إلى أن نلتقي

  إلى أن نلتقي
        

للفرح أجنحة وللأحزان جذور

          تأتي لحظة الفرح على جناحين كعصفور يحط على فرع شجرة قد لا تبصر من أين جاء? ولن تعرف إلى أين يمضي? ولا الوقت الذي يمكن أن يبقى فيه أمام عينيك!

          ولكن عمر وجوده القصير سيبقى ملء قلبك, ملء حواسك كلها بما يملك من جمال الريش, وجمال الحركة, وجمال الصوت الذي يتناثر من حوله, كأنما بفعل حركته الدائمة.

          لعل شيئًا كهذا هو ما تفعله بنا لحظة الفرح, ومهما تكن أسبابها, نابعة من ذكرى بعيدة, أو قادمة مع طرقات على الباب من زائر طال الشوق إليه بطول غيابه, أو خبر يشد عينيك في صحيفة, أو وعد غير مباشر بلقاء, أو فكرة لامعة تتخلق مما كان يبدو مجرد فوضى خانقة.

          تختلف الأسباب وتتعدد وتتنوع, كما تختلف شخصيات من يتلقونها, ولكنها حين تنتهي بلحظة الفرح, فإن اللحظة في جمالها واكتمالها تستغرقنا, تستغرقنا متعة الشعور بجمالها, متعة الرضا بما ترتوي به حاجاتنا الظمأى لهذه اللحظة, فلا نبحث عما وراء ذلك كله من أسباب أو منطق أو غايات! على الأقل لنصطاد به مثل هذه اللحظة في مقتبل الأيام, ننسى الماضي ولو كان هو الذي دفع بهذه اللحظة إلينا, ولا نهتم بما يمكن أن يضمر المستقبل لهذه اللحظة, تصبح لحظة الحاضر هي الخلود بعينه!

          ولعل هذا الاستغراق الأناني الجميل هو ما يجعلنا نفيق حين ندرك أن لحظة الفرح التي جاءت فجأة, قد رحلت فجأة كذلك, لأننا وهي معنا نكتفي بأن نعيشها لا أن نفهمها!

          أما لحظة الحزن وسواء كانت تهب كما تهب العواصف أو تتسلل كما تتسلل النيران, فإنها في الغالب تبدو وكأنها تحاصرنا من كل الجهات, وأيًا كانت ردود فعلنا فهي تأخذ صورة من يحاول البحث عن ثغرة في هذا الحصار, وغالبًا ما يكون هذا الجزء من الماضي هو لحظة حزن شبيهة أو مثيلة... لعلنا نتذكر كيف كان الخروج? أو كيف جاء الخلاص? نتعلم أو نتعزى بلحظة حزن أصغر أو أكبر, ودائمًا ما نكتشف أن زمن الأحزان طويل وغائر, وأن جذوره ممتدة لا في ماضينا القريب وحده, بل في أزمان سحيقة, وأجيال نائية, ونكتشف ونحن بين الذهول واليقظة أن تاريخ الأحزان أطول من كل أعمارنا, من كل أعمار ذواكرنا, وأن الدروس التي أنقذت جذورنا قد لا تسعفنا, ونتساءل مع الحيرة التي تعصف بنا: كيف واصلت هذه الأحزان طريقها إلى زماننا?

          كل هذ المخاوف والهواجس والشكوك كيف واصلت كل هذه الرحلة التي هي من عمر الحياة ذاتها?!

          لماذا لم يسرقها اللصوص الذين سرقوا أفراح الماضي?

          لماذا كانت هي الجزء من الميراث الذي لم يطمع فيه أحد ولم يتشاجر حوله أحد?!

          وإلى أن نلتقي ببعض إجابات لهذه الأسئلة فأرجو أن توافقني على أن العنوان الأكثر مناسبة لهذه القطعة هو: (طائر للفرح وغابة للأحزان)

 

أبو المعاطي أبوالنجا