأدبيات العربية كمرادف للاعتدال والاتزان وصوت العقل, ويتساءل إن كانت الوسطية تعني ذلك حقا?! وهل هي الأسلوب الأمثل لمقاومة عوامل القهر المسلطة علينا من كل مكان ومن كل اتجاه?

          وترحل (العربي) شرقًا في المكان إلى تايلاند, لتقدم وجوهًا خفية منها, يختلط فيها ما هو مسموح, وما هو غير مسموح في ذلك البلد الذي يعدّ ظاهرة فريدة. وترحل في الزمان لتقدم نموذجًا من التاريخ لسيدتين فريدتين في نوعهما, اختارت كل واحدة منهما أن تصنع مصيرها, وأن تعلو على القدر المرسوم لها, بالرغم من اتجاههما المعاكس, الأولى هي السورية جوليا دومنا, التي رحلت من الشرق إلى الغرب, من حمص لتعتلي عرش روما, أيام كانت روما في أوج قوتها, والثانية هي إيزابيل إبراهاردت, التي رحلت من الغرب إلى الشرق, من سويسرا إلى عمق الصحراء الجزائرية, لتعيش وسط فرسانها وتشاركهم في مقاومة المحتل الفرنسي. ولا نريد أن نطيل في وصف محتويات هذا العدد, لأنه حافل بالمواد الإبداعية والفكرية التي تضيق عن متابعتها هذه السطور القليلة.

 

المحرر