عالم ما بعد كيوتو.. خارطة طريق بيئية لإنقاذ كوكبنا

 عالم ما بعد كيوتو.. خارطة طريق بيئية لإنقاذ كوكبنا
        

          في السادس عشر من فبراير الماضي - وتحديدا في الساعة الخامسة صباحاً بتوقيت جرينتش -, دخلت معاهدة كيوتو حيز التنفيذ, بعد سبع سنوات من إقرارها, لتفرض قيودا على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ,وغازات أخرى, يلقي عليها العلماء باللائمة فيما يتعلق بارتفاع درجة حرارة الأرض, وذوبان الأنهار الجليدية, وارتفاع منسوب المياه في المحيطات.

          وتستهدف هذه المعاهدة التاريخية, التي تم التوصل إليها العام 1997 في كيوتو, عاصمة اليابان التاريخية القديمة, ثاني أكسيد الكربون وخمسة غازات أخرى (وهي الغازات التي تسمى غازات الدفيئة) يمكنها حبس الحرارة داخل الغلاف الجوي للأرض, ويعتقد أنها المسئولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض, التي يقول علماء كثيرون إنها تخل بالنماذج المناخية للأرض, لكن الولايات المتحدة وأستراليا امتنعتا عن التوقيع لأسباب اقتصادية, كما أن بعض الدول النامية خارج إطار الاتفاق مثل الصين والهند.

          ويطالب الاتفاق بخفض الغازات المنبعثة من الدول الصناعية بمعدل 5.2% بحلول العام 2012. غير أن العمل بهذه المعاهدة لا يعني بالضرورة ضمان تحقيق أهدافها, فتحقيق هذه الأهداف حتى بالنسبة للبلدان التي وقعت على اتفاق كيوتو يمكن أن يكون صعباً.

          إن عالمنا يسير بخطى متسارعة نحو كارثة بيئية كونية. وتشير أحدث التقديرات إلى أن زيادة نسبة غازات الاحتباس الحراري سترفع درجات الحرارة عالميا من 3 إلى 9 درجات مئوية خلال السنوات المائة المقبلة, بما يعنيه ذلك من اختفاء بحر الجليد المحيط بالقطب الشمالي في فصل الصيف. وسيؤدي ذوبان الثلوج إلى امتصاص الأرض والمحيطات للمزيد من أشعة الشمس وبالتالي المزيد من الارتفاع في درجة حرارة الكوكب. كما أن ذوبان الأنهر الجليدية وجريانها نحو المحيط سيؤدي بدوره إلى تدفق المزيد من المياه العذبة إلى المحيطات, وهو ما قد يعني رفع المستوى الكوني لسطح البحر, بما يعنيه ذلك من غمر المزيد من اليابسة بالمياه واختفاء العديد من الجزر, وربما إلى إبطاء الدورة المائية للمحيطات التي تنقل الحرارة من المناطق الاستوائية إلى القطبين, وبالتالي إحداث خلل في المناخ الإقليمي والكوني. ومن المرجح أن يؤدي المزيد من الاحترار الكوني إلى إحداث خلل في دورة انبعاث وامتصاص غازات الاحتباس الحراري من التربة والنباتات والكائنات الحية.

          والحقيقة أن دخول معاهدة كيوتو حيز التنفيذ خطوة في اتجاه احتواء تهديد التغير المناخي على مستوى يمكن التحكم فيه. ومع ذلك فإنها ليست سوى الخطوة الأولى. والهدف النهائي لكل النشاطات المناخية يجب أن يكون ضمان بقاء متوسط درجة حرارة الأرض - على المستوى الكوني -تحت درجتين مئويتين أدفأ من عصر ما قبل الصناعة.

          وقد طرح الصندوق العالمي للحياة البرية تسع خطوات إضافية حاسمة لكل اللاعبين على الساحة الدولية لكي تصبح معاهدة كيوتو فاعلة حقا ومن أجل استمرار الزخم لمواجهة تهديد التغير المناخي.

          وتمثل الخطوات التسع خارطة طريق للسنوات الثلاث المقبلة. وهذه الخطوات هي شرط لا غنى عنه لتطبيق بروتوكول كيوتو تطبيقا ناجحا, وزيادة حماية المناخ بعد انتهاء المرحلة الأولى من كيوتو في العام 2012, وزيادة حماية المجتمعات المكشوفة وحماية النظام الإيكولوجي والبيئات الطبيعية وزيادة عدد البلدان التي تمتلك أهدافا مناخية قابلة للقياس والاعتماد عليها.

لماذا نحتاج إلى العمل الآن?

          هناك إجماع عالمي على حجم وإلحاح المشكلة. فالأنظمة الإيكولوجية المحتضرة, وزيادة كثافة وقوة وتكرار موجات الحرارة, والجفاف, والعواصف والأعاصير والكوارث المناخية الأخرى فضلا عن دمار المحاصيل وندرة المياه العذبة, كلها على الأرجح نتيجة للزيادة غير المسبوقة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. وهو ما يهدد حياة عشرات الملايين من البشر بالمجاعات, ومئات الملايين بالملاريا, وملايين بمخاطر الفيضانات ومئات الملايين بالمخاطر المتزايدة لنقص المياه.

          وسيقع العبء الأكبر من هذه المخاطر على عاتق البلدان النامية والأكثر فقرا, خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى, وجنوبي آسيا, وأجزاء من جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. وبالنسبة لمناطق بأكملها ولبلدان مثل الدول الجزرية الصغيرة, تصبح القضية قضية حياة أو موت.ولكي ندرك تهديد التغير المناخي,علينا أن نفكر في مصير أكثر من مائة مليون إنسان, معظمهم يعيشون في مجتمعات فقيرة في بلدان نامية, يعيشون على أراض لا ترتفع عن سطح البحر سوى متر واحد.

          ما الذي سيتغير الآن بعد أن أصبح بروتوكول كيوتو معاهدة دولية ملزمة?

          - تخفيض انبعاثات التغير المناخي سيصبح أولوية للأغلبية الأعظم من العالم.

          - ستصبح معظم البلدان الصناعية ملزمة قانونا بتخفيض انبعاثاتها بحلول العام 2012 إلى مستويات محددة بوضوح.

          - سيتم تسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون, وغازات الاحتباس الحراري الأخرى, وسيتم إنشاء بنية أساسية تسمح بالاتجار في هذه الانبعاثات.وقد بدأت تظهر بالفعل أول أسواق الكربون في لندن وعواصم أخرى في بلدان الاتحاد الأوربي.

          - سيتعين على الشركات التي تعمل في البلدان الموقعة على معاهدة كيوتو إضافة تكاليف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى تكاليف مشاريعها. وهو ما سينطبق أيضا على الشركات الأمريكية, التي تعمل في البلدان الملتزمة بمعاهدة كيوتو.

          - سيدخل إلى حيز التنفيذ ثلاث آليات دولية للاتجار في تخفيض الانبعاثات: وهي آلية التطوير النظيف The Clean Development Mechanism المتعلقة بالاستثمار في المشاريع, التي تخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلدان النامية; وآلية التطبيق المشترك Joint Implementation المتعلقة بالمشاريع نفسها في البلدان الصناعية; وآلية الاتجار في الانبعاثات التي تسمح بالاتجار المتبادل بين البلدان الصناعية الموقعة على معاهدة كيوتو.

تسع خطوات لضمان نجاح كيوتو

          يحتاج عالمنا إلى سلسلة من الأفعال العاجلة لضمان إنجاح كيوتو من جهة, ومن جهة أخرى لوضع العالم على الطريق الصحيح للمستقبل.

          1- سياسات أكثر طموحا, يتعين على الدول الصناعية أن تعزز سياساتها لتخفيض الانبعاثات ولتلبية أهداف كيوتو:

          يتطلب بروتوكول كيوتو تحقيق الدول الصناعية لـ (تقدم واضح) في العام 2005. وسيكون من الصعب على كل هذه البلدان إثبات هذا التقدم, نظرا لأنها لم تضع نفسها على الطريق الصحيح, لتحقيق التزاماتها المتواضعة بحلول العام 2012. وسيتعين على حكومات هذه البلدان تبني سياسات جديدة لتخفيض استهلاك النفط والفحم, وزيادة الطاقة, المتجددة, والتوسع المتزايد وإزالة الحواجز أمام التكنولوجيات التي ترفع من كفاءة الطاقة باعتبارها كلها إجراءات أساسية في السياسة المناخية. وهذه الإجراءات ستسهم أيضا في أمن الطاقة, وفي تخفيض فواتير استيراد الطاقة وخلق مزيد من فرص العمل على المستوى المحلي من خلال التكنولوجيات الجديدة وفرص السوق.

          2- خفض الانبعاثات من أكبر المسئولين عنها, قطاع الطاقة يحتاج إلى التحول إلى كهرباء نظيفة:

          يعد إنتاج الطاقة الكهربائية مسئولا على المستوى الكوني عن نحو 37 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة. ويتمتع قطاع الطاقة بإمكانات واسعة لتخفيض الانبعاثات بسرعة, وبكفاءة عالية وبتكاليف اقتصادية معقولة, من خلال التحول من الاستخدام الملوث وغير الفعال للفحم والنفط إلى الغاز الطبيعي, ثم إلى التوليد المشترك للطاقة ثم إلى الطاقة المتجددة. وكان الصندوق العالمي للحياة البرية قد نشر سيناريوهات لعدد من البلدان, من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وأستراليا واليابان والفليبين وتايلاند, بينت كيف يمكن لقطاع الطاقة, من خلال مزيج من سياسات تخفيض الانبعاثات الكربونية, أن يحدث تخفيضا كبيرا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

          3- إنجاح آلية الاتجار في الانبعاثات في الاتحاد الأوربي: على حكومات الاتحاد الأوربي ضمان نجاح سياسة الاتجار في الانبعاثات. وهو ما يعني أن أهداف تخفيض الانبعاثات ينبغي أن تكون أمينة وقوية - ويجب أن تكون طموحًا بما يكفي لتحقيق التخفيضات المطلوبة.

          اليوم, يمتلك الاتحاد الأوربي وحده نظاما حقيقيا للاتجار في الانبعاثات. ومع ذلك, فإن خرائط الحصص الوطنية National Allocation Plans - التي تحدد تراخيص تخفيض الانبعاثات في القطاعات والمنشآت الصناعية المختلفة - تبقى متواضعة الأهداف. وبالتالي, فإن حوافز الطاقة النظيفة لاتزال ضعيفة, ولا تفرض ضغوطا تذكر على الشركات لتخفيض انبعاثاتها, وللتحول من الطاقة المستمدة من الفحم إلى الطاقة النظيفة. ويتعين على الاتحاد الأوربي تعزيز الخرائط الوطنية استعدادا للمرحلة الرسمية التي ستبدأ في العام 2008 بعد انتهاء المرحلة التمهيدية الحالية. وبالإضافة إلى ذلك, يتعين على الاتحاد الأوربي أن يتفاوض مع شركائه الآخرين, مثل كندا واليابان وروسيا, وربما بعض الولايات الأمريكية, لضمان تساوي مختلف الأنظمة.

          4- دعم تكنولوجيات نظيفة وفعالة للبلدان النامية, يتعين على المؤسسات الدولية للتمويل والإقراض تأمين الحصول على حلول تكنولوجية نظيفة:

          لإبقاء متوسط درجة حرارة الأرض على المستوى الكوني تحت درجتين مئويتين أدفأ من عصر ما قبل الصناعة, يتعين السيطرة على الذروة التي وصلنا إليها الآن على مدى العقد أو العقدين المقبلين ثم البدء في تخفيضها بعد ذلك. وهو ما يعني أن الدول التي تتجه بخطى متسارعة نحو التصنيع, مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا, ستحتاج إلى أن تتطور باستخدام أساليب أقل كثافة في إطلاق الكربون - واستخدام وقود أحفوري أقل في تحقيق النمو الاقتصادي. وهو أمر ممكن, لكن بدعم خارجي قوي. وعلى وكالات الإقراض ومؤسسات التمويل الدولية, مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي, تشجيع ودعم الاستثمار في تكنولوجيات, وبنى تحتية ترمي إلى تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في هذه البلدان.

          5- يجب أن تتحول الطاقة المتجددة إلى قطاع مركزي. على بلدان العالم تبني كل السياسات الضرورية وإنشاء البنى التحتية اللازمة لتطوير كل أشكال الطاقة المتجددة وزيادة كفاءة الطاقة:

          يمكن لأنواع الطاقة المتجددة المختلفة أن توفر للعالم طاقة تزيد بخمسين ضعفا على ما توفره حاليا. وقد أصبحت طاقة الكتلة الحيوية وطاقة الرياح تتمتعان الآن بالتكلفة الفعالة (أي أن قيمة إنتاجهما أعلى من قيمة تكاليف تشغيلهما). وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن مشاريع الطاقة المتجددة وحدها يمكن أن توفر ما بين 170 و290 ألف فرصة عمل في بلدان منظمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية OECD. وفي إسبانيا وألمانيا والدنمارك, وفرت السياسات الطموح للطاقة المتجددة بالفعل نحو 250 ألف فرصة عمل.

          وسيتعين على الحكومات أن تخفض الدعم الحالي الذي تقدمه لأسعار الوقود الأحفوري, والبالغ 200 بليون يورو, وأن تفرض معايير أكثر صرامة وقوة للحفاظ على الطاقة والاستفادة من الطاقة المتجددة.

          6- الإنكار ليس خيارًا. على الولايات المتحدة وأستراليا تخفيض انبعاثاتهما أيضا:

          يتعين على الولايات المتحدة وأستراليا أن تحددا أهدافا وطنية لتخفيض انبعاثاتهما من ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى. وعلى كل دول العالم الموقعة على معاهدة كيوتو أن تضغط بكل قوة على حكومتي البلدين من أجل الانضمام إلى الجهد الدولي الهادف لتخفيض الاحترار الكوني.

          7- مساعدة الأكثر فقرا على التعامل مع آثار التغير المناخي وعلى المجتمع الدولي شحذ كل قواه من أجل مساعدة الدول الأكثر فقرا على معالجة آثار الاحترار الكوني:

          سيتعذر على معظم البلدان النامية, وعلى الأخص الدول الأكثر فقرا, الالتزام بتخفيض انبعاثاتها في المستقبل القريب. والحقيقة أن انبعاثاتها ليست ذات تأثير يذكر, لكن مشكلتها الأكبر ستكون في التعامل مع الآثار السلبية للاحترار الكوني. وبالتالي, يجب أن يتوفر لديها تخطيط أفضل للزراعة والغابات, وللرعاية الصحية, وحماية الشواطئ والتجمعات السكانية المقامة عليها, واستخدامات المياه العذبة والحفاظ على مواردها المائية. ويجب أن يأتي التمويل اللازم لمثل هذه الخطط والمشاريع من البلدان الصناعية الأغنى.

          8- الالتزام بالدرجتين المئويتين كحد أقصى: يتعين على كل الحكومات, والهيئات السياسية الدولية والمجموعات الصناعية أن تلزم نفسها بإبقاء متوسط درجة حرارة الأرض على المستوى الكوني تحت درجتين مئويتين (6ر3 درجة فهرنهيت) أدفأ من عصر ما قبل الصناعة. وهي النقطة الحرجة للمناخ العالمي - حيث سيؤدي تجاوزها إلى آثار مدمرة على الناس وعلى الحياة على كوكبنا.

          ويترجم العلماء الحفاظ على هذا الحد من الاحترار الكوني إلى ضرورة تخفيض الانبعاثات على المستوى الكوني إلى النصف بحلول منتصف هذا القرن, أي أنه سيتعين على الدول الصناعية أن تخفض انبعاثاتها بنحو 80 في المائة خلال الفترة نفسها. وهو هدف يتناقض على نحو صارخ مع الواقع الحالي الذي تزيد فيه الانبعاثات بمعدل سنوي يتراوح بين 1 و2 في المائة. وبينما إيقاف هذا التدهور لا يبدو بالأمر السهل, فإن تحقيقه ممكن إذا عمل المجتمع الدولي بصدق وتضامن حقيقيين.

          9- خطة للعقود المقبلة. على (نادي كيوتو) التفكير في تجمع أكبر وأهداف أكثر طموحا بعد 2012:

          يتعين على (نادي كيوتو), - وهو الاسم غير الرسمي للدول التي صدقت على البروتوكول - تشكيل تحالف أقوى, والاتفاق على أهداف جديدة للمستقبل الآتي بعد انتهاء المرحلة الأولى في 2012. وخلال هذه الفترة, ينبغي على المجتمع الدولي بأسره الضغط على الولايات المتحدة, الملوث الأكبر لكوكبنا, من أجل انضمامها لهذا الجهد الدولي. ومهما تحدثت الإدارة الأمريكية عن (التزامات طوعية), فإن جهود البشرية من أجل تجنب الكارثة ستضيع هباء, دون التزام حقيقي من الولايات المتحدة.

 

أحمد الشربيني   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




زيادة نسبة غازات الاحتباس الحراري سترفع درجات الحرارة عالميا من 3 إلى 9 درجات مئوية خلال السنوات المائة المقبلة





الطاقة المتجددة تعد بإمكانات لا حدود لها





كارثة التسونامي أنذرتنا بما يمكن أن يفعله ارتفاع منسوب البحار بالبلدان الجزرية





سيؤدي ذوبان الثلوج إلى امتصاص الأرض والمحيطات للمزيد من أشعة الشمس, وبالتالي المزيد من الارتفاع في درجة حرارة الكوكب





يعد إنتاج الطاقة الكهربائية مسئولا على المستوى الكوني عن نحو 37 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة