أهمية اللغة العربية: رؤية معلوماتية

 أهمية اللغة العربية: رؤية معلوماتية
        

          استحدثت اللغة لنفسها أدوارًا جديدة, وذلك بعد أن تداخلت مع العلم والتكنولوجيا بصورة كبيرة ليبرز دورها الاقتصادي والسياسي, ومع ما نسمعه حاليًا عن صدام الحضارات, وصراع الثقافات, وصنوف الإرهاب والعنف الرمزيين, توشك اللغة أن تمد نطاق علاقاتها ليشمل القوى العسكرية أيضًا.

          أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني إلى أهمية اللغة العربية بصفتها مقومًا أساسيًا لبناء مجتمع المعرفة العربي, وبالنظر إلى دورها الأساسي بالنسبة لجميع عناصر الدورة الكاملة لاكتساب المعرفة التي تشمل العناصر التالية:

  • النفاذ إلى مصادر المعلومات والمعرفة.
  • استيعاب المعرفة من خلال التعليم والتوعية.
  • توظيف المعرفة في تفسير الظواهر وحل المشكلات.
  • توليد المعرفة الجديدة, من خلال جهود البحث والتطوير والإبداع.
  • إهلاك المعرفة المتقادمة وإحلال المعرفة الجديدة بدلاً منها.

          وعلى الرغم من كثرة الحديث عن أهمية اللغة في عصر المعلومات, فإن معظمه اتسم بالعمومية دون تحديد للعوامل التي استندت إليها هذه الأهمية والدوافع وراء المطالبة بتطوير اللغة العربية: تنظيرًا ومعجمًا, تعليمًا وتعلمًا, استخدامًا وتوثيقًا, تقييسًا وحوسبة, لذا فقد قمنا في هذا المقال باستعراض شامل لهذه الدوافع وفقًا للتصنيف التالي:

  • الدافع الاقتصادي.
  • الدافع السياسي.
  • الدافع العلمي.
  • الدافع التكنولوجي.
  • الدافع الاجتماعي.
  • الدافع الثقافي.
  • الدافع التربوي.
  • الدافع الإعلامي.

          ولاشك أن هناك قدرًا لا يستهان به من التداخل بين هذه الدوافع, خاصة بين الثنائيات المعهودة, ونقصد بها ثنائيات: الاقتصادي والسياسي - العلمي والتكنولوجي - الاجتماعي والثقافي - التربوي والإعلامي, ولكن ما هو أكثر إثارة - في رأي الكاتب - هو نوعيات التداخل التي أبرزها المتغير المعلوماتي ما بين الدوافع التي تتجاوز حدود هذه الثنائيات من قبيل: التداخل بين الاقتصادي والثقافي, وبين السياسي والتربوي, وبين التكنولوجي والإعلامي, وهو ما يستحق دراسة منفصلة, ربما تتخذ من الدراسة الحالية نقطة انطلاق لها.

          وسنتناول فيما يلي كلا من هذه الدوافع, وقد رأينا أن نصوغها في قوائم من نقاط مركزة.

أولاً: الدافع الاقتصادي

          تعد تكنولوجيا المعلومات بمنزلة حلقة الوصل بين اللغة والاقتصاد, وقد قيل إن من يستطيع أن يسوق لغته يستطيع أن يسوق منتجاته في عصر اقتصاد المعرفة. وينشأ الدافع الاقتصادي من عوامل عدة, من أهمها:

