تجارب جديدة.. أم بديل مستقبلي?.. السينما المستقلة في سورية..

تجارب جديدة.. أم بديل مستقبلي?.. السينما المستقلة في سورية..
        

السينما المستقلة في سورية.. هل هي سينما تجارية تافهة? أم سينما راحلة لا يأسف عليها أحد? أم أنها حالة مستقلة لم تأخذ حقها في النقد والتقييم?!

          عادة, تُعرَّف (السينما المستقلة), بأنها الخط الثالث بين الأنساق السينمائية, أي تلك التي تأخذ لنفسها مكانا ما بين سينما القطاع العام, وسينما القطاع الخاص, في البلدان التي مازالت تحتفظ بهذين النمطين من الإنتاج, (ومنها سورية طبعا, بعد أن انطفأت تجربتا سينما القطاع العام الرائدتان في كل من مصر, ومن ثم في الجزائر), أو بين السينما التي تنتجها المؤسسات الرسمية, وسينما الإنتاج الضخم, التي تتولاها الشركات الكبرى, وتتحكَّم بالسوق, في البلدان التي تحظى بشرف امتلاك صناعة سينمائية قائمة بذاتها.. وبالتالي فإن (السينما المستقلة) تحاول الخروج على قوانين السوق السينمائية, من حيث آليات العرض والطلب, وشروط التوزيع, القاسية في غالب الأحيان, والاحتكام المطلق إليها, تماما, في الوقت الذي تريد فيه صناعة أفلام ذات ميزانيات ضئيلة, وجودة فنية عالية, ورؤية فكرية عميقة وفسح المجال أمام المواهب الشابة للتعبير عن ذاتها إبداعيا سينمائيا.

          وبالتالي فإن (السينما المستقلة) هي, بالتعريف المُتفق عليه, (سينما خارجة عن إطار المؤسسات الرسمية, والشركات الكبرى, وتعبِّر عن طموحاتها, في أن تكون متمردِّة على القيود كافة, بما فيها قيود السوق والرقابة, متحرِّرة على مستوى اللغة والأفكار, متَّخذة من التكنولوجيا الرقمية وسيطًا يلائمها, على جميع المستويات التقنية, وبخاصة في ظلّ ميزانيتها المتواضعة).

          وإذا كان من المُتفق عليه أن (السينما المستقلة) نشأت بداية, في الولايات المتحدة الأمريكية, منذ أواخر الستينيات, وأوائل السبعينيات, من القرن العشرين, ومن ثم عرفتها السينمات العالمية, وفي مقدمتها السينما الفرنسية, ومن ثم الأوربية, على تفاوت فيما بينها, فينبغي الانتباه إلى أن (السينما المستقلة) بدأت مسيرة البحث عن مكان لها, في مجالات السينما العربية, بدءا من مصر ولبنان وفلسطين, قبل أن تعرفها البلدان العربية الأخرى.. وقبل أن تصل إلى الحقل السينمائي في سورية.

          في عموم العالم, ظهرت (السينما المستقلة) من أجل التمرّد على الأنماط السينمائية, في الغرب. أما في العالم العربي, فقد نشأت لعدم وجود مناخ سينمائي مناسب, بدءا من الصعوبات الإنتاجية, وصولا إلى سطوة الرقابات المعلنة, أو المضمرة, على السواء, ولهذا تحاول (السينما العربية المستقلة) إثبات وجودها, من خلال أفلام لمبدعين شبان, قدموا شرائطهم السينمائية, بالفيديو أو الديجيتال, بأرخص التكاليف, ومن خلال أساليب فنية تنحو غالبا إلى التجريبية.

          ويمكن ذكر أن من أبرز النتاجات السينمائية, التي تنتمي إلى سياق (السينما العربية المستقلة), العديد من الأفلام, ربما أبرزها, من مصر: (الصباح التالي) لأحمد رشوان, و(العنف والسخرية) لأسماء البكري, و(ألوان الحب) لأحمد غانم, و(من بعيد) لأحمد أبو زيد, و(مربع داير) لأحمد حسونة, والكثير من طراز هذه الأفلام.

          ومن لبنان, جاءت أفلام جديدة وبارعة, يمكن أن نذكر منها أفلام: (لما حكيت مريم) لأسد فولادكار, و(قريب بعيد) لإليان الراهب, وأفلام هدى حداد, وكارول منصور, ورندا شهال الصباغ, وعبد الرحيم عليوان, وغسان سلهب, وبهيج حجيج, وأكرم الزعتري, خاصة في فيلم (فيزا ترانزيت) الاستثنائي, إذ هو عبارة عن مشروع سينمائي جماعي, ضم تسعة مخرجين من لبنان وسورية ومصر والأردن وإيران.

          ومن فلسطين ستأتي أفلام المخرجين: مي المصري وإياد الداود ورشيد مشهراوي وإيليا سليمان وهاني أبو أسعد وعلي نصار وحنا إلياس وعبدالسلام شحادة, من الذين بنوا مشاريعهم السينمائية, من خلال وحداتهم الإنتاجية الخاصة, ذات الدعم المتعدد المصادر, تلك الأفلام التي نالوا عنها العديد من الجوائز السينمائية المهمة.

          وإذا كان اعتماد التصوير بكاميرا الديجيتال, هو السمة الأساسية (وليست الوحيدة طبعا) في هذه السينما, فمن الملاحظ أنه لم تتوقف المساهمة في هذا الطراز من السينما على المخرجين الشباب, أو الهواة, بل ساهم فيها عدد من المخرجين المعروفين, أمثال يسري نصر الله في فيلمه (المدينة), ومحمد خان في (كلفتي), وخيري بشارة في (ليلة في القمر), الذي قال عن هذه التجربة: (لو أردتَ أن تصنع فيلما كل شهر, فهذا في استطاعتك. في أي لحظة تستطيع أن تصوّر, الديجيتال جعلني لا أعرف الإحباط). وذلك تماما قبل أن ينضم مخرجون سوريون معروفون أمثال نبيل المالح, ومحمد ملص, إلى السياق ذاته.

          ولابد أن نذكر أنه في مجال محاولة جادة لمأسسة (السينما العربية المستقلة), أعلنت مجموعة من المخرجين الشباب المصريين, يُذكر منهم: (هالة جلال, كاملة أبو ذكرى, سامي حسام, إسلام العزازي, أحمد حسونة, عبد الفتاح كمال) إنشاء أول شركة مصرية, تُعنى بمفهوم (السينما المستقلة), هي شركة (سمات للإنتاج الفني), التي وضعت لنفسها برنامج عمل يستهدف إنتاج أفلام روائية وتسجيلية, طويلة وقصيرة, بالإضافة إلى إقامة دورات تدريبية في فنون السينما, وفي فنون المونتاج (AVID).

          أما في لبنان, فستبدو تجربة (تعاونية بيروت للتنمية)/(بيروت DC), التي ولدت مجرد فكرة مع نهاية العام 1998, واتخذت شكلا قانونيا في أبريل 1999, باعتبارها إحدى التجارب المتميزة في مجال (السينما العربية المستقلة), إذ جاء تأسيسها بمبادرة فريق من الشبان العاملين في حقلي السمعي المرئي, والتنمية البشرية. وأعلنت أن غايتها هي خلق رؤية لسينما جديدة, وتصور لعمل إنساني واجتماعي أكثر فاعلية.

          بينما لا يمكن إنكار المساهمة التي يقوم بها مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية (الجنى), في بيروت, من خلال إنتاجه العديد من الأفلام, بناء على سيناريوهات ومساهمات يقوم بها الأطفال اللاجئون في المخيمات الفلسطينية, في لبنان, ويشرف عليها المخرج الشاب هشام كايد, وربما من المفيد النظر إلى أفلام هذا المشروع المنجزة حتى الآن, وهي: فيلم (أحلامنا.. متى?) 2001, و(الله يستر) 2001, و(طفولة بين الألغام) 2002, و(سكر يافا) 2002, و(ليمونادة) 2003, لاسيما أن بعض هذه الأفلام استطاع نيل العديد من الجوائز المهمة من مهرجانات سينمائية عربية, خاصة في المهرجانات المنعقدة في مصر, للسينما التسجيلية, أو سينما الطفل.

السينما المستقلة في سورية

          ربما يبدو من المفاجئ للبعض, بمن فيهم بعض السينمائيين, والمهتمين بالسينما, في سورية, الحديث عن (سينما مستقلة) في سورية, فغالبية الكتابات المتعلقة بالشأن تذهب, إلى دائرة الحديث عن سينما القطاع العام/سينما المؤسسة العامة, وتتعالى بأنفة مزعجة عن الخوض في موضوع سينما القطاع الخاص. وتلك الكتابات بين هذا الموقف وذاك لم تشأ الانتباه إلى المحاولات الجادة, التي تمضي على طريق (السينما المستقلة), تلك المحاولات التي انجلت حتى الآن عن عدد من التجارب الشابة المتميزة, والتي يمكن التوقف عند بعض المخرجين, من الذين حققوا حضورهم في المجال السينمائي, من خلال أفلامهم المستقلة تلك.

تجربة المخرج الشاب عمار البيك

          لا يستند المخرج عمار البيك إلى منتج سينمائي حقيقي, بمقدار ما يتعاون مع ورشة عمل سينمائية, يرأسها ميشيل ميليكيان, وهو صاحب أستوديو تصوير فوتوغرافي معروف في دمشق, وينضوي في إطارها مجموعة من الشباب, من الهواة, أبرزهم: محمود إيبش, وهنادي العمري.. استطاع البيك مع الورشة, خلال سنوات معدودة من العمل, تحقيق العديد من الأفلام, منها: فيلم (أشخاص) وهو تسجيلي تجريبي قصير (مدته 6 دقائق), وفيلم (16 ملم) وهو تجريبي قصير (مدته 4 دقائق), وفيلم (الثور أنا) وهو تجريبي قصير مدته (7 دقائق), وفيلم (نهر الذهب) وهو تسجيلي وثائقي قصير (مدته 15 دقيقة) ويرصد فيه مصير نهر بردى, والمشاركة في فيلم (فيزا ترانزيت) بفيلم تجريبي قصير (مدته دقيقة واحدة), وذكرنا قبل قليل أنه مشروع سينمائي قاده المخرج اللبناني أكرم زعتري, مع تسعة مخرجين, (مدته 120 دقيقة), وفيلم (باولو) وهو أول فيلم تسجيلي تجريبي طويل (مدته 54 دقيقة)..

          هذا فضلا عن فيلمين نشاء التوقّف أمامهما, باعتبارهما يمثلان حالة نموذجية, مما صنعه المخرج عمار البيك, ففي فيلم (حصاد الضوء) الذي أنجزه في العام 1997, يبدو انهماك المخرج في التأسيس لصورته السينمائية, ليس فقط من خلال الاشتغال على ثنائية الضوء والعتمة, والنور والظل, بل أولا من خلال التعبير بالصورة عن الكثير من الكلام, ومن خلال التقاط أدق التفاصيل, ومراكمتها لبناء الصورة الكلية, أو لجوانب من صورة أولئك الذين يبنون الوطن بكدهم وعرقهم..

          ثلاث دقائق ونصف, هي مدة الفيلم.. في مكان عتيق كانت له أبهته ذات زمن مضى, وربما كانت له رهبته, لكنه الآن بات مخزنا, أو مستودعا, لا ينكر نصيبه من الظلمة والرطوبة, ومن نكراننا له, واحتقارنا لتاريخه, هل انتبهنا في لحظة ما إلى أننا حولنا البيوت العربية القديمة, في دمشق, كما في غير مدينة عريقة, إلى مخازن ومستودعات, أو إلى ورشات نسيج, أو صباغة, أو إلى مطاعم سياحية?

          أما فيلمه (إنهم كانوا هنا) المنجز في العام 2000, فقد أراده المخرج أن يكون تعبيرا عن حالة عشق سينمائي صافية, وعن إدراك ذكي وعميق, لمفهوم السينما وحقيقتها وجوهرها, وقدرتها على القول. ومن البراعة أن يختار المخرج عمار البيك - وهو من قام أيضا بالتصوير والمونتاج - إنجاز الفيلم باللونين الأبيض والأسود, مما منح الفيلم جمالية خاصة, على مستوى المشهدية البصرية, كذلك على مستوى الدلالة والتعبير, ليس فقط في التقابل بين الحاضر والماضي, والإيغال فيما مضى, بل كذلك في عمق التعبير عن صمت الأمكنة وسباتها, بعد أن كان من يملؤها هنا.

          ثماني دقائق, فقط.. كانت كافية لنعيد قراءة تجربة عمر أفل, وأيام مضت, وأناس يعششون في ثنايا الذاكرة, ثماني دقائق, فقط, كانت كافية لتتسرَّب الرعشة إلى أبداننا, ونحن نرى صورتنا في صورة من مرّوا في هذه الأمكنة, ونتلمَّس نبض أحلامنا في أحلامهم, وكي ندرك مدى القسوة التي ننغمس بها, عندما نمرّ بهم, دون أن نلقي التحية على غفواتهم القصيرة, على رصيف العمر الذي أكلته السنون..

          ثمراتهم نحن. فينا زرعوا أحلامهم, وبنا تجسَّدت خيباتهم, ونحن نعبرهم إلى وقتنا, متجاهلين أوقاتهم, وإلى حلمنا دون أحلامهم, كأنما لم تعد تنفعنا صلواتهم, وأدعيتهم, ولا تثير في أنفسنا دفء همساتهم وبسملاتهم.. ترى أيّ رضا كان يعمر صدورهم? أي جحود ونكران نتلذَّذ به? أيّ قسوة نجترحها?

          ومن الملاحظ, أن المخرج عمار البيك أراد لأعماله أن تكون من النوع التسجيلي, المترع بأنفاس تجريبية, تريد امتحان حقيقة السينما, وقدرتها على القول, بعيدا عن التنظيرات والشعارات والمصطلحات الكبيرة, وكان له أن حظي بتقدير من عرف عالمه, ومن أطل عليه. لقد نال البيك العديد من الجوائز, إذ حصل فيلمه (حصاد الضوء) على جائزة عمدة مدينة لييج البلجيكية عام 2000, كما حصل فيلمه (إنهم كانوا هنا) على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان الشاشة العربية المستقلة, في الدوحة عام 2001, وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان الإسماعيلية, في العام ذاته, وجائزة مماثلة من مهرجان أيام تونس الدولية للفيلم القصير, وجائزة وشهادة تقدير من الاتحاد الدولي السينمائي, إنها سينما حقيقية, وإبداع متميز.. فمن ينتبه?

تجربة المخرج الشاب هشام زعوقي

          بعد معاناة مريرة, وتجربة أكثر مرارة, غادر هشام زعوقي بلده سورية, ليحطَّ به المقام في أقصى الشمال الأوربي, في النرويج تماما, حيث عثر هناك على السينما وسيلة إبداعية للتعبير, بعد أن كان في سنوات الثمانينيات أحد المبرزين الرياضيين في سورية, إذ نال بطولات محلية متعددة, في واحدة من الألعاب الرياضية الفردية (الجودو).

          ويبدو أن هشام الزعوقي, الذي عرف اللعبة الرياضية الفردية, تلك التي يعتمد فيها على قدراته الشخصية, وذكائه الخاص, مدعوما بملاحظات المدرب, لم يذهب بعيدا عندما أراد صناعة سينما من نوع خاص, هي (السينما المستقلة), فكانت تجربته البارعة في فيلم (الباب) الذي أعلن ولادة مخرج سوري شاب, يمتلك من البراعة الفنية, والنباهة الفكرية, وعمق الرؤية, ما استطاع أن يختزله خلال دقائق معدودات, هي مدة هذا الفيلم الروائي التجريبي القصير.

          بصمت صارم, وعينين ذاهلتين, ينطلق بطل الفيلم, الشاب ذو الملامح العربية, حاملا بابا خشبيا على رأسه, (تماما كما كانت أمهاتنا يحملن دلاء الماء على رءوسهن, يطفئن عطشنا), متجولا من مكان إلى آخر, باحثا عن مكان يمكن لهذا الباب أن ينغلق عليه. سنراه يمضي من المدينة, وشوارعها, إلى الأرياف, فالغابات, ليصل إلى شاطئ مهجور!.. وهناك سيرسم بكعب حذائه, على الرمال الرمادية الرطبة, صورة البيت الذي يحلم به, أو حدوده العامة, قبل أن يضع له بابه العتيد, ويجعله ينغلق عليه, كما لو أنه قبر.

          ببراعة حاذقة, يقول المخرج هشام الزعوقي, الكثير مما يمكن قوله, عن معاناة المغتربين, المهاجرين, في بلاد تحتاج إلى الكثير من الدفء, حتى تتمكّن من تحسُّس معاناتهم, وتلمُّس توقهم إلى الأمان! الأمان في بيت, أو في قبر.

تجربة المخرج الشاب فجر يعقوب

          ينتمي فجر يعقوب إلى الجيل الثاني من اللاجئين الفلسطينيين في سورية, فهو من مواليد العام 1963, وبالتالي فهو قد ولد ونما وترعرع في سورية, دون أن يعرف غيرها ملجأ, وحتى عندما ذهب إلى بلغاريا لدراسة السينما, لم يكن له من بدّ سوى العودة إلى سورية, ولعلّه لم يفكر بسواها بديلا أبدا, مادام غير قادر على العودة إلى قريته (الطيرة), القرية الفلسطينية الجميلة, المنتظرة عودة أبنائها, قرب حيفا..

          وفجر يعقوب, الذي عمل في صحافة الثورة الفلسطينية, شوطا من الزمن خلال الثمانينيات, وراود الشعر بثلاث مجموعات شعرية, وجد نفسه يحطُّ أخيرا على شاطئ السينما, مخرجا وكاتبا للسيناريو, وناقدا في المسافة بين فيلم وآخر. فخلال قرابة عقد من السنوات استطاع بمثابرة وجهد, أن يقدم أفلاما من طراز: (سراب) عن قصة للأديبة السورية الكبيرة كوليت خوري, وهو فيلم روائي قصير, وفيلم (صورة شمسية) 2003, التسجيلي القصير, وفيلم (متاهة) 2004, التجريبي القصير, وفيلم (روميو وجولييت) 2005, الروائي التجريبي القصير..

          التجريب, هو السمة الأساسية في السينما التي يصنعها المخرج فجر يعقوب, سواء كان يتناول قصة إنسانية المغزى, كما في (سراب), أو قصة نابعة من قلب المعاناة الفلسطينية, مباشرة, كما في (صورة شمسية) و(متاهة), أو عندما يتناول قصة حبّ, أزلية الاغتيال, وتراجيدية النهايات, كما في (روميو وجولييت). وفي الاعتقاد أن التجريب الحقيقي غالبا ما يرتبط بطزاجة الفكرة, وطرافتها (إن شئت), وبعمق الرؤية, وحرية التفكير والتعبير, حتى درجة النفاذ إلى المسكوت عنه, وهو ما لا يقبل أي منتج سينمائي خاص التورط فيه, كما تحاذر المؤسسات الإنتاجية السينمائية العامة من الذهاب إليه.

          أربع دقائق فقط, كانت تكفي المخرج فجر يعقوب, ليتحدث لنا في فيلمه (متاهة) عن مخيم شاتيلا في العام 2067, ليصدمنا بصورة المخيم الباقي, بعد قرن من النكسة الحزيرانية, تماما, وفي مكانه, وكأنما هو في تحذير يريدنا الانتباه إلى أن لا شيء يتغير, مادامت حالتنا العربية, هي محض كلام في كلام.

          وفي ثماني دقائق, هي مدة فيلم (روميو وجولييت), وفي غرفة عناية مركَّزة (أو مشدَّدة), نرى عاشقين شابين, مستعارين من عالم غسان كنفاني في وهلة, ومن عالم السحق والقهر, الذي يجثم الآن, بكلكله علينا, في وهلة أخرى, وهما يعيدان التراجيديا الأزلية التي تحيق بالبشرية, هاهنا شاب وفتاة يتحايلان على واقعهما, من خلال الادعاء بالمرض, علَّ غرفة العناية المركَّزة, في أحد المستشفيات, تجمعهما! ولكن الفتى العاشق يمضي في اللعبة إلى نهايتها, ويموت, قبل أن تنهض الفتاة من لعبة الاستغماء, التي اصطنعاها من قبل.

          في أفلام (السينما المستقلة) نجد أنفسنا, نقادًا ومشاهدين, أمام تجارب إبداعية سمعية بصرية, تحاول النفاذ من بين أصابع المعوقات جميعها, لتقدم رؤى سينمائية إبداعية بارعة, قليلة التكاليف, رخيصة الإنتاج, تنفلت من خلالها المخيلات لتقول أشياء لم يكن بالإمكان صناعة أفلام تحملها, لولا خيار (السينما المستقلة) التي تحاول بدأب اختراق الجدران السميكة, والتحصّل على نص سينمائي خاص.

 

بشار إبراهيم   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




المخرج إياد الداوود أثناء التصوير





لقطة من (أحلام المنفى) للمخرجة مي المصري





المخرج أسد فولادكار يوجه ممثلي فيلمه (لما حكيت مريم)





من (أطفال شاتيلا) للمخرجة مي المصري





الانكسار في مشهد للمخرج عمار البيك





الفيلم اللبناني الشهير (لما حكيت مريم) اخراج اسد فولادكار





من فيلم (إنهم كانوا هنا) للمخرج عمار البيك





عنوان فيلم (سكر يافا) للمخرج هشام كايد