سياسات وأخلاقيات سكانية جديدة أحمد أبوزيد

سياسات وأخلاقيات سكانية جديدة

على الرغم من كل الدلائل التي تشير إلى انخفاض معدلات المواليد في العالم المتقدم, لدرجة أن النمو السكاني, في بعض دوله أصبح لا يتعدى درجة الصفر, فإن معدلات الخصوبة في العالم الثالث لا تزال تثير بارتفاعها غير المحسوب قلق المهتمين بالدراسات السكانية.

إن الآثار السلبية التي تنجم عن زيادة مواليد العالم الثالث سوف تحدث استنزافا للموارد الطبيعية المتاحة على كوكب الأرض واختلال التوازن بين البشر والبيئة. وتذهب بعض الإحصاءات إلى أنه يضاف إلى سكان العالم كل أسبوع على مدار السنة حوالي مليون ونصف المليون نسمة, مما يعني أنه ينضم إلى السكان كل عام حوالي تسعين مليون نسمة جدد, وهو رقم يعادل ثلاثة أضعاف سكان كندا مما سوف يرفع سكان العالم من حوالي ستة بلايين نسمة - وهو الرقم المسجل الآن - إلى حوالي تسعة بلايين نسمة عام 2025, وهذا هو أسرع معدل للزيادة خلال كل تاريخ الإنسانية.

ودون الدخول في تفاصيل الأرقام الكثيرة المعقدة يكفي أن نشير إلى أنه خلال الأعوام الستين بين عامي 1900 و1960 ازداد سكان العالم بحوالي 1398 مليون نسمة, بينما بلغت الزيادة خلال السنوات الأربعين التالية أي من عام 1960 إلى عام 2000 حوالي 3041 مليون نسمة, أي أن الزيادة خلال هذه السنوات الأربعين كانت ثلاثة أضعاف الزيادة خلال الأعوام الستين السابقة عليها. وهذا معناه أن العالم كان يزداد خلال هذه السنوات الأربعين بمعدل 75 مليون نسمة كل عام, أي بمقدار 205 آلاف نسمة كل يوم بمتوسط 8500 نسمة كل ساعة أو مائة وأربعين نسمة في كل دقيقة.. وكلها أرقام مذهلة. وتذهب بعض التقديرات في تدليلها على خطورة الوضع إلى أنه باستثناء الفئران يعتبر البشر أكثر أنواع الثدييات عددا على وجه الأرض. فلم يحدث إطلاقا خلال كل تاريخ الحياة على هذا الكوكب والذي يقدر بحوالي ستمائة مليون سنة أن بلغ تعداد أي فصيلة من فصائل الحيوانات الكبيرة الحجم مثل هذه الزيادة التي تخرج على كل موازين النظام البيئي. ومن الصعب أن تستمر إلى ما لا نهاية هذه الزيادة المطردة غير المحدودة على كوكب محدود ومحدد المساحة ولذا كان لا بد من وضع سياسات سريعة وحاسمة لتلافي النتائج الوخيمة التي لا بد أن تترتب على هذه الزيادة.

ويزيد من خطورة الوضع الإنساني ارتفاع متوسط السن في العالم بوجه عام بما في ذلك العالم النامي نتيجة للتغيرات الإيجابية في مستويات الرعاية الصحية بحيث يتوقع أن يتضاعف عدد كبار السن, الذين تزيد أعمارهم على ستين سنة ثلاث مرات بقدوم عام 2050عما هو عليه الآن, وسوف يضع ذلك بغير شك أعباء ثقيلة على الحياة الاقتصادية إن لم تتوافر أعمال مناسبة تتلاءم مع متطلبات وقدرات هذه السن المرتفعة.

تراكم المشاكل

ومما يؤسف له أن معظم هذه الزيادة يحدث في دول العالم الثالث التي تعاني في الوقت ذاته تدهور الأوضاع البيئية, وقلة الموارد الطبيعية, والعجز عن استغلال المتاح منها بطريقة مجدية, كما تعاني الفقر الذي يحول دون امتلاك التكنولوجيات المتقدمة التي قد تساعد على التغلب على المتاعب الاقتصادية, وهو ما لا يبشر باحتمال قيام مستقبل أفضل كثيرا مما هو عليه الحال الآن.