  • الدور الرئيسي الذي تقوم به صناعة المحتوى في اقتصاد مجتمع المعرفة, وتعتبر اللغة ومعالجتها آليًا أهم عناصر البنى التحتية لهذه الصناعة بلا منازغ وكما هو معروف, تقوم صناعة المعلومات على ثلاثة مقومات رئيسة هي: المحتوى الذي يمثل مواد التصنيع المعلوماتي, ومعالجة المعلومات التي تمثل أدوات الإنتاج, وشبكة الاتصالات التي تمثل قنوات التوزيع. وفي إطار هذه الثلاثية, وفيما يخص مساهمة كل منها في العائد الكلي لصناعة المعلومات, يحظى شق المحتوى بنصيب الأسد (50% تقريبًا), وتؤكد دلائل عدة أن مساهمة المحتوى في صناعة المعلومات, ومساهمة اللغة في شق المحتوى, كلاهما في تصاعد مستمر.
  • تشمل صناعة المحتوى كل ما ينتجه النشر الإلكتروني والطباعي, والإنتاج الإعلامي والإبداعي, والوثائق الحكومية, والتوثيق العلمي والتراثي, والبرمجيات وقواعد البيانات وبنوك المعلومات, وما شابه, وجميعها - كما هو واضح - يعتمد على اللغة بشكل أساسي.
  • تحتاج مؤسسات التجارة الإلكترونية العربية إلى دعم من حوسبة اللغة العربية من أجل التواصل الفعّال مع عملائها, ومع بعضها البعض الآخر, ورصد أسواقها, وتوصيف منتجاتها (الكتالوجات الإلكترونية).
  • ارتفاع كلفة استيراد  منتجات اقتصاد المعرفة في ظل ما تفرضه حاليًا الاتفاقات المبرمة من قبل منظمة التجارة العالمية فيما يخص حماية الملكية الفكرية, ومن المعروف أن المنتج المعرفي - بحكم طبيعته - كثيف اللغة.
  • أثبتت التجارب العربية - بالرغم من قلتها - في مجال حوسبة اللغة العربية أنها من أكثر مجالات الاستثمار عائدًا نظرًا لارتفاع القيمة المضافة, وزيادة الطلب عليها من السوق العربية ومن السوق الإسلامية, علاوة على الجاليات العربية والإسلامية في المهجر. ويكفي أن نشير هنا إلى النجاح الكبير الذي تحقق في مجال نشر التراث الديني, طباعيًا وإلكترونيًا, لثراء محتواه, وتوافر قدر معقول من نظم معالجة العربية آليًا, وتحظى منتجات تعليم وتعلم اللغة العربية بجاذبية تسويقية مشجعة للغاية. وربما تجدرالإشارة هنا إلى العائد الضخم الذي تحققه بريطانيا نتيجة تسويق خدمات تعليم وتعلم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية, وما حققته المعاجم الإنجليزية, وفي مقدمتها معجم أكسفورد, من أرباح طائلة.
  • نتيجة لانتشار نظم المعلومات, تعد اللغة العربية ونظم معالجتها آليًا من أهم عوامل زيادة إنتاجية عمالة المعلومات, وهي أهم فئات العمالة في مجتمع المعرفة, وتشمل - على سبيل المثال لا الحصر - عمالة التعليم والإعلام والنشر, وعمالة البحث والتطوير وعمالة المكاتب والإدارة على اختلاف مستوياتها. إن نجاح المجتمعات العربية في إقامة نظم الحكومة الإلكترونية ومؤسسات نشاط الأعمال الإلكترونية والتعلم إلكترونيًا يتوقف بصورة أساسية على توافر عناصر البنية التحتية الخاصة بالتعامل مع اللغة العربية آليًا, والتي تشمل - ضمن ما تشمل - نظم أتمتة المكاتب, ونظم معلومات الإدارة, وبرمجيات التعليم والتعلم.

ثانيًا: الدافع السياسي

          كانت اللغة على مر العصور مصدرًا للقوة السياسية, وقد برع الساسة والحكام في استغلالها كأمضى الأسلحة الرمزية, وينشأ الدافع السياسي من عوامل عدة, من أهمها:

  • تنامي ظاهرة التكتّل السياسي على أساس لغوي, ويأتي على رأسها ذلك التكتل الإنجليزي الذي يشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا الناطقة بالإنجليزية ودول الكومنولث, وما ظهر كرد فعل له من تكتلات وتحالفات لغوية, ومن أمثلتها مسعى ألمانيا إلى إقامة حلف لغوي ألماني يجمع بينها وبين النمسا وسويسرا الناطقة بالألمانية. ولمجموعة الدول الإسكندنافية مشاريع مشابهة للتكتل اللغوي, وعلى المستوى ما فوق الإقليمي, يسود الساحة السياسية العالمية حاليًا نشاط متزايد لإحياء التحالفات اللغوية مثل (الأنجلوفونية) و(الفرانكفونية) و(الإسبانوفونية).
  • تلعب هذه التكتلات السياسية - المتمركزة حول اللغة - دورًا أساسيًا في تشكيل الخريطة (الجيومعلوماتية), ومن المتوقع تعاظم هذا الدور مع تنامي التوجه الاجتماعي الثقافي لتكنولوجيا المعلومات, واقتناع الكثيرين أنه يتعذر تأهل البلدان العربية - مجتمعة أو منفردة - لدخول مجتمع المعرفة دون تكتل عربي معلوماتي يتخذ من اللغة وحوسبتها ركيزة انطلاق له.
  • تنامي الأبعاد اللغوية لظاهرة العولمة, فسواء كانت العولمة وفاقًا أم صراعًا, فللغة في كلتا الحالتين شأن خطير, فإن كانت وفاقًا فهي - أي العولمة - تعني كسر الحواجز اللغوية والاحتفاء بالتنوّع اللغوي, وإن كانت (صراعًا), فله أيضًا شقه اللغوي المتمثل في كيف تضيّق الإنجليزية الخناق على ما عداها من اللغات, وهي توشك أن تخرج منفردة كلغة عالمية أو (إسبرانتو الأمر الواقع) كما يقولون. وتتعرض العربية لحركة تهميش نشطة, بفعل الضغوط الهائلة الناجمة عن طغيان اللغة الإنجليزية على الصعيد السياسي والاقتصادي والتكنولوجي والمعلوماتي.
  • وأخيرًا وليس آخرًا, يتوقف نجاح إدخال الحكومة الإلكترونية في البلدان العربية على توافر الدعم اللغوي, من أجل زيادة فاعلية التواصل مع الجماهير, وإتاحة الوثائق الحكومية للمواطنين تحقيقًا لمبدأ (الشفافية) من جانب, وتسهيلاً لإجراءات الاستثمار وإدارة الأعمال إلكترونيًا من جانب آخر.

