مَا عَادَ للنّهْرَينِ مَاءٌ علي عبداللّه خليفة

مَا عَادَ للنّهْرَينِ مَاءٌ

منْ على الرّدْمِ
ومن بين رَماد الناسِ
في تِلكَ المَدائِنْ
صَامدٌ, واللهُ في قَلبي,
وحُبّي ياسَمِينَةْ.

يَعْتريني, وأنا العَاشِقُ,
ما لا يَعْتري العُشّاقَ
ممّا تعْرفينَه.

جئْتُ, يا حاضِرَةَ الدّنْيا,
أناديكِ بصَوتي, فاسْمَعيني
ليسَ في النّهْرينِ ماءٌ
لا ولا النّخلُ على تِلكَ الضّفَافْ
والطواغيتُ على مَرّ الزّمانْ

صَنَمٌ يَنْهَارُ.. يأتي صَنَمٌ أكبَرُ
حتّى نَنْحني أكثرَ في عيْشِ الكفافْ
فَمَتى جَفّت الأرضُ مِنَ الدّمِ..
مَتى هانَت الأرضُ وعشْنا في سَلامْ ?

قَهَرٌ مُتصلُ الحَلْقاتِ... كسْرٌ لقيُودٍ تَتَوالَدْ
كلما (بالرّوحِ والدّم) افْتَدَيْنا قَمَراً
جَاءت السّحْبُ دكنَاءَ وجَاءَ الليلُ بأَنْواعِ الهَوامْ
وارتمى الصَّقْرُ مِنْ عُليا الذرى
مُسْتأنَسًا.. يَصْطادُ طيْرًا لِشِوَاء الآخَرينْ
هَكذا عَادَ هُولاكو... كذا...
منْ جَديدٍ عَبَرتْ خَيْلُ المَغُولْ
منْ على الجِسْرِ وجَاءَتْ بأفانينِ الدّمارْ
وأبَاحَتْ للصُوصْ
نهْبَ ما وَرّثَ الإِنْسانُ...
ما أعْطتْ حضَاراتٌ... وما أَبْدعَ النّهْرانِ
في الخَلْقِ تَلاوينَ وتَشْكيلَ بلادْ
فَلماذا تَمَّ إحْراقُ الأُصُولْ...?!

ولماذا قَدَرٌ جَهْمٌ تولاكِ, فإمّا
أنْتِ في أَغْلالِ طاغٍ منْ بَنيكْ..
يَتَغَشَّاكِ الذهُولْ
أو على السّفْحِ لغازٍ أفْعُوانْ...?!
جُرْحُنا هانَ على الجِسْمِ, ولكنْ
جُرْحُنا في عَمِيقِ الذاتِ
في أقْصى قَرَاراتِ الضّميرْ..
ظلّ جُرْحاً نازفاً لا يَسْتَكينْ
بَيْنَ نارينِ, وآفاتُ الخُمُودْ
تَتَشَهّاكِ, وأَنْتِ مِنْ رمَادٍ لرمادٍ تُولَدينْ
كُلّ هذا... وَوَميْضُ الرّوحِ باقٍ,
عَبْرَ شرْيَانِ الحَياةْ
دافَقًا بالحُبّ... مَوْصُولاً بأشْجار الحُقولْ

فانْهَضي منْ بَرْزَخِ النّارِ...
ادفني مَوتاكِ... قُومي اغْتَسِلي...
واجْمَعي أطْرافَكِ الثّكلى..
اكبُري فَوقَ الجِراحْ
لسْتِ يا مانِحَةَ الأَنْوارِ نَجْماً للأُفُولْ

اشْرَبي كأْسَ المَراراتِ, وضُمّي
تَحْتَ جِنْحَيْكِ العَصَافيرَ وأشْتاتَ الطيورْ
وتَهَجّيْ مِنْ جَديدٍ لغَةَ الآتي
وما كانَتْ لهُ تَدْمى السُيُوفْ

وعلى نَهْجِ القِيَامَاتِ أعِيدي
فَهْمَ ألوان الطّيُوفْ...
اغْسِلي الوَجْهَ بمَاءِ البَحْرِ...
صَلي لطلوع الفَجْرِ... غَنّي للنّهَارْ

آن للغِربانِ أنْ ترْحَلَ... آنَ أَنْ تَأْبى الصّقُورْ
زيْنَةَ الطّيْرِ ولا تَرضى بَديلْ
عَنْ فَضاءٍ لجَناحٍ أريَشٍ حُرٍ طَليقْ

فاسْتَفيقي منْ عذابِ العَارِ
قُومي, فجِراحي نَهَضَتْ منْ خَيْمَةِ النّارِ
تَلظّتْها التواريخُ فَشَدّتْ أزْرَ جُرْحٍ في الزّحَامْ,
كلما جاءَ لعَيْنَيكِ الظّلامْ
شَعّ نُورُ اللهِ فيكِ, فتَجَلى, وأنَارْ
واهبًا للرّوحِ, في الأَعْماقِ, مَعْنى
فإذا أنْتِ الحَكايا, والأَسَاطيرُ,
وأعْراسُ البِذارْ
وإذا أنْتِ ضِرَامْ,
وَحَمَامٌ أَبْيضٌ غَطّى المَدارْ,
وجَبينٌ عَرَبيٌّ... في امْتِحَانْ

 

علي عبداللّه خليفة