فالزيادة المطردة لا تمثل في ذاتها وبذاتها مشكلة تستحق القلق إنما الذي يستوجب القلق هو اختلال التوازن بين معدلات هذه الزيادة في عدد السكان ومعدلات النمو الاقتصادي. ولا ترجع الزيادة في كل الأحوال إلى مجرد النهم في الإقبال على الإنجاب لأن هناك عوامل أخرى مساعدة تسهم في المحافظة على هذه الزيادة مثل تقدم الطب وارتفاع مستوى العناية بالصحة والخدمات الاجتماعية, وما يترتب على ذلك من انخفاض معدلات وفيات الأطفال, وارتفاع متوسط العمر حتى في المجتمعات النامية وهي أمور مستجدة لم يكن لها مثل هذا الوجود المكثف من قبل. وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية التي تتضمنها هذه الخدمات فإن انعكاساتها على الزيادة السكانية المطردة تدعو إلى التساؤل عن مصير الجنس البشري والمجتمع الإنساني إن لم توضع قواعد وأساليب وطرق تضمن التحكم في هذه الزيادة لدرء كثير من الأخطار المتوقعة مثل عدم كفاية الطعام وزيادة التلوث البيئي وازدياد الزحام والاضطرار إلى الهجرة الداخلية والخارجية وما يرتبط بها من صراع بين النازحين والسكان الأصليين وتعرض الهويات الثقافية والعرقية واللغوية والدينية للضياع وغير ذلك كثير.

ويذهب بعض العلماء - المهمومين بمستقبل الجنس البشري في ضوء معدلات الزيادة السكانية الحالية - إلى أن هذه الزيادة تفوق إمكانات كوكب الأرض على توفير المسكن والمأكل المناسبين إلى جانب إلحاق كثير من الأذى بالبيئة الطبيعية, وقد بينت بعض صور الأقمار الصناعية أنه في كل عام يتم تدمير حوالي أربعين مليون فدان من الأحراش والثروة النباتية الطبيعية لإقامة مشروعات التنمية الصناعية لسد حاجات السكان المتزايدين من ناحية, ونتيجة للإهمال والهجرة للعمل في مناطق أخرى أكثر نماء وتقدما من الناحية الأخرى, كما تقضي على كثير من الأنواع الحية الأخرى. وتذهب بعض التقديرات إلى أنه يتم القضاء كل سنة على حوالي سبعة وعشرين ألف نوع من هذه الكائنات الحية في المناطق التي تقام فيها هذه المشروعات الجديدة. ومع ذلك بالرغم من كل الجهود المبذولة لتحسين الوضع الإنساني فلا يزال هناك أكثر من ثلاثة بلايين نسمة محرومين من المياه الصالحة للشرب. وهذا مثال واحد بسيط يكشف عن نوع وطبيعة المشكلات المتفاقمة, الناجمة عن الزيادة الرهيبة في عدد السكان على مستوى العالم ككل, حتى وإن شهدت بعض المجتمعات تراجعا أو ثباتا في معدلات الخصوبة.

التفاؤل ومصير البشر

بيد أن هذه النظرة المتشائمة - إن صح التعبير - تقابلها نظرة أخرى أكثر تفاؤلا حول مصير الجنس البشري, وقدرة المجتمع الإنساني بوجه عام على مواجهة التحديات الناجمة عن هذه الزيادة, والتغلب عليها بل وتحويلها لمصلحته. وتاريخ المجتمع الإنساني مليء بمثل هذه التحديات والقدرة على التحكم فيها والسيطرة عليها, والتقدم العلمي والتكنولوجي في الوقت الحالي وما ينتظرهما من تطور كفيل بأن يزيد من قدرة الإنسان وإمكاناته في ترويض الأوضاع المناوئة وتحقيق طفرات واسعة من النمو والرقي لم يشهدها تاريخه الماضي. وإذا كانت الأرقام الكثيرة المتوافرة حول الزيادة السكانية الهائلة تثير الخوف واليأس لدى الكثيرين حول المستقبل فإن التكنولوجيات المتقدمة والمتطورة, سوف تضاعف قدرة الإنسان على تطوير الموارد الطبيعية المتوافرة فعلا وتوسيع دائرتها. وفي الوقت ذاته سوف يساعد نمو الوعي لدى الناس بخطورة المشكلة السكانية على اتخاذهم الخطوات اللازمة لتعديل سلوكهم وأساليب حياتهم بما يكفل المحافظة على هذه الموارد وتجديدها والعمل على اكتشاف موارد جديدة, بل وإعادة النظر في كثير من القيم الاجتماعية والثقافية التقليدية المتوارثة التي تعلي من شأن الكثرة العددية كوسيلة للدفاع عن الذات وباعتبارها مصدراً للفخر والمباهاة وضماناً من الفقر وتأمين العيش في المجتمعات الفقيرة. وعلى ذلك فإن الاتجاه المتنامي الآن والذي سوف يكون هو سمة المستقبل - في رأي العلماء والمفكرين أصحاب هذه النظرة المتفائلة - هو التباطؤ في معدلات الخصوبة بفضل ازدياد الوعي بخطورة المشكلة وتقبل الأساليب والوسائل العلمية للتحكم في الإنجاب رغم معارضة بعض الأوساط والمذاهب الدينية, ودون ذلك سوف تلجأ (الطبيعة) إلى استخدام منطقها الخاص وأساليبها التقليدية للحد من هذه الزيادة عن طريق الأوبئة والكوارث والمجاعات حتى لا تفلت الأمور من الزمام وتصبح هذه الزيادة مصدر خطر وتهديد مباشر للوجود الإنساني كله على هذا الكوكب.

وربما يذهب بعض العلماء إلى أن كوكب الأرض يمكنه أن يستوعب أعدادا من البشر أكبر بكثير مما هو عليه الحال الآن. ولكن السؤال المهم هو: ما حجم هذه الزيادة وما الثمن الذي سوف تدفعه الإنسانية سواء من حيث المستوى الاقتصادي, أم نوعية الحياة وأساليب العيش, أم ازدياد التحركات الإنسانية والهجرات إلى المناطق التي قد تهيئ فرصا أفضل للحياة والعمل, ولكنها تؤدي في الوقت ذاته إلى اندلاع النزعات العدائية ضد الوافدين الجدد كما تؤدي إلى ظهور أنماط جديدة من الجريمة والسلوكيات المنحرفة. وهكذا نجد أنه رغم النظرة المتفائلة التي يرى أصحابها أن ما يقال عن الانفجار السكاني ومشاكله فيه كثير من المبالغة, والميل إلى التهويل وأن (الادعاءات) عن مخاطر الزيادة السكانية كانت مجرد (موضة) أو حركة طارئة ومؤقتة ظهرت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ثم بدأت في الانحسار والتراجع أمام التقدم العلمي والتكنولوجي, الذي يتيح أوضاعا أفضل تساعد على استيعاب التكاثر العددي, فإن أصحاب هذه النظرة المتفائلة أنفسهم يرون أن من الأفضل العمل على التحكم في هذه الزيادة وترشيد معدلات الخصوبة, خاصة في المجتمعات النامية والطبقات الفقيرة التي لا تحتاج إلى مزيد من البؤس والشقاء, وذلك على أمل أن يؤدي الحد من معدلات الإنجاب هناك إلى رفع مستوى الحياة في تلك المجتمعات وبين تلك الطبقات.

عالم المدن العملاقة

ولن يخلو الأمر هنا من بعض المفارقات الطريفة, لعل أبرزها هو أنه على الرغم من ارتفاع معدلات الخصوبة يرتبط بالمناطق المتخلفة- سواء على مستوى العالم أو على مستوى المجتمع الواحد - فإن المناطق الحضرية هي التي سوف تمتص في آخر الأمر معظم هذه الزيادة نتيجة للهجرات. ولذا فسوف تكبر هذه المناطق وتتضخم وتمتد إلى مسافات طويلة حتى يمكن استيعاب هذه الزيادة الهائلة التي تقدر بملايين البشر, وبذلك تظهر على نطاق واسع المدن العملاقة أو ما يعرف باسم megacities. ولأول مرة في التاريخ سوف يتساوى عدد سكان الحضر مع عدد سكان الريف حوالي عام 2007, أي بعد ثلاث سنوات تقريبا من الآن على ما تقول إحدى النشرات التي أصدرها قسم السكان بهيئة الأمم المتحدة بتاريخ 21/2/2002. ففي عام 2000 كان سكان الحضر على كوكب الأرض يقدرون بحوالي 2,2 بليون نسمة. ومن المتوقع أن يرتفع ذلك العدد إلى خمسة بلايين عام 2030 من مجموع السكان الذين سوف يبلغون حينذاك حوالي تسعة بلايين (وهذه كلها تقديرات خاضعة للمناقشة لما قد يكون بينها من تضارب). وبينما كان 30% من سكان العالم عام 1950 يعيشون في مناطق حضرية ارتفعت هذه النسبة إلى 47% عام 2000 ويتوقع أن تصل إلى حوالي 60% عام 2030. ومع ذلك فليس من المتوقع - وهذه مفارقة أخرى - أن يتأثر حجم سكان المناطق الريفية كثيرا رغم هذه الهجرات بين عامي 2000 و2030 لأن ارتفاع معدلات الخصوبة هناك كفيل بتعويض النقص الناجم عن الهجرة, وهذا مؤشر آخر على مدى تفاقم المشكلة السكانية وتعقدها في المستقبل. وتشير بعض الأرقام - ولا مندوحة عن الاعتماد عليها هنا - إلى أن حوالي 75 % من سكان الدول المتقدمة يعيشون الآن في المناطق الحضرية المتخلفة, وأن هذه النسبة سوف ترتفع إلى 84% بقدوم عام 2030. بينما المتوقع أن ترتفع حينذاك نسبة سكان الحضر في الدول الأقل تقدما إلى حوالي 60%.ولقد كانت هناك بعض الدلائل منذ العقود الأخيرة في القرن العشرين التي تشير إلى ازدياد الاتجاه نحو نمو المدن العملاقة وإن كان عدد سكان مثل هذه المدن لم يزد عام 2000 على 3,7% من سكان العالم, أما الآن, ونتيجة للتغيرات السكانية المتلاحقة فالأغلب أن تصبح المدينة العملاقة هي الطابع الشائع لمدن المستقبل. وتتميز المدينة العملاقة عن المدينة السائدة في الوقت الراهن بأنها عبارة عن إقليم ممتد, يضم عددا من المدن القائمة الآن وأشباهها بحيث تعتبر كل مدينة منها بمنزلة مركز حضري يلتف حوله عدد من التجمعات الريفية وشبه الحضرية التي توفر لتلك المدينة / المركز احتياجاتها من الطعام والسلع الأخرى البسيطة بينما توفر هي لها ما يلزمها من خدمات وبذلك تكون هذه التجمعات الريفية وشبه الحضرية بمنزلة ضواحي تفصل بين المراكز الحضرية والصناعية المتتالية.