ثالثًا: الدافع العلمي

          في المراحل الأولى للارتقاء بعلم اللغة لينضم إلى حظيرة العلم الدقيق, اقترض التنظير اللغوي مناهجه من فروع علمية أخرى, إلى أن شبّ عن الطوق, وأصبح المنحى اللغوي بمنزلة نهج علمي تتبناه كثير من الفروع العلمية, وهو ما يمكن أن نطلق عليه (النهج اللغوي), وينشأ الدافع العلمي عن عوامل عدة, منها:

  • أهمية دور اللغة في مجال العلوم الطبيعية, التي تعود إلى العلاقة الوثيقة التي أقامتها اللغة مع البيولوجيا الجزيئية, وهي - بلا منازع - أكثر العلاقات العلمية إثارة وأهمية, فهي تمثل ذروة اللقاء العلمي بين اللغة, قمة العلوم الإنسانية, والبيولوجي الذي يعتلي - حاليًا - قمة العلوم الطبيعية. وعليه, فقد أصبحت اللغة والبيولوجيا والمعلوماتية بمنزلة المثلث الذهبي, أو رأس الحربة, الذي يجر وراءه قاطرة المعرفة الإنسانية الشاملة: فلسفة وعلمًا وفنًا وتقانة, ومرة أخرى هناك فرصة نادرة أمام العلماء العرب للحاق بالركب العلمي في مجتمع المعرفة انطلاقًا من اللغة العربية, واستنادًا إلى تمحيص دقيق لعلاقة اللغة العربية بفروع البيولوجيا الحديثة من جانب, وعلاقتها بالمعلوماتية الحديثة من جانب آخر.
  • تتسم معرفة عصر المعلومات بتعدد التخصصات وتداخلها, ولا يخفى على أحد أن الفكر العربي يشكو من قصور شديد في استيعابه لمثل هذه الأمور, وتمثل اللغة ركيزة أساسية لكسر حواجز التخصص المترسخة والتصدي للثنائية التي تعزل معرفة الإنسانيات عن معرفة الطبيعيات, وتفصل بين معرفة العلوم ومعرفة الفنون, فاللغة قد أصبحت - كما أسلفنا - رابطة العقد لخريطة المعرفة الإنسانية.

رابعًا: الدافع التكنولوجي

          تطورت العلاقة بين اللغة والتكنولوجيا من مستوى التعامل السطحي مع حروف الكتابة في ظل تكنولوجيا الطباعة, إلى ما هو أعمق بكثير بظهور تكنولوجيا المعلومات, والتي نفذت إلى قلب المنظومة اللغوية, وينشأ الدافع التكنولوجي عن عوامل عدة, من أهمها:

  • كون اللغة ركيزة تكنولوجيا المعلومات, وذلك من أجل إكساب الآلة (الكمبيوتر) والروبوت خاصية الذكاء الاصطناعي, والقدرة على التعلّم ذاتيًا, وكلاهما يعتمد على المحاكاة الآلية للقدرات البشرية في استخدام اللغات الإنسانية, وتتوجه الإنترنت حاليًا نحو ما يعرف بـ(الويب الدلالي), ويقصد به النفاذ إلى مضمون الوثائق الإلكترونية, خلافًا لما يجري حاليًا في التعامل معها على مستوى ظاهر الألفاظ والنصوص, ويتطلب الويب الدلالي تطبيقات لغوية ذكية لتحليل مضمون الوثائق وفهم النصوص آليًا واستنباط ما تبطنه سطورها من معان ومفاهيم.
  • الأهمية المتزايدة للبرمجيات التعليمية والثقافية, وكلاهما كثيف اللغة بدرجة عالية, وهما يمثلان في الوقت الراهن أهم فروع التكنولوجيا المعلوماتية, ويعتبر البعض هذه البرمجيات التعليمية بمنزلة التطبيق الساحق, حيث تتوجه معظم تكنولوجيات المعلومات - بفضل الإنترنت - صوب المنزل, وسيولد الاندماج المرتقب بين الإنترنت والتلفزيون والجيل الثالث للهواتف النقالة طلبًا جديدًا ومتزايدًا لإنتاج محتوى عربي, غزير ومبتكر, يسد حاجة هذا الاندماج التكنولوجي المثير الذي سيتولد عنه - حتمًا - كم هائل من البرمجيات ذات الطابع اللغوي غير المسبوقة.

خامسًا: الدافع الاجتماعي

          المجتمع - كما قيل - هو نتاج الخطابات المختلفة, التي تموج بداخله, ومدى وفرة وشفافية المعلومات السارية في كيانه. ويتوقف على هذين الأمرين مستوى الذكاء الجمعي للمجتمع ككل, وكلاهما - بداهة - يتوقف على النهوض باللغة التي تصاغ بها معظم هذه الخطابات, ويتم من خلالها تبادل تيارات المعلومات, وينشأ الدافع الاجتماعي عن عوامل عدة, من أهمها:

  • تلعب اللغة دورًا أساسيًا في إحداث التماسك الاجتماعي, فاللغة هي التي تغزل النسيج المجتمعي في شبكة من علاقات التواصل سعيًا لتحقيق الوفاق بين أفراد المجتمع وجماعاته ومؤسساته, فلا وفاق بلا لغة ولا مجتمع معلومات حقيقيًا بلا وفاق, يتحقق من خلال الشفافية اللغوية, ويمكن القول إن معظم الممارسات الاجتماعية هي ضرب من ألعاب اللغة بتعريف فيتجنشتين. ولكل ممارسة اجتماعية لغتها, فللسياسة لغة الإعلام, وللتجارة لغة الإعلان, وللاقتصاد لغة الأرقام والإحصاءات. وتعكس الاستخدامات اللغوية - وفقًا للغويات النقدية - الأنماط الأيديولوجية الغائرة داخل الكيان المجتمعي, وستظل اللغة ممارسة اجتماعية, أي أنها ليست وسيطًا بريئًا للتواصل, ولا سبيل للكشف عن صورتها الأيديولوجية الكامنة, ومواكبة سرعة التغير الاجتماعي, إلا من خلال رصد اللغة وهي تعمل في سياقها الواقعي, وتحليل سوسيولغوي للاستخدامات اللغوية في المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية.

سادسًا: الدافع الثقافي

          علاقة اللغة بالثقافة لا تحتاج إلى مزيد من التأكيد, وقد أضفت عليها النقلة المعلوماتية مزيدًا من الأهمية, وأضافت إليها عديدًا من الجوانب المستجدة, وينشأ الدافع الثقافي عن عوامل عدة من أهمها:

  • محورية الثقافة في عملية التنمية الشاملة, في الوقت نفسه الذي تمثل فيه اللغة محور منظومة الثقافة بلا منازع.
  • يرتبط بما ذكر أعلاه الأهمية القصوى لإعادة تشكيل وعي المثقف العربي تلبية لمطالب عصر المعلومات, فالنهوض بوعي جماعاته, يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرته على تحويل وعيه الخاص إلى وعي عام, ويحتاج ذلك أول ما يحتاج إلى أن يكون المثقف العربي ذا ثقافة لغوية أصيلة, نظرًا للدور الخطير الذي تمارسه اللغة على أصعدة الإعلام والسياسة والاقتصاد والدين, ويكفي شاهدًا على ذلك أن للغة دورًا محوريًا في جميع المدارس الفكرية الحديثة (البنيوية وما بعد البنيوية, والتفكيكية, وما بعد الحداثة, حداثة مدرسة فرانكفورت).
  • تأكيد معظم تعريفات مفهوم الثقافة على أهمية اللغة, وهذه عينة دالة من هذه التعريفات:

          - الثقافة بوصفها نسقًا اجتماعيًا من القيم والمعتقدات والمعارف والفنون والممارسات الاجتماعية, وجميعها - كما هو واضح - كثيف اللغة.

          - الثقافة بوصفها أيديولوجيا لرؤية الواقع, واللغة الأم هي المنظار الذي يرى به الفرد العالم من حوله, فاللغة - كما قيل - هي عالمي وحدود لغتي هي حدود عالمي.

          - الثقافة بوصفها تواصلاً من خلال نقل العلاقات والمعاني والخبرات ما بين الأجيال, واللغة هي ركيزة التواصل الثقافي الفعّال: تعليمًا وإعلامًا وحوارًا وتراسلاً.

          - الثقافة بوصفها انتماء تعبر عن التراث, والهوية وطابع الحياة اليومية للجماعة الثقافية, واللغة هي الوسيلة الفعّالة للمحافظة على هذا التراث والحفاظ على هذه الهوية والذود عنها, ناهيك من كونها أداة لا غنى عنها لممارسة الوظائف الحياتية.

          - الثقافة بوصفها دافعًا على الابتكار والإبداع, والنضال ضد القهر والتصدي لصنوف الظلم, وهذا يبرز دور اللغة كأداة للمبدعين من جانب, وكسلاح - من خلال الإنترنت خاصة - في أيدي المناضلين والمناهضين من جانب آخر.

          - الثقافة بوصفها حصادًا متجددًا يتم استهلاكه وإعادة إنتاجه والتفاعل معه وإدماجه في مسار الحياة اليومية وجميعها - كما هو واضح - ذو صلة وثيقة باللغة بوصفها الأداة المحورية لتوظيف الحصاد الثقافي ونشره وتوظيفه وتجديده.

  • الأهمية المتزايدة لحوار الأديان, بصفته أهم محاور الحوار الثقافي, وهو الحوار الذي أصبح ممكنًا ولازمًا في ظل ما يتواتر من حديث عن حوار الثقافات وصدامها, وقد وفرت الإنترنت ساحة ساخنة للتثاقف الديني, وهو الأمر الذي يتطلب بدوره الاهتمام الكبير بالنصوص الدينية, التي يتم تناولها - حاليًا - من منظور علم النص, والذي يتضمن فروعًا لغوية مختلفة من قبيل: اللسانيات الحديثة, البلاغة الجديدة, علم اجتماع اللغة, علم نفس اللغة, تطبيقات الذكاء الاصطناعي في فهم النصوص والكشف عن بنيتها الداخلية.

سابعًا: الدافع التربوي

          تلعب اللغة دورًا محوريًا في تحقيق الغايات الأربع لتربية عصر المعلومات, والتي صاغها تقرير اليونسكو (التعليم ذلك الكنز المكنون) على النحو التالي:

  • تعلم لتعرف.
  • تعلم لتعمل.
  • تعلم لتكون.
  • تعلم لتشارك الآخرين.

ثامنًا: الدافع الإعلامي

          تلعب اللغة دورًا أساسيا في منظومة الإعلام في جميع مجالاته: السياسية والثقافية والتعليمية, ويكاد المرء يزعم أن سلوك الجماعات اللغوية هو انعكاس مباشر لما يتلقونه من رسائل لغوية, من خلال وسائل الإعلام الجماهيري, وينشأ الدافع الإعلامي عن عوامل عدة, من أهمها:

  • النقلة النوعية التي أحدثها المتغير المعلوماتي في مفهوم الإعلام ليصبح تواصلاً, أي حوارًا إيجابيًا ذا اتجاهين, مما يبرز أهمية اللغة لكونها الوسيط الأساسي لهذا التواصل.
  • أصبحت اللغة من أشد الأسلحة الأيديولوجية ضراوة, وذلك بعد أن فرضت القوى السياسية, وقوى المال والتجارة سطوتها على أجهزة الإعلام الجماهيري, يتطلب ذلك تعزيز المجتمعات العربية بالدروع اللغوية اللازمة للصمود أمام ضراوة (القوى اللينة), ويقصد بها القوى الخارجية المتمثلة في مؤسسات الإعلام المتعددة الجنسيات, ومراكز الدراسات والبحوث الأجنبية, التي كثيرًا ما تولد معرفة لخدمة أغراض القوى السياسية والاقتصادية.
  • وأخيرًا وليس آخرًا, وعلى الصعيد المحلي, لقد أصبح من الضروري, إكساب الإنسان العربي الوعي اللغوي اللازم ليستطيع مقاومة القوى اللينة الداخلية المتمثلة في نظم الإعلام الموالية لسلطة الحكم, والتي كثيرًا ما تستخدم تكتيكات اللغة من أجل التضليل والتعتيم وإشاعة اللاعلمية والفكر الخرافي, ولاشك أن الوعي اللغوي للإنسان العربي هو من مطالب الارتقاء بالأداء الديمقراطي في المجتمعات العربية.

 

نبيل علي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات