أَلا حبَّذا عودةُ المكتبِ |
|
وعَوْدُ المِراح إلى
الملعبِ |
ويا حبّذا أن يغور الرمادُ |
|
وإنْ لم يَكُ الوهجُ
بالملهبِ |
ويا نِعم أن يتجمّع غَيْمٌ |
|
ونشهقَ في برقِهِ الخلبِ |
ويجمعنا جَرَسٌ آفِلٌ |
|
فنُشرقَ في عتمةِ المغربِ |
بلى قد يعود الشبابُ ولكنْ |
|
كرجع الصدى في المدى
الأرحبِ |
كقطرةِ ماءٍ على صخرةٍ |
|
تضيعُ على سطحِها المجدبِ |
تذكّرْ...هُنا رجل من حديدٍ |
|
يهزّ عصاهُ, ولم يضربِ |
وآخرُ غصنٌ ونحن البراعِـ |
|
ـمُ تنمو على عوده الطيّبِ |
وآخَرُ ينفضُ عنها الغبارَ |
|
رجوعًا إلى عهدنا المُذْهَب |
يصفّى البيان ويجلو اللسان |
|
وآخرُ مزمارُهُ أجنبي |
فمِنْ لغةٍ في مسيلِ الدماءِ |
|
إلى لغةٍ في الفم الأرطبِ |
ومِن مَنْهلين عَبَرْنا إلى ثا |
|
لثٍ عامرِ المحتوى أعذبِ |
ومِنْ عُمُرٍ ساذجٍ طيّبٍ |
|
إلى عُمْرٍ نابهٍ أطيبِ |
تَذَكّر خنادِقَ للاجئينَ |
|
من الحربِ في الملعبِ
المُتْرب |
وركض الرّفاق وراءك فيهِ |
|
وقفزِك من فوقها كالظّبي |
تذكّر سقوطك والجرحَ حتى |
|
كأنّك حربٌ على محرب |
وأشجارَ توتٍ تفيء إليها |
|
وترتاح في ظِلّها المعشبِ |
تذكّر....تذكّرْ...وضُمَّ إليكَ |
|
فتائت عمرٍ خَليّ أبي |
فما صرتَ أهنا ولابِتّ أقوى |
|
فجُلَّ حقولِك لم تُخْصِبِ |
وبعضُ جناكَ فتات الكروم |
|
وخير أغانيك لم يُكتبِ |
فكم همتَ وجدًا, ولم ترغبِ |
|
وكم نِلْت وصلاً ولم تطلبِ |
وكم باركوك, ولم تُنجبِ |
|
وكم عاقبوك ولم تُذنبِ |
وظلَّ البعيدُ بعيدًا تراهُ |
|
فلم يتبدّدْ ولم يَقْرُبِ |
ومازلتَ تسعى وتوهم نفسَكَ |
|
أنّك حُرّ بما تجتبي |
ألا حبّذا عودةُ النهر للنبـ |
|
ـع ظمآنَ للشُّرْبِ
والمَشْربِ |
يؤوبُ الرفاقُ على ضفّتيهِ |
|
خِفَافَ الأواني, ويمضون بي |
سوى أنّ ذاك الصبيّ القديم |
|
يعودُ وليس بذاك الصبي |
يُحاولُ ما لا يُنالُ, وما لا |
|
يُقالُ, وما ليس بالمُطربِ |
فيشرَبُ مِن غير نبع ويسـ |
|
قي فإنْ غيّرَ النبعُ لم
يشربِ |
وكان كثيرًا, فصارَ قليلاً |
|
ولكّنّهُ ظلَّ في المركبِ |
فأمعنَ في اليَمّ لا للوصولِ |
|
ولا للرسوّ على أصلبِ |
ولكنْ ليخلو إلى نفسِهِ |
|
فيجلو عن النّور في
الغَيْهب |
عن الصّدقِ في دمعة تشتهي |
|
الظهورَ فتُؤْمَرُ أنْ
تختبي |
عن الطهر في لعبةٍ لم يُرَخَّص |
|
لها, فاستكانت, فلم تُلعبِ |
وعن قطرة كالندى لم تنَلْ |
|
رضا الأولياء, فلم تُسْكَبِ |
وعن صوتِهِ الداخليّ يصيرُ |
|
كلِصٍّ يُفَتّشُ عن مهربِ |
فَإنْ عدتُ, هل عائدٌ ملعبي |
|
وإن سرتُ هل سائر موكبي? |
وإنْ لم أعُدْ فإلى أين أمضي |
|
وجيش الطواحين يُحدقُّ بي? |
وليس معي غيرُ رمحٍ عتيقٍ |
|
وقِربة ماءٍ, ودعوى نبي |
وليس ورائي سوى تابعٍ |
|
يهوّمُ فوق حمارٍ غبي |
وداعًا....فلن نلتقي بعدها |
|
سنغربُ نحن ولن تغربي |
ستبقين كالأمّ درّتْ حنانًا |
|
وتبقين صارمةً كالأبِ |
فإن تجدي جيلنا خائبا |
|
ونحن بنوكِ فلا تغضبي |
تعبنا من الظلم حتى اكتوينا |
|
قرونًا ثقالاً, فلا تعتبي |
وحين ورثنا, ورثنا الخرابَ |
|
وكلُّ المخافة أنْ تخربي |
فإنْ عدتُ للنبع فالنهر مضنى |
|
يجفُّ, ويرقُدُ في الطحلبِ |
فإن عكّروهُ فلا تقنطي |
|
وإن أرهقوه فلا تتعبي |
وما الشّعر بعدُ إذا لم يكنْ |
|
وفاءً, وسَعيًا إلى الأصعبِ |
حملتُ على مَنكبيِ ما حملتُ |
|
فهلاّ تخّففتَ يا منكبي |
سأقطفُ تفّاحتي, وأمُدّ |
|
يديّ بها, فكلي, واشربي |
فليس سواها لديَّ وليس |
|
سوى جَرسٍ واحِدٍ,
فاضرِبي...! |