متاعب المدن العملاقة

وسوف يواجه سكان هذه المدن العملاقة كثيرا من المتاعب والمضايقات رغم ما قد توفره لهم من رفاهية وفرص للعمل. ولعل أبسط هذه المتاعب هو الارتفاع الرهيب في تكاليف الحياة والعيش, نظرا للاعتماد الكلي تقريبا على التكنولوجيات المتقدمة عالية التكاليف, لدرجة قد لا يستطيع تحملها سوى نسبة ضئيلة من السكان, مما يؤدي إلى اتساع الهوة الاجتماعية بين الفئات القليلة العدد نسبيا القادرة على الاستفادة من هذه التكنولوجيات المعقدة والغالبية العظمى غير القادرة, وذلك فضلا عما سوف تخلفه هذه الأعداد الضخمة من السكان من تلوث بيئي يصعب التحكم فيه. كذلك سوف تؤدي الموجات الهائلة والمتتالية من الوافدين من كل أنحاء العالم إلى هذه المدن العملاقة على ازدياد حدة التباين الثقافي والعرقي واللغوي والديني, ونشوب النزاعات والصراعات الداخلية, وإن كان بعض المفكرين المتفائلين يرون أنه من الخطأ أن نحكم على المستقبل بمعايير الحاضر وأن هذا النمو السكاني والتباين الثقافي قد يكون حافزا على تحقيق مزيد من التقدم والنمو والرخاء الذي تذوب أمامه كل الفوارق والاختلافات. ويذهب الخيال ببعض الكتاب إلى حد الحديث عن مساوئ الزحام في هذه المدن العملاقة, وصعوبة الانتقال بين مقر الإقامة ومقر العمل الذي قد يبعد عشرات الأميال, وضرورة إيجاد وسائل للتغلب على هذه الصعوبة مثل تحقيق مشروع الشوارع والأرصفة المتحركة التي تستخدم القوى الكهربية في التحرك بكل ما عليها ومن عليها مما يؤدي إلى ازدياد سيولة الحركة والانتقال والاتصال وتوفير الوقت. وهذا مشروع سبق التفكير فيه ولكنه توقف لارتفاع التكاليف, ولكن الفكرة لا تزال حية تراود كثيرا من أذهان المهتمين بمشكلات مدن المستقبل.

والظاهر أنه إزاء كل هذه الاعتبارات لن يكون ثمة مفر من العودة إلى الأفكار والأساليب القديمة المعروفة والمستخدمة الآن, للتحكم في معدلات الخصوبة, ولكن بعد تطويرها والدعاية لها لتوعية الناس وبخاصة في الدول المتخلفة وبين الطبقات الفقيرة التي لا تزال تستمد قيمها حول الإنجاب من المعتقدات الدينية والضغوط والمطالب الاقتصادية ومن بعض الأبعاد والاعتبارات الاجتماعية التي تعطي أهمية لكبر حجم الوحدات العائلية والقبلية. فقد يمكن عن طريق الاستعانة بهذه الوسائل والأساليب المتطورة تجنب حدوث ملايين حالات الحمل غير المرغوب فيه أصلا, وبخاصة حالات الحمل الناجمة عن علاقات جنسية خارج رابطة الزواج على ما يحدث كثيرا الآن في المجتمعات الغربية نتيجة لثورة التحرر الجنسي, التي بدأت تنتقل من الغرب إلى كثير من دول العالم الثالث تحت دعاوى الحرية الشخصية وحق المرأة المطلق في التصرف في جسمها باعتباره ملكية خاصة بها وحدها, وبصرف النظر عن رأي المجتمع وعن القيم والمبادئ الأخلاقية المتوارثة. فثمة أخلاقيات جديدة بدأت تتشكل في الغرب وتنتشر إلى بقية أنحاء العالم وتفرض نفسها بقوة رغم المعارضة التي تبديها القوى المحافظة على التقاليد. وهذا يدعو إلى التساؤل عمن له حق اتخاذ القرار الخاص بتنظيم الخصوبة, وهل هو الفرد أم المجتمع?! وهو تساؤل يثير كثيرا من الحيرة والجدال, نظرا لما يتضمنه من أبعاد أخلاقية واجتماعية لا بد أن تؤخذ في الاعتبار, خاصة أنه يتصل في بعض جوانبه على الأقل بالبحث عن أسباب إلقاء مسئولية ارتفاع معدلات الخصوبة, في المجتمعات النامية على المرأة دون الرجل وهل يمكن إخضاع الرجل - أو على الأقل إقناعه - بالأخذ ببعض الوسائل التي تؤدي إلى التحكم في الخصوبة دون أن يرى في ذلك ما يقلل من مفهوم الرجولة والفحولة في نظره ونظر المجتمع. والذين يثيرون هذه التساؤلات يأخذون في الاعتبار تجربة الهند والثورة التي نشبت فيها حين لجأت إلى تعقيم الرجال أيام حكم أنديرا غاندي مما أساء إساءة بالغة إلى حياتها السياسية.

وقد ذهبت بعض الدول في الغرب تحت شعار المحافظة على الصحة الإنجابية للمرأة وحقها في التصرف في جسمها, إلى إباحة الإجهاض الذي أصبح بذلك حقا مشروعا, وإن كانت هذه الدول تضع لتنظيم العملية بعض الشروط - الصورية في أغلب الأحيان. ويثير هذا الاتجاه كثيرا من الاعتراضات على أساس أنه سوف يساعد على استفحال حركات التحرر الجنسي, بكل ما قد يترتب عليه من انتشار الأمراض التناسلية التي لم تفلح البحوث العلمية في القضاء على بعضها حتى الآن. والطريف هنا أن بعض المعترضين على إباحة الإجهاض يثيرون مسألة ذات طابع فقهي وقانوني واجتماعي حول حق الجنين في الحياة وأنه وإذا كان للمرأة الحق في التصرف في جسمها فليس لها الحق في قتل الجنين, بحجة التخلص من طفل غير مرغوب فيه. وإذا كان المجتمع مسئولا عن المحافظة على حقوق أعضائه في الحياة فإن هذه المسئولية تمتد لتشمل الجنين بعد أن تكون الحياة دبت فيه بالفعل. والخلاف هو حول المدة التي تكون قد انقضت على الحمل, حتى لا يعتبر الإجهاض عملية قتل مستترة تحت غطاء مشروعية حق الإجهاض.

إنما هناك بعض حلول أخرى أقل تعسفا وأكثر إثارة للخيال لمشكلة التزايد السكاني, وترتبط هذه الحلول ارتباطا وثيقا بالتقدم الهائل في علوم الفضاء وتكنولوجيا ارتياد الكواكب الأخرى, إذ يرى البعض أن الحل حين تخفق كل جهود التوعية سوف يكون في غزو الفضاء واستيطان عوالمه التي لا يزال الكثير منها مجهولا حتى الآن. ولكن المشكلة هي أين يتم ذلك وهل في استطاعة كوكب الأرض (تصدير) ملايين البشر الذين ينجبهم سكانه كل سنة, حتى يمكن التخفيف من آثار التضخم السكاني والمشكلات البيئية المترتبة عليه? ثم ما هي أساليب ونوعية الحياة التي سوف تعم كوكب الأرض والكواكب الأخرى في المستقبل إذا تحققت هذه الأفكار?

الظاهر أن مشكلة التزايد السكاني سوف تظل تشغل بال المفكرين والعلماء إلى ما بعد القرن الواحد والعشرين.

 

أحمد أبوزيد